قير تور

من أوراقي الخاصة

[ALIGN=CENTER]من أوراقي الخاصة[/ALIGN]قصة اليوم تتناول جانباً خاصاً من ماضي اسرة الكاتب وهي عبارة عن ترجمة قد لا تكون دقيقة لمثل شائع عند “دينكا نقوك” بأبيي، لكنها محاولة توثيق لأن اغلب القصص متوارثة شفاهياً واحياناً تجد أحدهم يتحدث دون ان يعرف اصل المثل.
في زمن كان الجدري يقتل الكثير من المصابين، لم يكن للدينكا صبر في البقاء بالمكان الذي تظهر فيه الاصابة لأول مرة. فما أن يظهر الوباء وإلا يبدأ القوم يهجرون المكان، وقد تصل الهجرة ترك المصاب وحده، ولذا فهناك مثل معناه عند الدينكا معناه يفيد (ايها الداء انزل بي فتعرّفني بمكانتي ومكانة من هم حولي)… اي حقيقة الناس لا تعرفها إلا وقت المرض.
في ذلك الوقت اصيب أخ شقيق للسيد اضار ياك هو شان بالجدري مما اصاب القوم بالهلع وتم اصدار قرار الرحيل فوراً، حتى لا يصيب الوباء بقية المحيطين… واسم شان عند الدينكا للتوأم المذكر فالانثى اشان والتوأم الآخر هو نقور وللأنثى انقير – الشلك يسمون نفس الاسماء فقط يتغير اسم الأنثى اشان إلى نيانشان، والمقطع (نيا ـ او نيانـ) يؤنث الإسم بمثل ما يفعل الصوت (ا) _ قرار الانسحاب لم يرق للسيد اضار ياك فقد قال لقومه بأنه ليس بالذي يترك شقيقه حتى لو ثمن ذلك الموت فالأفضل له البقاء معه ليعرف النهاية، وإذا مات شقيقه أو اصيب بدوره فهذا ما ليس له يد فيه. استغرق امر اقناعه فترة ليست قليلة، اقتنع الناس بأنه ليس مقتنعاً برايهم فذهبوا وتركوه يمارض شقيقه. لكن اضار لم يبق وحده مع اخيه فقد بقيت شقيقة لهما تدعي (كاوا) تكبر شان وتصغر اضار، وقالت بأن لا يمكنها ترك شقيقيها وحدهما فلن يكون برفقتهما فتاة تخدمهما، وبالتالي قد يموت أحدهما بالجوع.
طبعاً نهاية الفقرة اعلاه بحاجة لشرح موجز فللدينكا خاصة “نقوك” عادة الا يأكل الرجل الطعام الذي اعده أو حتى على الأقل الذي قدمه فقط فهذا عيب على الرجال. فتقديم واعداد الطعام من مهام النساء والأطفال (الاولاد غير المؤهلين بالشلوخ يعتبرون اطفالاً صغاراً وبالتالي فهم في مرتبة واحدة مع النساء). وكان أهم الأطعمة للرجال في ذلك الزمن هو اللبن، ولذا فالرجل لا يمكنه تناول الحليب الذي جلس بشأنه لحلب البقرة.
المهم بقيت كاوا مع اخويها اضار وشان حتى شفي شان بحمد الله، مع تماثل هذا للشفاء اصيب اضار بالوباء وكأنهما تبادلا الدور. ومع انصلاح حال شان كان اضار يزداد سوءاً، إلا ان الأول لم يبال بما فعل شقيقه تجاهه عندما كان مريضاً فقد قام بجمع الماشية وغادر تاركاً المريض وخالفته كاوا التي بقيت مع شقيقها. وعندما وصل القوم ويسأل عما حل باضار، كان يجيب بانه ميؤوس منه ولن يعيش اياماً قادمة، إلا أن شقيقه شفي بعده ولحق بالقوم.
عندما حضر اضار ووجد القوم متجمعين وهم يلتفون حوله مهنئونه بالشفاء لم يبال بهم بل قام بجمع كل الماشية وعزل نفسه من المكان الذي يوجد فيه شقيقه شان، وعندما يسأله الناس لماذا يفعل قال: (يا قومي، إن تحسن على البقر أفضل من الاحسان للبشر، فالحيوان لا يجحد بك، لكن الإنسان يخونك).
يبقى المثل كما دون ان اغير معناه، لكن ما لم ينصف الدينكا فيه ابطال القصة هو التعميم، فالأخ الشقيق لم يعط للشقيقة حقها وهذا ما يعكس ظلم الرجل للمرأة عندما لا يساويها في الحقوق مع الرجال عند الدينكا، فقد اخلصت كاوا!!!.

لويل كودو – السوداني
18 يناير 2010م

تعليق واحد

  1. اسمح لي بأن أبدي مدى شعوري لك بالشكر والإمتنان لما طرحته من قيم ودعوة للتحالف والتكاتف بين الأخوة والعشيرة وكافة المجتمع // لقد أثر في نفسي مقالك الجميل وقراءته اكثر من مرة لاستمتع بهذا السرد الممتع في الكتابة كما ذاد في حبي لكافة القبائل السودانية بصورة عامة وخاصة الجنوبية متمثلة في الدينكا وتمسكهم بتقاليدهم وعاداتهم الجميلة برغم بعض سلبياتها (مثل حق المرأة في المساواة كما ذكرت في المقال) ولكن عند ما نتمعن في قصة المثل نجد أن الأخت كاوا لم تجبر على البقاء مع شقيقيها بل كانت راضية بان العيش بدون أخوة وعائلة لا يسوى بل الأفضل ان تبقى معهم وهو دليل على ان الترابط العائلي بين الدينكا باقي للأبد.
    شكراً . ونحن بانتظار سردكم لمزيد من الأمثال من جنوبنا الحبيب.