حوارات ولقاءات

حوار مع مدمن مخدرات : جمال كارلوس يوجه رسائل التوبة والنصيحة – صورة

111201114253PM1

علامات الادمان واضحة عليه بنظراته الشاردة وصوته الأجش وشراهته المبالغ فيها في تدخين السجائر (الأحمر).. جاء بمحض ارادته لمقر الصحيفة وقال لي: هل تعرفني؟ أجبته: أجل اعرفك انت (جمال كارلوس) مروج المخدرات الشهير.. مرحباً بماذا اخدمك؟ قال: ارغب في ارسال رسائل للشباب عبر صحيفتكم (الرأي العام) للابتعاد عن طريق المخدرات والحبوب المخدرة التي انتشرت بكميات مهولة وسط طلاب الجامعات والثانويات.. قلت: تقصد انك ترغب في تسجيل اعترافاتك كمروج ومدمن للمخدرات؟ قال: أجل، بشرط ألا تحذف شيئاً مما سأقوله، خاصة نصائحي للشباب حتى لا يسقطوا في جحيم المخدرات وويلاتها.. انه (جمال عثمان علي الطيب) الشهير بـ (كارلوس).. اشهر مروج ومدمن مخدرات.. نغوص معه من خلال هذا الحوار في عالم الادمان.
…..
* سألته: من أنت؟
– أنا مدمن ومروج مخدرات لأكثر من عشرين عاماً، أي ان نصف عمري ضاع في تعاطي هذه السموم، فعمري الآن (44) سنة اسمي (جمال عثمان علي الطيب)، الشهير بـ (كارلوس).. والدي جعلي وأمي مصرية – تركية.. ولدت وترعرت بمنطقة الحماداب بالشجرة بالخرطوم.. كل حظي في التعليم الصف الأول ثانوي عالي، بعدها نلت دبلوم لحام معادن، الدرجة الثانية.. تزوجت ثلاث مرات، وزوجتي الأولى توفيت نهاية العام الماضي بمدينة الرنك، وهي من اصول دينكاوية هبانية رزقت منها بولد عمره الآن (24) سنة، ومن زوجتي الثانية لدى بنتان (6 – 8) سنوات، أما الثالثة فلم تنجب وطلقتها بعد عام واحد فقط من الزواج.
* متى وكيف دخلت عالم المخدرات؟
– تعلمت اولاً تدخين السجائر من السلة، وكنت وقتها يافعاً، ادرس بمدرسة الشجرة الابتدائية (4)، وكنا نختلط ببعض الشباب الأكبر منا سناً وكانوا يتعاطون البنقو فتأثرنا بهم واخذنا نقلدهم.
* كيف كان شعورك وانت تأخذ أول نفس من البنقو؟
– ذات مرة أصر على أحد افراد الشلة اخذ نفس من سيجارة بنقو كان يدخنها، فأخذتها تحت اصراره، فشعرت بخليط غريب من الاحاسيس المختلفة (سعادة – حس مرهف – ضحك).. ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة ادماني للمخدرات، كنت وقتها في الرابعة عشرة من عمري، بالثانوي العام.
* ومن أين كنت تحصل على ثمن المخدرات وانت طالب؟
– احياناً من مصروفي الخاص، واحياناً لا اتناول الافطار لاشتري بثمنه سيجارة بنقو، وعندما اجد قروشاً لشرائه كنت ابيع اي شيء بالمنزل – ملابس – ملاءات وكراسي وتلك كانت أولى اعراض الادمان.
* وما هي اعراض ادمان المخدرات؟
– المدمن يفعل أي شيء للحصول على جرعة المخدر، فالمدمن يسرق ويحتال، ويكذب، ويغش ويبيع كل ما تقع عليه عينيه وهذه صفات مشتركة بين كل المدمنين، ومن يعتقد خلاف ذلك فانه كاذب، او يكون جاء من كوكب آخر.
* كم سيجارة كنت تتعاطاها في اليوم؟
– كنت ادخن البنقو أكثر من السجائر في حدود (15) سيجارة بنقو يومياً.
* وكيف تحولت من مدمن الى مروج للمخدرات؟
– بسبب شراهتي المبالغ فيها للتعاطي، اذ كنت اتعاطى يومياً رأس بنقو لوحدي، اي في حدود (14 – 15) سيجارة، كما ذكرت لك، وحتى أوفر تكلفة التعاطي قررت دخول عالم الترويج لأضرب عصفورين بحجر واحد: توفير مزاجي، والكسب المادي من الترويج.
* من أين كنت تجلب المخدرات؟
– من المعلمين الكبار بام درمان.
* بأي وسيلة كنت تجلب المخدرات من أم درمان الى الشجرة؟
– بالمواصلات العامة.
* كم تشتري من المعلمين في كل مرة؟
– حوالي عشرة رءوس، ترتفع الكمية في رمضان والاعياد الى (20) رأساً.
* وهل ترتفع المبيعات خلال شهر رمضان المعظم أم تقل؟
– لا، ترتفع المبيعات فكثير من المتعاطين يصومون رمضان بالكامل وبعد الافطار يتجمعون لتعاطي المخدرات حتى السحور.
* ما اسلوب ترويجك للمخدرات؟
– كنت اتجول على الزبائن وابيع لهم داخل منازلهم، بعضهم يشتري رأساً كاملاً، والبعض (وزنة) أي سيجارتين ثلاثة واستمريت على هذا الحال سنوات حتى لاحظت والدتي – رحمها الله – ان القروش بدأت تجري في يدي وادركت انني اروج المخدرات فقالت لي: (ما عافيه منك اذا بعت البنقو)، فقررت ترك الترويج، انصياعاً لرغبة والدتي.
* ألم تداهمك شرطة المكافحة؟
– بالطبع، كانوا يشكون بي بعد ان اشتهرت وتوسع نطاق عملي، لكنني كنت حريصاً جداً، وفي احدى المرات أصبت بطلق ناري في رجلي بواسطة افراد المكافحة، وذلك في 1992/4/4م، وذلك اثناء هروبي من احدى الحملات إلاّ انهم القوا القبض علىّ بعد ثلاثة أيام، أي يوم 1992/4/7م، وحكم علىّ بالسجن ثلاث سنوات بسبب مقاومتي لأفراد شرطة المكافحة ولم يحكم علىّ بالحيازة حيث انهم لم يعثروا معي على مخدرات، وامضيتها بسجن كوبر، وبعد خروجي من السجن، ووفاة والدتي – رحمة الله عليها – عدت للترويج مرة اخرى متجولاً داخل منازل المدمنين، وكان عدم التزامي بالعهد الذي قطعته لوالدتي قبل وفاتها يؤرقني، ولذلك أصبحت استلم ثمن المخدرات من الزبائن ولا اسلمه لهم، قاصداً ذلك حتى يتوقفوا عن الشراء، بعدها توقفت نهائياً عن الترويج، لكنني أصبحت مدمناً درجة أولى.
* ألم تحاول الاقلاع عن التعاطي مثل ما توقفت عن الترويج؟
– صممت على عدم التعاطي، لكنني كنت اتوقف لأيام ثم اعود مرة أخرى.
* لماذا لم تلجأ لمراكز علاج المدمنين.
– عرضت نفسي من تلقاء نفسي بمستشفى التيجاني الماحي بأم درمان، وتلقيت علاجاً بواسطة البروفيسور صديق، والدكتور علي بلدو وامضيت شهراً تحت العلاج من الادمان وبعدها خرجت متوقفاً عن تعاطي المخدرات لمدة ثلاث سنوات كاملة وأصبحت اعمل في توعية الشباب وتبصيره بمخاطر المخدرات وخطورة ادمانها، من خلال مشاركتي لطبيب نفساني باذاعة مانقو.. ولكن رغم توقفي عن التعاطي إلاّ أن الماضي السييء لايزال يلاحقني.
* كيف؟
– ذات مرة كنت استقل احدى الحافلات بغرب الثورات، فداهمني رجال المكافحة داخل الحافلة وقاموا بتفتيشي معتقدين انني لا ازال اروج المخدرات، فعثروا على حبوب مهدئة في جيبي وقلت لهم انني صرفتها بواسطة طبيبة نفسانية كجزء من علاج الادمان، فلم يصدقوا وحولوني للقضاء بحيازة حبوب مخدرة، وتحاكمت بالسجن شهر.
* تريد القول إن الماضي لا يفارق المروج؟
– أجل فماضي المروج هو أسود، لايفارق المروج والمدمن، فالمجتمع لن يرحمك وينظر إليك من منظار الماضي، ويرفض الناس الحاقي بالعمل معهم، فذات مرة طلبت من احد ارباب العمل الحاقي معه فقال لي: لن يعمل معي مدمن مخدرات فقلت له: لقد اقلعت عنها.. فقال: (أنت لو غسلت الكعبة لن اثق بك) هكذا يعامل المجتمع المدمن، ولا ادري اذا كان لديه الحق في ذلك أم لا.
* هل عدت للتعاطي بسبب ذلك؟
– لو تصدق يا أستاذ انني قبل سنة ونصف قمت بفتح بلاغ في نفسي.
* كيف؟ ولماذا؟
– توجهت لإحد اقسام الشرطة بالمقرن وقلت لهم انني مدمن مخدرات وارغب في فتح بلاغ في نفسي حتى اتعالج من الادمان.
* وهل تم فتح البلاغ؟
– أجل، وتم التحري معي، وقرروا تحويلي للمصحة للعلاج من الادمان، وهناك طلبوا مني. تحاليل معملية بتكلفة (600) جنيه، ولذلك غادرت المصحة فوراً.. وفي احتفالات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في يونيو 2009م، أوضحت لاحدى الطبيبات النفسيات رغبتي في العلاج من الادمان واصطدامي بالتكلفة الباهظة، فانبري احد الاطباء وقال لي: (البتشرب بيهو البنقو والعرقي ده أمش اتعالج بيهو).
* هل كنت تبيع المخدرات للشباب والطلاب؟
– لا، يشهد الله انني لم ابع ولو سيجارة واحدة لاي طالب، بل كنت ازجرهم عندما يأتون للشراء، أو عندما ارى احدهم يتعاطاه، لكن وللأسف الشديد الشباب الآن في الجامعات أصبحوا يتعاطون حبوب (اكزول «5») وهي حبوب مهدئة تستخدم اصلاً لمرضى الصرع والطلاب للأسف، أصبحوا يتعاطونها بشراهة لاعتقادهم أنها تمنحهم الاحساس بالجرأة، والخطورة انها تباع الآن بطبالي السجائر بواسطة المروجين يبيعون الحبة الواحدة بجنيه، بينما سعرها في الصيدليات المائة حبة بمبلغ عشرين جنيهاً، ولقد انتشر تعاطيها وسط شباب الجامعات واشتهرت باسم (الخرشة).
* هل هناك طالبات يستخدمن الخرشة؟
– الطلاب عموماً يتعاطونها بكميات مهولة ومنهم للأسف طالبات جامعيات.. بجانب بعض الشباب، وهي تباع داخل اندية الفيديو، في وقت متأخر من الليل.. وللأسف هناك تلاميذ بالمرحلة الثانوية يتعاطون الحبوب المخدرة، وعلى الآباء الانتباه لهذا الخطر الذي يهدد مستقبل ابنائهم، حتى لا يتفاجأوا بان أبناءهم يدمنون الحبوب المخدرة.
* وكيف يعرف الاب ان ابنه يتعاطى المخدرات أو الخرشة؟
– إذا شك الاب في ابنه عليه تفحصه جيداً فاذا شاهد سواداً اسفل العينين فذلك يعني ان ابنه يتعاطى المخدرات او الحبوب المخدرة.. ومن الاعراض ايضاً الأكل الكثير، والقلق، واحمرار العينين، والاكتئاب، والانعزال واحمرار اسنان الفك الأسفل من الداخل، وتساقط الاسنان.
* هل اعراض تعاطي المخدرات والحبوب المخدرة مشتركة بين المدمنين؟
– أجل وهي اعراض (انسحابية).
* انت مدمن مخدرات.. فهل تنتابك هذه الاعراض الانسحابية؟
– أجل، كنت أحب الانعزال والبقاء لوحدي.
* هل يعرف ابناؤك انك مدمن ومروج مخدرات؟
– أجاب وهو يشعل سيجارته (الحمراء) الخامسة منذ بداية حواري معه؟ ابنائي يعرفون انني اتعاطى البنقو، لكنهم لايعرفون انني مروج.
* ألم يتأثروا نفسياً من مشاهدتك وانت تتعاطى المخدرات.. ألم يحاولوا تقليدك مثلاً؟
– لم يحاولوا تقليدي، ولو حاولوا لمنعتهم لأنني اعرف جيداً جحيم المخدرات وويلاتها.. فالاطباء الآن يتهمونني بسرطان المعدة بسبب المخدرات.
* انت مدمن مخدرات لسنوات طويلة، فهل تحدثنا عن حياة المدمنين وما يحسون به؟
– كل من يتعاطى المخدرات بأنواعها المختلفة يشك في زوجته، واخته، وصفة الشك تلازم كل المدمنين يشكون في اي شيء كما انهم يتمتعون بالخيال الواسع، ويعتقدون انهم ظرفاء خفيفي الظل، لكن ما يحسون به حالة مؤقتة، بل (وهم)، فهم في الحقيقة ينتحرون ببطء ويحترقون بالمخدرات.. ومن الصفات التي يشترك فيها كل المدمنين: الحسد والكذب، والشراسة والحقد على المجتمع ومحاولتهم اغراء الآخرين للتلوث معهم بالمخدرات، وارتكاب كل الموبقات من اجل الحصول على الجرعة فقد كنت استولى على الهدايا التي تحضرها زوجتي لطفلها وابيعها لشراء البنقو، بل بلغ بي الحال الى أكل البنقو اذا لم اجد سجائر، أو ورق اللف (برنسيس).
* لاحظت انك تدخن السجائر بشراهة مبالغ فيها، فخلال هذه المدة دخنت (7) سيجارات.. فهل ذلك يندرج تحت اعراض الادمان؟
– ادخن بشراهة لاقاوم الادمان فالاقلاع عنه شيء مؤلم، فاحياناً احس اني عاجز عن الصمود، ولا استطيع النوم، وتنتابني الهلاوس اذا غفوت قليلاً، كل ذلك لانني لم استمر في العلاج بالمصحة للتكلفة العالية التي طلبوها مني.
* بصفتك مدمن متمرس.. ما نصائحك للشباب حتى لا يسقطوا في جحيم المخدرات؟
– أي شاب يريد النجاح في حياته والعيش في سعادة، يتمتع بمستقبل باهر عليه تجنب المخدرات، خاصة ثبتت علمياً ان المخدرات عموماً تتسبب في ضمور المخ، خاصة البنقو السوداني، فهو قوى وفعال ويقود للادمان بسرعة أكثر من الهيروين.. كما اناشد وزارة الصحة ضرورة الاهتمام بالمدمنين وتأهيلهم بالمجان والحاقهم بالعمل حتى لايعودوا للادمان مرة اخرى.
* يقال من يتعاطى المخدرات انسان ضعيف، مهزوز الشخصية.. فهل انت كذلك؟
– هذا صحيح، كل انسان يلجأ للمخدرات انسان ضعيف الشخصية لأنه يهرب من مشاكله بالمخدرات ليعيش في عالم الوهم والخيال الكاذب واستغرب ان بعض الشباب عندما اسألهم: لماذا يتعاطون البنقو والحبوب يجيبون انهم واقعون في المشاكل، لكنني اؤكد من خلال تجربتي الطويلة في عالم الادمان ان المخدرات وهم كاذب، ولن تحل المشاكل، بل تؤزمها وتجلب مشاكل اخرى عديدة.. فانا الآن مصاب بسرطان المعدة بسبب المخدرات واقف عاجزاً عن معالجة نفسي، وضاعت حياتي، وضاع مستقبلي، وأصبحت منبوذاً من المجتمع، حتى ولو تعالجت من الادمان.
واقول للشباب، المخدرات في بدايتها تعطيك احساساً غريباً محبباً بالسعادة والنشاط، لكن نهايتها الموت البطئ والانسحاب من المجتمع.. فالادمان يبدأ بنصف حبة مخدرة ثم حبتين ثم شريط في اليوم واعرف شباباً يتعاطون (4 – 5) حبات دفعة واحدة فيصابون بهبوط في الدورة الدموية فيموتون وهم نيام.. واكرر، ان الاحباط والفوارق الطبقية، والعطالة والمشاكل ليست مبرراً اطلاقاً لتعاطي الشباب للمخدرات.. فاعرف شباباً مدمناً انخرطوا في الادمان بسبب اعتقادهم ان اخذ نفس من سيجارة بنقو يمنحهم الشجاعة والجرأة لحضور حفلات الزواج والتحدث مع الفتيات، وبالطبع هذا وهم كبير واعتقاد خاطئ، فالفتيات يتحاشين الشباب الذين يتعاطون المخدرات..
ختاماً: احذروا المخدرات و(الخرشة) فانها سوف تسلبكم أغلى جوهرة منحها الله للانسان، إلاّ وهي (العقل).

الراي العام
حوار وتصوير: التاج عثمان

تعليق واحد