وجدي الكردي

عثمان .. اللحظة دي


[ALIGN=CENTER]عثمان (اللحظة دي)..[/ALIGN] رغم أننا كلنا في الوجود وديعة و(غداً سأمضي عابراً في رحلتي)، إلا أن صديقي (عثمان اللحظة دي) كان يعطيك إنطباعاً بأنه لن يموت قبلك، عكس ما يعتقده الكثيرون، بأن الآخرين فقط هم الذين سيموتون، ولسنا نحن..!
ربما لأن الموتى (لايروُون القصص) ولا يحكُونها، ولأن بمقدورك وأنت الحي الشديد، أن تخرج من صيوان عزاء لآخر، تواسي هذا وهو مُمَدد في فراشه، و(شكلو حيموت بعد شوية كدة)، و(ترفع الفاتحة في داك)، قبل أن تجلس في زمرة المُعزّين و(تقطع فيهو شوية) بعد أن تلقي بسؤالك العبقري: (بالله قلت لي المرحوم كان عندو شنو)؟!.
أول مرّة أضبط فيها صديقي (عثمان) وهو يخطو نحو لقبه الذي لازمه طيلة حياته، يوم أن وقف بجواري وأنا (أشطٍّف) قدميّ عقب عودتي في فسحة الفطور من المدرسة الإبتدائية للبيت، سألني في براءة مستنداً على الماسورة قبل أن يشين سُمعتها (ناس الكورة)، سألني: (بتغسل كرعينك مالك)؟!
أجبته بأنني أفعل ذلك بإنتظام قبل تناول وجبة الإفطار.
هزّ رأسه ساخراً وقال: (غريبة، ليه، أصلو حتاكل بي كرعينك)؟!
من يومها صار زميلي في مدرسة (حلفا دغيم) الإبتدائية مدمناً لغسيل قدميه، لكنه زاد عليها بتأليف فرية لم يسبقها عليها أحد، كان يتوسط حلقة من التلاميذ ويقول لهم: (تعرفو في اللحظة البتكلم معاكم دي، في 6345 طالب قاعدين يغسلو كرعينهم في أنحاء العالم).
كان (عثمان اللحظة دي)، ينطق عبارة (أنحاء العالم) التي لازمته طويلاً بلكنة العلماء والعارفين. وحين عدت يوماً لوادي حلفا في عطلة دراسية، زُرت والدته الخالة رقية لأسأل عنه، فقالت: (عثمان سافر أمريكا بي طيارة الرٍوراي).
لعلها كانت تقصد أنه سافر عبر (اللوتري)، فقلت لها: (إنتي عثمان ده ليه قاعدين ينادوهو عثمان اللحظة دي يا خالة)؟!
ضحكت وقالت: (تعرف يا ولدي، عثمان ده من يومو مُشوطن، مرّة ناديتو وقلت ليهو يا عثمان يا ولدي تعال أمشي لي الدكان، الملعون وقف قدامي وقال لي يا يمة الدنيا نُص النهار، قلت ليهو يعني شنو، عادي الناس قاعدين يمشو الدكان في الوقت ده).
من بين دموعها تسللت إبتسامة شوق لولدها وهي تقول: (المطموس وقف ليك كده قدامي ورفع صباعو للشمس وقال لي: تعرفي يا يُمة، في اللحظة دي الشمس بتتعامد على راس الشفّع في نفس سكة دكان عبدالعظيم وبتعمل للواحد تعطيل لي خلايا مادة الرياضيات في المخ)..!
قالت الحاجة رقية انها: (لبعت عثمان في ضهرو) وطردته من أمامها، (وبعد داك يا ولدي عثمان شبكنا ليك اللحظة دي، اللحظة دي وما قدرنا ليهو كُلو كُلو)..!
إشتهر عثمان بمغالطاته التي لا أول لها ولا آخر، كبرت معه خزعبلاته في مراحله الدراسية كافة، يجمع حوله مجموعة من المنبهرين وهو يحكي ما تجود به رأسه المفلطحة: (تعرفو يا جماعة، في اللحظة دي البتكلم فيها معاكم، في 56845 رسالة حُب بتتكتب للبنات في أنحاء العالم، 4567 منها بتكون في ورق فلسكاب والباقي في ورق أبيض، 3454 بت بتستجيب للرسالة وترد عليها والباقيات بطنشن)..!
لو أن عثماناً درس الجامعة، لكان نجماً لا يبارى في أركان النقاش بمزاعم (اللحظة دي)، لكنه قضى عمره القصير في مجموعة من المهن لم تستطع إستيعاب إختراعات (اللحظة دي)، فغادر للقاهرة قبل ان يغوص منها في مجاهل أمريكا.
لا أعرف لماذا تذكرت عثمان أمس وأنا إستمع لإحدى إذاعات (الأف أم) وهي تستعرض نشرتها العلمية الغريبة من شاكلة: (قال علماء أمس أن تناول قطعة من الجهة الشرقية لصدر فراخ يتيم أبوهو كان معرس بت عم أمو، يزيد من ذكاء الأطفال اللذين ولدتهم أمهاتهم في فصل الشتاء والمطرة نازلة).
وقتها، تذكرت صديقي (عثمان اللحظة دي)، وإنحدرت مني دمعة بعد سمعت بأنه سقط من أعلى بناية في ولاية فلوريدا ومات.
لعله كان يقول وهو في طريقه للأرض: (تعرف يا عثمان في اللحظة دي، في 3454672 زول حيبكو عليك).
أنا منهم يا عثمان.

آخر الحكي – صحيفة حكايات
wagddi@hotmail.com


تعليق واحد

  1. تري هل هي قصة حقيقية أم خيالية وفي الحالتين نزلت مني دمعة مثل تلك التي تحدرت من عينك ذلك أن أقسي أنواع الموت موت الغريب عن دياره وأهله ( ي يموت بي شوقو ليهم وشوقهم ليه ) .. في اللحظة دي أترحم علي عثمان وأسأل الله له المغفرة والرضوان .

  2. شنو ياوجدي انت بتتكلم شفرات عليكم الله خليكم من القصص الضاربة والونسة العادية احنا عاوزين كتابات ليها مضمون وافكار جديدة عشان ملينا من كلام الونسة
    ولك مني التحية والتقدير

  3. جميل..
    جميل يا وجدي يا كردي..
    جميلة هي زاوية (شوف) عثمان.. وجميلة (زاوية) رثائك لصديقك..
    لا أراك الله مكروها في عزيز

  4. ماأحلى الونسة على ورقة جريدة أو على سطح شاشة بلورية تداعب أناملك معها حروف الكيبورد وتحرك بالماوس ,, وياميم عليك الله ماتخرب لينا مزاجنا خلى الكردى دا يبحر ويتحفنا شوية ويمرقنا من كلمات ساس يسوس سوسا دى ونحن فى البلد البعيدة واليوم يمر زى السنة ,, دايرين نتسلى بهذه الدرر اللطيفة .. وكتر ألف خيرك ياكردى واصل بدون فاصل عليك الله !!!

  5. في اللحظة دي ياوجدي أدعو للفقيد بالرحمة في كل لحظة