أقدم برلمانى مصرى: الشرطة كانت تحمى المتظاهرين فى عهد “فاروق” والأمن المركزى مصيبة حلت بالمصريين.. وعبد الناصر دبر حادث المنشية للتخلص من الإخوان والسادات كان فاكر نفسه “خديوى”
– تركك لجهاز أمن الدولة أيام عبد الناصر قد يراه البعض قرارا غير مدروس نظرا لميزات الضباط فى هذه الفترة؟
أنا خرجت من جهاز أمن الدولة برتبة “صاغ” أى رائد فى الوقت الحالى، وكان عمرى 31 سنة وهذا كان بقرار جمهورى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رقم 540 من أجل الترشيح لمجلس الأمة، ومنحنى أكبر معاش وخضت الانتخابات ودخلت مجلس الأمة فى سنة 1957، و كنت وكيل لجنة الأمن القومى.
– وكيف كان يدار جهاز أمن الدولة فى هذه الفترة؟
عندما كنت فى الخدمة كان وزير الداخلية زكريا محيى الدين، وخلال هذه الفترة كرهت أمن الدولة بشدة بسبب التجاوزات التى كانت تحدث من اعتقالات وتأميم ثروات وممتلكات وعزل سياسي، لذلك لم أكمل الخدمة فى هذا الجهاز رغم أننى كنت ناجح والقضايا التى أنجزتها كانت تدرس فى كلية الحقوق، وكنت ساخط جدا عندما تركت المباحث الجنائية، ونقلت من الإسكندرية إلى القاهرة للعمل فى أمن الدولة، كانت أغلب الاعتقالات تتم ضد جماعة الإخوان المسلمين فهم كانوا مختلفين مع عبد الناصر، وأنا كنت شاهد عيان على حادث المنشية فى الإسكندرية، كنت وقتها فى المباحث الجنائية ورأيت الشخص الذى أطلق الرصاص على عبد الناصر، والحقيقة أن الطلقات الأولى أطلقت إلى أعلى فى الهواء، لكن عبد الناصر سقط للخلف والحقيقة أن عبد الناصر لم يكن مقصودا بهذه الطلقات، لكنه الرصاص بعد ذلك أصاب أحد المحامين المتواجدين بجوار عبد الناصر وأنا أؤكد أن حادث المنشية مدبر من عبد الناصر لوضع الإخوان فى المعتقلات.
– هل يوجد خلاف بين عمل جهاز أمن الدولة أيام عبد الناصر والآن؟
سأذكر لك واقعة حدثت معى، طلب منى القبض على أحد أفراد جماعة الإخوان فى منطقة بعد إمبابة، بعيدة عن العمران وعندما دخلت منزل الرجل وجدت حوالى 12 من أبنائه ينامون على حصيرة وهو جالس “مقرفص” ويضع فوقهم قطعة من الخيش فى عز الشتاء، فأشفقت على الرجل قلت له بلدك أيه، قال لى إنه من دمنهور، فقلت له اذهب إلى بلدك لأنه سيتم القبض عليك، وتركته ولم أقبض عليه، وعندما جاءت فرصة الترشح لمجلس الأمة تركت أمن الدولة لأنه جهاز قمعى منذ تأسيسه ولم يتغير حتى الآن، وأعتقد أن هذا لا يحدث الآن.
– البعض يطالب الآن بإلغاء جهاز أمن الدولة بعد نجاح ثورة 25 يناير؟
من الممكن أن تمنح بعض اختصاصات جهاز أمن الدولة لهيئة الرقابة الإدارية فهى جهة مشهود لها بالكفاءة والاحترام، لأن جهاز أمن الدولة له مهام أخرى “غير الشر” فهو يقوم بالتحرى عن أشخاص سيتم توليهم مناصب مهمة مثل الوزراء أو القضاة أو النيابة لكن ليس من المعقول أن يقول أمن الدولة رأيه فى مسألة تعيين “غفير “.
– عندما كنت فى الخدمة هل كانت الداخلية تهتم بقطاع الأمن المركزى بنفس الطريقة التى رأيناها فى عهد مبارك؟
لا فى البداية لم تكن هناك قوات أمن مركزى، كانت فى أقسام الشرطة القوات العادية، لكن عبد الناصر هو الذى أنشأ الأمن المركزى لحمايته بعد ذلك، والأمن المركزى هو الذى استطاع حماية النظام طوال هذه الفترة الطويلة منذ أيام عبد الناصر حتى نهاية عهد الرئيس مبارك وعندما انهار الأمن المركزى النظام انهار، وأذكر لك أنه عندما كانت تخرج مظاهرات ضد الملك فاروق، الجيش رفض ضرب الشعب، والشرطة أيضا رفضت ضرب الشعب وقمنا بعمل إضراب وكانت الناس تهتف ضد الملك ونحن نقوم بحراستها.
– بماذا تفسر قيام الشرطة بضرب المتظاهرين بالرصاص الحى فى عهد مبارك بينما تولت الشرطة حمايتهم فى عهد الملك؟
وزير الداخلية أيام الملك كان رجلا سياسيا وبعد الثورة كان وزير الداخلية أحد ضباط الثورة، يضاف لذلك أن أى وزير داخلية فى عهد عبد الناصر ومن قبله الملك لم يكن يستمر أكثر من أربع سنوات، بينما حبيب العادلى استمر وزيرا للداخلية حوالى 14 سنة وكان من الممكن أن يستمر، وأكبر مصيبة حدثت فى مصر هى الأمن المركزى، لأن ولائه لوزير الداخلية وهدفه حماية النظام لذلك يقوم بضرب الشعب والتعدى عليه.
– ما سبب توتر العلاقة بين الداخلية والمواطنين فى رأيك؟
زمان كان ضباط الشرطة يتعامل بطريقة محترمة مع المواطن لكن الآن قد ترى ضابطا صغيرا يتحدث مع المواطن بطريقة غير محترمة بها نوع من التكبر والتعالى، والضباط السيئون هم الذين أساءوا لجهاز الشرطة وللداخلية، والآن يوجد ما يقرب من 40 ألف ضابط، بينهم “الكويس والوحش”، عندما كنت فى الخدمة فى الإسكندرية كان يوجد ضابط واحد”وحش” فى المحافظة وكان معروفا بالاسم، والآن فى مديرية كاملة قد تجد ضابطا واحدا “كويس”، وإعادة العلاقة بين الشرطة والشعب مرة أخرى يتطلب عمل ندوات مشتركة بين قيادات الشرطة والمفكرين وشباب 25 يناير لإصلاح العلاقة بين الشعب والشرطة بشكل ودى لأن العنف لن يقيم علاقة سليمة.
-هل الالتحاق بكلية الشرطة كان عن طريق المجموع أم أن “الواسطة” كان العامل الحاسم كما يحدث الآن؟
لا،لم يكن دخول كلية الشرطة بالمجموع ولكنها كانت بالواسطة بنسبة 100%، لكن كان يتم الانتقاء، لذلك لم تكن ترى ضابط شرطة “يقل أدبه” على أى مواطن بعكس ما أراه الآن من الضباط الصغار.
-هل كان مجلس الأمة فى عهد عبد الناصر يمارس دورا تشريعيا حقيقيا؟
كان المجلس يمارس مهامه بشكل جيد لكن حدثت بعض الوقائع، مثل موضوع مجدى حسنين المسئول عن تنفيذ مشروع مديرية التحرير، حيث حصل على 12 مليون جنيه للمشروع، وعبد الناصر بحكم كونه عسكرى لم يكن يريد أن يسىء أحد لصورة الجيش أو يتكلم عن السلطة، لكن فوجئنا برئيس المجلس عبد اللطيف البغدادى يقول إن مجدى حسنين حصل على 12 مليون جنيه لمديرية التحرير ولم يصرف منها بالفعل سوى 5 ملايين فقط، وأنه يجب محاكمته وأننا كضباط قمنا بالثورة جميعاً ولا يجب أن نترك عبد الناصر يأخذ الرأى منفردا، ولا يجب أن يكون ديكتاتورا علينا، زكريا محيى الدين وكمال الدين حسين قالوا إن الجلسة ستكون سرية وأخرجوا الصحفيين والمحافظين، ثم انفرد زكريا محيى الدين وكمال الدين حسين بعبد اللطيف البغدادى فى غرفة رئيس مجلس الأمة واتفقوا على الذهاب لعبد الناصر، وإذا اتفقوا مع عبد الناصر سيقومون بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق مكونة من 10 أعضاء وبعد شهر تقريبا، سأل البغدادى أحد أعضاء اللجنة اسمه زكريا لطفى جمعة فقال له إن اللجنة اجتمعت وأن مبلغ الـ12 مليون تم صرفه بالكامل على المشروع، وفى هذه اللحظة أخرج البغدادى ورقة من جيبه فيها أسماء أعضاء اللجنة، وقال إن العضو الفلانى تم تعيينه مستشارا بالمشروع بتاريخ كذا، والعضو الفلانى معين مستشارا بالمشروع بتاريخ كذا، وتبين أن كل الأعضاء معينين كمستشارين بالمشروع من قبل مجدى حسنين الذى يعتبر رجل عبد الناصر، لذلك غضب عبد الناصر مما فعله عبد اللطيف البغدادى.
– أليس غريبا أن يكون أغلب أعضاء هذا المجلس من الأعيان وأبناء العائلات؟
أول برلمان بعد الثورة تشكل سنة 1957 كانت انتخابات حرة ونزيهة جدا ولم يتدخل فيها عبد الناصر، وتمت بدون إشراف قضائى ولم يحدث بها أى تزوير، وعبد الناصر لم يكن راضيا عن هذا المجلس حيث كانت له اتجاهات أخرى، ثم حدثت الوحدة بين مصر وسوريا وحدث أن سافرت مع عبد الناصر ضمن أعضاء مجلس الأمة إلى سوريا ورأيت مدى حب السوريين لعبد الناصر عندما رفعوا سيارته بأيديهم، ثم بدأ المحيطيون به يحدثونه عن وجود مؤامرات تحاك ضده من بعض الضباط، فبدأ عبد الناصر فى الحديث عن الاشتراكية والتهديد بعمليات العزل وهى وقائع كاذبة ولم تكن حقيقية، كما أنه رفض كلام خالد محمد خالد عن الديمقراطية، فشكل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية، ثم تشكل المجلس المشترك بين مصر وسوريا وأنا كنت عضوا فى هذا المجلس الذى كان يرأسه أنور السادات بعد رحيل البغدادى بعد خلافاته مع عبد الناصر، السادات كان “فاكر نفسه خديوى” ولم يكن يعترف بالاشتراكية “كان ملك تانى خالص وكان دماغ كبير” لكنه لم يكن فى وطنية عبد الناصر، وكانت تحدث خلافات بينه وبين النواب، وأول خلاف بينى وبينه عندما تقدمت لعضوية لجنتى الأمن القومى واللجنة الاقتصادية، ثم فوجئت برفض عضويتى فى اللجنة الاقتصادية، فقلت له سيادتك وافقت على وضعى فى لجنة الأمن القومى فقط، وأنا تقدمت بطلب آخر لعضوية اللجنة الاقتصادية، قال لى أنت ضابط شرطة وأنت أصبحت وكيل للجنة الأمن القومى ولا تصلح للجنة الاقتصادية، فقلت له أنا معى ليسانس حقوق ودراسات عليا فى الاقتصاد، وفى النهاية وافق على عضويتى فى اللجنة الاقتصادية.
اليوم السابع