منوعات

السكن في الشقق.. ثقافة اجتماعية جديدة..!!


[JUSTIFY]عندما تقترب من منزل سوداني (موديل جالوص أو طوب أحمر)، وتطرق الباب.. مثنى وثلاث ربما، يقابلك (الزول).. اتفضل..!! وانت تدخل بقدمك اليمنى، تحس بفناء رحب، يغسل عنك وحشة التوجس، ويقودك إلى عنوان جديد (الحوش الكبير)، ليقول لك: أهلاً حبابك..
فالحوش أحد المفردات السودانية التي لازمت البيت السوداني، ومازال (يعافر) إلى الآن ضمن أدبيات المعمار السوداني الجديدة.. و(الحيشان) تعد من الأجزاء بالغة الأهمية في الوجدان السوداني، فلابد أن يكون واسعاً يعكس روح المودة، ويترجم الراحة الأليفة للأهل والضيوف، ففي (العصرية) يتم كنسه، ورشه (بالخرطوش)، لزوم (الهمبريب)، وحينما (تبرد الواطة)، وتبدأ الونسة وشاي المغربية وبدء ترنيمة (المضيفة).
لكن مع الطفرة الاقتصادية التي يمر بها السودان، انتشرت ظاهرة عقارية جديدة في العاصمة وبعض الأقاليم، وهي قيام الأبراج السكنية، ولا يطيق السودانيون سكن الشقق مهما كانت فاخرة، غير أن عوامل (لوجستية)، اضافة إلى الطفرة المعمارية والعقارية شجعتهم على التحول من سكن المنازل إلى الشقق العالية.. فقد كان للمغتربين السودانيين في الخليج دور بارز في ظهور (ثقافة الشقق) فهم كانوا هنالك يسكنون في شقق سكنية وأضحت (بفعلهم) اليوم عادة طبيعية لديهم عند عودتهم للوطن، وهم في الأساس، الفئات التي مهدت لبقية السكان، المرور على هذه الثقافة عبر العمارات، وال?لل والأبراج السكنية..
جاء هؤلاء كما يقول خبير علم الاجتماع د. محمد يحيى وحملوا معهم أدبيات جديدة، فقد كان اتساع المنزل السوداني، يعد مدخلاً تقليدياً في إلفة الاستضافة، وبفعل (ضيق مساحة الشقق)، تبدلت مسوغات الاستضافة، إلى الزيارات (التيك أوي)، وفي ذلك يقول الشاعر سيد أحمد الحردلو:
نحن العاج.. نحن الصاج
نحن البوش نحن الحوش
نحن بيوتنا مفتوحات مساء وصباح
ونحن وشوشنا مطروحات
مساء وصباح
تقول نائلة: (فور وصولي من الخارج، أحببت أن أعيش في شقة صغيرة، دافئة، مليئة بالحميمية والحب)، وتقاسمها الأمنيات بالعيش في الشقق رانيا التي قالت:(أنا لا أحب السكن في البيت الواسع لعدة أسباب، أهمها الخصوصية، أحب البيت الذي يخلو من الدوشة وعدم النظام).. أما خالد فهو لا يسكن في شقة لكنه يتمناها: (أنا متعود على السكن في البيت الماهل، وأرتاح هناك كثيراً، ولكن أريد تجريب السكن في الشقق.. شكلو مريح)..
تماضر لا تحب الشقق وتقول: (أنا أختنق في الأماكن الضيقة، أحب البيت الذي تنيره الشمس، وأكره الشقق لانها تشعرني بالعزلة)..
هكذا (تنافرت) مقولات البعض حول الشقق، فحالة الجماعية الوجدانية لدى السودانيين تعتبر بمثابة ناقوس لحالة الترابط والتكاتف الاجتماعي، وان تباينت وجهات النظر حولها، وتذكر اختصاصية علم النفس د. آسيا مصطفى انه في أدبيات المجتمع الشعبي تجسيد لقيم الترابط والمحافظة على البناء الثقافي للسكن، كما تشيع جواً من الرضا والسعادة بين الأفراد في العديد من المناسبات الخاصة التي تعم حياة الجماعة، فالمضامين الاجتماعية والأعراف السائدة شكلت بدورها الاطار الاجتماعي لكليات الأسرة، مما ينم عن اعتزاز الأسرة السودانية القديمة بموروثاتها الثقافية. وهناك جانب سالب للشقق سجلتها مضابط الشرطة لكونها أصبحت مرتعاً لسلوكيات «معيبة» في الشقق المفروشة.
[/JUSTIFY]

الراي العام