حوارات ولقاءات

المخرجة السودانية … تغريد السنهورى .. تحكى قصة الوطن الكبير عبر مهرجان دبي السينمائي


عندما أضيئت الأنوار فى الصالة السينمائية معلنة للجمهور إنتهاء وقت الدهشة كانت تلك لم تزل تتشبث بالوجوه بعد ولم تغادر وإن انتقلت بشكل تلقائى الى الأكف التى صارت تتضارب مع بعضها فى تصفيق حار . فتطاولت بعنقى من المقاعد الخلفية لأرى بوضوح تلك السمراء التى راحت تتلقى كل هده التهانى من جمهور صالة الأمارت مول حيث يعرض فلمها الوثائقى (سوداننا الحبيب ) ضمن مجموعة من الأعمال المشاركة فى مهرجان دبى السينمائى والمنافس على مسابقة المهر العربى للأفلام الوثائقية . هى المخرجة السودانية تغريد السنهورى وهى أيضا المدير الفنى لمشروع الشفاء الثقافى الذى يموله الإتحاد الأروبى ولها أفلام وثائقية منها (كل شئ عن دارفور ) و(أم مجهولة ) و(أطفال المايقوما ) وهو وثائقى قصير من إنتاج قناة الجزيرة .لست هنا بصدد الحديث عن الفلم والذى راحت مخرجته تضغط على الأوجاع فينا كأنها آس يجس عليلا بل لأحاورالمخرجة السودانية الشابه تغريد السنهورى والتى عاشت حياتها فى بريطانيا وعملت قرابة الثمان سنوات بقناة ال mbc وجاءت الى السودان لتخرج لنا أفلاماً وثائقية فيها الكثير من الحقيقة والشفافية والألم وبدون مقدمات ألقيت اليها بسؤالى
عشت ببريطانيا وزرت السودان فى السنوات الأخيرة وأنجزت فى فترة وجيزة أربع أفلام وثائقية عن السودان كيف أمكنك هذا ؟
عشت بعيداً عن السودان ولكنى لم أنقطع عنه فقد كان معى عبر والدى ووالدتى والأهل الذين ظلوا يرسموا لى الواقع الوردى الجميل عن السودان وحياة الناس هناك و…و…ثم بدأت أستكشف وأعرف عن السودان وأكتشفت أن العالم الوردى الجميل كان مبالغاً فيه وأن هناك حروب ومآسى وآلام وهناك قصص ومشاعر إنسانية أكبر من أن تحكى وفى السودان هناك الكثير مما يجب أن يحكى عنه وبالفعل خضت هذه التجربة فى عام 2004 وخلالها أخرجت فيلم ( كل شئ عن دارفور ) والذى حقق نجاحاً فنياً كبيراً بعدها أخرجت فيلماً وثائقياً لقناة الجزيرة بعنوان (أطفال المايقوما ) ثم فيلم (أم مجهولة ) بعدها قررت أن أحكى قصة الوطن الكبير فى رحلته الى الإنفصال هذا الحدث التاريخى الذى سيغير من شكل وخارطة السودان الحديث
كيف إستطعت إختصار كل التعقيدات السياسية والإجتماعية والإنسانية فى ساعة زمن ؟
بالطبع لم يكن ذلك سهلاً فقصة فيلم (سوداننا ) الحبيب بدأتها فى العام 2009 وفشلت وبدأت وفشلت الى أن جاءت الإنتخابات وبعدها الإستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان ووضح لى جلياً معالم الإنفصال القادم مع الإستفتاء وبدأ واضحاً أن الإستفتاء هو القطار الذى يتحرك نحو الإنفصال وليس الوحدة .
دراستك الأكاديمية بعيدة عن الإخراج وعالم السينما فما الذى دفعك الى هدا المجال ؟
الصدفة وحدها هى التى منعتنى من دراسة الإخراج وقد درست إاللغة الانجليزىة وعلم إجتماع ببريطانيا ولكن لدى روح الإبداع وأنا مؤمنة تماماً بضرورة صقل الموهبة والعلم وفى خططى المستقبلية دراسة الإخراج والدخول الى هذا العالم من باب العلم والذى دفعنى الى عالم الإخراج هو أنى ايضا من هذا البلد وأنتمى اليه فما الغريب فى أن أحكى عنه أنا من هذا النسيج الإنسانى الدى يتفاعل مع الأحداث من حوله ويرويها بالكاميرا والصوت ، فى بعض الأحيان تجد أن هناك حقوقاً تنتزع منك وأنت فى بلدك ينتزع منك حق المواطنه وانت تريد أن تحكى عن هذا ، أنا عشت ببريطانيا ولدى فيها حق المواطنه فهو بلدى الذى عشت فيه طفولتى واحبه تماما كما أحب السودان ولكنى كنت أحس بأنى أقلية وعلى الرغم من أن بريطانيا تحترم حقوق الأقلية وهناك قانون يعطى الأقلية حقوقهم . بريطانيا هى وطنى الثانى ومن هنا بدأ إحساسى بمعنى أن تفقد وطنا وبدأ يتشكل فى داخلى إحساس الفنان الدى يتأثر بالأحداث من حوله ويجد رغبة قوية فى روايتها وتصويرها.
إنتاج هذه الأفلام مكلف جداً ماهى مصادر تمويلك لهذه الأفلام ؟
هناك برنامج للمفوضية الأوربية هو (برنامج السلام) وقد قدمت من خلال هذا البرنامج بأن أعمل فيلما وثائقيا عن السودان ولكن الفلم الذى أخرجته لم يكن هو الفيلم الذى طلبت له الدعم أنا تمردت تماما لأن الفكرة التى طلبت الدعم من أجلها فشلت تماماً. أردت برنامجا عن السلام فاذا بقضية الانفصال تطرأ على الساحة وهناك بعض الافلام انتجتها بنفسى ولم أحسبها بالربح و الخسارة أو حتى الشهرة أعمالى من أجل الانسانية والفن وهى مسئولية أحس بها
هل كان سهلا عليك وأنت من شمال السودان أن تحكى قصة جنوب السودان ؟
فى بداية الأمر واجهت صعوبات حيث أنى لم أستطع أن أدخل حياة اُسر جنوبية وأنا أردت أن أنقل شعور أهل جنوب السودان فى اللحظات الأخيرة حيال تمزق الوطن الواحد من خلال قصة إنسانية ، ولم أستطع فى البداية حيث أن الثقة معدومة بين الشماليين والجنوبيين ما صعّب علىّ الأمر كثيراً حتى إلتقيت (أميرة ) بطلة فيلمى (سوداننا الحبيب ) وما قرّب المسافة بينى وبينها أن والد (أميرة ) من الشمال وأمها جنوبية وهى من أسرة مسلمة تنازعها الدين والعرق واللون وكان هناك جسراً من الثقة علىّ أن أبنيه بينى وبينها وهذا الجسر كان يجب أن يُبنى فى كل الوطن .
تحدثت فى الفيلم وبوضوح عن هذه الثقة المفقودة من خلا ل حكاية أميرة .هل خدمت الفكرة النص؟
عدم الثقة فى الجانب الآخر غالباً ما تظهر لدى الطرف الأضعف والمهضوم وكما شاهدت فى الفلم فالحاجة (مدينة ) زوجة أب أميرة بطلة الفلم شمالية عربية تطلب الغفران بروح طيبة ولكن الأصعب من طلب الغفران هو أن تغفر فعلاً وأميرة لم تسطع أن تغفر لجدتها سوء معاملتها وسيظل الأنسان حبيس لهذا الإضهاد ولن ينساه …تقول تغريد مستطردة : أنا أعرف هذا الشعور وقد عايشته ببريطانيا فقد عشت ضيفة فى بلد كان المفروض أن أكون فيه مواطنة ولى حقوقى التى يجب أن أسعى لإنتزاعها ، فى بريطانيا هناك جهات تهتم بحقوق الاقليات وهناك قوانين تنصف الاقليات التى يسعى بعضهم لإنتزاعها منك وهناك مساحة من الحرية واكتسبت فى بريطانيا الإحساس بأنى أقلية على الرغم من انى فى بريطانيا اعيش حرية كاملة كمسلمة وأعرف أن أصدقائى من الإنجليز لم يتفهموا كمية الغضب بداخلى فحقوق مواطنتى مهضومة …وهو غضب وليس حقد وأنا أسمع كثيراً من الشماليين يتحدثون على أن الجنوبيون حاقدون وهو غضب وليس حقد
إذن الفيلم هو إنعكاس لما عانيته فى بريطانيا أليس هذا نقل لتجربتك الشخصية ؟
المخرج يلتقط الأحداث التى من حوله من خلال التجربه والمشاهدة ، والواقع والكاميرا هى العين التى ترصد كل ذلك. وتجربتى فى السودان هى أنى (تغريد السنهورى ) الفتاة الشمالية التى تفتح لها كل الأبواب لأنها فى وطنها شمال السودان والتى تنادى دائما من قبل المسئولين (يا بنتنا ) لأن لون بشرتى أفتح قليلا ولم تُعامل بطلة فلمى القادمة من الجنوب كما عوملت. وتلك التى روت قصتها فى مسألة التوظيف عندما طلب منها المسئول أن تبقى خارجا وهى قصص لواقع حقيقى حدث فعلا وبدون تدخل فى النص السردى ومن خلال سرد بطلة الفلم تراءت لى تجربتى ، أحسست بأن هذه الفتاة فى السودان هى أنا فى بريطانيا على الرغم من مساحة الحرية التى وفرت لى فى بريطانيا وحرمت منها بطلة فيلمى فى السودان والذى هو وطنها ولكن تغريد السودانية الشمالية وجدت كل الثقة أما بطلة فيلمى السودانية الجنوبية فعاملوها على اساس العرق واللون
كأنما أردت إبلاغنا بأن الإنفصال ربما يكون جزء من الحل ؟
كلنا لا يستطيع تحديد هذا الآن التاريخ هو من يحدد ذلك .ما أردت إرساله من رسائل ليس هو تحديد الحل المناسب بل هو التعلم من التاريخ ولن نستطيع أن نعرف ذلك حتى فى الجيل القادم .
هل ستحصرين أعمالك الإخراجية فى الأفلام الوثائقية فقط أم هناك أتجاه آخرلأنواع أخرى ؟
بدأت بالأفلام الوثائقية وطالما هو عمل يستهوينى على أن أتقنه ، أنا الآن فى مرحلة التجويد وأصعد الخطوات الى أعلى فى هذا المجال وربما تراجعت خطوتين الى الوراء لأصعد ثلاث الى أعلى وأنا الآن فى مرحلة الاعداد لعمل ضخم سأكون فخورة به ويجب أن تكون لى الأمكانات التى تؤهلنى لأنتاج وإخراج عمل كهذا وفى السودان مازالت الأعمال من هذا النوع فى بداياتها .
هل إطلعت على منتوج هذا النوع من الأفلام الوثائقية فى السودان ؟
نعم
هناك أفلام وثائقية سودانية كثيرة حازت على جوائز أقليمية ومحلية وعربية ؟
أنا أطمح فى تحقيق نجاح عالمى …أصبح سوق الأعلام والأفلام عالمياً وأريد أن أخاطب السودان داخليا وأخاطب العرب والعالم
شاهدنا فى الفيلم تحاملاًعلى الشمال ولوماً على الجنوب ومشاهد إنسانية فيها الكثير من التناقض هل العمل على كل هذه الألوان كان مقصودا ؟
أنا أحب السودان والسودانيين ، أحبه حتى بأخطاء ساسته وأأمل فى تصحيحها ، أحبه لذا إتحدث عنه بكل شفافية ووضوح هذا دورى كمخرجة أن لا أغفل بعض الجوانب وأتحدث عن عنصرية السودان وعن إنسانيته وأغضب عندما يغفل غيرى من المخرجين الأجانب والذين تناولوا القضايا السودانية فى تقاريرهم وأفلامهم الجانب الإنسانى لدى الشعب السودانى ويجردونه من إنسانيته وفى هذا تجنى غير مقبول وكان نتاج ذلك أن نظر إلينا العالم كشعب عربى عنصرى يضطهد الأفارقة وتناسوا أننا أفارقة ايضا ، وأننا نقتل ونحرق ونغتصب، لذا علينا أن نخاطب العالم بلغتهم التى يفهمونها ويتاثرون بها ، ولغة العالم التى يفهمهما جيدا ويتأثر بها هى لغة السينما والمشاهد المصورة
وهل فشل المخرجون السودانيون فى إظهار ذلك للعالم من حولهم ؟
الأعمال المقدمة قليلة لا ترقى لمستوى الأحداث العاصفة التى يمر بها السودان وليست بذاك العمق من التناول الفنى ولا ترقى لمستوى الكثير من الذى يجب أن يُحكى علينا أن نطرق الساحة وألا يكون هناك خوف ويجب أن يفتح لنا الباب من الداخل أولاً والمساحة التى تتيح لنا حرية التعبير ولا أقصد تلك المساحة التى تتيح لنا إظهار العقيدة السياسية بل بفرض هويتنا وآراءنا كفنانين حتى وإن كانت جريئة ومهاجمة ومعارضة فعلى الدولة أن تدعم وبجد… صدقنى الإعلام أصبح هو السلاح الأقوى الآن .
حدثينا عن بعض أفلامك الوثائقية التى تناولت القضايا السودانية التى وصفتها بالمتشعبه ؟
شاركت بأربعة أفلام وثائقية عن السودان خارج السودان أولها كان فيلم (كل شئ عن دارفور ) يتحدث عن العلاقة بين العرب والأفارقة وطرحت فيه قصة معقدة انسانياً كانت عبارة عن رحلة إستكشافية فى حياة النازحين ومشاهدات إنسانية عن القتال والعنف والحروب بوجهة نظر محايدة فى وقت كان كل العالم يتحدث عن وجود إبادة جماعية فى دارفور يقوم بها العرب ضد الأفارقة وقد خدم الفيلم القضية السودانية كثيرا والثانى كان (أطفال المايقوما ) عن أطفال ملجأ فى الخرطوم يسمى (المايقوما ) ومنه جاءت فكرة الفيلم الثالث ( أم مجهولة ) ثم الفيلم المشارك فى هذا العام بمهرجان دبى العالمى للسينما (سوداننا الحبيب )
أبطالك فى كل هذه الافلام واقعيون وتنشأ بينك وبينهم علاقات ممتدة ألا يؤثر ذلك على مصداقية العمل ؟
نعم هذا ما يحتوينى فى كل افلامى التعاطف الشديد مع أبطال شخصياتى الحقيقيون أنا يجب أن أحب هذه الشخصيات أولاً ولا أستطيع أن أحكى عن شخصية لا أحبها ، يجب ان يؤثر فيى هذا الشخص بالمقدار الذى يجعلنى أحبه وأحس به وأحكى عنه
ولكن أليس هذا قصورا ويأتى خصما على النص الواقعى المبنى على الحقائق المجردة من العاطفة ؟
قد يكون كذلك وقد لا يكون ولكن تلك هى أنا وهذا ما يميزنى فقد أحببت زينب واميرة بطلتا فيلمى سوداننا الحبيب وأحببت ذلك الطفل فى ملجا أطفال المايقوما ولقد تبنيته بالفعل وفى فيلم (كل شئ عن دارفور) تعلقت جداً بالمرأة التى تبيع الشاى وأصبحت بطلة فيلمى وصديقتى وهذه واحدة من مقدراتى كمخرجة أننى أستطيع الدخول الى أعماق شخصياتى ويكون هناك تواصلا بينى وبينهم حتى أتمكن من إخراج كل مكنونات الشحصية لمصلحة النص ..أنا اتعامل مع الشخصيات الواقعية والحية التى تمشى بين الناس وإذا لم يتوفر التواصل القوى بينى وبينهم فلن أبدأ التصوير ، أنا أبحث عن الصدق وعن الوجوه الخالية من المكياج والمساحيق لأحكى عنها
لمادا لا تصقلى تلك الموهبة بدارسة الإخراج فالتخصص مهم جدا
أفكر حاليا فى دراسة الأخراج ربما لم تسمح لى ظروفى السابقة لدراسة الإخراج لكن الإخراج عندى فن إبداعى أعرف أنه موجود بداخلى تماما كالشاعر أو النجار الماهر الذى يخرج الابداع مترجماً فى قطعة فنية والإخراج حرفة فنية تحتاج الى دراسة مع الموهبة وأفكر حاليا فى تحضير الماجستير فى هذا المجال وهو مجال فيه منافسة قوية ومجال متطور وأفكر فى صقل تلك التجربة بالتعاون مع مخرج عالمى سأستفيد منه بالتأكيد وشهادتى التى أحتاج اليها أيضا هى أن تخرج أعمالى للناس وأحس بتفاعلهم وفى حالة معرفتى لموهبتى أستطيع أن أبدأ بقوة.
الصحافة
حاورها فى مهرجان دبى السينمائى للصحافة / أسامة شيخ إدريس


تعليق واحد