حوارات ولقاءات

سفير مصر الجديد عفيفي السيد :كنت في”إدارة السودان” بالخارجية استشعر الخطر المحدق بالسودان

[ALIGN=JUSTIFY]السودان ملف تتوحد (عندي) فيه المصلحة الشخصية بالمصالح القومية
كنت في”إدارة السودان” بالخارجية استشعر الخطر المحدق بالسودان وأوصي القيادة بضرورة الوقوف إلى جانبه
قليل من سفراء مصر جاءوا من غير الخارجية لكنهم نالوا تدريباً واعداداً رفيعاً
نعم الجانب السوداني أخذ زمام المبادرة في تنفيذ اتفاقية الحريات الأربعة ولكننا رأينا ان نهئ الأرض قبل رفع التأشيرة
بديهي ان يطلق حرس الحدود النار على كل من يحاول التسلل عبر الحدود باعتباره منتهكاً للسيادة
التوجيهات التي أحملها تؤكد الانفتاح على كافة القوى السياسية السودانية ومتابعة التطورات ميدانياً في جميع ربوع السودان خاصة دارفور
السفير المصري الجديد، عفيفي السيد احمد عبدالوهاب يحمل كل ملامح الشخصية المصرية المعروفة.. فالوطنية المصرية قد صاغت عبر مسيرتها التاريخية هوية المصري واعطتها ملامحها واضفت عليها نمطا خاصا لاتخطئه العين للدرجة التي جعلت كل مصري يشبه الآخر في حديثه واستجابته وحركته ومزاجه العام – يشبهه ولا يماثله – وكأي حالة انسانية، فالفروق الفردية قائمة ايضا في الحالة المصرية ويمكن ملاحظتها ربما بيسر اكثر في من تتعامل او تتعاطي معهم من المصريين نظرا لانفتاح الشخصية المصرية وصراحتها وحميميتها المعهودة.. طافت بذهني كل هذه الخواطر والواردات وانا اجلس الي السفير عفيفي السيد، ولم يمضِ طويل وقت حتى وجدتني “آخد وأدي” مع رجل كأني اعرفه من زمان”.. فالسفير عفيفي من نوع اولئك القادرين على اسقاط الحواجز القائمة بينك وبينهم فورا وبلا مقدمات.. ففي طبعه اريحية وتلقائية محببة يؤطرها ذهن مرتب واحاطة ملحوظة بقضايا وموضوعات ومشكلات محطته الديبلوماسية الجديدة “السودان”.
امضي السفير عفيفي السيد دهراً يتابع من ديسك السودان في الخارجية المصرية تطورات الملف السوداني سلما وحربا، فقضى سنوات نائبا لرئيس ادارة السودان هناك حتي اصبح رئيسا لتلك الادارة والمسؤول الاول عن متابعة الشأن السوداني، ما يؤهله لان يكون سفيرا استثنائيا وفوق العادة في تاريخ العلاقات السودانية المصرية، وهذا ما دفعني لان اتخطى اللياقة الديبلوماسية وابدأ باصعب الاسئلة واشدها حساسية لاقول له:
* سعادة السفير ارجو المعذرة لانني ومن واقع سيرتك الديبلوماسية التي سمعتها الآن خطر لي ان ابدأ باصعب الاسئلة، وهو في الحقيقة سؤال يهم الدوائر السياسية والصحفية هنا في الخرطوم.. فكيف يتم اختيار السفير المصري للعمل في السودان، فقد تردد كثيرا هنا وربما يكون ذلك موضوع علامة بين المسؤولين في البلدين الشقيقين لان مصر غالبا ما ترسل سفيرا الي السودان من دوائر الامن والمخابرات وليس من رجال السلك الديبلوماسي كما يقولون وهذا يزعج الكثير من الدوائر السياسية هنا فما مدى صحة هذا الكلام من الناحية الواقعية، واذا كان صحيحا لماذا يحدث هذا وماهي دوافعه فقد رأيت ان نفتح النوافذ جميعها اذا سمحت سعادتكم؟
– نعم ليس لدى مانع من تفتيح النوافذ، فحديثنا حديث واضح واخوي وصريح وبمنتهي الشفافية.. فيما يتعلق بمعالجة اي ملف من الملفات بالنسبة لاي بلد، وبالتحديد فيما يتعلق بملف السودان بالنسبة لمصر تشارك في هذا الملف جهات عديدة وليس فقط الخارجية من منطلق تحقيق المصلحة المصرية العليا، وفيما يخص اختيار من يعمل في السفارة في السودان فان الغالب هو ان يغلب الطابع الديبلوماسي على من يعمل في السفارة المصرية في السودان، فالخارجية هي التي تحدد الاطار العام للعلاقات الخارجية المصرية مع كل دول العالم، ومن ضمنها السودان، والسودان له مكانة خاصة واهمية خاصة بالنسبة لمصر، فالعناصر التي يتم اختيارها للعمل بالبعثة المصرية في الخرطوم يتم اختيارها بعناية وبدقة شديدة جدا، ولكني اختلف معك حول بعض السفراء الذين اتوا للعمل هنا فاقول لك صادقا ان غالبيتهم قد جاءوا من الخارجية المصرية وليس من اية جهة مصرية اخري، وحتي لو كان الخيار من جهة اخري غير الخارجية كان يتم اعداد هؤلاء السفراء اعدادا ديبلوماسيا رفيعا تمهيدا لتوليهم هذا المنصب، ولا يوجد اي فرق في هذا الاعداد بينهم وبين من يأتون من الديبلوماسية المصرية، واعتبر انهم في هذه الحالة يغلب عليهم الطابع الديبلوماسي بشكل اساسي، وهنا لا فرق بين الجذور التي قدموا منها سواء من هذه الجهة او الاخري، في نهاية الامر فهو يمثل مصر ويمثل رئيس الجمهورية المصرية وبغض النظر عن انتمائه فان مسماه هو “سفير مصر لدى السودان” وطبعا فانه دائما وابدا يكون على درجة عالية من الكفاءة والتميز.
* انا الحقيقة مهتم جديد بحقيقة انك كنت مسؤول ملف العلاقات السودانية في الخارجية المصرية، واعتبر ذلك فرصة نادرة ان تتعامل مع مصرى مختص في هذا المجال.. من هنا اقول لسعادتك ان هذا السودان-كما تعلم- بلد متعدد ومتنوع في جميع وجوه حياته السياسية والثقافية والاجتماعية.. الخ ما اريد ان اعرفه ومن خلال هذا الملف الذي كنتم تديرونه كيف كنتم تنظرون الي السودان من جميع النواحي، حكومة ومعارضة من ناحية مكونات ومن ناحية مناطقية، جنوب وشمال وغرب وشرق.. يعني اريد ان اعرف نظرة الخارجية المصرية للسودان ككل الناحية السياسية والجغرافية والسكانية، النظرة العامة الشاملة يعني.. حدثنا عن هذا لو امكن بما انك كنت تدير هذا الملف…؟
– انا كنت دائما اقول لزملائي في الخارجية المصرية ان الملف الوحيد الذي تتوحد فيه المصلحة الشخصية مع المصلحة القومية هو ملف السودان.. حينما تواجه هذا الملف من وقت لآخر تجد ان ذلك مصلحة شخصية- ذاتية للاهتمام بهذا الملف، تعتبر انه جزء منك وفي نفس الوقت فان عليك ان تواجه مهمتك في انجاز مصلحة بلدك فيما يتعلق بهذا الملف، واعتقد ان هذا الامر واضح تماما ومن يتعامل مع هذا الملف يشعر منذ الوهلة الاولي ان له مصلحة شخصية في الاهتمام بهذا الملف لانه يمس حياته اليومية باعتبار ماهو قائم من روابط وثيقة بين المصلحة القومية المصرية والمصلحة القومية السودانية، مصلحة مشتركة هناك تلاحم وترابط عضوي وجسدي تماما، وانا اقول دائما حتى عندما تنظر الى الخريطة نجد ان السودان ومصر يشكلان ما يمكن تشبيهه بالشجرة التي نجد جذورها تضرب في اعماق السودان وجذورها وفروعها توجد في مصر، فلا يستطيع اي طرف، لا الجذع يستطيع ان يستغني عن الفروع او ان تستغني الفروع عن الجذور بحكم هذا الترابط العضوي، ولذلك كنت انظر لما يدور في السودان من تحولات وتحركات في جميع اطيافه السياسية ومناطقه الجغرافية باهتمام شديد مراعياً مصلحة مصر ومصلحة السودان التي تتوحد تماما وهي مصلحة مشتركة من باب ان قلبي معلق بهذا المكان، اهتم بكل ما يدور فيه، اشعر بما يشعر به الاخوة السودانيون اذا كانت هناك ثمة مخاطر يواجهها السودان.
** اذا كانت هناك انجازات تتحقق على الارض لصالح المواطن السوداني اسعد بها، وبالفعل فقد شهد السودان في السنوات الاخيرة العديد من الانجازات حتي نجدها هنا في الخرطوم تنعكس على البنية التحتية حيث انشئت مشروعات كثيرة جديدة، الكباري الجديدة تربط الضفتين هنا.. الحقيقة انني كنت اسعد كثيرا حينما اري ان الاقتصاد السوداني يحقق المزيد من الانجازات، او يشهد تحسنا ملحوظا في ميزان المدفوعات الميزان التجاري.. وكذلك فيما يتعلق بانتاج البترول بما ينعكس على حياة المواطن السوداني، كنت أسعد بكل ذلك كثيرا، وكذلك استشعر الخطر الذي يحدق بالسودان حينما اتابع اخبار الحوادث هنا وهناك وكذلك تطورات الوضع في دارفور، وكنا في ادارة ملف السودان بالخارجية نوصي دائما القيادة بالوقوف بجانب السودان ومساندته في الظروف التي يمر بها حتي تحل الازمة، وحتي يتحقق الامن والاستقرار في دارفور كمقدمة لتحقيق السلام الكامل بالاضافة لما تم تحقيقه من انجازات بالتوصل الى اتفاق نيروبي في 9 يناير 2005م بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية ونري ان الامور تمضي بشكل طيب حتى لو كانت هناك بعض العقبات الضيقة التي تعترض طريق تنفيذ الاتفاق من وقت لآخر الا ان التفاهم المشترك بين شريكي اتفاق السلام الشامل يمكن ان يتم بواسطته التوصل الي حل يمكنهما من تجاوز هذه العراقيل، مثلما تم في مشاركة التحكيم في موضوع ابيي وهو كما نعلم كان موضوعا في غاية الحساسية وبحله اعتقد انه لن تكون هناك اية عقبة تعترض طريق السلام…اجمالا كنا ننظر الي كل التطورات كما ذكرت، باهتمام بالغ ومتابعة لصيقة لكل شئ يحدث في السودان..
* كم مرة زرت فيها السودان؟
– زرت السودان عدة مرات عندما كنت نائبا لمدير ادارة السودان بالخارجية المصرية.. زرته في اوائل عام 2004م، وهدفت الزيارة لاستطلاع الاوضاع تمهيدا لاقامة قنصلية بمدينة جوبا عاصمة الاقليم الجنوبي، وتمهيدا ايضا لانشاء مشروعات مصرية تساهم في جعل خيار الوحدة جاذبا بالنسبة للمواطن الجنوبي، مشروعات في مجالات الصحة والزراعة والطرق والكباري مع التركيز على المشروعات التي تربط الشمال والجنوب.
والزيارات الاخرى كانت الي الخرطوم، عندما اتيت اكثر من مرة على رأس الوفود المتابعة لاتفاقية الحريات الاربعة كما اتيت مرة ضمن وفد الاتحاد الافريقي من اجل مساعدة السودان في تطبيق اتفاقية نيفاشا، وايضا حضرت التوقيع النهائي على اتفاقية السلام الشامل في نيروبي ضمن الوفد المصري الذي رأسه وزير الخارجية احمد ابو الغيط، الذي كان من الضامنين لاتفاق نيروبي.
* بمناسبة اتفاقية الحريات الاربعة، لماذا التلكؤ من الجانب المصري في تنفيذ الاتفاقية خصوصا فيما يتعلق بحرية الانتقال بين البلدين، فنحن نعرف ان السودان اتجه فور توقيعها ورفع حاجز التأشيرة عن المواطنين المصريين.
* نعم.. الجانب السوداني اخذ زمام المبادرة في تطبيق الاتفاقية خصوصا بالنسبة لحرية الانتقال (التاشيرة).. فوزير الداخلية السوداني اصدر مشكورا قراره بالغاء التأشيرة بالنسبة لدخول المصريين الي السودان، ولكن بوصفي رئيساً للجانب المصري في لجنة المتابعة كان احد المطالب بالنسبة للاخوة السودانيين هو المطالبة بالتعامل بالمثل فيما يخص حرية الانتقال، وكان ردي حينها كما ورد في محضر الاجتماع: نحن نقدر تقديرا عاليا هذا القرار ونتقدم بالشكر لوزير الداخلية السوداني على هذه المبادرة التي تأتي في اطار اتفاقية الحريات الاربعة، وان مصر تلتزم بكافة تعهداتها خاصة مع الجانب السوداني، ولكننا نأمل في التشاور معنا قبل اتخاذ القرار حتي نهئ الارضية لاتخاذ قرار مماثل من الجانب المصري في اطار مبدأ التعامل بالمثل الذي تنص عليه الاتفاقية وكمبدأ عام في القانون الدولي، ولكن ما يحول دون ذلك حاليا هو ظروف يعلمها الجميع يمر بها السودان، ونحن لا نريد لاي اخ سوداني ان يأتي الي مصر بالرغم من انه مرحب به في كل الاوقات- دون ان تكون الارضية مهيأة مما يتسبب له، ربما، في بعض المشاكل والمتاعب، ومن ثم لانريد ان نعيد تصدير هذه المشكلة مرة اخري الي مصر- مشيرا الي الاوضاع الخاصة (بالاخوة الجنوبيين والدارفوريين)- ويواصل: نحن سنمضي على ذات الطريق بخطي وئيدة ومدروسة من اجل تقديم تسهيلات للاخوة السودانيين للدخول الى مصر، وصولا في نهاية المطاف الي رفع التاشيرة وهذا ما يجرى في الوقت الراهن، خصوصا في الحالات الطارئة نقدم تسهيلات فورية، كما ان السودانيين المقيمين في الخارج- في الخليج او اوروبا او غيرها- بامكانهم التوجه الي مصر دون طلب تأشيرة دخول مسبقة.
* سعادة السفير.. لابد ان تطالعوا في الاخبار ما يتعرض له بعض السودانيين والافارقة الذين يحاولون عبور الحدود المصرية باتجاه اسرائيل او غيرها من اطلاق نار يقتل البعض ويتعرض بعض آخر جرائه لجروح خطيرة، فكيف تنظرون الي مثل هذه التصرفات؟
– بديهي ان يحدث ذلك، لان مثل هذا الشخص يأتي بعمل غير شرعي واجب سلطات حرس الحدود في هذه الحالة ان يطلق النار “على طول” على كل من يحاول التسلل عبر الحدود… لان هؤلاء في نظر القانون منتهكون للسيادة المصرية، ومثل هذه القيود تتعلق بالامن القومي المصري، فمثل هؤلاء الذين يأتون ليتخذوا من مصر نقطة انطلاق نحو الدول الغربية او غيرها يأتون عملا مخالفا للقانون، وهناك مطالبات كثيرة لمصر من كافة الدول الافريقية بالعمل من اجل الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وذلك ضمن الجهود الدولية في هذا المجال.
* لابد انك التقيت وزير الخارجية ابو الغيط ومسئولين آخرين قبل توجهك الي الخرطوم سفيرا لمصر في السودان فما هى التوجيهات التي تلقيتها في اطار مهمتك الجديدة؟
– ولدي ايضا توجيه للاهتمام والتأكيد على الامن الغذائي بمتابعة نشاط بعض الشركات المصرية المستثمرة في المجال الزراعي، خصوصا زراعة القمح، وانا اعلم هناك شركات مصرية وافراد يولون اهتماما كبيرا لزراعة القمح في السودان لتحقيق الاكتفاء الذاتي في السودان اولا وبتصديره وهناك دراسة تشير الي ان تقوم القوات المسلحة المصرية بزراعة نحو مليون فدان قمح بمشاركة سودانية من خلال”مشروعات الخدمة المدنية” استنادا الى ما توافر لدي هذه الجهات من خبرة في المجال الزراعي ولديها مزارع في توشكا وشرق العوينات مزارع منتجة بالفعل وكذلك حدث الاهتمام بمجال الثروة الحيوانية وتمت مناقشة ذلك وبحثه في اطار اللجنة العليا المشتركة..
* السيد وزير الخارجية المصري يهتم اهتماما شديدا بالعلاقات السودانية المصرية، وتوجيهاته لي كانت واضحة ومحددة وتنص في المقام الاول على بذل المزيد من الجهد للانفتاح على كافة القوى السياسية السودانية وتعميق الصلات والروابط معها من اجل دعم العلاقات المصرية السودانية مع التأكيد على “كافة القوى السياسية السودانية”، وذلك لاهتمام مصر بالوقوف الى جانب السودان ودعمه في هذه المرحلة التاريخية التي تتسم بالحساسية وبالدقة. ومن التوجيهات ايضا القيام بزيارات عديدة لكافة ربوع السودان والالتقاء بالمسئولين هناك لبحث سبل تطوير العلاقات بين البلدين، زيارات تشمل الجنوب والشمال والشرق والغرب، وتكثيفها الي دارفور خصوصا في المرحلة الحالية والمتابعة اللصيقة لما يجري هناك، مع الاهتمام بالمناطق الاخرى ايضا.
* بمناسبة الحديث عن دارفور، اعود مرة اخرى الي فترة توليك ادارة السودان وملفه بالخارجية المصرية- التي لاتزال تشغلني- لاسأل: كيف بدت الصورة لديك وكيف كنت تنظر لما جري في دارفور، ماهي دوافعه واسبابه ومن المسئول عن تدهور الاوضاع لتصل الي ما وصلت اليه اعلم انه سؤال حساس لمن هو في موقعك، ولكن على كل حال فان المصري يمكن ان يعامل كالسوداني عندما يخوض في الشؤون المصرية باعتبارها امراً يخصه، واظنك تذكر نكته الحلفاوي عن “مصر والسودان حتة واحدة”؟!
– هو بالفعل سؤال حساس، ولكنه ضروري، وانا اجيبك عليه ببساطة شديدة جدا، فقد كانت المتابعة لصيقة لما يجرى في دارفور، وكنت شخصيا ومن واقع متابعتي لهذا الملف استشعر خطرا قادما تجاه السودان في عربة من دارفور كان ذلك في العام 2003م- وكنت من باب التوقع والحدس اشعر بان هذا الموضوع سيأخذ ابعادا اكثر مما كانت عليه وبما يفوق كل ما يتصوره المحللون والمراقبون الذين كانوا يختصرون الازمة في جذور الصراع وعلى اساس مختصر هو انه خلاف تقليدي بين القبائل الرعوية وتلك الزراعية او بين القبائل ذات الاصول العربية والاخرى ذات الاصول الافريقية، وانه يمكن حله كما كان يحل دائما بواسطة الطرق التقليدية بالجوديات والمصالحات التي تجرى باشراف زعماء القبائل.
ولكن في اطار الظروف التي استجدت كنت استشعر ان الموضوع ستتسع رقعته وستزداد حدته وخطره،وكنت اوصي بلدي بان نتحرك وان نقدم اي شئ يكون من شأنه مساعدة السودان في مواجهة هذا الموضوع، فكنا من اوائل من ارسلوا مراقبين من الشرطة في اطار بعثة الاتحاد الافريقي واقمنا مستشفي ميدانيا به نحو 12 طبيبا يتبع للقوات المسلحة كما ارسلت القوات المسلحة عدة شحنات دواء وغذاء ومواد اغاثة متنوعة بواسطة طائرات الشحن130 سي العملاقة والتي بلغت رحلاتها وشحناتها نحو150 حتى الآن، وعندما تركت ادارة السودان في عام 2005م كانت هذه الشحنات قد زادت على الثمانين شحنة. كما ان مصر ستشارك في القوات المشتركة بقوات يصل عددها الي نحو (1500) فرد، فضلا عن ارسال مصر لعدة قوافل طبية مؤقتة الي ولايات دارفور الثلاثة كانت تجري عمليات عديدة وذلك بالاشراف من نقابة الاطباء المصريين.
* اريد ان اتحسس مدى علاقاتك الانسانية الشخصية والمباشرة مع السودانيين.. لانك عرفت بعضهم وعاشرت او زاملت بعضا آخر منهم.. من من السودانيين المعروفين جمعتك به صلة خاصة.. فمثل هذه الصلات يمكن ان تساعد من هو في مقامك وموقعك على انجاز مهامه بشكل افضل، خصوصا في بلد كالسودان كثيرا ما تتقدم فيه الصلات الشخصية والانسانية على العلاقات الرسمية؟
– فيما يتعلق بالعلاقات الانسانية والشخصية فان هناك ميلا طبيعيا وتلقائيا لدى المصري تجاه شقيقه السوداني.. هى غريزة طبيعية، وهي مشاعر حقيقية لاتحتاج الي تفسير او تأكيد او توضيح ان تفصيل، ولكن بحكم منصبي هناك في مصر-في ادارة السودان- او في جدة كقنصل عام او هنا في الخرطوم، فهناك مشاعر اخوة كلها مودة ومحبة بشكل تلقائي بيني وبين كل من تعاملت معهم.. ولعلى اتذكر للتدليل على هذا واحدة من الامثلة التي تصور عمق هذه المشاعر، ذلك عندما اتي وفد كبير من الاخوة السودانيين لتهنئتي بفوز الفريق المصري بكأس الامم الافريقية، كانت بحق مشاعر جميلة وحميمة لن انساها وبالنسبة لعلاقتي بالاخوة السودانيين عندما كنت مديراً لادارة السودان بديوان الوزارة فاذكر ان علاقات مودة جمعتني مع الامام الصادق المهدي ومولانا محمد عثمان الميرغني.. علاقة كلها مودة ومحبة، لاننا كنا ننحي جانبا ما يقع او قد يقع من خلاف في وجهات النظر، فلم يكن ذلك يفسد للود قضية. كما ان المشاعر التي تربطنا على المستوى الرسمي هي نفس المشاعر على المستوي الشخصي. ولابد ان رصيد العلاقات بيني وبين شخصيات رسمية او معارضة، خاصة زملائي في الخارجية السودانية ستشكل عنصرا داعما لي هنا، فانا انظر حتى للمعارضين على انهم جزء من النظام ولدي بعض الاخوة السودانيين الذين درسنا سويا معهم في معهد الدراسات الديبلوماسية في الخارجية المصرية منهم السفير موسي عبدالرحيم الذي يتولي “بالصدفة الظريفة” حاليا ادارة سودان مصر بالخارجية، كما علمت كذلك ان السفير صلاح فضيل الذي كان نائبا للسفير في سلطنة عمان قد عاد اخيرا الي الخارجية ولابد سألتقي به، كما هناك السفير عبدالغني النعيم الذي كان سفيركم في انجمينا والذي يعمل حاليا مديرا لمكتب وزير الدولة بالخارجية على كرتي فهو ايضا اخ وصديق عزيز التقينا عندما كان قائما للاعمال في كندا والذي اتصل بي فور سماعه بوصولي وعبر عن شوقه الذي لم يمهله الي حين تقديم اوراق اعتمادي الرسمية. كما نشأت علاقات متعددة وحميمة بيني وبين الاخوة السودانيين الذين كانوا يعملون في لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية الحريات الاربعة، وسابحث عنهم والتقي بهم ان شاء الله ومن بينهم اللواء بشير مدير ادارة الجوازات.[/ALIGN]