حوارات ولقاءات

الناقدة د. شيرين أبو النجا : مازال إنتاج المرأة يُقرأ على أنه سيرة ذاتيـة – صور

الناقدة دكتور شيرين ابو النجا، حضرت للسودان بدعوة كريمة من مجلس أمناء جائزة الطيب صالح للابداع الروائي وشركة زين، وقدمت خلال جلسات المؤتمر العلمي للجائزة ورقة بعنوان «باب للقمع باب للمستقبل» التي فتحت باب الحوار والجدل للباحثين على مصراعيه، وادارت احدى جلسات المؤتمر، وكشفت خلال ذلك عن حب عميق للسودان وأهله، وأريحية تعالمت بها مع كل أجهزة الإعلام التي طلبت محاورتها.
دكتور شيرين أبو النجا لها إسهاماتها المقدرة في مجال النقد، ورفدت المكتبة العربية بكتابين «عاطفة الاختلاف» و«الوطن في فكر الكاتبة العربية»، وقد أثار الكتابان موجة عارمة وسيلاً من الأسئلة حول الأدب النسائي ما له وما عليه.. وفي هذا الحوار اقتراب من فكر الناقدة شيرين أبو النجا.. معاً نقرأ إفاداتها.
٭ هل كانت دراستك للنقد بحكم دراستك للأدب أم أن اهتماماً ورغبة سبقا ذلك؟
ــ الأمر بدأ مع دراستي في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية، وكان المدخل من الأدب الانجليزي ومدارس النقد الغربية مباشرة، فدراسة اللغة الأجنبية تدفعك دفعاً لقراءة الأدب العربي للبحث عما يعبر عن المشترك الإنساني، فتزامن الاثنان معاً: الاهتمام بالأدب العربي يجعلك تبحث عن أفضل مدخل لتناول هذه الأعمال، ويكون من الصعب أحياناً أن تطبق المدارس الغربية على الأدب العربي.. لماذا؟ لأنها خرجت من فلسفة معينة، ومن سياق فكري واجتماعي بعينه كتبت فيه أيضاً تلك الأعمال الغربية، ومع الوقت اكتشفت أنني يمكن أن استخدم ما أريده من المدارس النقدية الغربية، وتوظيفها لصالحي، واستمر الأمر على هذا المنوال. وفي مرحلة ما في حياتي المهنية كنت مهتمة فقط بالادب النسوي، ولكن بعد قليل توسعت دائرة اهتماماتي ودراساتي لتشمل الأدب بكل ضروبه، وإن لم أفقد اهتمامي بالأدب النسوي بوجه خاص.
art.244565

لكنا مازلنا في مخاض ولادة مجتمع، وليس ولادة المرأة الجديدة فقط، لأننا في مرحلة ولادة الإنسان العربي الجديد، وليس معنى هذا أن نغفل أو نغض الطرف عن الصوت النسوي، وإن كان ينبغي علينا أن نراه في وسط هذه المنظومة دون غض الطرف عنه.
٭ ظهرت قضية النسوية في العالم الغربي في الثمانينيات في اطار الدعوة لتحرر المرأة.. لكن برأيي أن كتابك «عاطفة الاختلاف» في اواخر التسعينيات له فضل الريادة في إثارة اسئلة الأدب النسوي في المشهد الثقافي العربي؟
ــ أنا سعيدة أن أسمع هذا الرأى، وربما كان «عاطفة الاختلاف» من الكتب القليلة والنادرة التي ركزت على الأدب النسوي، لأن الكل كان ضده بشكل مبالغ فيه، وادعاءات بأنه تقليد أعمى للغرب، لكن الواقع كان يقول إن كتابات النساء حدث فيها انفجار لا يمكن التغاضي عنه، ففي التسعينيات ظهرت أعداد كبيرة من الأصوات النسائية في القصة والرواية، واستمرت وتطورت، وبعض منها اختفى ولا يمكن نكران ذلك. وأنا لا أريد أن أظل أتحدث بصيغة الماضي، وهناك خصوصية لرؤية المرأة الكاتبة تختلف عن رؤية الرجل الكاتب، فنحن مختلفون، وأنا لا أرى العالم كما يراه الرجل، وهذه فكرة عاطفة الاختلاف.. وفكرة المساواة التي تزعج الناس كثيراً لا تعني إلغاء الاختلاف في الرؤية.. نعم المساواة في الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، لكن الرؤية المعرفية للحياة بين رجل وامرأة جد مختلفة، وهذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة في الكتابات عن ثورات الربيع العربي، فالمرأة شاركت مثل الرجل، ولكن لكل رؤيته المختلفة.
٭ هناك أقلام نسائية قليلة ونادرة في النقد العربي.. أذكر منهن الأشهر يمنى العيد، ود. شرين أبو النجا، والسودانية د. ليمياء شمت.. برأيك لماذا تحجم المرأة عن ولوج هذا العالم؟
ــ النقاد من الرجال والنساء يمارسون النقد التطبيقي، ورغم أهميته إلا أننا نحتاج في العالم العربي إلى تجاوزه والتطلع إلى مستوى آخر أعلى، حيث النظرة البانورامية والاهتمام بالتاريخ الأدبي، وكيف أننا عندما نتناول عملاً نضعه في سياقه التاريخي والاجتماعي، لأن هذا العمل لم يخرج من فراغ، بل هو حلقة في سلسلة تفضي إلى ما بعده وهذا ما أحاول أن اشتغل عليه، أن أضع عملاً إبداعياً ما في وسط منظومة واحدة.
٭ قدمت استقالتك من جائزة البوكر العربية في عام 9002م، وأثيرت الكثير من الأسئلة والشائعات حول أسباب استقالتك، فقيل إن أحدها هو استبعاد الروائية اللبنانية علوية صبح من القائمة القصيرة مما يشي بانحياز مبطن أو معلن لأسماء نسائية؟
ــ هى شائعة تماماً كما سميتها، وكان من اسباب انسحابي من اللجنة غياب كامل لمعايير التحكيم، ومن تبعات ما حدث أن رئيس لجنة التحكيم قام بإخراج الورق الذي صوتنا فيه على أية رواية ــ للصحافة، وقام بإخراج ورقتي ولم تكن روايتي التي صوَّت فيها رواية علوية صبح وهى صديقتي وكأنه قدم بذلك دليل إدانة لنفسه، وتبرئة لموقفي! مما يؤكد أن استقالتي كانت لأسباب اخرى غير ما أشيع، كذلك كانت استقالتي حافزاً لكثيرين للانسحاب من لجنة تحكيم البوكر العربية. وفي جائزة إليوت T.S وهى جائزة شهيرة في بريطانيا انسحب عضو لجنة تحكيم من اللجنة لسبب ما، ثم تعامل مع الأمر بمنتهى المهنية والبساطة، ولم تكن هناك شائعات ولا قصص ولا حكايات، وأعربت لجنة التحكيم عن أسفها لانسحابه لعدم موافقته على القائمة القصيرة، وقالت رئيسة لجنة التحكيم إنه من الصعب إرضاء جميع الأطراف.
23086

وفي جائزة للشعر في بريطانيا، إحدى الشاعرات وكانت مرشحة للقائمة القصيرة انسحبت لاعتراضها عى مصدر تمويل الجائزة التي تم تمويلها من شركة رأسمالية كبيرة، وقالت ان الشاعر لا ينبغي ان يكون ممولاً من شركة رأسمالية، لأن الشعر يناهض الرأسمالية، وأعربت رئيسة اللجنة عن أسفها لانسحاب الشاعرة، ورئيس الجائزة اعترف بالتمويل وبرر له بالإفلاس، وتم تناول الأمر بمهنية وحيادية.
وفي العالم العربي الجوائز تثير كثيراً من الشائعات، ويبدو الأمر وكأن الإنسان مطالب بالدفاع عن نفسه، ولا أرى الأمر كذلك.
٭ قلت إن علوية صبح صديقتك، ويقول الطيب صالح «إن أفضل النقد ما كتب عن محبة».. ما رأيك؟
ــ مقولة الطيب صالح تتوارى الفلسفة المبطنة، والمحبة التي يقصدها ليست المجاملات الشكلية التي تفسد الأدب، ويمكن أن تقرأي كتاباً لشخص تحبينه، وتجدين في الكتاب ما يتلاقى مع رؤيتك، هذا شيء بديع، ولكن لا يحدث هذا دائماً، وفي بعض الأحيان أندم على أني تعرفت على الكاتب، وأقول طوال الوقت: دعني أقرأ الكتاب دون أن أعرف الكاتب، وأحياناً نندم عندما نرسم صورة لهذا الكاتب ونجده في لواقع صورة مغايرة.
٭ د. نوال السعداوي تقول إن المرأة توفر للكاتب اجواءه الإبداعية بينما هو يكتب رسالة حبه لامرأة أخرى، وتقول الأديبة السودانية ليلى صلاح، إن المبدعة تبتلي برجلٍ يطلب كل شيء ويبتئس لنجاحها؟
ــ الإبداع في حد ذاته عمل صعب وشاق، ولا أتخيل أن يعيش مبدع أو مبدعة تحت سقف واحد، الأبداع ليس سهلاً، والمبدع يمر بحالات تحول وجنون وهستيريا وهلوسة.. فرح شديد وحزن شديد ويعيش مع شخصياته وكأنها من لحم ودم.
٭ مع تطور مجتمعاتنا العربية.. هل تعتقدين أن الكوابح والحواجز لإبداع المرأة قد زالت؟
ــ العقبة الوحيدة التي تمارس حتى الآن هى قراءة ما تكتبه المرأة بوصفه سيرة ذاتية أو تجربة واقعية.. هذه مشكلة، لأن ما يكتبه الرجل لا يقرأ بوصفه تجربة شخصية، فالرجل في ظنهم من حقه التخييل ولديه ملكة إبداع شخوص غير حقيقيين، وهذا معناه أن هناك عقبة اجتماعية، لأن المجتمع لا يريد أن يصدق أن هناك إبداعاً مساوياً لإبداع الرجل، وللأسف أرى ذلك من نقاد كبار وليسوا قراء عاديين، وكأن هناك محاولة للتلصص على حياتك من خلال هذا النص، طالما أن ما تكتبه المرأة يقرأ على أنه سيرة ذاتية.
ومن الكوابح الاخرى لإبداع المرأة سلطة الأهل، وأعتقد أنها موجودة بأشكال فردية أو استثنائية طبقاً للبنية الاجتماعية، ولكن لم يعد هذا العنوان الرئيس.
٭ قلت قبل سنوات في حوار أجري معك عندما سألك الصحافي: هل مازلت تخوضين حروباً كبيرة، وحروباً صغيرة؟ قلت: «بعد كل الحروب وجدت أنه لن يمنحني أحد أى شيء ولكن لآخذ علىَّ أن أدفع الثمن، هو كتابة مؤلفات، وتحقيقي لذاتي من خلالها» وكنت صادقة ومتصالحة مع نفسك، لكني أعتقد انك لم تكوني بحاجة لهذا الاعتراف لأنك حققت بالفعل لنفسك ما أردت؟
ــ لنقل إن هذا كلام لنمنع أنفسنا من الاشتباك في حروب صغيرة، لأننا بوصفنا بني آدميين نفقد السيطرة أحياناً، مثلما نقلت قدمك فجأة من كابح السيارة «الفرامل» وتنسى وتشتبك في حروب، لتعرف بعد وقت أنها لم تكن شيئاً.. طالما أن عندك إمكانية الكتابة اكتبي وهو سلاح أيضاً.. صحيح هو قال: السيف أصدق إنباءً من الكتب» لكن السيف الذي أملكه هو لساني.. قلمي.
٭ قالوا إن من كان يكتب للشاعرة سعاد الصباح هو نزار قباني، ومن يكتب روايات أحلام مستغانمي سعدي يوسف.. برأيك لماذا تطارد الاتهامات أدب المرأة؟
ــ هناك استكثار على المرأة أن تكون لها القدرة على التخييل. وهذا موجود في التراث العربي والغربي أيضاً، الشاعر الشهير هوبكنز قال إن المرأة لا تكتب لأنه ليس لديها العضو الذي تكتب به. والفيلسوف «كانت» فيلسوف التنوير يقول: النساء لا يصح أن يعملن في الأدب أو الإبداع أو الرياضيات، لأنها أشياء لا تلائم عقولهن. وفي التراث العربي أشياء كثيرة على هذا المنوال، وهذا شيء خاص في خلق الإنسانية، لذلك النساء الفن من الرجال بكثير.
٭ أصدرت «عاطفة الاختلاف» كتابك الأول، وصدر لك بعده «الوطن في فكر الكاتبة العربية»، لكنك عرفت واشتهرت بالكتاب الأول وألقى نجاحه على الآخر.. برأيك العمل الواحد كبيضة الديك الذي يشهر الأديب هل يكون في صالحه أم ضده؟
ــ قد يكون في حديثك شيء من الصحة، لكني نظرت للموضوع بزاوية أخرى، «عاطفة الاختلاف» صدر في مصر ووزعت منه أعداد كبيرة ونفدت من المكتبات، والآخر صدر عن مركز الدراسات العربية في بيروت، ومنشورات هذا المركز غير متاحة في مصر وأسعارها باهظة، وهذا يدعني أفكر كثيراً في إعادة النظر في المطابع التي أتعامل معها، ودار النشر في بيروت مغرية ومنضبطة، لكن «ما ينفعش لازم تطبع في البلد الإنت فيه».. والنتيجة أن كتاب «الوطن في فكر الكاتبة العربية» ليس في متناول يدي.. وهذا تفسيري، وربما تكون هناك تفسيرات أخرى. الصحافة
وار: رحاب محمد عثمان

تعليق واحد