تحقيقات وتقارير

الخــرطـوم وجوبـــا.. رحلة البحث عن طرق آمنة ..!!

[JUSTIFY]هدأت النفوس وعادت مفردة (الحوار) تتردد مره ثانية على لسان الممسكين بالملفات الشائكة داخل الخرطوم التي لم تعرف طوال العشرة أيام الماضية سوى خطابات التعبئة والاستنفار، لاستعادة منطقة هجليج النفطية من بين أيادي قوات دولة الجنوب، وتنتظر الآن قادة الخرطوم وجوبا اسئلة بالغة الاهمية ليس اولها بالطبع هل يملكون القدرة على عدم ادخال المنطقة في اتون حرب؟ ولا آخرها كيفية الخروج من نفق الملفات المعقدة؟.

السودان الذي كانت شوارع مدنه تغلي فور اعلان استعادة المنطقة النفطية واعلام الدولة تحتل كل شبر، كانت غرف ومطابخ سياسته الخارجية تعمل على اعلان روشتة اعتبرتها الخرطوم بمثابة الطريق الآمن للبلدين ودفعت بشروط بدت مدهشة للمراقبين لتزامنها مع قرارات الرئيس البشير الذي خطب امام حشود جماهيرية حملتها نشوة النصر المعلن. ففي مباني الخارجية السودانية التي لا تبعد كثيرا من مقر قيادة الجيش التي كانت خطبها تعلن عن قطع الطريق امام التفاوض والحوار وعدم الركون اليهم الا بعد ان يرفع وزير الدفاع السوداني التمام للرئيس البشير ببسط السيطرة على الاراضي التي تضع الجبهة الثورية اقدامها عليها قبل حلول الخريف وانه لحين اكمال المهمة لا حوار، كانت الخارجية وعبر لسان وكيل الوزارة رحمة الله عثمان تطرح شروطا لـ «تطبيع» العلاقات مع جنوب السودان بعد استعادة السيطرة على مدينة هجليج النفطية التي سيطرت عليها قوات جنوب السودان لعشرة ايام، واوضحت عبر بيان أن، «السودان سيطبع علاقاته (مع جنوب السودان) وفق اربعة شروط»، وعلى «جنوب السودان أن يلتزم باحترامها»، على رأسها موافقة جوبا واعترافها بالاتفاقات الموقعة سابقا ومذكرة التفاهم حول الامن وبينها ميثاق عدم اعتداء وقعه الطرفان في فبراير الماضي، كما طالبت بأن تعترف سلطات جنوب السودان بالحدود التي كانت موجودة قبل إستقلال السودان عن بريطانيا ومصر في الأول من يناير 1956، ودعت الحكومة السودانية الى انهاء «كل الاعتداءات» على اراضيها وانسحاب قوات جنوب السودان التي لا تزال على هذه الاراضي وان توقف جوبا دعمها للمتمردين الذين يقاتلون الدولة السودانية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، قبل ان تطالب الخرطوم جنوب السودان عدم «دعم او استقبال» الفصائل المتمردة من اقليم دارفور التي رفضت توقيع اتفاق سلام مع الحكومة.

ورغم هذا التناقض داخل اروقة الحكومة الذي اضحى واضحا لكل ذي عين، فالطريق الذي تمضي اليه الخارجية يتقاطع وخطابات الرئيس البشير، حول اولويات المرحلة حوارا هي ام تصعيدا، الا ان الحزب الحاكم يرى ان التناقض بين الخارجية والرئاسة منعدم ويضيف المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني الدكتور بدرالدين احمد ابراهيم في حديث لـ»الصحافة» أمس قائلا ان الموقفين يتكاملان تماما، والرئيس البشير وجه حديثه في اطار التعامل بالمثل والمقصود ليس شعب الجنوب ولا اراضيه لكن الحركة الشعبية التي اعلنت عزمها اسقاط النظام ولازالت تقاتل داخل الاراضي السودانية في جنوب كردفان والنيل الازرق، وتابع بدر الدين الآن لا تفاوض في الملفات السياسية بيننا والجنوب فقط يمكن بحث الملفات الامنية لكنه وضع شرطا لبدء الامر نفسه وهو اخراج كل منسوبي الحركة الشعبية من الاراضي السودانية.

وفي ذات الاتجاه يرى وكيل وزارة الخارجية رحمة الله عثمان في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان ما تم اعلانه من الخارجية يعتبر جزءً من حديث الرئيس ولا يتناقض في شئ وشدد على هذا هو الموقف الرسمي للدولة معتبرا الحديث عن تفاوض دون اخراج الحركة الشعبية من النيل الازرق وجنوب كردفان بمثابة حوار الطرشان. وزاد رحمة الله موقفنا مالم تحل القضايا الامنية فان الحرب لازالت مستمرة لكنه اكد عدم ممانعتهم للدخول في التفاوض الذي تقوم به الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الافريقي حال التزم الجنوب بفك ارتباطه مع القوات في الفرقتين التاسعة والعاشرة بالاراضي السودانية وسحبهم خلف حدود 1956م.

لكن المحلل السياسي دكتور صفوت صبحي فانوس يقول لـ»الصحافة» ان ابواب التفاوض لم تغلق نهائيا الا انه لا يتوقع ان يعود الطرفان قريبا للغرف ويتابع الاسابيع والشهور القادمة سيتراجع فيها العمل الدبلوماسي والسياسي ليتقدم العمل العسكري لتغيير بعض الحقائق على الارض وطرد جيش الحركة من شمال السودان واستعادة كل المناطق واضعا الامر كاستراتيجية للجيش السوداني قبل ان يعتبر الحديث الذي ظهر وكأنه متناقض بانه مكمل لبعضه البعض واضاف لكل مقام مقال ويجب فهم تصريحات الرئيس في اطار الحدث والموقف فهو تحدث الى جماهير فرحانة ومنتصرة بالتالي تفهم تصريحاته في هذا الاطار، اما الخارجية فحديثها موجه للمجتمع الدولي ولكل مستمع خطاب يناسبه مما لا يعني بالضرورة التناقض ولكن يمكن ان نقول انه توزيع للادوار.

الحوار بين الدولتين هو الطريق الآمن للوصول الى حلول كما يقدر محللون الا ان الخرطوم التي لم ترفض الطريق لكنها وضعت شروطها ودفعت بملفات يعتبرها الكثيرون بانها امراً داخلياً يخصها لوحدها .وتقول الخرطوم بانها من صنع الجنوب بين كل تلك المواقف والشروط، وقد كشفت المواجهات التي اندلعت طوال العشرة ايام الماضية بوضوح عن ما هي اتجاهات المجتمع الدولي وموقفه من الحرب الدائرة بالمنطقة، فالجميع يقفون في الاتجاه الرافض لها ويلوحون علنا بالعقوبات حال مواصلة القتال، لكن المبعوث الامريكي الخاص للسودان وجنوب السودان برنستون لايمان بدوره كشف عن رغبة الحكومتين في التفاوض، فالرجل الذي قاد مباحثات ماكوكية ابتدرها من عاصمة دولة الجنوب التي التقى رئيسها الثلاثاء منتصف الاسبوع الماضي وختمها نهاية الاسبوع بالخرطوم شدد عليى ان البلدين يريدان ايجاد سبل لتجنب اندلاع «حرب شاملة» مما دفع مراقبين للقول بان طريق الحوار بات ليس بالطريق الصعب ، فالخرطوم التي لم تعلن رفضها للطرق الآمنة للحل طوال ايام النزاع لكنها وضعت شرط استعادتها للارض السودانية وربما كان دافع ليمان لاخبار الصحفيين يوم الخميس عقب محادثات في البلدين عن رغبة الجانبين في ايجاد حلول وان مرحلة التفاوض اقتربت، حيث قال ان الطرفين يريدان طريقاً للخروج من الأزمة ولعل الرجل وجد الضوء الاخضر من الجانبين وما يحدث الآن من تصعيد إعلامي لا يعدو سوى خطابات موجهة للداخل. [/JUSTIFY] تقرير: عباس محمد إبراهيم
الصحافة

تعليق واحد