تحقيقات وتقارير
جريمة العدوان … والسراب بقيعة مجلس الأمن
ليس كافياً أن تعرف ميثاق الأمم المتحدة وتعتقد بأنه الدستور الحاكم للقانون الدولي، فلابد أن تعرف أن تفسير مفردات الميثاق ليس كما تفهمها أنت، ولكن معناها الحقيقي هو ما قصده واضعو الميثاق. فليس (المساواة في السيادة) تعني أن السودان وأمريكا متساويان في السيادة كما ينص الميثاق. إذا فهمت من جملة (المساواة في السيادة) ذلك فيعني أنك مخبول. فلابد أن تفهم ذلك من رواية الكاتب العالمي (جورج أورويل) “George Orwell” في روايته الرائعة (Animal Farm) “مزرعة الحيوانات
Two legs good, four legs bad.
All animals are equal, but same animals are more equal than other.
لا يعني من تفهم تلك الحقائق، أن نكون منبطحين في تعاملنا مع مجلس الأمن أو المجتمع الدولي، ولكن أُريد أن أوضح لكثير من المنفعلين والمتفائلين الذين يرون عدالة القضية السودانية الناتجة من جراء العدوان من دولة الجنوب على السودان في هجليج وحماسهم وربما فرحهم بما يسمى بالتعاطف الدولي أو تغير موقف المجتمع الدولي تجاه السودان، أو تفهم المجتمع الدولي لموقف السودان.
ولا أجدُ كثير عناءٍ في إثبات ذلك، وذلك من خلال تعامل المجتمع الدولي مع جريمة العدوان وماهو موقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة من التشريع والتقنيين لهذه الجريمة منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن.
أولاً لابد من الإشارة إلى أن جريمة العدوان من غير المتصور إرتكابها إلا بواسطة الدول ومن غير المتصور أن الدولة تقوم (وهي شخص معنوي) من تلقاء نفسها بإرتكاب جريمة العدوان إلا بأمر وموافقة رئيسها وكبار المسؤولين فيها. وبالتالي يكون رؤساء الدول وكبار مسؤوليها وهم المسؤولون جنائياً إذا قامت الدولة بإرتكاب تلك الجريمة. ولأن الدول العظمى تعلم أنها هي التي سوف تقوم بمثل هذه الجريمة، وعلى الرغم من علمها بأن غيرها سوف يقوم بها وبإذنها، لذلك نجد المماحكة والتعريف بجريمة العدوان.
بعد الحرب العالمية الأولى أقرت عصبة الأمم في 27/10/1924م تعريفاً للعدوان كالآتي”اللجوء إلى الحرب خارقاً للمواد (12، 13، 15) من نظام العصبة، يعتبر حرباً عدوانية. كما أن كلاً من غزا أراضي دولة الغير بالطرق البرية أو إجتياحها براً أو قصفها أو محاصرة شواطئها يشكل عدواناً” وفقاً لهذا التعريف يشمل العدوان الأفعال التالية:ـ
1. اللجوء إلى الحرب خرقاً للمواد (12، 13، 15) بموجب هذه المواد تكون الحرب عدوانية في ثلاث حالات:
أ. التجاء الدول إلى الحرب بغية حسم أي نزاع دولي قد تكون طرفاً فيه قبل عرض ذلك النزاع على التحكيم أو القضاء أو مجلس العصبة.
ب. لجوء الدولة للحرب بعد عرض النزاع للفصل فيه باحدى هذه الطرق، ولكن قبل مضي ثلاثة أشهر من تأريخ صدور قرار التحكيم أو حكم القضاء أو تقرير مجلس العصبة الذي يصدر بالإجماع.
ج. لجوء الدولة إلى الحرب بغية حسم أي نزاع دولي تكون هي أحد أطرافه كلما قبل الطرف الآخر للنزاع قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو إلتزم بقرار المجلس الصادر بالإجماع ولو في ميعاد الثلاثة أشهر المتقدم.
2. كل غزو لأراضي دولة الغير بالطرق البرية أو الجوية أو إجتياحها أو قصفها أو محاصرة شواطئها.
واضح من هذه النصوص أنها لم تعتبر العدوان جريمة على الإطلاق، إنما ميزت هنا بما يمكن تسميته بالحرب المشروعة وغير المشروعة ولا يعتبر عدواناً طالما لجأت الدولة المعتدى عليها للتحكيم، والتزمت مدة الثلاثة أشهر المنصوص عليها، ثم بعد ذلك قامت بالعدوان. والذي يفسر ويحدد كل ذلك هم الكبار المنتصرون في الحرب العالمية الأولى. بمعنى أدق أن الدول المنتصرة تركت لنفسها الرخصة القانونية في نصوص عصبة الأمم لتستخدمها متى ما أرادت ذلك.
وفي عام 1928م تم توقيع معاهدة “بريان كلوغ” في باريس “أعلنت الدول المتعاقدة بموجبها أنها تدين اللجوء إلى الحرب لفض المنازعات الدولية وأنها ترفضها كأداة للسياسة القومية. معتبرةً أن الحرب تكون مشروعة في حالة الدفاع عن النفس. وكذلك نكرر أن التفسير هو ما تقوم به الدول العظمى، وعلى ذلك يمكن أن يكون غزو العراق أو الحرب على أفغانستان أو تدمير لبنان هو حالة من حالات الدفاع عن النفس المشروع. وفي عام 1933م تقدم الاتحاد السوفيتي بمشروع مفصل لتعريف جريمة العدوان لم تتم الموافقة عليه بسبب المعارضة البريطانية والأمريكية”.
ولقد جاء ميثاق الأمم المتحدة خالياً من أي تعريف للعدوان بحجة أن لا يأتي التعريف دقيقاً وشاملاً مما يؤدي لاستفادة المعتدي من ذلك. ومما لاشك فيه أن السبب الحقيقي من وراء ذلك هو خشية الدول العظمى من أن تكون مقيدة لها أو تطالها أو تطال حلفائها إذا ما قاموا بإرتكاب جريمة العدوان.
وقد استبعد الميثاق وفق نصوص فضفاضة حل النزاعات الدولية على وجه يخل بالسلم والأمن الدوليين (المادة 2/3)، كما أوجب حل كل نزاع بالطرق السلمية في الفصل السادس (المواد 33 ـ 38). وحرّم الميثاق على الدول الأعضاء استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي الدول الأخرى أو الإستغلال السياسي لأاية دولة (المادة 2/4). وأجاز الميثاق استخدام القوة في حالتين فقط وفقاً للمادة (51) وهما حالتا الدفاع عن النفس واستخدام القوة بواسطة مجلس الأمن وفقاً للمادة (42) من الفصل السابع لإجبار الدول على تنفيذ قرارات المجلس وفقاً للبند السابع.
وحالة الدفاع عن النفس هي التي بررت بها إسرائيل اعتدائها على لبنان في العام 2007م وعدوان الولايات المتحدة على أفغانستان.
مع خلو الميثاق من تعريف لجريمة العدوان، استمرت الحروب العدوانية من قبل الدول المتنفذة وما سببته من آلام للشعوب المستضعفة دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار القرار (3314) في العام
1974م بتعريف جريمة العدوان واعتبرت المادة الثالثة أن الأعمال التالية تعتبر عدواناً.
أ. غزو أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أراضي دولة اخرى أو أي احتلال عسكري مهما يكن مؤقتاً.
ب. قصف دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدامها أسلحة من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى.
ج. حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.
د. أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة ما على القوات البرية والبحرية والجوية.
ه. سماح دولة باستخدام أراضيها التي وضعت تحت تصرف دولة اخرى من قبل تلك الدولة لإرتكاب عدوان ضد دولة ثالثة.
و. إرسال عصابات أو جماعات أو جنود نظاميين أو مرتزقة مسلحين.
مع العلم بأن قرارات الجمعية العامة لا يسري مفعولها أبعد من الحوائط المكيفة التي يحج إليها مناديب الدول من كافة ارجاء العالم، ولا يتجاوز مداها سقف الحوائط التي يقبعون تحتها في ضجيج وعويل، هكذا أراد واضعوا الميثاق الثلاث (بريطانيا ورسيا وأمريكا) لهذا الكمبارس في بقية دول العالم.
وقليل من يعرف بأن تعريف جريمة العدوان كان وراء تأخير ولادة المحكمة الجنائية الدولية قرابة نصف قرن من الزمان. وبالرغم من تلك العزيمة القوية (من ناس قريعتي راحت) لتضمن جريمة العدوان في ميثاق روما، إلا أن المؤتمر فشل في اعتماد أياً من التعريفات المقترحة ضمن مسودة النظام الأساسي، وخلا نظام روما من أي تعريف لجريمة العدوان. ونصت المادة (5/2) من نظام المحكمة على أن المحكمة ينعقد لها الإختصاص بجريمة العداون عندما يتم الإتفاق على التعريف ما يتوافق مع المادتين (123،121) عندما ينعقد المؤتمر (member Assembly ) بعد سبع سنوات مع وضع شروط ملزمة لابد من أن يراعيها المؤتمر وأُعطيت فيه حقوق غير قانونية وغير أخلاقية للدول التي لا توافق على تعريف جريمة العدوان في المؤتمر.
وعندما انعقدت جمعية الدول الأعضاء في العام 2010م في كمبالا وافق الأعضاء على تعريف الأمم المتحدة لجريمة العدوان بالقرار (3314) الصادر في العام 1974م ولكن لا ينعقد الإختصاص إلا بعد عام من مصادقة (30) دولة على التعديل المقترح ولا يتم ذلك إلا في المؤتمر القادم الذي ينعقد في العام 2017م لمراجعة التعديل وفق شروط استحالة تحققها. وكل ذلك مشروط بأن يقرر مجلس الأمن بأن عدواناً قد وقع بموجب قرار يصدر بموجب الفصل السابع وتتم الإحالة من مجلس الأمن حتى يستطيع المدعي العام ممارسة صلاحياته.
وتصر الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أن يكون لمجلس الأمن “حصرياً” تحديد ما إذا شكلت أفعالاً ما، قامت بها دولة ضد دولة أخرى فعلاً من أفعال العدوان. وذلك لأن الدول التي تمارس العدوان أما تقاطع المحكمة الجنائية الدولية (الولايات المتحدة وإسرائيل) أو تقيد صلاحياتها عبر ما يمكن تسميته بامتياز الفيتو الذي يسمح لها بوقف التحقيق في أي مقاضاة لمدة عام.
والسبب في كل هذه “المماحكة” كما ذكرنا هو أن جريمة العدوانيرتكبها رؤساء الدول كونهم المعنيون بإصدار القرارات المتعلقة بشن الحروب. والمسؤولية عنها تطال كل من اتخذ قرار الحرب أو شارك في إتخاذه وكل من عمل للتحضير له وكل من قام بتنفيذه، فليس بالمستغرب أن تعرقل الدول الكبرى عملية الوصول إلى تعريف لجريمة العدوان يستثنى من خلاله تقديم رؤساء الدول للمحاكمة ولا يحقق هذا إلا بجعل مجلس الأمن هو المسؤول “حصرياً” عن تحديد عما إذا كان عدواناً قد وقع!!!
على خلفية ما ذُكر نأتي للتعامل مع عدوان دولة الجنوب على السودان في هجليج وغيرها. صحيح أن رئيس دولة الجنوب قد اعترف صراحةً بالعدوان على هجليج، وصحيح ٌ أيضاً أن التكييف القانوني السليم يعتبر أن ما تم في هجليج ينطبق عليه وصف جريمة العدوان بعد أن أصبح جنوب السودان دولةً.
وصحيحٌ أيضاً أن استخدام الحركة الثورية وتسليحها واستخدام المرتزقة يدخل ضمن التكييف القانوني لجريمة العدوان.
وصحيحٌ كذلك أن ميثاق الأمم المتحدة يُعطي السودان بموجب المادة (51) حق الدفاع عن النفس يشمل حتى القيام بضربات استباقية.
ويصح كذلك وفق القانون الدولي أن دولة الجنوب تتحمل كافة الخسائر في الأرواح والممتلكات وعائدات التنمية ومواردها والنازحين ولحكومة السودان الحق بالمطالبة بذلك.
وصحيحٌ أيضاً وفق القانون الدولي في حالة عدم وجود توصيف متفق عليه في حالة إنفصال دولة “كحالتنا هذه” فإنه ينطبق مبدأ “كلُ مافي حوزته” حسب المناطق التي تم فيها تقرير المصير وتكون حدود الدوائر الجغرافية التي تم فيها الإستفتاء دليلاً على ذلك.
وعلى المجتمع الدولي إدانة العدوان وعليه وفق القانون الدولي والسوابق القانونية فرض عقوبات على دولة الجنوب وإلزامها بالخروج بالقوة إذا لزم الأمر، بل عليه تشكيل محكمة جنائية على سابقة محاكم نورمبيرج لجنرالات ألمانيا وعليه إحالة سلفاكير للمحكمة الجنائية الدولية.
كل ذلك صحيح منطقاً وقانوناً وعدلاً. ولكن أين يكون موقع ذلك من الإعراب في كل ما ذكرنا. وربما يكون ذلك تفسيراً لما تقوم به سوزان رايس من تقديم مشروع لمجلس الأمن يوقع عقوبات على كل من لم ينفذ الآتي خلال ثلاثة أشهر:
1. السماح بتصدير بترول الجنوب عبر أنابيب الشمال.
2. الإتفاق على الحريات الأربعة.
3. وقف العدائيات.
4. تسليم ابيي للجنوب.
واضح من ذلك بأن العقوبات المراد توقيعها على السودان. وواضح ذلك من بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي أصبح “محللاً” لنقل النزاع إلى مجلس الأمن. ولكن في تقديري لن يصدر قرار من مجلس الأمن يوقع عقوبات على السودان، إذا أفلح السودان في إقناع روسيا والصين بتفهم الذي حدث بالأدلة والحيثيات المقنعة وما زيارة وزير الخارجية لروسيا إلا في هذا الاتجاه وأرجو أن يكملها بزيارة للصين. كذلك المطلوب العمل إعلامياً وبصورة مكثفة لتوضيح الذي حدث لكل الأصدقاء في العالم العربي والإسلامي، وأعتقد أن العالم الآن مهيأ لسماع صوتنا وقضيتنا خاصةً بعد الإدانات التي تمت. يقلم: د. خالد حسين محمد
smc
شكرا ليك يادكتور على هذه المعلومات القيمه والتحليل الموضوعى ليت ابناء السودان وجلهم من العلماء ان يقوموا بتنوير الناس وتذكير الحكومه وترك النظره الضيقه للاشياء.كل ما جاء فى هذا التحليل صحيح من واقع ممارسات الامم المتحده ومجلس الامن فى تعديه على حقوق الدول الناميه وفقا لمصالح الدول العظمى وقد اكتوى السودان بكذا تفسير مصلحى واستعلائى للقوانين الدوليه حتى الان ترفض الدول العظمى وضع تعريف واضح للارهاب ختى تستغله فى تبرير تدمير الاخرين.الدبلوماسيه السودانيه يادكتور قادره على فهم كل ذلك والتحرك الفاعل لاطفاء كل الحرائق ضد السودان ولكن عدم فهم السياسيين لدور الدبلوماسيه وتغولهم عليها بالقول والفعل هى المشكله الحقيقه التى تعانى منها الدبلوماسيه السودانيه.يبدو ذلك واضحا فى تصريحات وافعال بعض الوزراء والمسؤلين
اكثر الله من امثالك يا دكتور.