تحقيقات وتقارير

عنف الأيادي الناعمة قتل الأزواج ظاهرة أم سحابة عابرة؟


عندما سرى خبر مقتل معلم مرحلة أساس بمنطقة الحاج يوسف بالسم والنار في يناير من العام الجاري لم يصدق أحد أن زوجته هي من أعدت المحرقة وقتلت زوجها بهذه الطريقة الموغلة في الوحشية وقبل أن يستقر الحدث كحقيقة في يقين الذين كانوا (يفركون عيونهم) توالت جرائم الزوجات في حق الازواج لتبلغ خلال شهور تحسب على أصابع اليد الواحدة إلى ما يشبه الظاهرة… فما الذي يحدث… هل نحن أمام ظاهرة حقيقية أنتجتها تفاعلات الواقع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية… أم أن الصدفة وحدها هي التي جمعت بين هذه الجرائم في هذا الظرف الزمني… هكذا تتطاير الاسئلة المربكة من جوف القضية ونحن هنا نحاول ملاحقتها وصولاً للقدر الممكن من الحقيقة…
وقائع تلامس الخيال
فكر معلم مرحلة الأساس في الزواج للمرة الثانية وسريعاً إتخذ خطوات عملية وتقدم لخطبة تلميذته في ذات المدرسة التي يعمل بها وبدا وكأن احلام وآمال المعلم تتنزل على أرض الواقع بسلاسة لكن القصة إنتهت بسيناريو مأساوي بدأ بتناول المعلم لوجبة كبدة ختمها بعصير برتقال وقبل أن يعيد الكوب إلى المائدة إنتابته آلام حادة تحولت إلى تشنجات إنتهت بأن أسلم روحه.
وتشير التحريات والوقائع إلى أن الزوجة وبمعاونة شخص آخر رسمت السيناريو الأسود بدس السم في الوجبة الدسمة التي تناولها ثم قاما بحشر الجثة داخل برميل معدني وصبا عليه البنزين وأشعلا فيه النار لكن أحدهم أبلغ شرطة النجدة التي هرعت الى مكان الحادثة لحق بهم المتحري وتيم مسرح الحادث وتيم الادلة الجنائية قسم الحرائق وعدد من افراد قسم شرطة الحاج يوسف وتم تحريز مكان الحادثة و فتح بلاغ والقاء القبض على الزوجة المتهمة الاولى وشريكها المتهم الثاني وضبطت الشرطة في مسرح الجريمة،صحنا وكوبا بهما بقايا السم (الصبغة) وبرميل معدني به آثار حريق و قنينة (كريستال) به مادة البنزين وكبريت وأمام الأدلة الدامغة سجلت الزوجة اعترافا قضائيا بالحادثة لكنها أنكرت التهمة عندما وصلت القضية مرحلة التقاضي.
بالفاس بتكسر الرأس
(المرة كان بقت فاس ما بتكسر الرأس) هذا مثل سوداني شائع ومتواتر لكن يبدو أننا في حاجة إلى مراجعة ما إذا كانت صلاحيته سارية ومعبراً عن الواقع الذي نعيشه اليوم بعد ان قتلت زوجة تبلغ (19) عاماً زوجها في أواسط فبراير الماضي بتسديد ضربة قاضية بفأس على رأسه قسمته الي شطرين وحسب الخبر المنشور فإن خلافا أسريا هو الذي دفع الزوجة الشابة إلى هذا السلوك العنيف بينها في منزل الأسرة بأحدى ضواحي مدينة الجنينة بولاية جنوب دارفور. القت الشرطة القبض على الزوجة فور وصولها وحاولت أيضا اسعاف الزوج الى المستشفي الا انه لفظ انفاسه الاخيرة متأثراً بجراحه وما زالت الزوجة الشابة قيد الحجز على ذمة القضية.
وفي الهزيع الأخير من أبريل الماضي أقدمت زوجة على تهشيم رأس زوجها بضربة محكمة (بيد الفندك) في منزلهم بدار السلام غرب سوق ليبيا، إثر نقاش حاد تجاوز صداه غرف الدار وتناهى إلى أسماع الجيران، وسجلت الزوجة اعترافاً في يومية التحري وتقول تفاصيل القضية أن الزوجة عقب قتلها لزوجها ليلاً نامت قرب الجثة وفي الصباح أخطرت الجيران بأن لصوصاً سطوا على منزلهم ليلاً وقتلوا زوجها لكنها انهارت وأقرت بارتكابها للجريمة عندما واجهتها الشرطة بالأدلة.
آخر جرائم الزوجات وقعت قبل أيام ومسرحها دار السلام أمبدة حيث أنهت زوجة حياة زوجها بعد أن وجهت له ضربة قاضية بـ(كوريك) في حلقه وأتبعتها بضربات متفرقة في جسده وتمكنت شرطة أمبدة، من فك طلاسم جريمة القتل البشعة التي وقعت قبيل آذان الصبح وفيما كان مواظبة القتيل على الصلاة بالمسجد،سبباً في إكتشاف الجريمة حيث إفتقده المصلون في صلاة الصبح وتوجهوا الى منزله للاستفسار عن اسباب عدم حضوره للمسجد وقاموا بطرق الباب ثم دفعوه ودلفوا الى باحة المنزل، وتفاجأوا بالجثة (مغطاة) والدماء تسيل منها وهو في فراشه.
من خارج الحدود
ومن أبرز حوادث قتل الزوجات التي أثارت جدلاً في المواقع الإلكترونية إقدام امرأة باكستانية تدعى زينب على وضع نهاية مأساوية لحياة زوجها، بأن قامت، بمساعدة أحد أقاربها، بقتله ثم قطعت جثته إلى أجزاء، وشرعت في طبخها، بعدما إكتشفت أنه يسعى لإقامة علاقة جنسية مع ابنتها (من زوج آخر)، بحسب ما نقلت تقارير إعلامية أكدت أيضا أن الزوجة بدأت في طبخ أجزاء من جثة زوجها، عندما تم إلقاء القبض عليها، للتخلص من الجثة بطريقة يصعب معها اكتشاف الجريمة، وذكرت أن الجيران أبلغوا الشرطة بعدما فاحت رائحة كريهة من المنزل.
وفي مصر قتلت زوجة زوجها بمساعدة عشيقها بمنطقة العجوزة ورمي جثته في ميدان عبد المنعم رياض أثناء المجزرة التي وقعت في ماسبيرو للإيحاء بأنه أحد ضحايا الأحداث وإقتربت كثيراً من الجريمة الكاملة بهذه الفكرة الشيطانية إلا أن شكوك شقيق الزوج القتيل أفسد تدبيرها المحكم للإفلات من العدالة وتسببت في كشف تفاصيل الجريمة التي شاركها فيها عشيقها الذي أقنعته بإطلاق النار على زوجها في شقتها بالعجوزة، ونقل جثته إلي ميدان عبد المنعم رياض وقالت الزوجة أنها كانت على خلاف مع زوجها منذ فترة وعندما اندلعت أحداث ماسبيرو راودتها فكرة التخلص منه، وإلقاء جثته وسط المتظاهرين للإيهام بأنه قتل في الأحداث التي شهدت سقوط 25 قتيلا و329 جريحا خلال مواجهات رافقت تظاهرة للأقباط في القاهرة احتجاجا على هدم كنيسة لهم في قرية الماريناب بإدفو في الصعيد.
عنف حصري..
نظرة عابرة على الحالات المحلية التي إستعرضناها وتلك التي أغفلناها بحكم ضيق المساحة توضح أن عنف الجنس اللطيف في السواد الأعظم من الحالات موجه حصرياً على الزوج ويندر ندرة أقرب إلى العدم أن يتخطى عنفها أسوار عش الزوجية إلى المساحات العامة وتلوح الصحفية والناشطة صباح محمد آدم بهذه الملاحظة وتقول أنها دليل على أن العنف ليس من طبيعة المرأة وتضيف أن هذا النوع من العنف ليس أمراً جديداً لكنها حالات فردية لايمكن تعميمها وهو عادة يحدث نتيجة لأسباب قد تكون إقتصادية أو عاطفية وبالرغم من أنها قالت أن العنف ضد الأزواج سلوك لا يمكن الدفاع عنه إلا أنها قالت أن هناك دوافع قوية ربما تحمل المرأة على العنف فمثلا في بعض الأحيان تكون موارد الأسرة ضعيفة لا تمكنها حتى من رعاية أطفالها وبالرغم من ذلك يقدم ربها على الزواج مجدداً ليكون أسرة جديدة تزاحم الاولى في إمكانياتها الشحيحة والخوف على مصير الاسرة يمكن أن يكون من الأسباب التي تدفع المرأة نحو السلوك العنيف وكذلك إدمان الزوج للكحول وهنا عليك أن تتخيل نوعية الحياة التي تعيشها الاسرة عندما يكون الزوج من الذين يعودون ليلا بشكل يومي وعقله غائب(سكران) يضرب ويسب ويلعن وتضيف أنا هنا لا أبرر العنف لكن عندما نتحدث عن قضية كهذه يجب أن نتناولها بالشمول الذي تستحقه.
وتؤكد صباح مجدداً أن العنف ليس من طبائع المرأة وإن كانت هناك زيادة ملحوظة في جرائم الزوجات ضد الأزواج يجب أن نتعامل معها بشكل علمي لكن المشكلة نحن في السودان لا نملك لا مؤسسات ولا علماء للإهتمام بالقضايا الاجتماعية.
حوادث أم ظاهرة
وضعنا ملخصاً لهذه الجرائم على طاولة الدكتور خليل مدني استاذ علم الإجتماع بجامعة النيلين الذي إعترض إبتداءً على وصف هذه الجرائم بالظاهرة وقال أن الأخيرة توصف بها الاحداث القوية والمتكررة والمستمرة التي تفرض نفسها ورغم أن الامثلة التي سقناها سجلت خلال (3 إلى 4) شهور إلا أن مدني قال أنها لا ترقى لأن توصف بالظاهرة خاصة في الخرطوم التي بها حوالي (9) مليون نسمة يشكلون مجتمعاً ضخماً في طور التكوين بإعتبار أنه يضم مجموعات تتباين ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها قادمة من بيئات مختلفة من داخل البلاد لأسباب تتعلق بالإضطرابات الأمنية والجفاف، أو من خارجها حيث أن مجموعات كبيرة من الأجانب إستقرت فيها خاصة الأفارقة من جهتي الغرب والشرق بسبب عدم وجود مياه في السافنا الأمر الذي أدى إلى موجات هجرة نحو النيل وفي مجتمع كهذا لا يمكن أن نعتبر هذه الجرائم التي تعد على أصابع اليد الواحدة التي وقعت خلال شهرين أو ثلاثة ظاهرة حتى لو تضاعفت ووصلت إلى إلى (10) جرائم تبقى مسألة عادية لا تتعدى كونها مجرد حوادث تماماً كحوادث المرور التي تتسبب فيها عوامل مختلفة وأسباب لا رابط بينها وليس ظاهرة إجتماعية ذات مسببات متشابهة وينبه مدني ويضيف:يجب أن يتم تناولها في الصحافة إنطلاقاً من هذه الحقيقة وليس بإعتبارها ظاهرة إجتماعية بحثاً عن الإثارة.
وبالرغم من تهوينه لهذا النوع من الجرائم وبإعتبارها حوادث عادية إلا أنه قال أن الظروف الإقتصادية التي يعيشها المجتمع السوداني من شأنها أن تنتج مشاكل إجتماعية كثيرة لأن هذه الضغوط تتسبب في تآكل ما يسمى بحزام الأمان في المجتمعات وتؤثر سلباً على العلاقات الإجتماعية ويضعف مبدأ التكافل والتراحم والكل يقول في مثل هذه الظروف (نفسي نفسي).
والمرأة السودانية في نظر مدني ليست ضعيفة ولا ضحية للعنف بل قوية وهي التي تسير الحياة الإقتصادية وفي بعض الأحيان حتى السياسية ويقول ضاحكاً (معظم نجوم المجتمع اليوم عدلاء) بمعنى الزوجة هي الرابط وفي الماضي فإن كتب التاريخ تحدثنا عن قوة ومكانة المرأة في هذه البلاد لذا فإن الحديث عن ضعفها وتعرضها للعنف بإعتبار أننا مجتمع شرقي ليس صحيحاً لأن الوضع هنا مختلف عما هو عليه في كثير من دول الإقليم خاصة العربية.
فعل ورد فعل
(عنف الازواج ولا الزوجات) بهذه العبارة بدأت الدكتورة عبير عبدالرحمن إفاداتها ولا ندري إن كانت الجملة إستنكارية أم تعبير عن الدهشة وفي كل الاحوال فإن عبير بعد أن شرحنا لها أبعاد القضية قالت إن خروج المرأة من طبيعتها المسالمة ووصولها لمرحلة إرتكاب جريمة القتل لابد أن يكون وراءه قصة طويلة وتضيف ضاحكة (حتماً البادئ فيها أظلم) بمعنى أن عنفها عنف إستجابة أو رد فعل لعنف الزوج والرجل بطبيعته عنيف وهذا أمر معروف وهناك زوجات لهن القابلية للتعايش مع عنف أزواجهن لكن في المقابل هناك من يملكن هذه الخاصية ويستجبن للعنف بالعنف ولكن في حال وجدت المرأة الاحترام والمكانة التي تليق بها كأم وزوجة فإنها تكون الأم والزوجة التي نعرفها. وتشير إلى بعد آخر وتقول أن ضعف الزوج يمكن أن يحفز بعض الزوجات لمعاملتهم بعنف ولكن ليس من الوارد أن تصل لدرجة أن ترتكب جريمة قتل لكن قطعاً العنف ليس طبيعة في المرأة التي يمكن أن تمارسه دفاعاً عن النفس أو كرد فعل لعنف مسبق وفي بعض الحالات خوفاً على الأسرة أو دفاعاً عنها فالمرأة السودانية فكرتها متكاملة عن الزواج وتشمل الأسرة والأبناء وليس الزوج وحسب.
وفي تعليقها على الحالة الأولى (معلم الحاج يوسف) قالت: في هذه القضية الوضع مختلف فالتعدد أمر موجع للزوجات لطبيعة تركيبتهن ومن الممكن أن يفعل بعضهن أي شئ بما فيه القتل للحيلولة دون أن تشاركهن أخرى في أزواجهن.
وتختم عبير حديثها بتجديد التأكيد أن الزوجة لا تلجأ للعنف إلا إستجابة لعنف مسبق متراكم سواء كان جسدياً أو حتى معنوياً كالاستفزاز وعدم الاحترام ونحوه ويجب أن تجد كل زوجة وأم مكانتها وإحترامها حتى تعيش الأسرة في دفء وسلام.
في مقدمة التحقيق طرحنا عدة أسئلة أبرزها حول ما إذا كانت جرائم الزوجات ضد الأزواج ظاهرة أنتجتها تفاعلات الواقع أم أن الصدفة وحدها هي التي رفعت مؤشر هذه الجرائم في الفضاء الزمني الضيق الذي تواترت فيه وبإستقراء الافادات يبدو واضحا أن الأمر ليس ظاهرة خطيرة وحسب خبير علم الإجتماع الدكتور خليل مدني هي حوادث عادية خاصة في مجتمع في طور التكوين تتباين ثقافات وإثنيات مكوناته.
صحيفة السوداني 19/5
قذافي عبد المطلب


تعليق واحد

  1. [SIZE=4]ما ظاهرة جديدة منذ الاذل معروف انو النسوان سفاحات ومجرمات والواحد لازم يخت المرة تحت جزمتو عشان ماتعمل حاجة انت لو من البداية ضربت مرتك واهنتها مابتقدر ترفع عينها عليك[/SIZE]