تحقيقات وتقارير

المهدي وتيارات (الأمة) .. هل تنقطع (الشعرة)؟!


شخصية رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار الصادق المهدي المغرمة بالشعر العربي والعامي والأمثال والحكم جعلته يزين جميع خطبه ومقالاته وحتى تصريحاته بها، ولكن بخلاف استخدامها في الأحاديث فإن الرجل يستنبط بعضاً منها في مجال حراكه السياسي والتنظيمي.
طيلة الفترة الماضية بدأ أن المهدي اختط في تعامله مع التيارات المختلفة داخل حزبه وفي إدارة الملفات المعقدة والتباينات الكبيرة التي برزت في الحزب طيلة السنوات الثلاث الماضية بالمقولة المنسوبة لأول خلفاء العهد الأموي معاوية بن أبي سفيان والتي يقول فيها: (لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما أنقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها)، إلا أن الأيام الماضية شهدت انحرافاً عن هذا النهج واستبداله بآخر من خلال فتحه النار على جميع التيارات الأخرى بالحزب في وقت واحد ومتزامن على نسق المقولة الشعبية (الممطورة ما بتبالي من الرش).
دوافع الخلاف مع مبارك
أبرز الظواهر التي استوقفت المراقبين خلال الفترات الماضية هو تعمد رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار الصادق المهدي توجيه انتقادات مستمرة لابن عمه مبارك الفاضل والتي كان آخرها اتهامه بالعمل على شق صفوف الحزب لصالح دولة الجنوب، ولعل استمرار تلك الاتهامات جعلت التساؤل المطروح من قبل العديد من المراقبين والمتابعين يتصل بمبررات تلك الحملة التي يشنها المهدي على ابن عمه والغرض منها.
يرى عدد من المتابعين للشأن الداخلي بحزب الأمة أن أحد الدوافع الأساسية والرئيسية لهذه الحملة هي دفع مبارك للابتعاد من الحزب وفتح المسار أمامه لمغادرة صفوفه بشكل فردي أو مع كامل المجموعة التي انضمت معه وانخرطت في الأمة القومي عقب الإعلان عن حل حزبهم (الإصلاح والتجديد) دون قيد أو شرط وانخراطهم في صفوف الحزب قبل التوصل لأي اتفاق لكيفية استيعابهم.
خطوة الانضمام غير المشروط والعودة لصفوف الأمة القومي أربكت المهدي بشكل كبير باعتبار أن المباحثات بين الجانبين تعثرت جراء الاختلاف على نقطة جوهرية بتمسك الأول باستيعاب مجموعة الإصلاح والتجديد كأفراد في ما كان يطالب مبارك وأنصاره باستيعابهم كمؤسسة وحزب، ولذلك فإن القبول بحل الإصلاح والتجديد والاندماج الفوري بمؤسسات الأمة القومي خلطت الأوراق بشكل كبير، ووقتها تم انتهاج أسلوب بديل يتمثل في عرقلة استيعاب مبارك ومنسوبي حزبه وتسكينهم في هياكل الحزب.
الاستدلال الأكبر على هذا الأمر هو عدم وجود صفة حزبية لمبارك بالحزب رغم مرور قرابة العامين على إعلان اندماجه بالأمة القومي سيما عند مقارنة حالته بالأمين العام السابق لحزب الامة المقال الفريق صديق محمد إسماعيل الذي عين نائباً لرئيس الحزب تقديراً لقبوله القرار الديمقراطي بإقالته في حين أن الأول قبل بالعودة لصفوف الحزب وحل مؤسسته التنظيمية والانخراط بلا أدنى شروط.
هنا قد يطرح تساؤل حول الدوافع الحقيقية لإبعاد مبارك والتي تنحصر حسب تحليل أولئك المراقبين في أمرين أحدهما قصير المدى والآخر بعيد المدى، أما الأول فهو تبني مبارك لخط مخالف لمواقف ابن عمه في ما يتصل برؤيته السياسية في كيفية التعامل مع المؤتمر الوطني بجانب علاقته مع دولة جنوب السودان وبقية أطراف المعارضة وهي اتجاهات تقوض الدور السياسي الحالي للمهدي الذي بات لديه خطوط قوية مع حكومة المؤتمر الوطني ويشارك في الطاقم الرئاسي بمساعد رئيس هو نجله الأكبر العقيد عبدالرحمن الصادق وبدأ واضحاً أن جميع مواقفه وتحركاته تستصحب عدم قطع الشعرة التي تجمعه بالوطني مهما كانت الظروف والمبررات والأسباب، ولذلك يعتبر مبارك أحد العوامل المهددة لهذه الشعرة ولذلك يجب العمل على تحجيمه – بعدم منحه صفة حزبية رسمية – مع العمل على تهيئة الظروف التي تفضي لإخراجه من صفوف الحزب.
أما الأمر بعيد المدى وهو الذي يصنف بوصفه الدافع الأساسي لمساعي المهدي لإبعاد ابن عمه من الحزب فهو متصل بملف الترتيبات المستقبلية لرئاسة الحزب التي يعد مبارك أبرز المرشحين لشغلها استناداً على العديد من المعطيات أبرزها تجربته السياسية، أما محاولة إثارة ضعف المقدرات الفكرية بينه وبين المهدي فإن الأمر ليس استثناء يقف عنده وإنما يشمل جميع المرشحين للرئاسة المستقبلية بما في ذلك أبناء المهدي الذي يسعى لتقديمهم لرئاسة الحزب وهو ما سيضعف فرصهم وحظوظهم في حال منافستهم من قبل عمهم.
لذلك فإن المخرج من هذا المطب – طبقاً لأولئك المراقبين – هو العمل على إخراج العم بشكل استباقي من المرحلة الأولى وقبل بدء السباق عبر استدراجه لمواجهة إعلامية مكشوفة مع رئيس الحزب تضعف موقفه، مع إمكانية توظيف لجنة الانضباط بالحزب – التي سبق تجريبها من قبل في العام 2002م ضد مبارك – من خلال إصدارها لعقوبات بالتجميد أو الفصل، إلا أن اللجوء لهذه الخطوة يحتاج لمبررات قوية ومقنعة، ولن تمر مرور الكرام داخل الحزب أو حتى وسط أسرة آل المهدي.
تصدعات بـ(آل المهدي)
أخطر ما أحدثته مواقف رئيس حزب الأمة القومي التي تبناها في الآونة الأخيرة هو تسببها في إحداث تصدعات في جدار مسانديه ومؤيديه في أسرة (آل المهدي) بشكل كبير وغير مسبوق.
فنائب رئيس حزب الأمة القومي نصرالدين الهادي المهدي وجد نفسه في وضع حرج حينما تبرأ رئيس حزبه من تحركاته الخارجية والتي كان آخرها توقيعه لاتفاق مع جبهة القوى الثورية وانضمامه لها – والتي بات يشغل منصب نائب رئيسها – مما جعله يصدر بيانات يؤكد فيها اتخاذه لمواقفه السياسية استناداً لصفته التنظيمية والحزبية كنائب لرئيس الحزب.
بخلاف الجانب الرمزي لنصرالدين باعتباره ابن الإمام الهادي آخر أئمة طائفة الأنصار المجمع عليهم، فهو شخصية محبوبة وسط قواعد الأنصار والحزب، كما أن تحركاته السياسية مؤخراً المعادية للحكومة بدأت أكثر تقارباً مع الرأي العام وسط قواعد الحزب ومسنوبيه، وينظر له أيضاً بوصفه أحد حكماء الأسرة والحزب في ما يتصل بمعالجة الأزمات الداخلية، ويعتبر أحد أبرز الاختراقات المفصلية التي أكملها هو إكمال عملية اندماج حزب الأمة الإصلاح والتجديد بقيادة مبارك الفاضل داخل الأمة القومي دون قيد وشرط.
من الضروري الإشارة هنا إلى أن المعارك التي يخوضها المهدي ضد منسوبين من (آل المهدي) توجد عوامل أخرى غير سياسية تؤثر عليها وتدفعه في أحيان عديدة للتراجع وتعديل موقفه وإعادة تشكيلها للحيلولة دون تعرض جبهة مناصريه من (أل المهدي) لأي تصدعات سيما أن الصادق المهدي نفسه ليس شخصية مجمع عليها وسطها في ما يتصل بجزئية الإمامة التي يتنازع عليها مع عمه أحمد المهدي في ما يرفض عدد من أبناء الإمام الهادي المهدي الاعتراف بإمامته، لكن بدأ في أيامه الماضية غير مستصحب لهذه الجزئية.
وللتدليل على تأثير هذا الأمر على المهدي وكثافة نيرانه التي يطلقها على خصومه، فقد أورد مراقبون لأوضاع حزب الأمة القومي لـ(السوداني) واقعة حدثت قبل فترة إبان اتهامات سابقة وجهها المهدي لابن عمه مبارك الفاضل خلال الفترة الماضية والتي أثارت غضب إسماعيل عبدالله الفاضل المهدي والذي ظل رغم الخلافات العميقة التي ضربت الحزب مسانداً للمهدي وعاتبه عليها وهو ما دفعه لإصدار بيان توضيحي تراجع فيه ضمنياً عن تلك الاتهامات.
تأزم أوضاع
ترتبت نتائج وخيمة وغير مسبوقة عن المؤتمر العام الأخير لحزب الأمة القومي في العام 2009م إذ أفضى الخلاف حول انتخاب الأمين العام للحزب الفريق صديق محمد إسماعيل لحالة من الاحتقان الداخلي وأفضت لتكتل المجموعة المعترضة في مجموعة أطلقت على نفسها (التيار العام).
عقب اجتماع الهيئة المركزية للحزب والذي صدر فيه قرار بإعفاء الفريق صديق محمد إسماعيل من منصبه كأمين عام للحزب وانتخاب د. إبراهيم الأمين خلفاً له توقع الجميع أن تفضي تلك الخطوة لإعادة ترميم جسد الحزب الذي انهكته الخلافات.
إلا أن المفاجأة التي كانت في انتظار الجميع هو لجوء المهدي للالتفاف على قرارات إقالة إسماعيل بشكل متعمد وممنهج كان أولها إصداره قراراً بتعيينه نائباً لرئيس الحزب تقديراً له لقبول القرار المؤسسي بإبعاده من منصبه، وهو أمر فتح الباب أمام العديد من الاستفهامات سيما أن سجل الحزب حافل بالعديد من الذين قبلوا نتائج ديمقراطية وكانوا أجدر وأحق بهذا الاستثناء أبرزهم الأمير عبدالرحمن نقدالله الذي تقبل خسارته الانتخابات على منصب الأمانة العامة أمام منافسه المرحوم عبدالنبي علي حسن وحتى د. إبراهيم الأمين الذي قبل نتيجة انتخابات المؤتمر الأخير على عكس منافسه محمد الدومة المحامي الذي رفضها هو وأنصاره وشككوا فيها حيث لم يحظى أي منهما بهذا الوضع الاستثنائي وهو ما فتح باب التساؤلات (ولماذا يحظى الفريق بهذا الأمر دون غيره؟)، ومضى آخرون لأكثر من ذلك حينما ألمحوا لتخوف المهدي من مغبة رد فعل الفريق صديق عقب إقالته وإمكانية انضمامه لحزب المؤتمر الوطني، فيما ذهب آخرون لمنحى مختلف حينما أشاروا لرمزية الإبقاء على صديق باعتبارها رسالة للوطني مفادها أن تيار الحمائم الساعي للتقارب معهم لا يزال ممسكاً بمقاليد الأمور.
أما الأمر الثاني فهو حسب ما ذكره متابعون لـ(السوداني) فالمتمثل في عرقلة المهدي لتشكيل الأمانة العامة للحزب بإلغائه لقرار تشكيلها بسبب مطالبته بتمثيل المجموعة التابعة للأمين العام المقال بـ7 أمانات من جملة 21 أمانة، رغماً عن استيعاب منسوبي الأمانة السابقة في التشكيل الملغي في ثلاث أمانات مع إشارتهم لعدم وجود مسوغ منطقي نسبة لإقالة الأمين العام من منصبه بسبب فشل عمل أمانته العامة.
لكن هنا قد يطرح تساؤل (من هو المستفيد من تعطل وغياب الأمانة العامة للحزب؟)، وهنا لن تحتاج الإجابة لكثير عناء والمتمثلة في الجهة التي عرقلت تشكيلها حتى اللحظة وهو المهدي نفسه باعتبار أن تغييب الأمانة العامة يمثل عنصراً مساعداً لاستمرار (سيولة) المواقف السياسية للحزب حيث يصعب تصنيف مواقفه هل هي حاكمة أم معارضة، وهو أمر كان بالإمكان استمراره في ظل وجود الفريق صديق الذي لا يرفض فكرة التقارب الكامل مع الوطني والشراكة السياسية، على عكس خلفه د. إبراهيم الأمين الذي قد يقبل بالتحاور مع (الوطني) دون الولوج في شراكة سياسية.
ذات الأمر هو ما دفع المهدي – طبقاً لأولئك المراقبين – لتحريك إجراءات فصل عدد من قيادات (التيار العام) على رأسهم د. آدم موسى مادبو من عضوية الهيئة المركزية في هذا التوقيت رغماً عن غيابهم لعدة سنوات بهدف قطع الطريق أمام أي تحالف قد ينشأ بينهم وبين المجموعة المساندة للأمين العام الحالي تفتح الطريق أمام مشاركتهم في اجتماعات الهيئة المركزية وبالتالي ضرب أي تحالف محتمل ممكن أن ينشأ بين المجموعتين يستهدف الفريق صديق ومجموعته.
خطوة فصل قيادات من التيار العام من الهيئة المركزية للحزب أثارت غضباً وسط قطاعات عديدة بالحزب سيما الشباب والذين تراكمت لديهم الاحتجاجات على مواقف الحزب السياسية وعلى رأسها مشاركة نجل رئيس الحزب بالحكومة، بجانب موقف الحزب ورئيسه الضبابي من التظاهرات الأخيرة ومواقفه غير الواضحة من الجزئية الخاصة باسقاط النظام.
المشهد الآن
الشكل النهائي للأوضاع الراهنة بحزب الأمة تشير إلى أن رئيسه يخوض الآن معارك داخلية في آن واحد بعدة جبهات أولها مع القيادي بالحزب مبارك الفاضل وثانيها مع نائبه نصر الدين الهادي المهدي وثالثها مع الأمين العام للحزب د. إبراهيم الأمين ورابعها مع قيادات ورموز (التيار العام) وخامسها مع قطاعات الشباب والطلاب بالحزب وهو ما يجعل التساؤل الرئيسي المطروح الآن بالساحة الداخلية للأمة القومي هو (هل بإمكان الرجل قيادة سفينة الحزب في ظل هذه الجبهات الداخلية المفتوحة، ومدى مقدرته على الحفاظ على تماسك البنية الداخلية التي انهكتها التصدعات؟).
بخلاف المعارك الحزبية فإن المهدي يخوض مواجهات خارجية مع عدة جهات بدءاً من حلفائه الحكام بحزب المؤتمر الوطني ورصفائه المعارضين في تحالف قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية وهو ما جعل المهدي في خضم هذه الأوضاع هو القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع كل الفرقاء بالساحة السياسية السودانية ولكن ليس بالاتفاق حوله وإنما بالخلاف معه.

تحليل: ماهر أبوجوخ
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. [SIZE=6][B]هذا هو حال أحزابنا الكبرى وهؤلاء هم زعماءنا وقادتنا وسادتنا والذين فشلوا فى الحفاظ على وحدة أحزابهم والسيطرة على قيادات أحزابهم حيث شهدنا الحزبين الكبيرين الأمة والإتحادى وقد تمرد الكثير من قياداتهم على الحزبين وزعيميهما وخرجوا عن طوعهم ، فهناك على محمود حسنين من الإتحادى والذى لا زال يُسمى نفسه نائب رئيس الحزب مع انه يقود جبهة يسميها بالعريضة من لندن لإسقاط الحكومة من هناك بالريموت كنترول وشهدنا كيف تمرد التوم هجو وإنضم للجبهة الثورية وكذلك سمعنا بقيادى مغمور فى حزب الأمة يقول كذلك إنه نائب رئيس حزب حزب الأمة هو الآخر يخرج على حزبه وينضم للجبهة الثورية ويعتصم هو الآخر بلندن ويصدر منها بيانات ضحك عليها كل من قرأها !![/B] [/SIZE]