إننا نعيش حَيَاةً مستعملة ..!!
عِنْدَمَا يَنْهَضُ فِي وَجْهِ الشُّرُوْقْ
رُبَّمَا نُنْفِقُ كُلَّ العُمْرِ.. كَيْ نَنْقُبَ ثَغْرَةْ
لِيَمُرَّ النُّوْرُ لِلأَجْيَالِ.. مَرَّة!
رُبَّمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الجِدَارْ..
مَا عَرَفْنَا قِيْمَةَ الضَّوْءِ الطَّلِيْق!!
فِي البَدْءِ كَانَ الكَلِمَة
ينهمك الكُتَّاب في كلّ مكان وعصر في الكِتَابة لأنفسهم أو للناس. يكتب البعض ليشارك الآخرين ما يعرفه، ويكتب البعض تعبيراً عن نفسه دون الاهتمام بأن يشاركه أحد، ويكتب آخرون للتعليم والإرشاد والتوجيه، ويكتب جماعة منهم ببساطة للتخلص من الألم، من وجع الأفكار المزدحمة في رؤوسهم والتي تؤرِّق نومهم وترهق أعصابهم. وفي كلّ الحالات تظلُّ الكتابة فعلاً ناقصاً يكتمل بالقراءة.
؛؛؛ الكاتب مهما بلغت براعته لا يمكنه أن يوصل أفكاره كما تدور في ذهنه، فاللغة والكلّمات تحمل المعنى بطريقتها، والقارئ يفهم ويفسِّر الكلّمات بطريقته ؛؛؛
القراء من جانبهم ينظرون بتبجيلٍ أو شك، بدهشةٍ أو ازدراء، بإعجابٍ أو غيظ لما يقع بين أيديهم، فيعيدون كتابة الكتاب أو المقال من جديد، عندما يفسرونه كما يريدون أو كما تسوقهم أذهانهم ومعارفهم.
لا يمكن لكاتب مهما بلغت براعته أن يوصل أفكاره كما تدور في ذهنه، فاللغة والكلّمات تحمل المعنى بطريقتها، والقارئ يفهم ويفسِّر الكلّمات بطريقته.
توهان الكلمات
ما فهمتَهُ من أحدٍ ما ليس هو ما قاله هو بالضبط، وما قال ليس هو ما جال بخاطره بالضبط، إذ كثيراً ما تخزلنا اللغة أو الكلمات أو التعبير أو الفصاحة أيَّاً كان اسمها. أحياناً يمكنك أن تفهم دون أن تسمع، دون أن تتوه بين الكلّمات.
؛؛؛ الكُتّاب يملكون سلطةً هائلةً على القُرّاء، الذين يملكون بدورهم سلطةً على من حولهم عند السعي لإقناعهم باتِّباع هذه الأفكار أو الابتعاد عن طريقها الخطر ؛؛؛
ليتَ الناس يتحدثون أقلّ ما يمكن ليسهل علينا التعامل مع مفرداتٍ أقلّ وتشويشٍ أقلّ.
الأفكار التي في الذهن في حالة تشكلّ مستمر ويمكنها أن تتغير لتكون أي شيء، لعل العبقرية إذاً في الكتابة هي اصطياد “قيد” تلك الأفكار المضطربة المتطايرة وتجسيدها في شكلٍ واضحٍ وهيئةٍ محددةٍ يمكن للآخرين الحكم عليها والتفاعل معها، يمكنهم أن يؤمنوا أو يكفروا بها.
إذاً، فالكُتّاب يملكون سلطةً هائلةً على القُرّاء، الذين يملكون بدورهم سلطةً على من حولهم عند السعي لإقناعهم باتِّباع هذه الأفكار أو الابتعاد عن طريقها الخطر.
بعض الكُتَّاب، بخبرته وشهرته وتفوقه، يملك هذه السلطة فعلاً والبعض يكتسبها شيئاً فشيئاً والبعض يسعى وراءها بكتابة أيِّ شيء أو حتى سرقة جهد آخرين.
سُلْطَةُ الكَاتِبِ وَسُلْطَةُ القَارِئ
لكن برغم دور الكتب في نشر المعرفة والعلم والثقافة وتوثيق التجارب والخبرات والتراث والأدب والفنون والجنون والعقل والجمال والقبح، برغم ذلك كلّه. ألسنا نغالي في القيمة التي نمنحها للكتب والكُتَّاب. ألسنا نمنحهم سلطة أعلى من اللازم، سواءً اتفقنا أو اختلفنا مع أفكارهم.
؛؛؛ السؤال الذي يطرح نفسه: ألسنا نمنحهم سلطة أعلى من اللازم، سواءً اتفقنا أو اختلفنا مع أفكارهم. ألسنا نتنازل عن ذواتنا ومعارفنا ورؤيتنا لأجل رؤيتهم؟ ؛؛؛
ألسنا نتنازل عن ذواتنا ومعارفنا ورؤيتنا لأجل رؤيتهم. ليس الأمر صراعاً أنانياً أو نرجسياً، لكن عندما تعيش وفقاً لرؤية أحدهم فأنت تعيش حياة مستعملة. ترى بعينيه وتفكِّر بذاكرته التي صوَّرت الحياة في ومضة تجليها أمامه، وهي على جمالها قد لا تشبه الومضة التي تتجلى أمامك.
الحياة غنيةٌ إلى حدِّ أن تشابهها قد يعني شيئاً وقد لا يعني أيَّ شيءٍ البتة، فالوهم والحقيقة يتبادلان الظهور والخفاء. نفس المعنى يحلُّ في عقلين على نحو مختلف، نفس الكلّمة لها ظلال متباينة في عقول متعددة. الناس كلّهم يتشابهون كثيراً جداً وفي نفس الوقت لا يتشابهون البتّة.
أَنْ تَكُوْنَ أُمِيَّاً
المعارف والعلوم والثقافة لا تصنع بالضرورة شخصاً أفضل، وكثرة المعلومات لا تصنع بالضرورة إنساناً عالماً. ثمة معرفة داخلية نولد بها جميعاً، بشكل ما نعرف ونفهم ونقيِّم ونختار ونتصرَّف بشكل سليم دونما ثقافة.
؛؛؛ المعارف والعلوم والثقافة لا تصنع بالضرورة شخصاً أفضل، وكثرة المعلومات لا تصنع بالضرورة إنساناً عالماً
؛؛؛
لكلٍّ منا كتابه الذي عليه أن يقرأه قبل أن يقرأ غيره، قبل أن يمتلي بما أنتجته أذهان الآخرين. يملك كلّ واحدٍ منَّا، مهما كانت معرفته وثقافته محدودة، وجهةَ نظرٍ ما وفكرةً ما ومعرفةً ما، والأهم أنه يملك معياراً ما في داخله.
كلّما كان الشخص أكثر أصالةً وأقلّ تشوهاً تكون معاييره أدق وأصوب من عقلٍ مزدحمٍ بالمعارف والعلوم.
وكلّما كان الشخص أميّاً كان أقلّ تأثراً بالأفكار المزيفة والفارغة والتي لا تنطوي على قيمة كبيرة.
كلّما قل الإزدحام في الذاكرة قل فساد الذهن، وكلّما خرج الذهن من إطاره القديم كان أقرب إلى فهم الجديد، وكلّما كان الذهن خفيفاً كان أسرع في بلوغ حدوده واكتشاف قصورها، وكان أقدر على الإطلال على ما وراءها.
كَيْفَ نَقْرَأُ الكُتُب
بعض الكتب تقدم لنا خبراتٍ لم نعشها ولم يأت وقتها بعد، تأخذ أنفاسنا تُغازلنا وتروقنا وننتظر حدوثها لنعبرها ونرى صواب ما عَلِمنا من قبل. إذا اتبعنا الكِتَاب، اعتبرناه دليلاً، سنفقد معرفة كيف كنا سنتصرف في الحقيقة.
؛؛؛ الكتب تقدِّم لنا خبراتٍ لم نعشها ولم يأت وقتها بعد، تأخذ أنفاسنا تُغازلنا وتروقنا وننتظر حدوثها لنعبرها ونرى صواب ما عَلِمنا من قبل ؛؛؛
قد تؤثر الأفكار المسبقة على إدراكنا لحقيقة الأمر لأننا غالباً سَنراهُ بعين المعرفة القديمة، لن نكون في تماسٍ مباشرٍ معه وسنفوِّت فرصةَ اكتشافنا الخاص، فرصةَ عملِ عقلنا في التعرف على الواقع.
سنستخدم ذاكرتنا فقط وحينها نفقد الدهشةَ والخوفَ والتحفزَ والجهلَ والتوقَ والتعلمَ والراحةَ بعد الوصول.
علينا أن نقرأ الكِتَاب كفضاءٍ فسيحٍ ينتظر الاكتشاف وليس طريقاً ضيقاً للسير عليه.
علينا أن نقرأ لنعرف وجود فضاءاتٍ لم تخطر لنا أو نلتقيها بعد، علينا ألا نكترث للتفاصيل بل نوسِّع إطار الصورة إلى أقصاه. ولا ضير من التصرُّف والتعديل في ما نخرجُ به من الكتاب.
جَدَلَ القِرَاءَة
عندما تقرأ كتاباً ما تعثر على معانٍ كنتَ تبحث عنها مثلما تستمع إلى أفكارٍ جديدة قدمها الكاتب في مقالته وأراد أن يقولها لك.
وعندما تقرأ كِتَاباً يحدث أن تقتنع بنقيض ما أثبته الكاتب، أو أن تتفق معه وترضى بفكرته، أو أن تنشئ فكرةً لم تخطر على بالك ولا على باله من قبل. يحدث ذلك عندما تكون في حوار مع الكِتَاب والكَاتِب عندما تقرؤه بنصفِ ذهنٍ أو أقلّ، تقرؤهُ كحُلم، كتحليقٍ في سماء جديدة.
تذييل
اسْتَدَارَتْ- إِلَى الغَرْبِ- مِزْوَلَةُ الوَقْتْ
صَارَتِ الخَيْلُ نَاسَاً تَسِيْرُ إِلَى هُوَّةِ الصَّمْتْ
بَيْنَمَا النَّاسُ خَيْلٌ تَسِيْرُ إِلَى هُوَّةِ المَوْتْ!!
الشروق
بقلم: السمؤال الشفيع