قراءة في تلويح ” البشير ” بالاعتزال

إن ما يصعّب مهمة اختيار الخلف، طول المدة التي قضاها الرئيس “البشير” كأطول فترة قضاها رئيس سوداني على سُدة الحكم منذ استقلال البلاد في العام 1956م.. ويبدو أن التمسك بالكراسي حالة تكاد تكون (ماركة) سودانية خالصة.. فاليوم لا يعرف الناس من سيخلف “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي والذي مضت على رئاسته للحزب مدة تجاوزت الأربعين عاماً، وكذلك الحال بالنسبة لمن يخلف “محمد عثمان الميرغني” رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي قضى مدة مماثلة لمدة “الصادق المهدي”، كما ظل “محمد إبراهيم نقد” زعيما للحزب الشيوعي السوداني مدة مماثلة حتى وفاته قبل عدة أشهر.
رغم ارتفاع أصوات أصحاب المصالح المرتبطة ببقاء الرئيس “البشير” في السلطة إلا أن كثيراً من الدواعي والشواهد تصب في اتجاه التغيير.. أهم ذلك عدم رغبة الرئيس “البشير” نفسه.. المناخ الدولي والإقليمي وثورات الربيع العربي تدفع عدداً من راسمي الاستراتيجيات داخل حزب المؤتمر الوطني لطرح التغيير باعتباره محوراً مهماً في خطط مواجهة الأزمات التي تواجهها البلاد، وأن التغيير يمثل فرصة لالتقاط الأنفاس باعتبار أن ذلك التغيير ربما يجعل الفرصة مواتية أمام الدول التي ظلت مناوئة لسياسة “البشير” لفتح صفحة جديدة مع السودان خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية.. كذلك من أهم دواعي ترجل الرئيس “البشير” أن وصوله للحكم جاء عبر انقلاب عسكري في يونيو من العام 1989م، وهذه الوسيلة رسخت النظرة إليه كحاكم عسكري ولم تتغير رغم انتخابه عبر الاقتراع المباشر كرئيس مدني في أبريل من العام 2010م بعد خلعه بزته العسكرية حسب شرط قانون الانتخابات السوداني.. والانطباع الدولي الذي مازال سائداً، هو أن “البشير” انقلب على حكومة منتخبة وهي حكومة رئيس الوزراء الأسبق “الصادق المهدي”.
لقد أتيحت لي فرصة لحضور الحوار بصفتي مراسلاً للصحيفة في الخرطوم.. كان الرئيس “البشير” هادئ الفورة، حسن السمت، ثابت الوطأة، عليه وقار وسكينة وذكاء فطري وتلقائية مُدهشة.. كل الأسئلة على سخونتها وحساسيتها كانت إجاباته عليه دقيقة التصويب حاضرة البديهة.. ينظر اليوم إلى الرئيس “البشير” على أنه في قمة تألقه كرجل دولة، وعليه أن يعتزل مثل نجوم الكرة حين يودعونها غير مأسوفين عليها خاصة عندما يتحول اللعب إلى لعب غير نظيف كما أشار بقوله: (كم وعشرين سنة أكثر من كافية في ظروف السودان) فتبقى سيرة هؤلاء اللاعبين عطرة.
صحيفة الشرق القطرية
ياسر محجوب[/SIZE][/JUSTIFY]







ضيع لينا 24 سنة من عمرنا
خليه يغور