تحقيقات وتقارير

خط نفط الجنوب البديل .. تلويح”جوبا” يصطدم بالواقع ..!!

[JUSTIFY]لم تكن الكلمات التي أطلقها د. “عوض الجاز” وزير النفط حول الأنبوب الناقل لبترول الجنوب المقترح، لدى مخاطبته لقاءً تنويرياً ببكين، بالمبالغ فيها، فقد جزم الوزير أن تنفيذه ليس بالأمر السهل، وان عقبات حقيقية وصعبة للغاية تواجه المشروع الذي شبهه البعض “بالأسطورة” عند الحديث عنه، قبل أن تربطه دراسات بواقع آخر مختلف ووضعته في عداد المستحيلات.
وسبق أن قال المكلف بأعمال سفارة الجنوب في “واشنطون” العام الماضي إن حكومته تنوي بناء الخط في ثلاثة أشهر.. ولكن.. وقبل أن يجف مداد الكلمات التي وسم بها مؤتمره الصحفي الذي عقده بواشنطون.. اقتنع الحاضرون بحديث “برستون ليمان” المبعوث الأمريكي الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان القائل حينها باستحالة نجاح مشروع بناء أنبوب جديد لتصدير نفط الجنوب.. في غضون ذلك أبدت الولايات المتحدة حرصها الشديد علي تنفيذ اتفاقية تصدير النفط عبر الموانئ الشمالية، وإلا تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي تواجه دولة الجنوب.. وأردف “ليمان”:(بدون عائدات نفطية سيتأخر تنفيذ العديد من المشاريع الإنمائية بدولة الجنوب).
جولات عديدة من المفاوضات الخاصة بالملف لم تنجح في الوصول إلي صيغة ترضي الطرفين، خاصة بعد وقوف ملفات حائلا دون ذلك من بينها الملفات الأمنية.. إلي أن توجت تلك المفاوضات بالاتفاق الذي وقع مؤخراً والقاضي بسماح السودان بمرور نفط الجنوب عبر أراضيه، واشترطت الخرطوم ربط استمرار الاتفاق بقطع الجنوب دعم الحركات المتمردة بما فيها حركة العدل والمساواة.
وكانت حكومة الجنوب قد عرضت في وقت سابق علي لسان “اموم” تعويض الخرطوم ثمانية مليارات عوضاً عن فاقد البترول خلال الفترة الماضية وتصدير نفطها بواقع(9) دولارات و(10) سنت للبرميل. وفي الأثناء نشطت العديد من التصريحات من قبل قيادات بحكومة الجنوب حول أنبوب النفط المقترح لنقل نفط الجنوب وتصديره عبر وسائل أخرى من بينها ميناء “لامو” في كينيا، وهنا أشار المحللون إلي أن تلك التصريحات قد يقصد بها تسخين “طقس” المساومة بينما قدر اقتصاديون أن المشروع حال تنفيذه سيربط دول شرق ووسط إفريقيا بالأسواق الدولية، إلا أنهم أكدوا استحالة تنفيذه خلال السنوات العشر القادمة بسبب طبيعة تضاريس المنطقة وارتفاع تكاليف بنائه. وعبر في ذلك الوقت محللون عن شكوكهم في جدوى إنشائه بسبب المخاوف الأمنية التي تحف المنطقة في ظل تراجع الكميات التي يمكن أن ينقلها من نفط جنوب السودان.
وعقب تدهور الأوضاع المعيشية هناك بسبب إيقاف ضخ النفط عبر الشمال.. رمى بعضهم باللائمة علي رئيس حكومة الجنوب، واتهمته مجموعة بعدم الجدية وجهل قواعد اللعبة السياسية.. و”سلفا كير” الذي خلف زعيم الحركة “قرنق” عقب مقتله فوق جبال “الاماتونج” في العام 2005 وصفه البعض بالرئيس الطارئ الذي أوجدته الظروف السياسية..
وخلال زيارة سلفا كير إلي الصين عقب وقف ضخ النفط عبر الشمال تفاءل القادة في الجنوب بإيجاد مخرج للازمة، لكن الواقع اختلف بعض الشيء، فعقب الزيارة مباشرة انتقد الجنوب نفسه دبلوماسية الصين في التعاطي مع الصراع بين الدولتين، فبكين التي تعهدت لسلفا كير خلال تلك الزيارة بتمويل مشروعات تنموية في جنوب السودان بقيمة ثمانية مليارات دولار دفعت فعلياً(170) مليون دولار فقط في الوقت الذي تحتاج فيه مشاريع تنموية وأخري خاصة بالبني التحتية إلي ضخ ملايين الدولارات! وأكد”باقان” خلال حديث سابق له بمركز”تشاتام هاوس” البحثي في لندن أن النهج الصيني كان حذراً أكثر من اللازم، مشيراً إلي أن “بكين” سمت مبعوثاً خاصاً لبحث الملف، لكنه تأخر وكان أكثر حذراً من اللازم.
وتدرس”جوبا” حالياً بناء خط الأنابيب الجديد لتصدير نفطها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها حالياً بتوقيعها خلال يناير الماضي اتفاق مع كينيا لبناء خط يربط حقولها النفطية بميناء”لامو” الكيني الذي يجري إنشاؤه حالياً.. وتخطط بمروره عبر كينيا إلي تجاوز السودان الشمالي.. وطلبت حكومة الجنوب من الصين الانضمام إلي تنفيذه، إلا أن المشروع البديل تواجهه عقبات عديدة من بينها التكلفة العالية للمشروع، إذ أشارت دراسة جدوى إلي ارتفاع تكلفة بنائه بسبب طبيعة تضاريس المنطقة هناك.
وأشار مختصون في هذا المجال إلي أن تحديات جمة تواجه المشروع، فمثلاً عند دخوله الأراضي الكينية تعترض بحيرة”تور كانا” المنحدرة من الشمال إلي أواسط كينيا طريق الخط في منطقة “لاكا شوكيو”، وحسب مختصون أيضا فانه في هذه الوضعية إما أن يوازيها الأنبوب في جوانبها الغربية أو أن يخترقها ويصبح جزءاً من الأنبوب داخل المياه، وهناك معطلة أخري وهي جبال “كاتالي” و”كافاتجوريا” وهناك قد تطول اللفة لكي يتعدي الخط تلك المرتفعات..هذا بالإضافة إلي مخاوف أمنية من بينها مرور الخط المقترح عبر كينيا في اتجاه الجنوب لتجنب المنطقة الجنوبية الشرقية المضطربة التي تسكنها مجموعات صومالية و”ساكوية” حسب إفادات “جون تيمين” مدير برنامج السودان بمعهد السلام الأمريكي ومسؤول برنامج الاقتصاديات المستدامة، وحسب “تيمين” فان تلك المجموعات ظلت تطالب بتقرير المصير إلا انه قلل من تلك المخاوف بقوله أن المستثمرين قد يتخذون الخطوات اللازمة لحماية استثماراتهم ومن بين تلك الخطوات بناء أجزاء من الخط نفسه تحت الأرض، وهنا يشير مختصون إلي أن ذلك من شأنه زيادة تكلفة بنائه المرتفعة أصلا وقد تلجأ الشركات نفسها إلي تنفيذ استثمارات اجتماعية مع السكان أنفسهم، وهنا أشار مدير برنامج السودان بمعهد السلام الأمريكي إلي أن ذلك سوف يكون الأقرب والأسهل نسبياً بسبب تجنب الخط للمناطق الشرقية التي تقطنها مجموعات مضطربة.
وفي الإثناء سعت دولة جنوب السودان إلي التباحث مع شركات أمريكية وإسرائيلية لبناء خطها الناقل حسب(البيان الإماراتية) بينما أكد ما رشح من إخبار أن تلك المباحثات تعثرت بسبب ارتفاع تكلفة المشروع..
وحسب تقرير سابق لوكالة(رويترز) فان حكومة جنوب السودان تفاهمت مع شركة “تويوتا تسوشو” لتقديم اقتراح بشأن بناء خط الأنابيب، وأشار”باقان اموم” خلال مؤتمر صحفي خلال ابريل من العام الماضي إلي أن شركة “تويوتا” أكملت دراسة الجدوى، وهي الآن بصدد وضع اقتراح مالي قبل الشروع في عملية الإنشاء.
وكان رؤساء كل من كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا قد أعلنوا العام الماضي انطلاقة بناء ميناء “لامو” العملاق علي المحيط الهندي، وأكد”كير” أن الميناء هو بديل لنقل نفطه ويحرره من الارتباط بأنبوب الشمال، مشيراً إلي أن الميناء يكتسب أهمية إستراتيجية واقتصادية تعود علي المنطقة، وجدد ذات الدعوة الأسبوع الماضي رؤساء كل من “يوغندا”، كينيا وبورندي”، مؤكدين بان المشروع كفيل بدفع اقتصاديات دول شرق ووسط أفريقيا.
ويتضمن المشروع بناء خط سكة حديد وطريق سريع ومصفاة، بالإضافة إلي أنبوب ناقل للنفط يربط كل من إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا عبر منفذ بحري.
ويكلف المنفذ البحري وهو ميناء”لامو” الذي يقع داخل الأراضي الكينية ويطل علي المحيط الهندي نحو(24.5) مليار دولار إلا أن مخاوف بيئية أثارتها اليونسكو بسبب وقوعه قرب قرية “لامو” التي صنفتها “اليونسكو” ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي، وتقول منظمات بيئية إن المشروع سيؤدي إلي تدمير مساحات واسعة من غابات أشجار المانغروف وجزء من الحاجز المرجاني في المحيط الهندي حال تنفيذه.

صحيفة المجهر السياسي
إنعام عامر[/JUSTIFY]

تعليق واحد