الخرطوم في رمضان.. المدينة تسهر حتى الصباح
على عكس الكثير من العواصم العربية والاسلامية التي لا تنام ليلاً من كثرة الحركة واستمرار مظاهر الحياة الاجتماعية والحركة التجارية ومختلف الأنشطة إلى الساعات الأولى من الصباح، فإن العاصمة الخرطوم لم تتخلص بعد من عقدة الليل الذي يجعلها مدينة ميتة بأكمل المقاييس، والمتجول في شوارع الخرطوم ليلاً خلال الشهر الفضيل، يخيل إليه أنه في مدينة أخرى غير تلك التي كانت تنام في الساعات الاولى من الليل، فالمحلات جميعها مفتوحة والعائلات بين الغدو والرواح بين محلات المثلجات وبيع الفطائر وتشهد زحمة غير عادية، وقد اختلط الأطفال بالكبار في مشهد لا يعرفه هذا الشارع في باقي أيام السنة، لتتحول ساحات العاصمة التي كانت قبل رمضان خالية على عروشها إلى ساحات لتجمع العائلات والإقبال على المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية، وفي شارع النيل لا يمكن أن تجد موطئ قدم، فالزحام شديد والسيارات تسير بصعوبة، وحتى الشرطي الذي يقف في مفترق الطرق طيلة الساعات الثلاث وجد صعوبة كبيرة جداً في تنظيم حركة المرور، وقد اختلطت أبواق السيارات وحدائق «حبيبى مفلس» تضج بالحاضرين، وليس مستغرباً وجود الأطفال مع أسرهم التى اختارت هذا المساء لتناول العشاء فى الهواء الطلق والسمر حتى ساعات الفجر.. واقتربنا من اسرة كريمة وتجاذبنا معها الحديث وتقاسيم السهر الرمضانى، منهم فتح الرحمن من سكان المربعات موظف حسابات الذي قال لـ «الصحافة»: «تعودنا ان نخرج الى الحدائق والأماكن العامة بمصاحبة الأسرة الكريمة وحتى الصغار فى ليل رمضان لتناول العشاء والسمر خاصة يومى الخميس والجمعة» واضاف: «الدنيا إجازة وبكرة بنجر النومة ونحنا بنقعد هنا إلى قريب وقت السحور». ولم نبتعد منهم كثيراً حيث جلسنا الى مجموعة كبيرة من الشباب فاق عددهم فريق لكرة القدم يفترشون «ملاية» وتتاسبق ايديهم الى صندوق «الكتشينة»، محمود ابراهيم سائق امجاد يقول: «البرنامج ده يومى نحنا بندور حريق هنا لى الساعة اربعة وبنتسحر ونمشى نوم، وكمان مرات بنلقى مشوار من المساهرين معانا».
ومن يتناسى أنه في رمضان قد لا يصدق ان الخرطوم تضج بالحياة حتى الساعات الاولى من الصباح على حد تعبير «سفيان» الشاب الذي وجدناه خارجا لتوه من صلاة التراويح في حي باش جراح الذي قال إنه يتمنى لو يكون كل العام رمضان ليستمتع بسهراته الليلية الحالمة.. وخلال هذه الجولة الليلية كانت المشاهد البارزة هي تلك المساجد المملوءة عن آخرها بالمصلين، حيث لم تعد قاعات الصلاة تسع الأعداد الغفيرة من المصلين الذين يلجأون إلى الطرقات المحاذية.. وبعد المساجد، فالمقاهي هي أكثر ما يجمع الشباب والشيوخ، وحتى بعض الأطفال في سهرات رمضانية تتخللها أكواب من الحلومر والقهوة والشاي والحلويات التي ترافق أحاديث السياسة والثقافة والرياضة وذكريات زمان حتى ساعات متأخرة من الليل، وبعيداً عن المقاهي يجلس الكثير من الشبان في الساحات العامة والحدائق الصغيرة يلعبون كرة القدم ويتجاذبون أطراف الحديث ويروون بطولاتهم الحقيقية تارة والزائفة تارة أخرى، وشعارهم جميعاً أن هذه هي فرصتهم الوحيدة للاستماع بليالي العاصمة بعيداً عن صخب نهارها وضجيجه.
الساعة تمضى الى الثالثة والنصف صباحاً والخرطوم ترفض التثاؤب والنعاس كعادتها فى هذه الأوقات، ضجيج وحراك يعتمل فى الشوارع وبعض الأسواق والحدائق المفتوحة والمغلقة تشهد وقع أقدام وخطى تعاقر السهر حتى الساعات الأولى من الصباح فى رمضان مختلف تماماً عن سابقه بدرجات حرارة بدأت فى التصاعد سبقتها الأسعار وجنون ارتفاع أسعار السكر والاحتياجات الأساسية.
مشاهد غير مألوفة فى مدينة تعانق النعاس وتذوب فى سكون قاتل يسبقه تلاشى الحراك فى اسواقها التى توصد أبوبها فى الحادية عشرة مساءً كل ليل عدا صيدليات ومنافذ كهرباء ومحطات تزينت بعبارة «خدمة 24 ساعة»، وإن كانت تعمل اقل من «20» ساعة، الا ان ملامح الشهر الفضيل ألقت بظلالها على العاصمة المثلثة ولم تتوقف على إعلانات الترحيب والترويج التى انتظمت الشوارع ترحيباً برمضان، وتهنئ الشعب السودانى بقدومه، وتروج بعبارات خجولة لمنتجاتها التى تتذيل عبارة تملأ اللافتات المضيئة «رمضان كريم تصوموا وتفطروا على خير».
الخرطوم: ولاء جعفر :الصحافة
الخرطوم: ولاء جعفر :الصحافة