رأي ومقالات

بدر الدين : حكايتي مع ال ART

في عام 1992 تم تعييني مديرا لرقابة الأفلام براديو وتلفزيون العرب ART ،” قضيت فيها نحو أربع سنوات حتى مغادرتي إلى كندا 17 أغسطس 1998 ” وتم تعيين زوجتي الراحلة المقيمة حوريه حسن حاكم مديرا للبرامج بحكم صداقتها الرائعة مع الممثلة الفنانة الشاملة صفاء أبو السعود زوجة الشيخ صالح كامل مالك قنوات ال ART وكان رحيلها المفجع عام 1997 .
بدأنا العمل بأربع قنوات فقط هي : قناة المنوعات ، الأفلام ، الأطفال والرياضة ، ولكن سرعان ما إنضمت قنوات أخرى مثل الموسيقى وغيرها في قناة الأفلام كنا مجموعة قليلة من العاملين أكاد أحصرهم في : صفاء أبو السعود محمد ياسين ، حوريه حاكم وكاتب هذه السطور ، إلى جانب شباب دارس ومتخصص في السينما مثل : محمد عبدالحميد ومحمد سمير ومدراء إنتاج آخرين .
كانت من إهتمامات القناة عرض الأفلام السينمائية سواء المصرية أو العربية ، ولكن الأفلام المصرية كانت تمثل 95% من الأفلام ، وكان الشق الثاني هو البرامج السينمائية ، والتي إزدادت بمرور السنوات لتصبح العصب الحي لنشاط قناة الأفلام وتحديدا برامج الفنانة صفاء أبو السعود مثل : ساعة صفا ، السهرايه وغيرها وشارك بالإخراج شباب مبدع أمثال عمر زهران ،أحمد السحتري ، وائل إحسان ، عبد الحفيظ، أحمد يحي ، أحمد النحاس وغيرهم ، والحق يقال كانت البرامج السينمائية تجذب عددا كبيرا من المشاهدين .
عرض الأفلام كان هو العنصر الأساسي للقناة خاصة أن البث كان من إيطاليا ، ولكن تصميم الخريطة من مهام مكتب القاهرة علما بأن البث ومنذ البداية كان 24 ساعة يوميا مقسمة إلى ثلاث فترات : الفترة الصباحية وتبدأ من الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساء ، البرايم تايم أو الذروه من الساعة الثامنة إلى العاشرة ، ثم فترة الأفلام العادية وتبدأ من العاشرة مساء وحتى صباح اليوم التالي ، وجميع الأفلام التي تبث خلال هذه الفترات كان يعاد عرضها في الأيام اللاحقة وفق خريطة بث تراعي ميول واهتمامات المشاهدين .
كانت الأفلام السينمائية من مسؤولية محمد ياسين صاحب شركة ” سانيلاند فيلم ” وهي أصلا إحدى شركات الشيخ صالح كامل ، وتقوم سياسة القناة بتوفير الأفلام وإتمام جميع الإجراءات القانونية المتعلقة بها ، كما تخضع جميع الأفلام للرقابة من خلال مجموعة كبيرة من المراقبين ، تسلم لهم الأفلام بعد تحويلها من 35 بوصه إلى بيتاكام ويشرف على ذلك عادل رستم ثم إلى VHS .
قناة الأفلام إبتدعت ظاهرة مقدمات الأفلام والتي أيضا شارك فيها عدد كبير من السينمائيين المعروفين على رأسهم الفنان الناقد السينمائي الكبير رفيق الصبان ،
رفيق الصبان شغل المشهد السينمائي المصري بحضوره وكتاباته وحيويته إلى اللحظة الأخيرة (أو إلى ما قبلها بقليل)، إلى أن خذله القلب، الذي توقّف بعد أسبوع من معاناة أمضاها الناقد في مكافحة خلل في الكلى أفضى إلى أزمة قلبية لم ينتصر عليها من أجل مزيد من الكتابة. بل من أجل مزيد من الحياة .
تعرفت على الصبان منتصف التسعينات فأبهرتني ثقافته السينمائية الباهرة ، ورقته وتعامله البسيط المهذب المتواضع ، صحيح أنه صاحب أسوأ خط في العالم هو والشيخ صالح عبدالله كامل ” شفره لا يفكها إلا كاتب هذه السطور” ولكنهما صاحبا عقل جبار ، الأول في الكتابة والنقد السينمائي والثاني في إدارته لمؤسسة كبيرة وشهيرة في فترة فارقة للبث الفضائي .

رفيق الصبّان (1931 ـ 2013): كاتب مسرحي سوري اختار، كأسلاف ومجايلين، الذهاب إلى القاهرة، المدينة المعشوقة. رفيق الصبّان هو نفسه الذي بات في القاهرة أحد النقّاد البارزين وكتّاب السيناريوهات السينمائية. كتب وناقش وشارك في حوارات وندوات. تابع وقدّم وقرأ وحلّل. كتاباته النقدية تثير سؤال الفعل النقدي في النص المكتوب، لكن اللحظة لا تتلاءم ونقاشاً يُراد له أن يكون صائباً في تبيان جوهر الحكاية النقدية. سيناريوهاته شكّلت منعطفات في مسار إبداعي أراده الصبّان تفعيلاً لسينما كانت، يومها، أم السينمات العربية، قبل أن تنافسها، بجدارة حقيقية، سينمات دول عربية ممتدة من الخليج إلى المحيط. لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن مقالاته لم تمتلك جدّية في التنقيب والتفكيك الفنيين لعمل من هنا، أو لنصّ من هناك. وسيناريوهاته السينمائية (25 فيلماً) والتلفزيونية (16) باتت اليوم، إثر اكتمال دائرة الحياة بموت صاحبها، مادة حيّة لتحليل نقدي سليم.
إذاً، يُفترض بكتابات رفيق الصبّان أن تخضع لتشريح نقدي، لا يقلّ أهمية عن تشريح نصوصه السينمائية والتلفزيونية، هو القادم إلى القاهرة من اشتغال مسرحي سوري. من هذه النصوص، يتبادر إلى الذهن بُعيد قراءة نبأ رحيله، «ليلة ساخنة» (1996) لعاطف الطيّب، أحد أجمل الأفلام التي غاصت في أعماق البيئة الإنسانية للطبقة الشعبية، من خلال سائق سيارة أجرة (نور الشريف) وعاهرة )لبلبة) يجولان في الشوارع ليلاً، ويسعيان إلى الخروج من تلك الدوامة القاتلة التي تحيل الحياة اليومية للفقراء إلى جحيم لا يُطاق. ولئن أتقن عاطف الطيب في تصوير المحنة الإنسانية بأسلوبه الواقعي القاسي والشفّاف في آن واحد، فإن النص المكتوب بدا واضحاً في قدرته على تفكيك الحكايات المستلّة من قعر المجتمع، والمأخوذة من قسوة الحياة وشفافية الكتابة في صناعة عالم من التساؤلات المريرة. وهذا كلّه في مقابل «الباحثات عن الحرية» (2005) لإيناس الدغيدي، الذي ارتكز على قوّة المادة الإنسانية المتوغلة في واقع المرأة وبحثها الدؤوب عن حرية وعدالة واتّزان في التعامل معها، والذي ابتُلِيَ برداءة التحقيق السينمائي لمخرجة اعتادت إثارة الغرائز بدلاً من تحريض العقل على الاجتهاد والتفكير. لكن بدايته السينمائية ككاتب سيناريوهات تعود إلى مطلع السبعينيات المنصرمة، عند انتقاله إلى القاهرة: في العام 1972، أُنجز فيلم «زائر الفجر» لممدوح شكري ومحمد حسونة، ولمنتجته الممثلة ماجدة الخطيب، التي تعرّضت لخسارة فادحة، إذ منع الفيلم من العرض بعد أسبوع واحد على إطلاقه تجارياً، لما فيه من قوّة تحليل سينمائي لواقع الحال السياسي/ الاجتماعي/ الإنساني في مصر (أُطلقت عروضه التجارية في ظلّ نظام أنور السادات): هل توفيت الصحافية نادية (الخطيب) أم قُتلت، هي التي كتبت بجرأة، وفضحت بجرأة، وشاركت في عمل ثوري أفضى بها إلى خاتمة بشعة؟
أياً يكن، فإن رفيق الصبّان طوى برحيله حقبة سينمائية أتقن في صناعتها، بمساهمته الجدّية في الكتابة لها وعنها ، وإنه لأمر عجيب فقد باشرنا العمل في قناة الأفلام ” حوريه وأنا ” يوم 17 أغسطس 2 199 ، ورحلت حوريه 17 أغسطس 1997 ، ووصلت مع كريمتي مهيره إلى كندا يوم 17 أغسطس 1998 ، ورحل رفيق الصبان 17 أغسطس 2013 وهو المولود في سوريا يوم 17 أغسطس 1931 .

وفيما يلي قائمة ببعض الأفلام التي كتب لها مقدمات هي أشبه ما تكون بالدراسة النقديه الصائبة والرائعة للأفلام السينمائية :
هدى ، غادة الكاميليا ، الإمبراطور ، بعيدا عن الأرض ، حب فوق هضبة الهرم ، سبعة أيام في الجنة ، حافية على جسر من الذهب ، لواحظ ، بئر الحرمان ، موعد مع المجهول ، أنا حرة ، الوسادة الخالية ، بين قلبين ، الجيل الجديد ، السجينتان ، من القلب للقلب ، بهيه ، ليلى بنت الأغنياء ، الخيط الرفيع ، الآنسه حنفي ، روعة الحب النمر ، ألحقونا ، سلامه في خير ، حتى نلتقي ، ياسمين ، إغراء ، حب إلى الأبد ، شيء في صدري ، بنت الجيران ، مهمة في تل أبيب ، اللص والكلاب ، المرشد ، آه من حواء ، ملك الحديد ، وادي الذكريات ، شارع محمد علي ، هذا جناه أبي ، عروس النيل ، ليلى بنت الريف ، أيام الرعب ، حسن ومرقص وكوهين ، شباب على كف عفريت ، عفريت مراتي ، أختي ، ليلى ، لماذا أعيش ، زقاق المدق .
بقلم : بدرالدين حسن علي