رأي ومقالات
مؤتمر فينّا للطاقة 2013 و إستخدام مياه الأمطار و السيول كطاقة بديلة
بحمد الله و توفيقه كنت أحد ثلاثة سودانيين ذهبوا خصيصاً لحضور مؤتمر فينا للطاقة 2013م ، شخصي الضعيف و الدكتور حسين ابراهيم مدير اكاديمية السودان لعلوم الإتصال ، و الأستاذ هاشم حماد الأمين العام لصندوق اعادة الإعمار و التنمية في دارفور . عقد المؤتمر بعد عام من مؤتمر ريدو جانيرو بالبرازيل و حمل شعار مستقبل الطاقة الذي نريد في الفترة من 28 الي 30 مايو 2013م في قصر هوفبورغ بفينّا، حيث جمع المؤتمر أكثر من 1621 مشارك من 116 دولة و كان من ضمن المشاركين 19 وزيرا ، فضلا عن واضعي السياسات و الخبراء و ممثلين عن القطاع الخاص و المجتمع المدني ، و كان المؤتمر بتنظيم مشترك بين منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو” و الوزارة الإتحادية النمساوية للشئون الأوربية و الدولية ، و المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية . و من الملاحظ ان القائمين على أمر المؤتمر حرصوا على تقليل المخلفات الورقية الى أقصى حد حيث انهم إعتمدوا على التقنيات الحديثة ” الأقراص المدمجة و المواقع الإلكترونية و كل تقنيات حفظ المعلومات ” في التسجيل و التوثيق و متابعة مخرجات المؤتمر ، حيث انه يمكنك الدخول للمؤتمر اذا عرضت خطاب قبول المشاركة في المؤتمر الكترونياً ” جهاز الموبايل على سبيل المثال “، و الحق يقال ، إن المؤتمر
لا يقل روعةً و لا جمالاً و لا ألقاً عن مدينة فينا عاصمة النمسا التي نالت جائزة أفضل مدينة عالمية لأربعة مرات متتالية في تصنيف مؤسسة ميرسر للاستشارات، وهي أضخم هيئة استشارية في مجال الموارد البشرية في العالم، و التي تعتمد في دراستها على نتائج 39 معياراً قياسياً، أبرزها سهولة الاتصال بالعالم الخارجي، وتنوع إمكانات الترفية والتسلية، وخضرة المدينة، وقوة كهربائها، وجودة طرقها، ومستوى السكن، ومستوى أداء وسائل النقل العام، و الاستقرار السياسي، والأمن، والرعاية الصحية. إن مدينة بغداد تذيلت هذا التصنيف بترتيب ” 221 ” و الخرطوم حلت في المرتبة رقم ” 217 ” و كما يقولون أن تأتي متأخراً ، خيراً من أن لا تأتى ” و بالتأكيد في هذا التصنيف مقالٌ آخر “، و لكن في تقديري أن ما يزيد الألق في فينا هي المجموعة الفريدة للسودانيين الموجودين بها و الذين يشعرونك بأنك تعيش في سودان أنيق ” نتمناه و نسعي اليه بتضافر الجهود باذن الله “، سودان خالي من الأوبئة و الأمراض و ناضر الوجة و جميل الشكل ، سودان تتمنى ان ترى فيه الذباب و الناموس و الحشرات و لكن لأغراض البحث العلمي فقط.
إن مؤتمر الطاقة عقد في مدينة لم يتذوق سكانها و خاصة السودانيين منهم، طعم انقطاع الكهرباء المر، و لا تراكم مياه أمطار فالمدينة بفضل البنية التحتية المستدامة ترحب بكل ما يأتيها من السماء ، المطر، و في أي وقت شاء، فهم بالفعل ينعمون بطاقة مستقرة و مستدامة كما الشعار الذي رفعته اليونيدو من خلال هذا المؤتمر و الذي يحمل في طياته اتاحة الطاقة المستدامة للجميع بحلول عام 2030م ، و بالتأكيد الطاقة المتجددة تشكل أداة حقيقية و فعلية في التنمية المستدامة و الطاقة المستدامة و التي تم تفصيلها و تشريحها بواسطة أكثر من مائة متحدث رئيسي يمثلون مختلف دول العالم و شركات القطاع الخاص و الهيئات و الشركات التي تهتم بشئون الطاقة و البيئة ، و قد راينا وزراء و ممثلين لبعض الدول يتحدثون عن امكانات بلدانهم و مناطقهم في المساهمة في امر الطاقة المستدامة و نحن بدورنا نرى أن امكانات السودان و مصادره الهائلة تمكنه و بشكل ملحوظ في تحقيق الطاقة و التنمية المستدامة للشعب السوداني و للشعوب الأخرى و التي هي من الشعارات التي ترفعها منظمة الأمم المتحدة. و قد خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات للمؤتمر القادم و الذي سيعقد باذن الله في العام 2015م بفينا و لكن في تقديري أن أهم التوصيات هي ضرورة التوجة العالمي نحو الطاقة المستدامة حيث أثبتت الدراسات العلمية جدواها ، و أيضا المؤتمر يدعم الطاقة المستدامة كهدف عالمي من خلال اتاحة الطاقة و كفاءتها و الطاقة المتجددة . كما أن المؤتمر يعمل مع كل الحكومات و منظمات المجتمع المدني و المنظمات الإقليمية و القطاع الخاص لتجسيد أهداف الطاقة و التنمية المستدامة للنهوض بالطاقة المتجددة في السودان على سبيل المثال، و ان تكون الطاقة المستدامة متاحة لجميع اهل السودان . و في تقديري أن هذه التوصيات تفتح الباب واسعا “لنستجمع” اطرافنا و نوحد جهود كل المهتمين بأمر الطاقة المتجددة في السودان من مراكز بحثية و علماء و افراد و شركات خاصة و ان نعمل على قلب رجل واحد باذن الله حتي يخرج كل أهل السودان من المليار و أربعمائة مليون شخص تقريبا حول العالم، الذين لا ينعمون بخدمة الكهرباء و ذلك قبل العام 2030م. مما يجدر ذكره أن أوجه و مصادر الطاقة المتجددة كثيرة و لكن الشمس و المياة هما أساس المصادر و التوليد المائي ننعم به كثيرا في السودان و لكن بعض دول العالم أصبحت تنشد الكهرباء حتي من حصاد مياه الأمطار حيث ذكرت دراسة هندية أنه يمكن انتاج أكثر من 131 ميقاواط ساعة من الكهرباء، فقط من مياه الأمطار التي يمكن تجميعها من أسطح المنازل الموجودة في مدينة دلهي الهندية بمعدل سنوي للأمطار يقدر بحوالي 617 مم، و هو ما يؤكد أن حصاد المياة أصبح ضرورة ملحه، ليس لتجميع المياة و الإستفادة منها لاحقاً في الزراعة و لتنمية الريف إقتصاديا و إجتماعيا و دعم الإستقرار و الأمن فحسب، بل أيضا لوقاية الشعوب من طاقة المياة المدمرة و التي شهد السودان و يشهد الآن مآسي متعددة منها و تحويلها الي طاقة متجددة تفيد و تصلح العباد و مما يجدر ذكر أيضا أن توليد الطاقة من السدود المنشأة لحصاد المياة تعتبر من الأهداف الإستراتيجية لمشروعات حصاد المياة و الذي أقرته وحدة تنفيذ السدود، و إذا نظرنا الي مؤتمر فينا للطاقة، نجدهم يتحدثون عن أن الطاقة يجب أن تكون متاحة للجميع بحلول العام 2030م و السته عشر عاما التي تفصلنا عن نهاية تنفيذ الشعار تعني أن يكون الأمر على نار هادئة و علمية وفق بنى تحتية متينة، فما الذي يضيرنا لو تشبسنا بهذا الشعار و خططنا بصورة مماثلة و بطرق علمية و بحثية لتوليد الطاقة من الأمطار و السيول و الفيضانات ” و ربما في هذا مقال آخر “. و بالتأكيد يمكن لجامعة الجزيرة من خلال مركز تكنولوجيا الطاقة المتجددة و معهد إدارة المياة و الري، أن يكونوا بذرة التغيير و جذوة التنوير لأمر الطاقة المتجددة و لا ننسى دور شيخ المراكز ” المعهد القومي لبحوث الطاقة سوبا ” و ايضا دور المراكز البحثية بالجامعات مثل جامعة أمدرمان الأهلية، كما أننا خلال أيام المؤتمر سعينا للإتصال ببعض الشخصيات لعمل مؤتمر مماثل في السودان ، نعرض من خلاله الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها السودان من كوادر بشرية و موارد طبيعية و أيضا لرفع الوعي بأمر الطاقة المستدامة لدى كافة أفراد المجتمع السوداني و ابراز أدوارهم في هذا الأمر و قد وجدنا موافقات مبدئية تشير الى امكانية أن يتم هذا الأمر و بالتأكيد نطمع في مشاركة الجميع في القطاعين العام و الخاص و بالتأكيد دور سفارتنا في النمسا سيكون مقدرا باعتبار ان فينا هي مركز الإشعاع و الإستنارة بدليل احتضانها هذا المؤتمر و الذي يعتبر الثالث لفينا، مقر منظمة اليونيدو، لمناقشة أمر الطاقة المستدامة و ايضا لديها القوة لمخاطبة منظمي مؤتمر فينا الرائع، و بالتأكيد ولاية الخرطوم سيكون لها دور مهم باعتبارها اكبر مستهلك للطاقة و بها اكبر تجمع للمهتمين بأمر الطاقة و كذلك الشركات العامة و الخاصة و التي يمكن أن تساهم في انجاح هذا المؤتمر بل كل الولايات يمكنها المشاركة لأن الأمر بات قومياً ، و لكن ولاية الجزيرة لها خصوصية، فهي الحضن الدافئ لجامعة الجزيرة و لا يخفى دورها المتعاظم الذي يزيده ألقا هيئة ترقية و تجميل حاضرتها ، و أيضا ولاية النيل الأبيض التي تحتضن مصانع السكر و التي قطعت شوطا بعيدا في أمر الطاقة المتجددة، و لا ننسى مساهمة و لايات دارفور و التي بدات العمل خلال ايام مؤتمر فينا للطاقة حيث وقّع الأستاذ هاشم حماد، الأمين العام لصندوق إعادة الإعمار و التنمية في دارفور مذكرة تفاهم مهمة مع شركة ايتيبو البرازيلية الشهيرة في اقامة السدود و انتاج الطاقة و ذلك بحضور وزير الطاقة و المعادن البرازيلي و تشريف و مساهمة كاملة من سفارة السودان بالنمسا. و بالتأكيد وزارة الكهرباء و السدود لها القدح المعلي في هذا المؤتمر و لها الدور الأعظم الذي لا تخطئه العين ، أما وزارة العلوم و التكنولوجيا فهي الراعي لكل تقانات حديثة و ما إهتمامها بالجاتروفا التي تستخدم لإنتاج وقود حيوي، الإ دليل على ما قلنا . و بالتأكيد هنالك العديد من المؤسسات و الشركات و الأفراد الذين يمكنهم المساهمة في انجاح هذا المؤتمر .
و ختاماً، نأمل أن تتضافر جهود كل المهتمين بأمر الطاقة و خاصة الطاقة المتجددة منها ، و أن تولي الدولة أمر الطاقة المتجددة مزيدا من الإهتمام باعتبارها ركيزة التنمية و خاصة التنمية المستدامة ، و ان هذا القطاع يخلق مزيدا من فرص العمل و علي جميع المستويات علما أن حوالي خمسة مليون شخص فقط حول العالم يعملون في قطاع الطاقة المتجددة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . و كما نأمل ايضا من خلال مثل هذه المؤتمرات و من خلال البحث العلمي الأصيل وضع أفضل الطرق للإيفاء بالمعايير و المقاييس لتحسين تصنيف الخرطوم العالمي و دخول غيرها من المدن السودانية.
و أخيرا، هلا حلمنا في سوداننا الحبيب بطاقة نظيفة و متجددة و مستدامة من شمس و رياح و مياة و نفايات متجددة و مستدامة ؟
بقلم : د. عماد الدين عبد الله آدم بشر
مدير مركز تكنولوجيا الطاقة المتجددة – جامعة الجزيرة
E. mail: [email]imadbashar@gmail.com[/email]