تحقيقات وتقارير

الرئيس دخل بيت الصادق من البوابة السرية

[JUSTIFY]كانت المفاجأة الكبيرة عندي وآخرون ممن كانوا يرابطون من الصحافيين بمنزل الأمام الصادق المهدى بالملازمين بأمدرمان دخول أربعة عربات ماركة اللاندكروزر التي كانت تحمل الرئيس البشير والوفد المرافق له من البوابة غير المعهودة للناس أو سمها (البوابة السرية) ببيت المهدي بعد طول انتظار،والمفاجأة الأخرى كانت استقبال العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية للرئيس البشير ووفده ،ولو سلمنا بأن نجل المهدي استقبل البشير بصفته ضيفاً على والده في منزل الأسرة فمن يحل لغز مشاركة عبد الرحمن والده والبشير أطراف الحديث تحت العريشة؟ لكن اللافت في لقاء البشير والمهدي أنه تم بدعوة من الأخير على النقيض مماكان يدور من حديث عن أن البشير طلب اللقاء،ولايختلف اثنان فى أن اللقاء ظاهرة لاتكون إلا في السودان، فجدير بالاحترام أن يتباحث رئيس الجمهورية مع رئيس أكبر حزب معارض في السودان بمنزله، ويقدم الرئيس زعيم الحزب المعارض ليفصّل للصحافة ماتم الاتفاق عليه حول الشأن الوطني، وعُرف البشير بندرة التحدث في مثل هكذا اجتماعات،فاتفاق البشير والصادق هوالآخر حتى هذه اللحظة يحتاج لأن تفكك مفرداته ليعرف الجميع هل الاتفاق على قومية قضايا الحكم والدستور والسلام سيفضي لمشاركة حزب الأمة القومي، لوفشلت مشاورات البشير مع بقية أحزاب المعارضة في الاتفاق على القضايا آنفة الذكر لتمضي لغاياتها في تشكيل حكومة قومية وهل ستعارضه قيادات في حز ب الأمة القومي والمؤتمر الوطني أم لا..؟ وهل سيمضي البشير في تشكيل حكومة من المؤتمر الوطني والقوى السياسية الحليفة لحزبه قبيل اكتمال المشاورات مع أحزاب المعارضة.. وليستبين الأمر أوتتفتق خيوطه للفهم دعونا نبحر في قراءة الاتفاق ومايدور حوله من مصاعب وتسهيلات ….

*رؤى في الاتفاق
البشير فور خروجه من الاجتماع المغلق بينه والإمام الصادق الذي استمر قرابة الساعتين وقف أمام كاميرات التلفزة وليس من عادته أن يتحدث في مثل هذه اللقاءات، فهو في كثير من الأحيان يترك الحديث لمسوؤل الملف المعنى، ولكن في هذا اللقاء تحدَّث بنفسه رغم وجود دكتور مصطفى عثمان مقرر الحوار مع حزب الأمة من المؤتمر الوطني، ووصف اللقاء بأنه جاد ومثمر ولم يزد البشير في الحديث تاركاً التفصيل للأمام الصادق إلى قال إنه اتفق مع البشير على قومية قضايا الحكم والدستور والسلام، وشدد المهدي على إنه لاعزل لأحد ولا سيطرة لحزب عليها،فلايدرى أحد أيهما صاحب العزم على الشكل القومي المتفق عليه، هل هو الصادق الذي طالب بحكومة قومية منذ فترة طويلة وقال في خطبة عيد الفطر إنه طرح على البشير فكرة إذا ماوافق عليها سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه أم البشير الذي أعلن الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية أنه يعكف على رؤية شاملة لمعالجة أوضاع البلاد.. وعلى كل حال فإن الذي جرى من حيث الظاهر هو اتفاق ممتاز، ولكن هناك مخاوف عظيمة من اجهاضه، فهل صقور المؤتمر الوطني ستقبل هذه الرؤى الجديدة .. اعتقد مادام البشير قد قام بالأمر بنفسه فلامجال للصقور في الحزب الحاكم لاجهاض التحرك؛ لأن البشير أحس بمخاطر تحدق بالبلاد من كل جانب،وأن التصدي لها محله ليس المؤتمر الوطني الذي اوصل البلاد إلى هذا المنحنى، واعتقد أن البشير وصل لقناعة بأن تضافر جهود الرؤى الوطنية هو الوحيد الذى يسد الباب أمام المحن المتكالبة على البلاد.

*عواقب ومخاطر
ربما يقول المتخوفون جداً من الاتفاق في حزب الأمة القومي أن هذا الاتفاق يهدف المؤتمر الوطني منه اشراك حزب الأمة وتوسيخ يده بالسلطة التي ينظر البعض لها بأنها في هذه الأيام (كعبة) لأسباب عدة. لكن كثيرون في حزب الأمة يرون أن مهندس الاتفاق هو عبد الرحمن الصادق المهدى، وبالتالي هؤلاء تنتابهم المخاوف من مستقبلهم التنفيذي والقيادي في الحزب إذا ما سارت الأمورتحت رحمة العقيد، بيد أن آخرين في الأمة مولعون جداً بالمشاركة في السلطة وحريصون على الاستوزار، هؤلاء يرون أن هذا الاتفاق ليلة قدر نزلت عليهم . أما صقور المؤتمر الوطني فهؤلاء يحزنهم أن تضعف الكيكة، وبالتالي هؤلاءلايعجبهم أن يصل هذا الاتفاق لغاياته وربما يقاومونه بكل الوسائل المتاحة،
أماالمعارضة فأعتقد أنها ستتريث كثيرا ولا تقطع برفض هذا الاتفاق أو القبول به إلا بعد فحصه والتأكد من مآلاته.

*اتفاقات الحزبين
إذا فشل الطرفان الأمة والمؤتمر الوطني فى التسويق لاتفاق قومي على القضايا أعلاه فإن الاتفاق لايتعدى الثنائية، وبالتالي يموت بسرعة، كما هو حال اتفاق التراضي الوطني بين الحزبين الذي مهره الرئيسان في صيف عام 2008م واتفاق مؤتمر كنانة الذي تراجع عنه الطرفين، ولكن هذا الاتفاق الأخير مات بسبب خلافات في شكل ترجمة مخرجات الاتفاق والتي رأى الأمة أن المؤتمر الوطني انقض عليه، وحاول تنفيذه وفقاً لرؤيته مع أن مؤتمر كنانة الذي كان خاصا بقضية دارفورسجل اختراقا مهما في كثير من القضايا في الإقليم، ولكن رغم الخلاف حوله فأنه أرسى لفكرة إقليم واحد، وساهم في وضع رؤى قادت فيما بعد إلى معالجات منظورة في صلب قضية دارفور.

*الواقع الدولي
كان تأثير الوضع في الجارة مصر على السودان شاخصا في الاتفاق بين الإمام والبشير، فعبر عنه المهدي بأن السودان سيقدم موقف أخوي يدعم وقف نزيف الدم في مصر ،ويساهم في إعادة الديمقراطية، فالمهدي المهموم بالوضع في مصر لايقارن همه بهم الانقاذ التي يؤثر عليها الوضع في مصر مباشرة باعتبار أن ذهاب حكومة الأخوان المسلمين له مدلولات واضحة نحو الإسلام السياسي في الإقليم.. والخرطوم ليس بمعزل عن ذلك لأن الموجة الدولية التي استهدفت الإسلام السياسي في دول الربيع العربي يمكن أن تطل برأسها على الوضع في الخرطوم ولوتحالف مع الانقاذ كل أنصار الإسلام السياسي ومريديه وهومايعزز مخاوف القوى العلمانية ويجعلها تنأى بنفسها من أي اقتراب من أي نظام يحكم بالإسلام السياسي (كلما قرب منها شبر تبعد عنه ميلاً) ولكن حالة اقتراب المهدي مع الانقاذ يحتاج لـ(وداعية) لتفسر هل المهدي جزء من منظومة الإسلام أم النظام اللبرالي.. وينظر متفائلون إلى أن الظروف ترسخ الحالة بين الأمة والوطني إلى زواج سياسي مهره الإمام، وبالتالي يستطع أن يحشد له ما يقنع الجميع بجدواه والتهليل له والتحميد وكمان التكبير ..

*شباب الأمة
ينظر شباب من حزب الأمة بريبة وشك إلى جدية الانقاذ في الذهاب قدماً نحو تنفيذ الاتفاق مع المهدي، واشترطوا على الانقاذ تهيية المناخ والشروع فوراً في إجراءات تصفية دولة الحزب لصالح دولة الوطن، والدخول في إجراءات تشكيل حكومة قومية.

*النظام الجديد
لم تبتعد قيادات من حزب الأمة القومي شاركوا أمس في ندوة (مشروع النظام الجديد وآلية التغيير) فرص التسويق والنجاح التي نظمتها أمانة الاتصال بحزب الأمة بدار الأمة عن الفكرة العامة، اتفق عليها الإمام الصادق والبشير وسجّل العديد من المتحدثين اعترافات بأن الخلافات في الأمة أخرّت فرص نجاح مشروع النظام الجديد الذي رأى دكتور محمد المهدي حسن، نائب رئيس المكتب السياسي بالحزب أنه طريق وسط لمعالجة قضايا السودان، فلا يعتمد اسقاط النظام بالقوة المسلحة، فيضر بوجود الدولة نفسها أويأتي بقوة دكتاتورية لاتقل شمولية عن الانقاذ أويأتى بقوة تفرض الديمقراطية على أساس مشروعها. وقال إن النظام الجديد أيضا بديل لاسقاط النظام على طريقة ثورات الربيع العربي التي يمكن أن تحفز النظام على ضرب الناس وكبت الحريات.

*رود أفعال
غياب كوادر حزب الأمة عن لقاء البشير والمهدي يصعب تفسيره إذا ماوضعنا في الحسبان أن اجتماع مجلس التنسيق الأخير للأمة لم يخرج بكلام واضح حول أسس اللقاء الذي يرى البعض أن طابعه كان اجتماعياً في المقام الأول، ولكن الذي يجب أن أي حديث حول هذا اللقاء، فإن الإمام الصادق قال إنه سيعرض الأمر برمته على أجهزة حزبه.

*حسابات الربح
يحسب على حزب الأمة إذاماتم الاتفاق على حلول تم التراضي عليها من جميع ألوان الطيف السياسي أنه ساهم بشكل مباشر في انقاذ السودان والانقاذ معاً، كما أن الرئيس البشير يحسب له أيضاً السير بالبلاد إلى بر الأمان، ويصبح محل ثقة الجميع وهو الآن كذلك.

*زيارة سلفاكير
ستنعكس النتائج الإيجابية من لقاء البشير والمهدي حول مستقبل السودان مباشرة على زيارة الفريق سلفاكير رئيس دولة جنوب السودان المزمعة وبدون الخوض في التفاصيل فإن زيارة سلفا ستكون لها مابعدها.

عبد الوهاب موسى:صحيفة الوطن[/JUSTIFY]