تحقيقات وتقارير

إبراهيم محمود.. وزير المهمة الصعبة

عندما أتت الإنقاذ كان إبراهيم محمود المولود في العام 1956م مفتشاً زراعياً، قد أمضى قرابة العشرة أعوام في أروقة وزارة الزراعة، وما إن أكملت الإنقاذ عامها الثاني، حتى بات محمود منسق برنامج التنمية الزراعية بشرق السودان، ومن ذلك الوقت بدأ يصعد تدريجياً حتى بات وزيراً للداخلية منذ فبراير من العام 2008م وحتى الآن.
كلما جرى الحديث عن تغيير وزاري منذ توليه منصبه الأخير، كان الترشيحات الأولية تشير إلى أنه سيكون أول المغادرين، ولكن سرعان ما تتبخر تلك التسريبات، ويبقى الرجل في مقعده الوزاري بكل هدوء.
عقل منظم
ما لا يعلمه الكثيرون أن خلف النظارة السميكة لإبراهيم محمود يختفي عقل منظم لأقصى حد، ويظهر ذلك جلياً لكل من تعامل عن قرب معه، لذلك فإن الانطباع الأولي عنه يكون مدهشاً للغاية، حتى لرصفائه الوزراء.
والأكثر دهشة في التعامل مع إبراهيم محمود حامد، أن الانطباع بأنك أمام شخص مهذب لا يكذب، فالرجل المتزوج والأب لخمسة أبناء وبنت هو نتاج تربية بيت ديني، علاوة على ذلك فإن دراسته وعمله بالمجال الزراعي، أكسبته صبراً في التعامل مع مختلف الملفات، خاصة إبان توليه لوزارة الشؤون الإنسانية (نوفمبر 2002م – أغسطس 2005م)، وتوليه لمنصب الوالي بنهر النيل وكسلا، التي غادرها بعد خلافات عاصفة أزاحت محاور الصراع في يناير من العام 2008م، إلا أن خروجه من الولاية جعله يصل لمنصب أمني رفيع.
مقبول من كل أهل الشرق لأسباب دينية وثقافية، فهو يتحدث أغلب لغاتهم، ويقول عنه خبير القانون الدولي وابن الشرق الفريق معاش د.عثمان أحمد فقراي إن عمل الرجل في المنظمات الطوعية، بجانب عمله الطوعي في المنظمات في عدد من المدن مثل سنار وسنجة بجانب دارفور، جعله يكتسب العديد من الخبرات.
على الرغم من عدم وجود خلفيات قانونية لديه، إلا أن العاملين بوزارة الداخلية يقولون إنهم يتعاملون معه براحة، لأنه لا يتدخل في عملهم الفني، وإنما يشرف بشكل عام على الخطط والموجهات للعمل الشرطي بالبلاد، لذلك فإن الحديث عن فشله أو نجاحه يرتبط بمنظومة متكاملة ومتداخلة، يرتبط منها العمل الشرطي بالأمني، علاوة على شيء من السياسي.
مطبات الوزارة
أن تكون على قيادة وزارة للداخلية في بلد مثل السودان، به كثير من الصراعات والمشكلات الأمنية التي تحيط به، يعتبر مجازفة في حد ذاته، ونحن نقيّم اليوم أداءه في الوزارة، ونمسك بالملفات الكبيرة التي عمل عليها خلال الفترة الماضية، ونجد أن البلاد في الأعوام السابقة مرت بأحداث صعبة وكبيرة، يأتي في مقدمتها تأمين العملية الانتخابية، بجانب تأمين علمية الاستفتاء لإقليم الجنوب.
وإذا فتحنا الملف الأول في تأمين الانتخابات، فيمكن أن نقول إنه حافظ على سير العملية الانتخابية، على الرغم من المخاوف من إثارة العنف، فقد حققت الشرطة خطة انتشار وتأمين على كافة بقاع الانتخابات في السودان، على الرغم من الانتقادات التي سددتها المعارضة بأن الشرطة لم تكن محايدة مع كل القوى السياسية، ومالت كثيراً للحزب الحاكم، خاصة في السماح بعمل المظاهرات، خاصة عقب الانتخابات، فلم تفلح قوى المعارضة في أخذ إذن واحد من الشرطة لعمل ندوة جماهيرية أو مظاهرة تُحمى من قِبَل الشرطة.
وإذا عرجنا إلى ملف الاستفتاء، فهو كان أخف قدراً، لأن التكتل السكاني للمصوتين كان في الجنوب، وكذلك التسوية السياسية والنتيجة المحسومة مسبقاً، خففتا من الأمر، لذلك لا يعد الاستفتاء إنجازاً كبيراً يحسب لوزارة الداخلية.
طفرة آليات
الملاحظ في أداء وزارة الداخلية الطفرة في الآليات والمعدات الحديثة التي تعمل بها خلال الفترة الأخيرة، ولكنها لم تنعكس بشكل كبير على حياة المواطنين في شكل تأمين، فما تزال الأحياء الطرفية من الخرطوم تصعب فيها السيطرة الأمنية، وحتى في مناطق داخل السوق العربي، حيث تنتشر عصابات (النيقرز)، بجانب فقدان السيطرة الأمنية الداخلية بشكل كبير في ولايات دارفور، والمعروف أن عمليات التأمين الداخلي من صميم عمل الوزارة والشرطة. وقد نجحت الشرطة وبقية الأجهزة في الخروج بمباراة مصر والجزائر إلى برّ الأمان.
بعض السلبيات على أداء وزراة الداخلية في الفترة الأخيرة، ظهرت في عملية ضبط الوجود الأجنبي، وازدياد عمليات التسلل من دول الجوار الشرقية والغربية، إلا أن من الحسنات عملية التنظيم القانوني، خاصة إجازة قانون الطفل وقانون المرور لعام 2010م.
يرى الخبير الاستراتيجي اللواء الركن (م) د. محمد العباس الأمين أنه رغم توافر الإمكانيات الأمنية، إلا أن السودان ما زال يعاني من التفلتات الأمنية بالمدن الطرفية وتأمين الحدود، نسبة لانتشار الأسلحة والتداخل القبلي، الذي يسبب النزاعات وماله من آثار على الدولة؛ وقال إن الفترة الأخيرة شهدت دعماً مقدراً من الدولة للأجهزة الأمنية، وخاصة وزارة الداخلية التي شهدت تطوراً ملحوظاً في التقنية والمعدات والآليات الحديثة، الأمر الذي أسهم في استقرار الأوضاع الأمنية بالبلاد، وقال العباس إن الفترة الأخيرة شهدت إقبالاً كبيراً من الشرطة على التعليم الأكاديمي، ونيل الدرجات العلمية، إذ إن هنالك أعداداً ضخمة من الضباط بمختلف الرتب يدرسون أكاديمياً لنيل الدرجات العلمية المختلفة، مما يشير إلى أن هنالك تأهيلاً أكاديمياً من قبل الدولة والوزارة، بجانب الدورات الأكاديمية؛ كل ذلك يجب أن ينعكس إيجاباً على الأمن الداخلي، مشيراً إلى أن أحداث أم روابة وأحداث خليل والأحداث الأخيرة التي وقعت داخل المدن، كان لها الأثر البالغ، وقال إن المواطن له دور كبير في إحداث ثغرات تخل بالأمن الداخلي، فيما يرى خبير شرطي – فضل حجب اسمه – أن وزارة الداخلية لم تحسن توجيه الإمكانات الهائلة التي وفرت لها، وهو ما يشكل إخفاقاً في توزيع الفرص، ويرى أن وزارة الداخلية أخفقت في توزيع الإمكانات بصورة سليمة، تمكنها من حسم التفلتات الأمنية، والتي أصبحت تشكل تحدياً للوزارة، خاصة حوادث النهب المتكررة بولايات دارفور والانفلاتات الأمنية بداخل المدن خاصة الطرفية، وانتشار عصابات النهب؛ وعاد ذات المصدر ليقول إن وزير الداخلية المهندس إبراهيم محمود في عهده شهدت الشرطة – وعلى الرغم من التفلتات والأحداث الأمنية التي شهدها عهده – ازدهاراً وقوة، وشهد عهده كذلك قيام أكبر حملات لجمع السلاح والتأكد من خلو العاصمة من انتشار الأسلحة، ولكنه يرى أن أمام المهندس إبراهيم المزيد من الفرص ليستغلها بصورة سليمة، والتي من شأنها دفع العملية الأمنية بالبلاد.
آثار سلبية
خلال مسيرة الداخلية وسلوك منسوبي الشرطة مع المواطنين في الفترة الأخيرة، حدثت الكثير من الأحداث التي كان لها أثر سلبي تجاه المواطنين، وأبرزها حادثة الديم الشهيرة، التي انتهت بمقتل عوضية عجبنا التي بدأت المحاكم الآن النظر فيها، مع إشارات واضحة بأن من يخطئ سيتحمل مسؤولية ما يفعله، وذات الأمر تكرر بسيناريو مختلف قليلاً، مع ما أثير عن قضية النقيب أبو زيد.
نقطة أيضاً فتحت ثغرة في الأداء الشرطي بالبلاد، نتجت عن أكبر عملية هروب وأعقدها؛ ففي يونيو 2010م تمكن المدانون الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام في قضية جون مايكل غرانفيل الدبلوماسي الأمريكي وسائقه عبد الرحمن عباس رحمة، ليلة رأس السنة العام 2008م؛ تمكن المدانون من الهروب في وقت متأخر من سجن كوبر، وأصدر الفريق محمد عبد المجيد الناطق الرسمي باسم الشرطة آنذاك، بياناً صحفياً في الساعات الأولى من صباح الجمعة، أكد فيه هروب المدانين عبر أحد مجاري الصرف الصحي القديمة من السجن القومي بالخرطوم بحري، ومن ثم إلى الشارع العام، إلا أنه اتضح لاحقاً من خلال تسجيل فيديو، أنهم ظلوا لأكثر من عام يقومون بحفر نفق طوله 38 متراً، مكنهم من الهروب وهم: محمد مكاوي، وعبد الباسط الحاج الحسن، ومهند عثمان وعبدالرؤوف أبو زيد محمد حمزة في وقت سابق، وحكم عليهم بالإعدام شنقاً.
هل سيبقى أم سيغادر؟
أبرز نقاط القوة التي يمكن أن تعزز بقاء محمود في موقعه بوزارة الداخلية خلال التعديلات القادمة، هي عدم وجود صراعات وتكتلات داخلية بوزارته حتى بين منسوبي حزب المؤتمر الوطني الحاكم ذات أنفسهم – نسبة للطابع العسكري لها، وهو ما حال دون وقوعها في أسر الصراعات والتكتلات الداخلية، وأفرز طبقاً لذلك تيارات ومجموعات ضغط مؤثرة على القيادة الحزبية والتنفيذية للبلاد؛ أما النقطة الثانية فهي انحدار أصول محمود من شرق السودان، باعتبار أن وجوده بموقعه الوزاري في أحد أهم الوزارات السيادية، ذو دلالة رمزية مهمة لأجهزة الدولة، باعتبارها تكفل وتضمن تمثيل كل المكونات الجغرافية الرئيسية فيها، وبذات القدر لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يراهن على قاعدته الحزبية بشرق البلاد، ويخاطب أشواقها وتطلعاتها ويعضد لها اهتمام قيادة الحزب الحاكمة للبلاد بتمثيلهم ووجودهم على المستوى المركزي.
لكن في ذات الوقت، فإن ذات النقطة التي تعتبر مؤشراً في صالح محمود تحسب في غير صالحه، لوجود وضع استثنائي بوزارته، إذ ينتمي هو ووزير الدولة أحمد دقنة المنتمي لحزب الأمة الفيدرالي – لشرق السودان، وهو ما يجعل فرضية بقائه بالوزارة تستوجب إحداث توازن فيها، سيفضي إما لخروجه منها أو مغادرة دقنة لها، وربما تتم إزاحته في حال تمسك دقنة وحزبه بموقعه الوزاري الحالي، ووقتها لن يكون هناك خيار سوى إقالته وتعيين وزير آخر، ومن الضروري الإشارة هنا إلى تطبيق ذات منهج المعالجة في معظم الوزارات، بحيث لا يكون تمثيل وزيرها ووزير الدولة فيها من ذات الموقع الجغرافي.
معطى ثانٍ ربما يصب في غير مصلحة بقاء الرجل بموقعه الوزاري، وهو اقترابه من حاجز السنوات الخمس منذ تعيينه وزيراً للداخلية، وهي (الفترة الكافية والكاملة الممنوحة لتقييم أداء الوزراء من قبل الرئيس)، أصاب فيها مرات وأخطأ في بعض الأحيان.
دعونا نفترض سيناريو مغادرة الرجل موقعه بوزارة الداخلية؛ فسيكون السؤال المطروح (إلى أين سيمضي؟) ولعل الإجابة القاطعة لهذا السؤال، تتصل في المقام الأول بدافع ومنطلقات الرجل، فإذا استندت إلى قدراته الأمنية فقط دون استصحاب لانتمائه الجغرافي باعتباره من شرق السودان، فوقتها قد يتوارى الرجل عن دائرة الضوء، أو يتم استيعابه سفيراً بإحدى الدول الخارجية، وقد يترتب على وجوده ضمن الدائرة القيادية الرئيسية بحزب المؤتمر الوطني، استيعابه في أيٍ من المواقع الوزارية الأخرى.
من المهم التنويه لنقطة مهمة، تتمثل في منطق تعيينه، فإذا كان الهدف ترميزياً لتمثيل أبناء شرق السودان بإحدى الوزارات السيادية، فإن الخيارات الموجودة أمام الحكومة ستكون محصورة على أمرين؛ أولهما الدفع به إلى إحدى الوزارات ذات الطابع السيادي، أو استبعاده مع إحلال قيادي آخر من ذات المنطقة بأيٍّ من الوزرات السيادية. أما فرضية إدخاله القصر مساعداً للرئيس، أو حتى تعيينه نائباً للرئيس فتبدو مستبعدة نوعاً ما، نظراً لوجود مساعد للرئيس من شرق السودان هو موسى محمد أحمد، استناداً إلى اتفاق سلام الشرق (أسمرا)، وبالتالي فإن اللجوء لهذا التعيين قد يترتب عليه توتر محتمل في العلاقات بين المجموعة الموقعة على اتفاق أسمرا وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، باعتبار أن تعيين أحد منسوبيه نائباً للرئيس أو مساعداً له، يهدف لاختطاف وعرقلة تنفيذ اتفاق أسمرا، وهو أمر يسعى الوطني لتجنبه وعدم الوقوع فيه، أو اتخاذ قرارات تنعكس سلباً على جبهة حلفائه ومناصريه.
في خاتمة المطاف فإن التكهن بتقديرات وقرارات البشير النهائية، وتقييمه لأداء الوزارء، هو العنصر الحاسم الذي سيحدد بقاء محمود أو مغادرته، أو أي من زملائه الوزارء، ولذلك فإن الجميع في انتظار القول الفصل الصادر من عند الرئيس.
تقرير: هاجر سليمان :صحيفة السوداني

تعليق واحد

  1. كيف لايزداد تسلل الاريتريين والاحباش للسودان ووزير داخليتنا كان رئيسا لاتحاد طلاب اريتريا بمصر بربكم هل مثل هذا يحدث في اي بلد في العالم هل انعدمت الوطنية في السودان حتي يتم تعيين من كان رئيس لاتحاد طلاب اريتريا بمصر وزيرا للداخلية انها مصيبة كبرة سوف ندفع ثمنها في تغيير الهوية السودانية