سياسية
ما المستفاد من الحوار الوطني الدائر حالياً ؟
صحيح أن الالتقاء بين الأطراف فى حد ذاته، برغبة وإرادة متبادلة جادة هو نصف النجاح. وصحيح ايضاً أن ما يجمع هذه الأطراف -عملياً- أعلى بكثير جداً مما يفرق بينهم ولكن هذه طبيعة العمل السياسي الذى يمثل عنصر الوقت، وتعاقب الليل والنهار العنصر الأكثر أثراً فى العملية برمتها.
وإذا جاز لنا أن نعد هاهنا المزايا الايجابية للقاءات التى تمت وتلك التى فى طريقها لتتم فهي أولاً: أزاحت الكثير من الغبار الخانق العالق فى سماء الساحة السياسية السودانية. لا ينكر أحد حاجة السودان لأحزاب (كبرى)، ثلاثة أو أربعة تدير اللعبة بعقد راشد وتلتزم بدائرة مرسومة بعناية تضم داخلها ثوابت وطنية لا جدال ولا خلاف حولها.
الديمقراطية المنشودة فى بلد كالسودان محاط بالقضايا الشائكة تحتاج لأحزاب (ذات خبرة علمية) وراشدة وغرسها ضارب فى التربة السياسية السودانية. لو أردنا ديمقراطية تستوعب أكثر من 70 حزباً بعضها لا يتجاوز عدد أفراده أصابع اليد الواحدة، فإننا فى الواقع نبحث عن مدينة فاضلة، مات أفلاطون وهو يحلم بها!
إذن مجرد شروع الأطراف الرئيسية الكبرى فى المشهد السياسي فى ترتيب أوراقها والنظر الى الواقع الماثل هو فى حداته خطوة جيدة للغاية الى الأمام.
ثانياً: إذا بدأ هذا المشهد فى التبلور والتشكل بهذه الصورة فهو قمين باجتذاب نظر المجتمع الدولي ومن ثم يضطر هذا المجتمع لعمل ألف حساب للسودان وليس سراً هنا أن تمزق الساحة السياسية السودانية وتقاطع مصالح القوى السياسية المختلفة وبقاء كل حزب فى داره والنظر الى نفسه فى المرآة ليرى وجهه وحده هو الذى أضرَّ وأضعف السودان وجعله مزاراً دولياً.
ثالثاً: من شأن بروز ثمرات هذه اللقاءات وبداية نضوجها أن يلفت أيضاً نظر حمَلة السلاح على الأطراف، أولئك الذين ظلت تغريهم حالة الاحتقان السياسي الداخلي بالمزيد من التعنت والإصرار على المواقف المستحيلة.
وليس سراً هنا أيضاً أن بعض أحزاب الداخل المعارضة لديها (أذرع) داخل تلك الحركات المسلحة وما قصة الشعبي والعدل والمساواة ببعيدة عن أذهان المراقبين!
من شأن تخفيف حالة الضغط والاحتقان الداخلية أن تخفف الكثير من الضغط على الأطراف، وسوف يدب اليأس تماماً فى قلوب حملة السلاح على الأطراف إذا شعروا أن الجبهة الداخلية باتت اقوي من الجبهة الثورية.
وأخيرا فإن الدولة السودانية نفسها فى حاجة الى خبرات وعقول أبناءها فالكثير من الأزمات الماثلة يصعب حلها برؤية واحدة، ولعل من أوجب واجبات القوى السياسية حتى ولو بقيت فى مقاعد المعارضة أن تقدم الحلول والرؤى والأفكار لأنها جزء أصيل من الضفيرة الوطنية الشاملة.
من المؤكد أن السودان الآن يخطو خطوات حقيقية الى الأمام تحتاج لتشجيع وليس التفكير قصير المدى الذى يحسب حساب الربح والخسارة؛ فالخسارة الحقيقية فى العمل السياسي إنما تتمثل في تعطل أجهزة العمل السياسي فى حزب من الأحزاب ويصبح أسيراً لنفسه. الربح الحقيقي هو ذلك الذي يصب فى خانة أرباح الوطن وحده!
سودان سفاري
[/JUSTIFY]