تحقيقات وتقارير

لوكا بيونق .. سياسي يلعب بأعواد الثقاب

[JUSTIFY]د. لوكا بيونق دينق، مواطن من منطقة أبيي، وزميل كلية هارفارد كنيدي للحكم والإدارة، وعدا ذلك فإنّ كل صفة تلحق باسمه لابد أن يضاف إليها كلمة (السابق). ورغم تصريحاته المفخخة التي يدلي بها بشأن أبيي كيفما اتفق، إلا أن د. لوكا لا يحمل أية صفة في الواقع تجعل تصريحاته أو في الواقع تهديداته للضغط في أبيي وفرض وصاية دولية عليها ذات قيمة. فمنذ أن تفاجأ الرجل بقبول سلفا كير لاستقالته من رئاسة الهيئة الإشرافية المشتركة بأبيي يناير الماضي، أصبح يبحث بإلحاح لافت للعودة إلى واجهة الأحداث والظهور بمقال حيناً، وبتصريح حسبما دفع به لـ (الرأي العام) أمس حيناً آخر.

تلويح في الأيام التي سبقت قمة البشير سلفا كير الأخيرة، لوح لوكا بورقة وضع أبيي تحت الوصاية الدولية حال لم يتم الاتفاق على الاستفتاء في أكتوبر بين الرئيسين، ولما اتفق الرئيسان على عدم الإكتراث إلى تهويش لوكا وتناولا قضية أبيي بهدوء يراعي مصلحـة المواطنين فيها من الجانبين من خلال الاتفاق على الإسراع في وضع الترتيبات الانتقالية الخاصة بالمنطقة قبل الوصول للحل النهائي، خرج د. لوكا مرة أخرى بالتلويح بإجراءات وتحركات دبلوماسية ومدنية لحث الرؤساء الأفارقة على إجازة وإلزام الأطراف بمقترح الحل النهائي لأبيي وإجراء إستفتاء بحلول أكتوبر. وكشف عن إجراءات يخطط لها أبناء أبيي للتعبير عن رأيهم في تبعية المنطق عبر طرق ثلاث منها جمع توقيعات.

ُطرق ليس مهماً الطرق التي حددها لوكا بيونق للضغط في أبيي، المهم أنه اكتسب في الفترة التي أعقبت ابتعاده عن جوبا وذهابه للهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية خبيراً في رسم الطرق والسيناريوهات المعطوبة، حيث تجئ الأمور غالباً عكس ما تمضي مقالاته التي نشر آخرها قبل (10) أيام في «سودان تريبيون» ولا يعرف أقرب الناس إليه حتى الآن ما إذا كان لوكا يقظاً أم حالماً عندما كتب ذلك المقال.
تصريحات لوكا ومقالاته في الأونة الأخيرة تهدف لإحراج الرئيس سلفا كير وإظهاره بمظهر الضعيف وغير القادر على اتخاذ إجراءات بشأن أبيي، فقد حذّره في مقال سابق من افتقاد شعبيته كلما اقترب من الرئيس البشير الذي يرهن تدفق النفط بوقف الدعم للجبهة الثورية والفرقتين التاسعة والعاشرة، وقال إن الرهان يجب أن يكون على حكام السودان الجدد الذين سيقومون بالعمل على التوصل إلى حل ودِّي بخصوص المناطق الحدودية المتنازع عليها وسيتوصلون إلى حل للوضع النهائي لمنطقة أبيي وفقاً لمقترح الإتحاد الأفريقي، كما سيسمحون بتدفق البترول الجنوبي عبر السودان بأقل الرسوم, وربما مجاناً على حد قوله.

وفي مقال نشره مطلع يونيو الماضي بصحيفة «نيو نيشن» رسم د. لوكا سيناريوهات متعددة لنهاية النظام في الخرطوم قال فيه إن النظام وصل إلى طريق مسدود, وإن زواله بات وشيكاً ولا رجعة فيه مهما حاول حزب المؤتمر الوطني تغيير سياساته تلبية لتطلعات الشعب السوداني. ومضى لوكا الذي أصبح في الآونة الأخيرة ناشطاً صحفياً لوضع سيناريوهات تبشر بأن كل ما يصدر منه بشأن أبيي لن يتحقق، نظراً لتوقعات وسيناريوهات خائبة لإسقاط النظام، عندما قال إن السيناريو الأول هو أن يصطنع النظام انقلاباً عسكرياً يضمن له الخروج السلس ويسمحُ بتكوين حكومة قومية تشرف على عملية صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات عامة. والسيناريو الثاني هو أن يتنحى البشير كرئيس للسودان وأن يسمح لنائبه الأول علي عثمان بإدارة عملية تفاوض مع الجبهة الثورية لتكوين حكومة قومية وصياغة دستور دائم وإجراء انتخابات عامة في 2015. أما السيناريو الثالث يتمثل في تكثيف الجبهة الثورية لعملياتها العسكرية متزامنة مع هبَّة شعبية في مدن السودان الرئيسية, وهو ما سيؤدي لسقوط النظام وتكوين حكومة قومية جديدة تقوم بتطبيق ميثاق الفجر الجديد.

محركات الراصد لما يصدر من د. لوكا بيونق في الآونة الأخيرة، يجد أنه أمام أكثر من نسخة من لوكا. فعندما ظهر لوكا بيونق مع أزمة تجميد الحركة الشعبية لوزرائها في حكومة الوحدة الوطنية على أيام نيفاشا، ظهر كحمامة سلامة ورجل يجنح للحلول التوفيقية، وقد لعب دوراً في حل كثير من الخلافات في مسار الشراكة خاصةً عندما كان وزيراً لشؤون الرئاسة في الجنوب، وكان أداؤه في الفترة التي سبقت اسـتقالته من وزارة مجلس الوزراء الاتحادي جيداً، إلى جانب علاقاته الاجتماعية الجيدة كذلك مع الكثيرين شمالاً وجنوباً.

لكن، لوكا بيونق آثر الصعود لواجهة الأحداث بقضية أبيي منذ أن استقال بسبب دخول الجيش إليها قبل شهر من الانفصال بسبب الاستفزازات المتكررة هناك. وفيما رجحت بعض المراصد الصحفية في الخرطوم أن هدفه من تلك الاستقالة أن يبرز كبطل في نظر أبناء منطقة أبيي بعد اتخاذ ذلك الموقف المتعاطف معه، ولكنه نفى في حديث سابق معي ذلك. ولكن الحقيقة غير القابلة للنفي انّ لوكا بيونق ودينق ألور وإدوارد لينو وقيادات أخرى كانت نافذة في الجنوب من أبناء دينكا نقوك ظلوا يقومون بدور في تعقيد تلك القضية، بل وتعقيد العلاقة بين الخرطوم وجوبا كذلك بهدف ضمان تبعية المنطقة للجنوب غض النظر عن الحق التاريخي الأصيل للمسيرية في المنطقة، فتبعية المنطقة للسودان في حال عدم تقسيمها بالطبع، ستجعل من ثلاثتهم شماليين، وبالتالي لن يكون لهم مُستقبلٌ في قيادة الجنوب مستقبلاً.

تكتيكات الذي يفقد تصريحات لوكا بيونق ومقالته أي تأثير على الأرض أنها تتم وفق تكتيكات مكشوفة يعرف الجميع منطلقاتها الأساسية، فاستقالته مثلاً بعيداً عن ما قيل بشأن الإحباطات وراءها، هدفت إلى جانب كل ما قيل تعقيد الوضع حتى يتبيّن لسلفا كير أن الأمر صعبٌ ولابد من موقف أكثر حزماً وقوةً. لكن سلفا كير الذي رأي حصاد سماعه لنصائح لوكا ودينق ألور لنحو عامين ماضيين بؤساً في الجنوب وسوءاً في العلاقة مع الخرطوم وتدهوراً للأوضاع في أبيي، قرّر التخلص من فيتو أبناء أبيي في الحركة ومن يدعمونهم من أنصار السودان الجديد، والتصرف بعقلية رجل الدولة بشأن هذه القضية التي لا تحتمل مثل مزايدات لوكا وتكتيكاته لإقامة استفتاء من طرف واحد ووضع اليد على أبيي، وكأنّ (البلد ما فيها مسيرية)!.

يحاول د. لوكا في سعيه لإحراج سلفا والحكومة الجديدة في الجنوب وحملهم لاتخاذ خطوات تصعيدية في أبيي التهويش بعلاقاته وعلاقات أبناء أبيي الخارجية ومعرفتهم بالطرق إلى دوائر اتخاذ القرار في أمريكا والغرب عموماً، لكن مثل هذا التهويش فقد صلاحيته منذ أن ترك الغرب الجنوب أعزلَ في مواجهة تحدياته الاقتصادية بعد أن حرّضه على وقف تصدير النفط عبر السودان في السابق، وإن كان مثل هذا النوع من التهويش يجدى مع سلفا كير لما أُبعِد باقان أموم، الذي يعتبر أستاذاً للوكا في هذا المَجـَال.

استفتاء الاستفتاء الذي يسعى لوكا بيونق لإجرائه الشهر المقبل في أبيي، سيكون أُضحوكة سياسية، إن هو قام بطريقة أحادية، لأنه سيكون لتزجية الوقت وضرباً من العبث السياسي الذي لن يسمح به سلفا كير. وسيضحك الناس على لوكا إن تمخض جمله فأراً كذلك ومضى أكتوبر بدون استفتاء كما تشير الوقائع على الأرض.

فالذي يطالع تصريحات الرئيسين البشير وسلفا عقب قمتهما الأخيرة يجزم بأنّ ذلك لن يكون، كما أنّ أية تحركات لمحاولة استقطاب الدعم الإقليمي خاصةً الإتحاد الأفريقي لإقامة الاستفتاء في أكتوبر يُعد ضرباً من المستحيل نظراً لأنّ الإتحاد الأفريقي ورئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى أصبحا يدفعان باتجاه الإسراع في عمل الإجراءات الانتقالية في أبيي من قبيل المجلس التشريعي وتكوين الإدارية والشرطة تمهيداً للحل النهائي هناك حسب مخرجات قمة الإتحاد الأفريقي التي عُقدت في يناير الماضي، ما يعني انّ لوكا بيونق لن يدعمه في هذا التوجه سوى قليلٌ من الغاضبين من أبناء دينكا نقوك لن يكملوا النصاب لفعل أي شئ سوى كتابة مقال آخر يحرض فيه على الاستفتاء ويصب فيه جام الغضب على الخرطوم والرئيس الحكيم سلفا الذي اتفق معها على تهدئة الأوضاع وفتح صفحة جديدة بلا لوكا بيونق أو دينق ألور أو غيرهما من القيادات التي ظلت خميرة عكننة طوال السنوات الفائتة.
خلفية الدكتور لوكا بيونق – كما هو معلومٌ – هو أحد أبناء سلطان دينكا نقوك ذائع الصيت، دينق مجوك، وبالتالي هو أخ فرانسيس دينق، وهو كما أخبرني في وقت سابق يعرف المئات من إخوانه ولكنه لا يعرفهم جميعاً. ولج لوكا إلى مدرسة أبيي الابتدائية، وعندما انتقل إلى مدرسة كمبوني بالنهود سمته الكنيسة لوكا ليصبح لوكا بيونق دينق، الطالب المسيحي الوحيد بمدرسة الهيدوب، ثم رجل الفولة الثانوية العامة، قبل أن يلتحق بمدرسة كادوقلي الثانوية العليا ومن ثم كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم في الفترة من 79 – 1984م.

التحق لوكا فور تخرجه بهيئة التدريس في كلية الاقتصاد بجامعة الجزيرة، وبعد أن عمل هناك لنحو عام ونصف العام وصلته منحة من الحكومة البلجيكية لدراسة الماجستير في الاقتصاد وإدارة الأعمال. ثم حمل لوكا رتبة مقدم في الجيش الشعبي وقاتل ضمن صفوفه منذ العام 1988م، إلى جانب أنه كان مسؤولاً عن الشؤون الاقتصادية للحركة في ذلك الوقت الذي جاء فيه من بروكسل إلى الميدان بغرب الاستوائية ثم وجد فرصة لدراسات عليا بإنجلترا، فحصل من جامعاتها على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. عندها، كانت المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق نيفاشا قد بدأت، وإن لم يستطع اللحاق بالتفاوض في اتفاقي مشاكوس الإطاري والترتيبات الأمنية، إلا أنه شارك في مراحل التفاوض المتبقية بفاعلية حتى قيل إنه هو من قام بصياغة الاتفاقية في صورتها النهائية، وقد قال لي مرة وأنا أجمع منه هذه المعلومات الشخصية في شقة كان يستأجرها في الخرطوم (2) إن اتفاقية السلام الشامل طبعت وخرجت من جهاز الكمبيوتر الخاص به، كما قال لي ما سبق من معلومات تعطي خلفية كافية عنه قبل أن يصبح وزيراً ثم يبتعد عن الوزارة، ويعود للعمل في البنك الدولي ثم يعود للوزارة من جديد، ثم يبتعد لينشئ منظمة اسمها كوش في أمريكا، ثم يعود ليتسلم رئاسة اللجنة الإشرافية، ثم يعود يستقيل ويرجع إلى أمريكا للتدريس قبل أن يأتي في زيارة للجنوب سوف لن تنجب استفتاءً.

عود ثقاب مهما يكن، فإنّ أحاديث الدكتور لوكا بيونق، نجل سلطان دينكا نقوك الأشهر لن تحقق استفتاءً ولا سلاماً في أبيي، فهي ضرب من اللعب بأعواد ثقاب قد تشعل حريقاً في المنطقة في أية لحظة، ولكنها تحقق له قدراً من الظهور الإعلامي منذ أن انحسرت عنه الأضواء وخرج من دوائر الفعل السياسي إلى قاعات الدرس من جديد في أمريكا، مثله، مثل أي لوكا آخر هناك.

صحيفة الرأي العام
فتح الرحمن شبارقة[/JUSTIFY]

‫4 تعليقات

  1. (( كما أنّ أية تحركات لمحاولة استقطاب الدعم الإقليمي خاصةً الإتحاد الأفريقي لإقامة الاستفتاء في أكتوبر يُعد ضرباً من المستحيل نظراً لأنّ الإتحاد الأفريقي ورئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى))……اإتحا الإفريقي ولجنة الوساطة هم من حددوا أكتوبر لإقامة الإستفتاء، وهذا الكلام مردود عليه بما يلي من مقال قبل أيام وكان عنوان المقال: إستفتاء أبيي.. تدخل كبار اللاعبين هل سيؤجل الخطوة، ووردت هذه الفقرات ننقلها هنا كما وردت.
    الفقرة الأولى:واشنطن ولندن رفضتا أي تحرك آحادي من حكومتي السودان من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة ودفع رئيس آلية التفاوض رفيعة المستوي بين السودان والجنوب باعتراضات قوبة تؤكد رفض الاتحاد لأي استفتاء أحادي من قبل دولة جنوب السودان
    الفقرة التانية: ( وحسب سفير المملكة المتحدة لدي الأمم المتحدة مارك ليال فان الحكومة البريطانية تؤيد اقتراح الاتحاد الأفريقي الذي نص إجراء استفتاء في أبيي في شهر أكتوبر القادم.
    يعني لوكا بيونق و إدوارد لينو وآخرين يستندون على تأييد بريطانيا والغرب ولجنة الوساطة لقيامه في أكتوبر، والمشكلة هنا هل يكون المسيرية سيكونون “لوحدهم” ضد الإستفتاء؟ اللهم أنصرهم حين يعُز الناصر
    .

  2. [SIZE=5]بصراحة هنالك جيل من الجنوبيون لديهم غل وحقد شخصي هذا الغبن والحقد الشخصي يتعاملون به مع الحكومة اي كانت انقاذ او احزاب اوغيره اذا تجردوا ورجعوا للصواب سوف يستفيد انسان الجنوب هذا الهرج لا يخدم لانهم اليوم القناة الصحف لا تتحدث عن مشاكل اقتصادية اوتعليمية او صحيةمن يستفيد الجنوب من مواطن الشمال في مجال التعليم الطب الاقتصادبشرط الابتعاد عن التوجه الكنسي الذي يريد تحجيم دور الشمال او الاحرى اقصائه فقط زرع الحقد من جيل لجيل وبدون اسباب مقنعه حرب مات منها كل بيوت السودان هم قتلوا نحن قتلنا توجه سلفاكير هذه الايام افضل لانه يعرف دور المرحلة المقبلة التي يحتاجها هو لكي يبقى بالحكم او بيقى الجنوب ويستقر التعامل معنا من اسهل الاتجاهات في كافة المجالات ونتمنى العمل من الجميع هنالك شوائب وحواجز نفسية وهنالك جهات تمول وتوجه الخراب لا نريد دولة اخرى تكون لها يد او باع داخل الجنوب اكثر منا [/SIZE]