سلفاكير.. إخراج الكابوس من البئر المسحورة
الإنفصال كان صيغة سياسية حاسمة إنتظرها العديد من الجنوبيين بتلهف شديد، بينما عبر عشاق الوحدة من الغالبية في الشمال عن الحزن والأسى المتدفق على الوطن الذي إنشطر إلى ضفتين، وقد كانت ردود أفعال منبر السلام العادل تسربل في متاهات اليتم والعزلة تعانق فرحة الإنفصالين الجنوبيين على صراط واحد.
في ثنايا حكومة “سلفاكير” كان أصحاب التوجهات المرتبطة بالغرب يعملون على إستدامة التباعد بين الخرطوم وجوبا من خلال تغذية الأفكار المسمومة والهواجس العدائية في ذهن القيادة الجنوبية، فقد كانت تلك التحركات المقصودة تجد من يصب عليها النار وينفخ في الهشيم على مسارها في الطرف الشمالي داخل المؤتمر الوطني، وهكذا إنداحت على السطح إشكالية أبيي بوتيرة مرتفعة، فضلاً عن الحرب الشرسة في هجليج، وتعقيدات إغلاق أنبوب النفط، والإخفاقات المتكررة على طاولة التفاهمات بين الطرفين في أديس أبابا.
في الصورة المقطعية كانت المرارات على الحلق، والدموع تستدر العيون للبكاء، فقد ظل الكابوس يجسم على صدر العلاقة بين الشمال والجنوب، فالشاهد أن البئر المسحورة كانت تحتضن تلك اللعنة المنسوجة على حبائل تأزيم مكونات الحوار بين القطرين إلى حريق هائل لا ينطفئ! وقد عملت تلك الدوائر الشريرة في نظام “سلفاكير” على بناء جدار عالي في حافة البئر المسحورة يؤطر إلى تعطيل أي تسوية سلمية حاسمة في المستقبل بين النظامين.
والبئر المسحورة إنطلاقاً من التراث الجنوبي القديم هي مستودع الشؤم والتحركات التي ترتبط بالإخفاق وترسيم الفشل، إستناداً على وجود عائق غير مرئي تدابير عرفية وطقوس من النسيج القبلي والخرافي تساعد على كسر الحظر الأسود؛ حتى يتسنى الوصول إلى محطات تحقيق الهدف المنشود.
من الناحية التصويرية فإن المشهد السريالي ينطبق تماماً على أوضاع العلاقة بين الشمال والجنوب قبيل زيارة “سلفاكير” الأخيرة إلى البلاد، التي فتحت طريق التعاون والتنسيق بين القطرين من خلال ثمار المباحثات الناجحة التي وجدت وضعاً متميزاً على دفتر التاريخ.
في اللوحة البليغة قام “سلفاكير” بتفكيك الرموز المعرقلة داخل حكومته وإستدار قوياً من زاوية القائد السياسي والعسكري المجرب، وهو يوظف دهاء رجل الإستخبارات القديم وشجاعة نديم الغابة المقاتل في إخراج الكابوس من البئر المسحورة دون جهود جبارة، ليكون الحصاد صحائف بيضاء على وتر التفاهمات بين الخرطوم وجوبا في سياق النحو المشهود.
وقد تكون القراءة الصحيحة لشخصية “سلفاكير” أنها ترتكز على ثلاثة عناصر مترابطة كحزمة واحدة ونسيج متماسك تتحكم في قراراته وطبائعه ومزاجه من خلال العنصر الإستخباراتي، والتقيد بأدبيات الدينكا وخصوصية الغموض والصبر، فالثابت أنه طبقاً لتلك المعطيات صارع الأصنام القديمة في حكومته، وحقق تجسير العلاقة مع الخرطوم التي أدت إلى إستمرار عبور النفط الجنوبي في أنبوب الشمال، وفتح الحدود بين البلدين وتبادل الفوائد والمنافع المشتركة على الصعيد الإقتصادي والتجاري والحياتي.
إنه منظر مؤثر يعكس ذهاب الأرواح الشريرة، عندما يخرج الكابوس من البئر المسحورة!!
صحيفة المجهر السياسي
عادل عبده