حوارات ولقاءات

غازي سليمان : المؤتمر الوطني حزب علماني وهذه أدلتي .. وهذا برنامجي إذا أصبحت رئيساً للجمهورية

[JUSTIFY]المحامي غازي سليمان ما أن يُذكر اسمه حتى تتقافز إلى الأذهان العديد من الانطباعات الرائجة عنه من إثارة للجدل وتنقل مواقفه عبر خانات وزوايا عدة.. بالإضافة إلى حكيه الدرامي وأعتقد أن سوح المحاكم أفادته في ذلك كثيراً.. قابلته في تمام الحادية عشرة صباحاً بمكتبه في الخرطوم، وجدت لديه عميلاً يتدارس في حماسة قضيته مع الأستاذ غازي.. كنت أرقب التفاصيل وداخلي يبتسم من تعليقات الأخير المباغتة، ثم حاورته ساعة كاملة، وكنت خلالها أكتب بمخيلتي أكثر العناوين إثارة.. خرجت من مكتبه لأعود بعد أقل من عشر دقائق وفي فمي جملة واحدة (أ. غازي للأسف تسجيل الحوار توقف عند ربع الساعة الأولى).. للأمانة كنت أذكر جزءاً كبيراً من الحوار، ولكني تعودت ألا أنشر كلمة واحدة إلا ومعي (التسجيل) كمستند صوتي ـ باغتني برده الفوري (ما في أي مشكلة وعليَّ الطلاق لو دايراني أشتغل معاك لحدي الساعة خمسة ما في مانع) ثم بدأنا الحوار للمرة الثانية فآثرت ألا أرهقه بكثرة مقاطعاتي وكانت النتيجة سرده لتفاصيل تحكى لأول مرة وقصة لجانب من ذكرياته ظل في زاوية معتمة وإدلائه بإفادات تأريخية ستهم الباحثين والمؤرخين للصراع (الإسلامي) في السودان بالإضافة لإفاداته حول الراحل د. جون قرنق والعديد من التصريحات التي تتداخل بين التأريخ والذكريات والتحليل في حوار لا تنقصه الجرأة التي عرفت بها شخصية غازي سليمان..

نبدأ معك من الوالد محمد أحمد سليمان (أب دومة) الذي نشر العلم وحارب الاستعمار؟ أنا من أسرة متعلمة ومعلمة في ذات الوقت والدي ضحى بوظيفته رغم أن الوظيفة مصدر دخل ممتاز ومكانة اجتماعية مرموقة في زمانه، ضحى لأجل نشر التعليم في شرق السودان، وكما ذكرتي ناهض الاستعمار وأذكر (وأنا صغير طلعت معاه في مظاهرة ورجلي اتكسرت) ووالدي علم اللغة الإنجليزية والتأريخ لعبد الخالق محجوب وإدريس البنا وفطاحلة الشخصيات رحمه الله وأحسن اليه.

رغم أنك دوماً تفاخر بأنك (حفيد الشيخ حمد أب عصاةً سيف) إلا أن في الأمر تناقض كيف لحفيد المتصوفة أن ينتمي للشيوعية؟ ـ كيف الكلام ده.. بعدين الشيوعية هي ذاتها شنو؟ هي التصوف، وأنا كلمة شيوعي دي شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها، وهسي بقول ليك كلامي ورأيي وأترك للناس تكيفه القانوني شيوعي إسلامي المهم ده غازي سليمان (العاجبو مرحب والما عاجبو يطق راسو بالحيطة)، بعدين من الناحية النظرية وين التناقض بين الشيوعية والصوفية (دي دعاوي الامبريالية العالمية) في مرحلة محاربة الشيوعية وكلامك ده كلام خمسينيات ساكت، عندما أشاعو أن الماركسية عدوة للإسلام، والآن تغير الوضع ولكل مقام مقال ولكل زمان حال هسه الإمبريالية بقت تشيع أن الشيعة وليست الشيوعية هي الخطر على الإسلام وكلامك ده ما عنده أي قيمة، وزي ما قال صلاح أحمد إبراهيم الحقيقة تبقى الحقيقة).

ما ذهبت اليه توجد أدلة تدحضه من داخل الفكر اليساري كتبها أساطينه الكبار مثل (لا إله والحياة مادة) و(الدين أفيون الشعوب)؟ لا لا لا.. البتقوليه ده كلام فاضي، ولعلمك الشيوعية في الوطن العربي (ما كدا خالص) وبعدين لمعلوماتك، الماركسية دي منهل متسع للجميع يعني (تشيلي البنفع معاك وترمي الباقي).. وكمان أزيدك الإسلام الدين القيم (مش الإسلام الشائع الآن في السودان ده) الإسلام الأول الصافي قريب جداً من مبادئه مع الاشتراكية، مثلاً قبل يومين قدمت لي دعوة عن الحصانات (حصانات النواب البرلمانيين والقضاة و..و..و) أنا قلت ليهم الإسلام دا ما فيهو أي حصانة والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها) وفي الشريعة الإسلامية (الناس سواسية كأسنان المشط) ورأس الدولة ما عنده أي حصانة في الإسلام، المهم قلت ليهم ما تقولوا (دي دولة شريعة وتقعدوا تعملوا في حاجات ساي) والفي السودان هسه ده نظام علماني فاسد عشان كده عندهم (26 قانون يحتوي على حصانات لمنسوبيها من القضاء إلى الشرطة) عشان كدا خلونا نبقى واقعيين ونحاول نحسن من الـ…

تغيرت لغتك كثيراً قبل فترة كنت مهادناً وتدعو لبقاء السلطة الحاكمة من مؤسسة الرئاسة الى أدناها، الآن لماذا قلب الطاولة؟ منذ البداية كدا أنا أصلاً ما بقلب مواقفي ويوم واحد ما كنت مع الإنقاذ، لكن كمان بقاء الإنقاذ حالياً شرط لبقاء السودان موحداً وإذا ذهبت حالياً البديل ليها منو؟، الجبهة الثورية مثلاً؟!.. يا اخي دي عدوة للإسلام والعروبة والسودان والوطن عشان كدا..

تدعو إلى بقاء الإنقاذ رغم اتهامك لها بالعلمانية والفساد أعتقد أنك تتبنى موقفاً ضبابياً معتماً تجاه الأحداث؟ القلته ده ما اتهام دي حقيقة وهم بالمناسبة معترفين بها، وأنا بدعو لبقاء الإنقاذ رغم فسادها عشان ما تجينا حكومة أفسد وكمان…

إذا سلمنا بأن هنالك (فساد) على حد تعبيرك هل من المنطق الاستمرار فيه حتى لا يأتي ما هو أسوأ؟ كمان ما بقدر (أدفق مويتي على الرهاب) لابد من توفر البديل عبر ترتيبات مدروسة، والآن داخل المؤتمر الوطني هناك تيار قوي مؤمن بهذا الرأي، ولو سمعتي قبل فترة وجيزة فصل المؤتمر الوطني لعدد من عناصره بعد وصفهم بالمنفلتين هسي في أي شخص دائم!!

يقال إن غازي سليمان كان من أوائل المهنئين لقوش بعد إطلاق سراحه؟ أيوة.. طبعاً وأقول ليك حاجة استغربت جداً لأن الحكومة كلها كانت قاعدة معاه في البيت والجايب ليه ثور والجايب ليهو واجب فقلت لقوش إنت انقلابك ده كان ضد منو (بس ما يكون ضد غازي وستات الشاي) والحصل ده غير مفهوم فكيف لشخص يقود انقلاباً يطلق سراحه من غير محاكمة ثم تأتي الحكومة التي أراد الانقلاب عليها لتهنئه بالسلامة، وما حدث لو حولتيه إلى دراما صعب تصديقه.

إلى ماذا ترمي؟ والله لا أعرف، لكن في المقابل قوش الذي أعرفه شخصية طموحة للغاية ورجل يتمتع بذكاء ويصلح لأدوار كبيرة جداً.

ما سر التقارب بينك وقوش؟ أنا صلاح قوش ده بعرفه مما كان نائب للجهاز والحكاية بالضبط أنه قد تم استدعائي من المعتقل لمقابلة رئيس جهاز الأمن وكان معي (علي محمود حسنين) وأثناء انتظارنا في الخارج لمقابلته إذا بشخص يمر ويقول بالحرف (غازي سليمان ما حنطلق سراحك إلا بشروط مغلظة) والكلام ده قاله وهو ماشي نظام ممازحة يعني فسألت الأخ علي محمود عن هوية هذا الشخص فقال لي ده قوش نائب مدير جهاز الأمن وأذكر أنه في ذلك اليوم أطلق سراحي ومعي آخرون بمبادرة من المحترم فتحي خليل عليه الرحمة بعد مد وجزر رفضت من خلاله إطلاق سراحي إلا بعد وساطات وتدخلات متعددة، المهم بعد هذا الحادث استلم قوش رئاسة الجهاز واعتقلت في عهده ووجدت تغييراً مهولاً، معاملة إنسانية وأول حاجة قابلت رئيس جهاز الأمن والمخابرات وقالي لي نحن محتاجين ليك معانا شوية وحقنك وحبوبك أنا بجيبها ليك من البيت وخليك قاعد في مكتبي لغاية ما أوصي تتعمل ليك غرفة محترمة في كوبر وبالفعل صدق قوش فيما وعد وكانت غرفتي مكيفة وبها طاولة للقراءة وعليها (لمبة سهارة) والوضع مريح للغاية وغرفتي دي ذاته استضفت فيها معتقلين وهما الحاج آدم (نائب رئيس الجمهورية الحالي) وسليمان جاموس وهو الآن في الجبهة الثورية وبعد إطلاق سراحنا ذهب الحاج آدم إلى أسمرا وجاموس إلى مهاجرية، والغريبة كل المعتقلين (بقوا وزراء) إلا شخصي الضعيف، المهم دي علاقتي مع صلاح قوش ومواقفه المتفهمة هي السبب في نشوء علاقة حميدة بيننا وهو رجل واعي وذكي ومثقف (عشان كدا) ما اتبع سياسة التعذيب التي اتبعها الجهلة (ولو ما جهلة كان ممكن يعذبوا غازي سليمان ياخ) وأي زول يقول إنه تعذب في عهد قوش كاذب.

بالعودة إلى مسار النقاش الأول هل يمكن تفسير انتمائك إلى اليسار في نطاق محتبك للزعامة السياسية؟ في زمنَّا كان اليسار (زي ما بقول) عبدالخالق محجوب (إن التقدمية هي المنطق وهي التاريخ) هو في زول في السودان ده ما كان شيوعي)

أو إسلامي؟! آي صاح.. لكن الوضع اختلف لأن الإسلاميين كانوا أقلية، والتيار الديمقراطي كان كاسحاً وسط الحركة العمالية والمثقفين والمهنيين، كل النقابات في أيدي القوة التقدمية، والليلة شوفي الحال نقابة ذاته ما فيش، والإسلاميون كسروا النقابات كلها عشان يستمروا في الحكم أطول فترة ممكنة.

البعض يعتقد أن خطوة إضعاف الأحزاب والنقابات تطبيق ذكي من الإسلاميين يؤدي إلى استمرارهم في الحكم؟ أبداً والله لا ذكي ولا أي شئ، هسي ما شايفة المجتمع السوداني كيف؟، المجتمع الآن ميت، والحركة الإسلامية الآن مثل زوجين استمرا خمسين سنة من غير ما يكون عندهما وريث وامتداد، والسلطة الحقيقة هي حل مشاكل الشعب وتنمية المجتمع ورفع أسهم شعبك وسط الأمم (كل الحاجات دي وين هسه؟.. ما في أي حاجة) والآن رجعوا للمربع الأول بزيادة المحروقات وأنا مسؤول من كلامي وبقول (الحكومة الآن فاشلة وبامتياز) لكن البدائل المطروحة سيئة للغاية.

هل تعتقد أن تجربة الإسلاميين في حكم السودان هي امتداد لتجارب ذات المدرسة في الخارج التي عرفت باعتنائها بفكر الجماعة وتقويتها أكثر من الأولويات الأخرى؟ أبداً، العندنا ديل أخوان مسلمين سودانيين ديل ناس مهجنين مختلفين من تجارب الإخوان المسلمين في مصر وتونس وأتحدى أي حزب آخر يستطيع الإتيان برجل وطني في قامة الشيخ المحترم صادق عبدالله عبدالماجد.

سؤالي عن رأيك الخاص في تجربة المؤتمر الوطني في الحكم وليس جماعة الإخوان السودانية؟ المؤتمر الوطني حزب سياسي علماني لا علاقة له بتجربة الإسلاميين أصلاً، وبعدين الجماعة ديل فاشلين بتفوق، لكن ما عملاء.

أنت رجل قانوني وتعلم أن ما تتحدث به مدحوض لأن الدستور يتضمن الشريعة؟ الدستور ياتو لكن؟

دستور 2005م المعمول به حتى هذا التاريخ؟ آي مضمن لكن قولاً لا فعلاً.. وهسي أذكري لي أوجه الشريعة الإسلامية في المجتمع السوداني، هل الشريعة والدين القيِّم (فيها الفوارق الطبقية الشايفنها الليلة دي ظاهرة إسلامية؟) وما يدفع من أقوال بالحكم بالشريعة (دي مجرد شعارات ساي) ولب الشريعة ليس تطبيق حدود الخمر (ودي كمان) لا تطبق إلا في هامش المدينة الفقير.

لم تجب عن سؤالي حول ما إذا كان انتماؤك للشيوعية مدخلاً لتحقيق طموحك في الزعامة السامية؟ في حياتي ما كنت باحثاً عن الزعامة السياسية.
لكن في أكثر من تصريح لك تمنيت لو أنك ارتدت الكلية الحربية لتقوم بانقلاب وتحكم السودان؟ (آي دا واقع لكن).. وأنا إذا بقيت رئيس ما كان بختكم والله، وإذا كنت رئيس لأشعت العدالة بين أهل السودان وصدقيني كان حيكون عندي (جلابية دمورية واحدة وحأمشي راجل من البيت للقصر).. وتقدري تقولي دا برنامجي الانتخابي.

هل تعتقد أن حل مشاكل السودان ينحصر فقط في زي الرئيس، وما هي الحلول المنطقية التي ستقدمها؟ الكلام حول المظهر مهم للغاية يا أستاذة الآن الناس بتتكلم عن تخفيض الإنفاق الحكومي، ولكن في عهدي النفقات (ذاتها حتكون ما في)، وأي زول جاري وراء مصلحة أو استثمارات شخصية (ما بجيبو وزير أبداً).. أقول ليك حكاية خارج نص سؤالك مرة في واحدة من الشخصيات ذكرت لي (أن ناس الإنقاذ مبسوطين مني لكن ما عندهم ثقة في استمرارية موقفي) فكان ردي (أي زول بيثق فيني بليد لأني أنا ما بتضمن ردة فعلي إلا بضمان استقامة الفعل نفسه).

كيف استطعت رغم مواقفك المعارضة الصارخة وعلاقتك الداعمة للحركة الشعبية في فترة ما أن تخلق علاقات حميمة مع رموز الإسلاميين؟ أنا أصلاً ما عندي أي علاقات حميمة مع شخصيات إسلامية.

أيشمل هذا التصريح د. حسن الترابي؟ لا يوجد في السودان شخص محترم مثل د. حسن عبدالله الترابي، رجل ليس له أجندة خفية ولا مطامع شخصية على الإطلاق، وعندما يحادثك تشعر أن أي كلمة تخرج من فمه صادقة بالإضافة لقوة شخصيته فهو لا يعرف المجاملة والعلاقة بيننا قائمة على الثقة والاحترام المتبادلين.

كيف استطعت الفصل بين ما هو سياسي وإنساني في علاقتك بدكتور حسن الترابي؟ كيف يعني..
تحدثت عن فترات السجن المتعاقبة في الإنقاذ وهو عرابها الأول؟ أبداً بالمناسبة الإنقاذ قامت في (89) اعتقل د. الترابي ستة أشهر حتى العام (90).
بعض السياسيين يعتبرون أن سجن الترابي كان دراما ليس إلا؟ أيوة الناس بعتبروها مسرحية وفي رأيي أنها كذلك المهم في (91 أطلق سراحي من الاعتقال) فأرسل لي د. الترابي أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام (جوني في مكتبي حق المحاماة، وقالوا لي الشيخ حسن دايرك قلت ليهم داير بي شنو؟) ورفضت الذهاب فاتصل بي هاتفياً الأستاذ المحامي المحترم محمد يوسف محمد واعتذر لي عن ما وجدته من تعذيب وسوء معاملة في المعتقل، والرجل له مكانة كبيرة في نفسي فهو قبل كل شئ أستاذي فقبلت الاعتذار، اليوم الثاني جوني (أمين حسن عمر والمحبوب) ويبدو أنه ليس لديهم فكرة بالمحادثة مع محمد يوسف وقالوا لي بالحرف الواحد عندنا أوامر تمشي معانا لمقابلة شيخ حسن، وإذا رفضت حنعتقلك.. مشيت معاهم لدكتور الترابي وكان وقتها في مكتب فتح الرحمن البشير في شارع أفريقيا وأول سؤال منه كان (أوعى يكون الناس ديل عذبوك) فرددت مباشرة (يعني إنت ما عارف) فرد مباشرة إنت قايلني معاهم ديل وعدوني أني حأكون في المعتقل (15 يوم) وامتد الاعتقال غلى ستة أشهر، والجماعة ديل لو استمروا أكثر من كده حيتعبونا شديد والأفضل التخلص منهم).. دا القالو لي د. الترابي بالحرف الواحد، المهم نزلت من مكتبه على أساس أجمع مقترحاتي وأرتب تفكيري وأرجع ليهو، صادفني مهدي إبراهيم وهو طالع لمقابلة الترابي، قال لي: (الجابك هنا شنو) قلت له (جيت أقابل د. حسن الترابي) فأصر يعرف الذي دار بين ود. الترابي وبقى يجرجر فيني لغاية ما قلع يد البدلة.. المهم اتخلصت من مهدي إبراهيم وكان البيت قريبأً من مكتب الترابي.. في زيارتي الثانية بعد هذه الحادثة لدكتور الترابي كان عندي فضول لمعرفة ما يدور في ذهن الرجل وبادأني بكلمة واحدة (فكَّرْتَ؟) فقلت له (أيوة لكن دوري شنو؟) وقبل الإجابة ذكرت له مقابلتي لمهدي إبراهيم فرد الترابي (مالو؟) قلت له (كان مندهش من مقابلتي لك) فبذكاء الترابي المعهود سألني: (في رأيك مندهش ليه) قلت له أظن يكون بفكر في أن د. حسن الترابي غير مضمون، زمان عمل جبهة الميثاق الإسلامي وطرد بيها الصادق عبدالله عبدالماجد، ثم أقام الجبهة الإسلامية وطرد ناس جعفر شيخ إدريس.. المرة دي عاوز يدبر لشنو مع غازي سليمان)، مباشرة كان تعقيب الترابي أن مية في المية تقديرك صحيح، والآن خلينا نتفق على خطة مشتركة، وبدوري أخبرت نقد الله والبعثيين المهم كلهم (قاموا عليّ) ورددوا نفس الكلام أن د. الترابي عراب النظام وصانع الانقلاب وحسب قراءتي الذاتية تقديراتهم خاطئة فمدبر الانقلاب هو المرحوم سليمان المحامي والرجل يتمتع بشجاعة وذكاء لا يتوفران لدى الكثير من الإسلاميين وهو الأب الروحي لانقلاب 89 خليك من الروايات الشائعة والمضللة دي.
ما مصلحة أحمد سليمان في تنظيم انقلاب لجماعة لا ينتمي لها؟ بالفعل هو غير إسلامي لكنه ناقم على القوة الثانية بعد عدائهم السافر له لدوره في (19 يوليو) والمتمثل في وقوفه الى صف النميري، على العموم لم نتوقف في الخطة لأن المعارضة رفضت وضع يدها معنا، ثم أتى سفر د. الترابي إلى كندا وتعرضه للضربة الشهيرة التي أفقدته الوعي ولم تعد الذاكرة بشكل طبيعي للترابي إلا في وقت مبادرة الشريف زين العابدين أي بعد ثلاثة أعوام، وفي الحقيقة علاقة الإنقاذ بالترابي في عهدها الأول هي علاقة محاولات ليس إلا يودونه بالزيارات ويلبون رغبته في تعيين الوزراء ليس إلا.
أنت رجل قانون وهنالك العديد من الأدلة الدامغة حول أن الترابي هو العقل المفكر للإنقاذ في عهدها الأول؟ الترابي يقرر (وأي حاجة)، لكن قراراته إذا ما موافقة لمتطلباتهم ما بتمر، مثلاً قرار حل مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني، الترابي وضعه لينفرد بالرئيس والأخير وافق لينفرد بالسلطة، والترابي وقع في المثل البقول (خطأ الشاطر بألف) استهان بذكاء شخصيات بعينها رغم أني حذرته ولكنه لم يلقِ بالاً لحديثي وأذكر أنه استشارني في مسألة تعديل الدستور وبنود بعينها تجعل من منصب الرئاسة فعالياته محدودة والسلطة بيد الولاة في الولايات وكانت نصيحتي له بأن هذه الخطوة لن تمر لأن مغزاها مكشوف وواضح وضربت له مثالاً بجعفر نميري الذي كان شيوعياً للدرجة التي احتفل فيها بعيد ميلاد لينين، ثم انقلب على الشيوعيين وأعدمهم وأردفت نصيحتي بكلمة واحدة (أنا بخاف عليك)، وبالفعل فشل في تمرير التعديلات الدستورية عبر المجلس الوطني ثم انعقد المؤتمر العام للحركة الإسلامية ثم حدثت المفاصلة النهائية وتم فصل الترابي من رئاسة المجلس الوطني.
بعيداً عن علاقتك بالإسلاميين وقريباً من تنقلك في المواقف البعض يرى أنك متناقضاً في تفاخرك الدائم بأنك جعلي من جبل أم علي، وانتماؤك الفائت للحركة الشعبية؟ يا سيدتي أنا ما عنصري وكل ما صرحت به محاولة لجمع العمراب من أجل إحياء تراثهم الصوفي والديني والاجتماعي ليس إلا، ثانياً في حياتي لم أنتمِ للحركة الشعبية وأتحدى أي شخص يحضر دليلاً واحداً يفيد بانتمائي للحركة الشعبية.. كل ما هناك أني تحالفت مع الحركة الشعبية نكاية في الإنقاذ أولاً وللثقة المتبادلة بيني والراحل د. جون قرنق وكنت أقابله سراً في أسمرا وعندما جاء إلى الخرطوم…

هل تذكر المهام التي طلب منك د. جون القيام بها أثناء فترة مقابلتك له في أسمرا؟ أهم دور قمت به هو ما طلبه مني د. جون قرنق إبلاغه لدكتور لام أكول الذي لم يكن منشقاً عنه إبان فترة تقلده الأخير منصب وزارة المواصلات في هذا العهد، والرسالة كانت كلمة واحدة (كفاية) وبالفعل لم تمضِ أشهر على تقدم د. لام باستقالته، ومرة أخرى استدعاني قرنق إلى أسمرا وطلب مني تحسين علاقتي بالسيد محمد عثمان الميرغني لأنه بحاجة اليه في الفترة المقبلة وكان ردي بأنه ليست لدي إشكاليات مع السيد الميرغني فرد عليّ بأن هنالك شكاوى وصلت عني فرددت بأني هاوي سياسة ولست محترفاً.

إلى أي مدى كان د. جون قرنق متمتعاً بذكاء جعله يستثمر العلاقات الإنسانية من أجل مصالح متمثلة في…؟ أول حاجة قبل ما تكملي سؤالك، د. جون قرنق لم تكن لديه مصالح يستغل لها العلاقات الإنسانية و…

تحدثت عن استدعائه لك في أسمرا وطلبه منك تحسين علاقتك بالسيد محمد عثمان الميرغني لأنه يحتاجه في المرحلة المقبلة؟ آي قال كدا وبكل وضوح، وقرنق صاحب شخصية جبارة يتحول القادة أمامه الى فئران، لأنهم يرتبطون بمصالح معه، وكان يتفادى مقابلتي في وجودهم لأني آخذ وأعطي معه في الكلام، وللتأريخ عند حضوره إلى الخرطوم وتقلده لمنصب النائب الأول للرئيس أنا كنت مستشاره الأول لكن للأسف الشديد غاب قبل أوانه بفعل مؤامرة حاك خيوطها الغرب بمباركة الصهيونية والإمبريالية العالمية.

البعض يحلل الطريقة الدراماتيكية لوفاة قرنق أنه المصير المحتوم لكل من يؤدي دوره الكامل لتأتي مرحلة أخرى تحتاج إلى رجال آخرين وكواليس ومعاهدات أخرى؟ أبداً.. (صمت برهة ثم واصل).. الامبريالية والصهيونية العالمية فجعت في د. قرنق فهي تريد تمزيق السودان، بينما الأخير كان وحدوياً حتى النخاع يؤمن ببلد متعدد الثقافات والأعراق كما نص عليه في دستور (2005) وكان يحلم بحكم السودان والإنقاذ كانت على علم بهذا وتباركه، وفي آخر (يوم أحد) لاجتماع مجلس الوزراء لحكومة الإنقاذ دعي د. جون قرنق لحضوره من أجل حل المجلس والشروع في إقامة حكومة وحدة وطنية، اتصل بي عمر فور كان أحد مرافقيه في الهيلتون وأبلغني أن د. قرنق يطلب مني الحضور إلى القصر.. المهم ذهبت الى القصر بعد اتصال ثاني من د. منصور خالد يفيد بأن قرنق اتصل من مجلس الوزراء وشدد على ضرورة عند وصولي لبوابة القصر تلقيت التحية العسكرية من جنود الحركة الشعبية وعندما دخلت وجدت القصر الجمهوري مثل سوق السجانة جمع غفير من رؤساء الأحزاب والطرق الصوفية ورؤساء الأحزاب الجميع في انتظار مقابلة د. جون وقع بصري على المحترم محمد إبراهيم نقد ومعه كمال الجزولي.. جلست معهما وكانت صواني الكركدي تدور بين الجالسين ثم سمعنا شارات تفيد بوصول د. جون وبعد دقيقة طلب مني الحرص على الحضور لمقابلته وبعد أن جلست مباشرة سألني عن الشخصيات التي في الخارج فكان ردي أن هنالك أشخاص يجب أن نذهب نحن إليهم لا أن نستدعيهم وجعلهم ينتظرون فاستفسرني لأبين له أن نقد بالخارج فرد بأنه لم يستدعه وطلب مني أن أناديه، وبالفعل تحادثا قرابة (ربع ساعة) ثم استدعاني الحرس مرة أخرى لأعرف من د. جون أنه استدعاني بسبب أن وفداً من المحامين طلب لقاءه ويريد أن يتم ذلك بحضوري وبالفعل أتى وفد بقيادة الأستاذ محمد إبراهيم خليل وأمين مكي مدني والصادق شامي وعدد آخر كبير استبقلهم د. جون الذي كان يكن احتراماً للأستاذ محمد إبراهيم خليل وتحدث الأخير حول أن اتفاقية نيفاشا ثنائية ويجب أن يشترك فيها شعب السودان كاملاً ثم تتالت الكلمات تباعاً وعندما انتهوا من حديثهم قال د. جون سأعطي الكوماندرز غازي سليمان الفرصة للرد، وبالفعل كان ردي موضوعياً، فأخبرتهم أن الحركة الشعبية وقائدها لم يدعيا أن الاتفاقية قد حلت كل مشاكل السودان، بل نصر أنها قد فتحت الطريق نحو إقامة مجتمع ديمقراطي في السودان والباب مفتوح لكل القوى السياسية أن تتعاون معنا لبناء دولة متعددة الثقافات والأعراق والأعراف والديانات فأشار لي د. جون بالتوقف وأضاف طرفة تعضد أن نيفاشا هي بداية السلام فقط.
هل تشعر بالندم لتجاهلك نصح الفريق بكري حسن صالح لإجراءات سفر د. جون قرنق الأخير؟ في ذات الأيام طلب مني د. جون أن أذهب إلى كامبردج لأني سألقي كلمة باسم الحركة الشعبية في أحد المؤتمرات هناك وطلب مني العودة قبل (5/8/ 2005م) لأنه سيلتقي بالحركات الدارفورية في نيوسايد لتوقيع اتفاق سلام معها وأخبرني أنه سيسافر في اليومين القادمين إلى يوغندا، وعندما خرجت من مكتبه التقيت بالفريق بكري حسن صالح وقال لي بالحرف (زولكم دا أخير تنصحوه لأنه النائب الأول لرئيس الجمهورية فإن سلامته وأمنه يهمنا وكل تحركاته يجب أن تكون من خلال رئاسة الجمهورية لكنه رافض التعاون ويقول إنه ذاهب في سفر خاص ولا يحتاج إلى طائرتنا ولا للحراسة ووالله يا غازي زولكم دا يباري جماعتو ديل إلا يروح فيها.) وطبعاً لم أعر حديثه اهتماماً لأنه لم يخطر ببالي ولو للحظة السيناريو الغريب الذي حدث، وللأمانة أنا نادم لأني لم أبلغ الرسالة لد. جون.
ما هي قراءتك لزيارة سلفاكير الأخيرة، ولماذا لم تحافظ على دورك المؤثر في الحركة الشعبية من أجل إكمال رسالة د. جون أو تقريب وجهات النظر؟ أنا دوري في الحركة الشعبية تقلص لأني اقتنعت بأن د. جون قتل بواسطة الدوائر الصهيونية الغربية ليخلو لهم الجو ويلعبوا بالآخرين كما شاءوا وبالفعل تمت السيطرة على الحركة الشعبية وأنا كعادتي كنت واضحاً في قول الحقائق إذ عقدت مؤتمراً صحافياً في جريدة الصحافة (2006) وهاجمت من خلاله الحركة الشعبية بقيادتها الجديدة ووصفتهم بأذناب الصهيونية وأنا عاوز أذكر الناس بأن د. جون فجع الغرب عندما انحاز إلى كونه رجل سوداني ورفض التآمر على وحدة السودان وهو مثال لن يتكرر.. أما زيارة سلفا الأخيرة فيا ليتني أستطيع التفاؤل كما فعلت حكومتنا.. عموماً أنا لا أعتقد أن هنالك حكومة في جنوب السودان هي مجرد حكومة وظيفية هدفها الأساس تمزيق السودان الشمالي وتحويله الى دويلات لا حول لها ولا قوة، والخطوة الأخيرة تبدو إيجابية ولكني لا أثق في سلفا ولا في حكومته وأعتقد أن هنالك أجندة خفية ستظهر في القريب.

في أغلب الأحيان تكون تحليلاتك مجافية للواقع مثل تصريحك بشأن استحالة التفاوض مع قطاع الشمال الأمر الذي دحضته زيارة سلفا؟ يا أختي أنا دا رأيي تدحضه زيارة سلفا ولا زيارة كاسبر بيرو، قطاع الشمال مخلب قط لتمزيق الشمال وأي حوار معه هو تفريط في وحدة وسلامة وأمن السودان الشمالي.
زوجة مانديلا انتظرته عقوداً عدة وهو داخل السجن وعندما أطلق سراحه افترقا لتردد: لم يعد مانديلا الذي أعرفه دوماً يأخذ المعتقل الكثير من القوة الجسدية والنفسية قصتك معه؟ أنا لما اعتقلوني على خلفية أحداث (الخليفي) كنت مسجوناً في حمام أربعة شهور وفي مكان مسار طائرات، ولما الطيارة تجي برجف كلي لغاية ما تعدي وكان يمدوا لي رغيفتين في اليوم واحدة الصباح والثانية للعشاء، بعدين الرغيفة بأكل منها شوية وبخت الباقي في الشباك للطير ودائماً بجوا سبعة طيرات ود أبرق بنقروا من الرغيف وسبحان الله ود أبرق كان مصدر أنسي الوحيد في المعتقل ولو يوم نقصت طيرة من السبعة ما بفضل لي شئ إلا أهد الحيطة وأمشي أفتش عليها وتعرضت لشلل في شق وجهي، والله بعد خروجي من المتعقل لقيت ولدي بدر الدين في البيت ما عرفته وجابوا لي ناس البيت جلابية نظيفة ما عرفت ألبسها كيف! ولو ما كان وضعي المادي جيداً ومكنني من السفر والعلاج في مستشفيات لندن ما كنت عارف البيحصل شنو وفي لندن أخرجوا لي (12 بؤرة دموية من الرأس) وأصبت بالقلب وغيره من أمراض لو قلتها ليك للصباح ما بتعديها المهم دا كله عفيناه لوجه الله، الأهم الآن وحدة السودان والناس تبقى عشرة على البلد وتخفف عن المواطن المغلوب على أمره والحل في تقوى الله ومخافته في خلقه.

شكراً جزيلاً على الوقت المضاعف الذي أخذناه منك في هذا الحوار ونأسف لتعطيلك عن العمل؟ أنا والله شاكر ليك شديد رغم أنك (فترتيني وخليتيني أتكلم زمن طويل) لكن أعتقد أن حوارك فيه الجديد والمفيد.

الجريدة
حوار / عفراء فتح الرحمن[/JUSTIFY]

‫5 تعليقات

  1. يا سلام الزول دا كان وين من كم سنة مختفى يكون دابك عرف انه من شمال السودان وهل تحوشة العمر والفلوس اللحسوها منه اصحابه الجنوبيين رجعها ولا لسه جاري لافي هنا وهناك ؟؟؟؟

  2. دا ما في زول أدبه إلا النميري ، قال لناس الأمن تجيبوه لي هسع بالله لمن الواطه أصبحت سمعوا بيهو في اليمن. ما قلتوا نوبه.

  3. [B]يا راجل حرام عليك ![/B]

    رئيس جمهورية حتة واحدة ؟!

    باين عليها الحكاية ناقصاك !

    أنت عارف لو قدرالله ده وقع وبقيت رئيس ماحيكون لك شبيه إلا المجنون الراحل سيادة العقيد القذافي …والعالم سيرى النسخة السودانية لمجنون آخر

  4. وقرنق صاحب شخصية جبارة يتحول القادة أمامه الى فئران….صدقت والله في هذا فقد رايت ياسر عرمان كاد ان يقع ارضا بسبب ارتجاف رجليه وهو يستمع الي قرنق في جلسة جمعتنا معهما في اسمرا..الغريب اني قابلت جون قرنق مرتين..واحدة في اسمرا والاخري في القصر الجمهوري القاصر ولم اتحول الي فأر مما يعني اني لست قائدا