رأي ومقالات

مهمات ينبغي للحاج إدراكها قبل سفره للحج «1 ــ 2»

[JUSTIFY]في هذه الأيام يبدأ ـ بتوفيق الله تعالى ـ تفويج الحجاج لأداء الحج لهذا العام، وإني أسأل الله تعالى أن يوفق جميع الحجاج حتى يكون حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً وأن يكتب لهم السلامة والعافية، وأن يعودوا سالمين غانمين، وأن يكون حجهم سبباً لدخول الجنة.
وقد رأيت أن من المناسب أن أوجه بهذه المناسبة رسالة للإخوة والأخوات الحجاج خصوصاً، وإلى من يتعلق بعض موضوعات رسالتي هذه بهم عموماً، فأقول:

أولاً: احمد الله تعالى أخي الحاج أن وفقك لتكون من حجاج بيته هذا العام، واشكره على هذه النعمة العظيمة، فإن كثيراً من إخوانك وأخواتك المسلمين يتمنون أن يكونوا في ركب الحجيج، إلا أن ذلك لم يتم لهم إما لعجز مادي أو بدني أو غير ذلك، فأكثِر من الحمد لربك واشكره على هذه النعمة، وقد قال الله تعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم» وقال تعالى: «واشكروا لي ولا تكفرون»، وأكثر من دعاء الله تعالى لأن يوفقك ليكون حجك مبروراً وسعيك مشكوراً وأن يوفقك لإتمامه وأدائه كما فرضه الله تعالى.

ثانياً: أخي الحاج، إن حج بيت الله هو أحد أركان هذا الدين العظيم، فالإسلام قد بني على خمسة أركان ـ كما تعلم ـ والحج هو أحد هذه الأركان ولذلك فإن منزلة هذه الفريضة منزلة عظيمة، ومقامها مقام كريم، وقد شرع الله تعالى الحج وبه تتحقق كثير من المقاصد الشرعية التي تظهر بكل وضوح في شعائره وعباداته وأذكاره ومواقفه وقد قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام» وقال الله تعالى: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب»، فعليك أخي الحاج بإدراك ما قد هيأت نفسك له وما ستقدم عليه،عليك بمعرفة مكانة هذا الركن العظيم، وثوابه الجزيل، وعليك بإدراك مقاصد التشريع فيه، وفضيلة الزمان والمكان والأعمال التي ستؤديها فيه.

ثالثاً: من المؤكد أنك تعلم أخي الحاج حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» رواه البخاري ومسلم.

هذه وصية من نبيك الكريم الذي هو أحرص علينا جميعاً حتى من أنفسنا، وقد قال الله تعالى: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم».

إن مما ينبغي لك إدراكه قبل أن تدخل في هذه الفريضة أن تعرف معنى »الحج المبرور« فما هو الحج المبرور؟ وكيف يكون حجك مبروراً؟ ولطالما أن دافعك من حجك أن تؤدي هذه الفريضة، وأن تحصل على الأجر والثواب من الله وأن يكون ذلك سبباً لدخولك الجنة، فإنه ينبغي لك أن تعرف كيف يكون حجك مبروراً، ثم تجتهد بعد تلك المعرفة في تحقيق الأسباب والشروط التي يكون بها حجك مبروراً. وقد جاء في تفسير «الحج المبرور» معانٍ كثيرة منها أنه: الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق، وكانت النفقة فيه من المال الطيب، وقيل: المقبول، وقيل: الذي يدفع الحاج فيه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وقال القرطبي ـ كما في فتح الباري ـ: الأقوال التي ذُكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه: الحج الذي وُفِّيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طُلب من المكلَّف على الوجه الأكمل.

رابعاً: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، أذكرك أخي الحاج بأهمية الإخلاص لله تعالى في كل العبادات والأعمال التي تتقرب بها إلى الله تعالى، وكن على يقين ـ دائماً ـ أن الله تعالى لا يقبل العمل الذي لا يكون له خالصاً، وأراد به العامل وجهه وحده سبحانه وتعالى، وقد قال الله تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء» وقال الله تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً» وقد قال العلماء في تفسيرهم لقوله تعالى: «عملاً صالحاً» قالوا: هو الذي يكون 1/ خالصاً لوجه الله تعالى، 2/ وصواباً موافقاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.

فاحذر كل الحذر ـ أخي الحاج ـ من الرياء والسمعة، وكن على حذر من أن يتلاعب بك الشيطان فترائي بحجك ويكون همك ودافعك أن يقال عنك «حاج» أو أن تُذكر بذلك، ولا يكون خفياً عليك أن ربك عز وجل غني عن كل عمل أشرك العامل فيه معه غيره، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم. هل ترضى لنفسك أن يكون عملك هباء منثوراً ؟! هل ترضى أن يكون نصيبك وحظك من حجك التعب والسفر والنفقة دون أجر يُكتب أو ذنب يُمحى؟!

فعليك أخي الحاج بمجاهدة نفسك لأن يكون عملك خالصاً لوجه الله تعالى، وأكثر من دعاء الله تعالى بأن يجنبك الشرك صغيره وكبيره، وأكثر من الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك مما لا أعلم». واعلم أن إخلاصك لله تعالى في هذه العبادة «الحج» يكون بعلمك أنه فرض من فرائض الله تعالى، وأن الله تعالى شرعه لتحقيق ذكره وعبادته، وأن الله وحده هو الذي يجازي عليه، وأن قبوله له سبحانه وحده، وتدرك أيضاً أن أداءه كما فرض الله من أسباب رضا الله تعالى عنك، ومن أسباب دخول الجنة، وتدرك أيضاً أنك تحقق بهذه الأعمال عبوديتك لله تعالى الذي خلقك وأوجدك لتكون عبداً له سبحانه، وتتذلل له وتدعوه وتخضع له، فهو إلهك وسيدك وربك، جل جلاله وتقدست أسماؤه سبحانه وتعالى ويكون بتعظيمك لتلك الأعمال والشعائر والأماكن والأزمان التي عظمها الله تعالى وأمر بتعظيمها، فإذا حققت هذه الأمور وما يتعلق بها فإنك بإذن الله تكون ممن أخلص حجه لله سبحانه وتعالى.

وبقية الرسالة في الحلقة التالية إن شاء الله

صحيفة الإنتباهة
د. عارف عوض الركابي[/JUSTIFY]