منوعات

قلم باذخ اسمه سيد أحمد خليفة

[JUSTIFY]ليس لأنك تكتب عن والدنا سيد أحمد خليفة، ولكن لأنك منصف وموصف بيراعك وقلمك المنمق الذي يختار الكلمات التي تعبر عن إحساسك تجاه الآخرين، وهذه في حد ذاتها تكاد تكون معدومة في زمن «رفع الدعم» عن المواطن وزيادته للمسؤلين.
أخي الصادق أنا متيم بيراعك وقلمك فلكم مني الاحترام جميعه وبدون فرز.. ومرحباً بك في«الوطن» الصحيفة والوطن السودان الذي يحتاجك لولا ظروف الحياة القاسية التي جعلت أمثالك يبحث عن الرزق الحلال في«أقاصي الدنيا» ولكنك حتماً ستعود، وسنعود جميعاً إلى رحاب الوطن، الذي لا ولن نتركه حتى الذهاب عن هذه الدنيا «الطربانة الخربانة».

قلم باذخ اسمه سيد أحمد الخليفة ..!
عرفته كاتب النخب
من بعض ما كتب
قرأت له بعض الكتب
بعض الأعمدة
ومقالات الغضب
قرأت له عموده
«صباح الخير» بضمير حي كأنه اللهب
قراءت له أجمل القول
جيبوتي وما حولها
من فضاء الكتابة الرحب، من بيت الكلم وصولة الدهر، ينفض سامرك يا فضل الكلمة، وصاحب المفردة بالغة الخصوبة، مترجلاً، متعجلاً هواك وأنت الكليم الذي صاغ للموت عجائب وغرائب وقصائد ووشائج ولواعج، متفيئاً ظل كلمة تبلل الشفاه وتدلل القلب، وتعلل وتزلزل وتجلجل..
من فضاء الكلم تسرج الروح جيادها، وتمتطى صهوة الأبدية إلى غايات أرحب إلى ما بعد الزمنية والمكان، لأن كلماتك فينا يا سيدي مطولة، هطولة كمزن السماء، وفحولة الصحراء، هي فلسفة الما وراء القادم حسبته ولم يحسبه سواك.
من فضاء النظرة، ولمع العَبرة، ودفق العِبرة، من بداية السطر حتى نهاية العمر، وما بينهما شيء من صبر وحبر، وخبر الهوى والنوى، وتقوى العاشقين، ودعوى الباحثين عن ومضة في النبضة، وعن نقطة في اللقطة المداهمة، وعن لحظة يافعة تدحرج القلق إلى آخر رمق، وتحرك الشفق عند الشفتين.
من فضاء المعرفة الأولى، إلى نزفة وزخة، حتى اعشوشب الفم بريق الحياة، وأزهرت الكلمات بالشوق والتوق، لكنك يا سيدي أيقنت باكراً أن ليس للكتابة تضاريس، ولا خطوط عرض وطول، ليس لها فصول، وأيقنت أنك الطائر الجميل الطلول، ذو النبرة سليلة الأصول..
أيقنت يا سيدي حقيقة الحياة، وحقيقة الموت، فكتبت بلغة الصدق وسيف الحق، وعرفت أن للحكاية بداية ولا نهاية، وأن الذاهبين بعيداً، الذاهبين عميقاً يضعون الهالة ثم يرحلون، وحين تنتشي الذاكرة بشيء اسمه الموت تنتفش الحواشي بالتفاصيل، والفواصل.
من فضل فضائك كان للصحافة السودانية فضيلة الانتماء لطيور وأجنحة، وفسحة راجحة، وفصيلة من نوايا ناجحة، أسست الوطن، فأينعت القطوف، وترعرعت وتفرعت.. من فضل عطائك يا سيدي، لم يزل للبوح مناخ وشراع ويراع، وأنت الغائب الحاضر تذكرك الزوايا المفعمة بالنضوج، تذكرك العناوين اليافعة، يذكرك الأصدقاء، يذكرك المحبون والعشاق الذين شربوا شاي المراحل الساخنة ومساجلات المساء عندما يخضر عود الحبر، وتحبل الرواية، ويفتح المقال أفقه..
يذكرك يا سيدي المقربون راهباً للشعر، حارساً متمرساً، عند شفة البوح الجميل، والقول الأصيل، والفعل النبيل. نذكرك يا سيدي وتذكرك نواصي جريدة «الوطن»، والكراسي المبجلة، تذكرك كل مقلة، وكل أذن جاءها النبأ الأليم من أقاصي الدنى فاستأذنت تصغي ولا تستسيغ، لعلها مجرد كذبة عابرة، أو مزحة مجلجلة.
ولكن، ولكن يا سيدي ليس للموت من لسان يمزح، ولا شفة تقدح، إنه الحقيقة التي تمضي وتمضي، ثم تفضي إلى نهايات أفظع وأشنع من الجزع. من عراء النهايات المفزعة، أشيعك يا سيدي بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله.. أشيعك يا سيدي وأنت الشائع في أفئدة من عرفوك صديقاً صادقاً وأحبوك رفيقاً مترفقاً، ورقيقاً برقة الماء وعذوبة الحُلم، وصفاء العفوية، من فضائك أنت يا سيدي، ستكتب للزمن الجميل والوطن النبيل، ومن ساواك في التفاصيل والتفصيل، يا سيدي الكاتب الأصيل والوالد الرحيم سيد أحمد الخليفة…
لن تجدي أي مقدمة طَـلَـلِيِّة مهما علا شأنها في تخفيف فاجعتنا أو تجميلها، لقد مات الأستاذ الأديب الصحفي الوالد سيد أحمد الخليفة (ابن الدبيبة)، لكن عزاؤنا أنه بقي لنا منه ما سطرته أنامله المبدعة صحفياً بارعاً وكاتباً مبهراً.. وعزاؤنا في أقلام أبنائه يوسف وعادل..
سيد أحمد الخليفة وليس غيره، سيرة عطرة من الكفاح ومسيرة وارفة بالإنجاز، بل ربما لم تعرف الصحافة السودانية برمتها كاتب عمود أرشق من قلمه وأعذب من لغته، ففي صحيفة «الوطن» وقبلها الصحافة كانت الأعمدة التي يكتبها الراحل هي وحدها هدية العدد وفاكهة القارئ، معلومة ولغة ورأياً..
نتذكرها الآن والعهد بها قريب، كانت مداخلته (صباح الخير) في صحيفة «الوطن» تطير كل صباح في الآفاق، يتحدث عن مضامينها البسطاء من القرّاء، ويتوق إلى ترديدها في مجالسهم ومكاتبهم عامة الناس، يداعب فيها فارس الكلمة لواعج جمهوره بسحر اللغة وسلاسة العبارة ووضوح الفكرة، يستحضر المثل السائر ويستشهد بدرر الكلم، يتماهى مع الفكرة ويخلص منها إلى تأكيد العبرة، محلقاً في الشأن السياسي، أو محتفياً بالاجتماعي الإنساني، وفي كل ذلك لا يكاد يشعر قارئه إلا بالتجدد والتخلّق والإبهار، إنه السهل الممتنع في أصدق نماذجه الكتابية.
مات الأستاذ المبدع بعد صراع مع المرض، حينما مات الأستاذ الوالد، تاركاً فينا (دفاتر أيامه) وسواها مما احترقت لأجل البوح به عبقرية الكتابة من شوارد القول…
إلى جانب ذلك السجل الناصع من العمل الدؤوب في الحقل الإعلامي سواء حين كان داخل الوطن أو قبلها حينما تلقفته أيادي المنافي الطوعية التي هرب إليها باحثاً عن فرصة منشودة لتحقيق الذات، فرصة ربما كان يعلم أنه من العصي أن تتيحها له أشواك التشبث بالبقاء في حضن وطن لا يكاد يبين في ظل حكومات كانت تبطش بالقلم…
لقد رحل ومشاعرنا تهفو إلى يوم من أيامه وواحة من آفاقه، في تقديري الشخصي لم نقدم له أي شيء، ربما نقطة ضوء واحدة هي أبنائه يوسف وعادل ومواصلتهم في درب والدهم الطويل والشاق.. ربما هم القشة الوحيدة التي ستحتمي بها مشاعرنا اليوم وغداً من عذابات تقصيرنا وذنب قصورنا في رؤية رجل مبدع وقلم باذخ في البهاء اسمه سيد أحمد الخليفة…
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول ما قاله الصحفي محمد نور وسوك « ونقول لأبنائه يكفيكم فخراً بأنكم من نسل هذا العملاق الكبير ولكم الشكر والترحاب منا أينما حللتم ». الصادق جاد المولى عبد الله :كاتب وصحفي سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية.

يوسف سيد أحمد خليفة: صحيفة الوطن
[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. بغض النظر عن من كتب او ماذا كتب ولكن سيد احمد خليفة لقد عايشته في فترة من فترات النضج السياسي والاعلامي وكنا دايما ما نزوره او نلتقي لتناول وجبة الغداء في مكتب الجريدة قريبا من الفندق الصغير وكان الغداء يجمع عمالقة الصحافيين والموظفين والاصدقاء والهدف هو راحة ما بعد يوم عمل ومناقشة القضايا العامة وكان المكتب عبارة عن صالون ادبي للكل بمختلف طوائفهم وانتماءآتهم الحزبية والغريب من كدا كان سكن وميز ضباط الشرطة مجاور لمكتب جريدة والوطن وبعض الضباط طانوا اصدقاء لنا نعم اصدقاء بالمعني النظيف ولم نسمع منهم من نقل عنا حرفا حتى عندما يشتد النقاش السياسي كانوا اما يشاركوا او يعتذروا وينسحبوا من المكان بدون اي ترسبوات وعقد امنية ومن هنا احي نور الدين عبدالباقي وبقية الزملاء في تلك في الفترة

  2. بلا باذخ بلا بطيخ. هذا الهالك كان مهرجا كبيرا
    وقد أورؤث التهريج لبعض عياله.