عالمية

زواج القوة والدبلوماسية .. لإنهاء الأزمة السورية

[JUSTIFY]يعتبر استصدار قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تفكيك مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية، انتصاراً كبيراً للدبلوماسية الأميركية. وقد جاء هذا القرار نتيجة تطبيق بعض الدروس الرئيسية للعقود التي تلت الحرب الباردة، ومنها أهمية القوة لدعم الدبلوماسية، والرغبة في استخدام القوة خارج إطار الأمم المتحدة. والآن يتعين على أوباما استخدام هذه الدروس حتى نهاية اللعبة. وعليه أيضاً تطبيق درس ثالث، ألا وهو الإبقاء على اهتمام العالم منصباً على المهمة الأصعب والأكثر أهمية وهي إنهاء الحرب الأهلية.

إني أحترز من الانتصارات التكتيكية. فخلال معظم الفترات في حقبة التسعينيات، شاهدت معظم كبار المسؤولين في البيت الأبيض وعواصم أوروبا يحتفلون بالانتصارات الدبلوماسية الصغيرة. وفي كثير من الأحيان، كان هذا التقدم الظاهري ينتهي بتشتيت الزعماء عن المهمة الأكثر صعوبة، وهي مراجعة وتنفيذ استراتيجيات لوقف عمليات القتل في مصدرها.

وفي مارس من عام 1993، على سبيل المثال، كانت هناك دلائل على أن الدبلوماسية قد تنجح في جعل الصرب ينهون سعيهم للسيطرة على معظم البوسنة. وكان الرئيس الصربي في حينه، ميلوسيفيتش، قد أشار إلى أنه قد يكون مستعداً للدخول في وقف لإطلاق النار خلال 72 ساعة، وإزالة «الأسلحة الثقيلة» التي كانت تستخدم لمهاجمة المدنيين في سراييفو، وفتح طرق لعمليات الأمم المتحدة.

وظل كبار المسؤولين في إدارة بيل كلينتون يناقشون، ولأسابيع، ما إذا كان يتعين استخدام القوة ضد هذه الأسلحة الثقيلة وإرسال قوات لتنفيذ الاتفاق، فنكص الصرب على قرارهم، ولقي مئة ألف حتفهم. لكن حين زاوجت الولايات المتحدة بين القوة والدبلوماسية تم إنهاء الحرب الأهلية في عام 1995.

وبالمثل، ركز المسؤولون الأميركيون في الأيام الأولى من المذبحة الجماعية في رواندا عام 1994 على استئناف مفاوضات السلام، وليس على إرسال قوات لإنهاء عمليات القتل. وحتى الاستجابة على «فاكس الإبادة الجماعية» الشهير الذي أرسله الجنرال روميو دالير، قائد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا، لم تركز على تقرير يهدد بإبادة قبائل التوتسي، بل على طلب «دالير» بالاستيلاء على مخزن للأسلحة.

وكان النقاش يدور حول إمكانية وجود «فخ» دبلوماسي أو عسكري، وليس حول خطر الإبادة الجماعية. وكما هو الحال في العديد من الصراعات، ركز المجتمع الدولي طاقته في التفاوض على خطوات تدريجية نحو السلام بدلا من المضي قدماً في استراتيجيات ضرورية وأكثر جرأة لإنهاء الصراع.

ما الذي سيحدث في الأزمة السورية؟ خلال الأشهر القليلة المقبلة، سوف يركز المجتمع الدولي على مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية. وسوف تمضي أسابيع لإبطال مزاعم سوريا الوهمية بأن هذه الهجمات تمت من قبل المتمردين. وسوف تنتج عن ذلك عملية طويلة من الشد والجذب مع الحكومة حول الوصول إلى مواقع وإجراءات تدمير الأسلحة. وخلال هذه العملية، سوف يتم إضفاء الشرعية على المسؤولين السوريين، وحتى الإشادة بهم، لتعاونهم مع الأمم المتحدة.

ورغم أن تخليص سوريا من الأسلحة الكيماوية أمر جيد بحد ذاته، فإن هذه العملية تجازف بإضعاف وتحويل الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية السورية. ويخصص قرار الأمم المتحدة فقرتين فقط من 22 فقرة لهذا الهدف. إحدى الفقرتين تؤيد بيان جنيف المحتضر منذ يونيو الماضي والذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم شخصيات من الحكومة والمعارضة؛ بينما تدعو الفقرة الثانية إلى عقد مؤتمر دولي لمعرفة كيفية تنفيذ هذا الأمر. وما يتبقى من هذا المسار فقط هو أن الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في سوريا سوف ينتج عنها 100 ألف آخرين من القتلى من الرجال والنساء والأطفال في سوريا.

وفي المدى القريب، لن يوافق الأسد طوعاً على أي نوع من الانتقال الذي له مغزى. وبدلا من ذلك، سوف يستخدم فترة إعادة التأهيل الممنوحة له من خلال تعاونه كغطاء لمواصلة، وربما تكثيف عمليات القتل.

ينبغي إذن تطبيق دروس الماضي. وفقط من خلال التهديد بالقيام بعمل عسكري للحط من قدرة الأسد على شن حرب، وتعزيز تسليح المعارضة للدفاع عن نفسها.. يمكن للمجتمع الدولي تغيير حسابات الأسد لدرجة تغنيه عن الحاجة للتفاوض على إنهاء الحرب.

إن زواج القوة والدبلوماسية هو النهاية الوحيدة المقبولة في سوريا. والسؤال هو: إلى أي وقت سيظل المجتمع الدولي على الهامش، بينما تستمر عمليات القتل في سوريا؟!

وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى قراراً يوم الجمعة الماضي، يطالب بالتخلص من الأسلحة الكيمياوية السورية، لكنه لم يتضمن تهديداً باتخاذ إجراء عقابي بشكل فوري ضد حكومة الأسد إذا لم تمتثل للقرار. واستند القرار 2118، على اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا تم التوصل إليه بعد هجوم بغاز السارين في 21 أغسطس الماضي، على ضاحية في دمشق أودى بحياة المئات، بحسب تقرير للأمم المتحدة. ويقضي القرار 2118 بضرورة تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية بحلول منتصف عام 2014.

وبفضل الاتفاق تفادت حكومة الأسد ضربة عسكرية من جانب الولايات المتحدة التي تتهم دمشق بتنفيذ الهجوم. ورغم الاتفاق أبقى الرئيس الأميركي على خيار الضربة العسكرية مطروحاً على الطاولة، على حد زعمه. وقد وصل فريق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، المكون من 19 خبيراً في نزع السلاح، إلى دمشق يوم الثلاثاء الماضي، وبدأ في تأمين مواقع عمله.

*أستاذ زائر في جامعة شمال فلوريدا وسفير لدى الأمم المتحدة (1993 ــ 2001)
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»

الاتحاد
نانسي سودربيرج

ع.ش[/JUSTIFY]