رأي ومقالات

ما بين الاحتجاز والعفو .. أين الدستور ؟

[JUSTIFY]أصدر رئيس الجمهورية سلفا كير ميارديت الاسبوع المنصرم قراراً رئاسياً أعفى بموجبه عناصر متهمين بقيادة عمل مسلح ضد الوطن، أبرزهم اللواء قابـريـال تاقينيا وبيتر عبد الرحمن سولي بالإضافة إلى رئيس حزب الحركة الشعبية- التغيير الديمقراطي الدكتور لام أكول أجاوين الذي ظلت الحكومة تتهمه بإمتلاك مليشيات بمناطق أعالي النيل الكبرى، مما جعل حزبه (التغيير الديمقراطي) في موقع المدافع عن نفسه بالنفي المتكرر؛ إلى أن جاء العفو. والدكتور موجود في منفاه الاختياري ما بين القاهرة والعاصمة السودانية الخرطوم، عكس بقية المفرج عنهم تاقينيا سولي وغيرهم الذين ظلوا في غياهب الاعتقال لما يزيد عن العامين، لا يعلمون مصيرهم، ما إن كانوا سيقدمون للعدالة، لما ارتكبوه من تجاوز للدستور، إلى أن منّ الله عليهم بعفو الإنفراج الرئاسي.

هنا ثمة لبس كبير وتعدي صريح للدستور الانتفالي لجمهورية جنوب السودان الذي ارتضينا أن يكون السقف النهائي لتنظيم الحياة في هذه البلاد، فمن الضروري العمل على احترام القانون وسيادته بعيداً عن أي مكايدات سياسية. لذا نقول أن دستور جنوب السودان شيء وما يكفله لنا ذات الدستور شيئا آخر، سواء كنا حكام أو محكومين (نظرية العقد الاجتماعي)، وفيه يتمحور الأخذ والعطاء لكلا الطرفين، السلطات والمواطنين.

نأخذ من اقتباس مُترجم من الدستور الانتقالي لجنوب السودان سنة 2011م الفصل الثاني من وثيقة الحقوق، فقرة تتحدث عن المحاكمة العادلة (1) (19) يعتبر الشخص المتهم بريء حتى يثبت ذنبه أو ذنبها وفقاً لأحكام القانون.
(2) يُبْلَّغ أي شخص يُلقى عليه أو عليها القبض أثناء عملية إلقاء القبض بأسباب إلقاء القبض عليه أو اعتقاله ويُبْلَّغ على وجه السرعة بأية تهمة توجه إليه .

(3) يحق لكل مواطن في جميع الدعاوي المدنية والجنائية محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة وفقاً للإجراءات التي ينص عليها القانون.
هذه نصوص من الدستور الذي تُدار به دولة جنوب السودان، وهي واضحة جداً لا غبار عليها، فالمتهم يظل متهم إلى أن يقر أمام المحكمة بما ارتكبه من خطأ يعاقب بسببه بعد توفير شروط العدالة الأساسية للمتهم، من توكيل محامي له بالإضافة إلى إبلاغة على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه وتقديمه للمحاكمة دون أي تأثيرات خارجية، هذه الإجراءات من شأنها أن ترتقي بالقانون وأن ترفع من شأنه، فالقانون يجب أن يعلو ولا يُعلى عليه، ومن ثم تأتي الإجراءات القانونية الأخرى، كتنفيذ العقوبة أو استئناف القضية من قبل المتهم، كحق من حقوقه، بالإضافة للحقوق الإستثنائية التي يكفلها الدستور لرئيس الدولة ليعفو عمن أراد العفو عنه بعد محاكمته، لأسباب قد يراها هو أو مستشاريه منطقية، وفي ذلك احترام للقانون، سيما قد تكون الدوافع من أجل المصلحة العامة، حتى لا يسيء الظنون بالبعض. والحق يُقال إن العفو الرئاسي الأخير للمتمردين ممن حملوا السلاح ضد الوطن قد تأخر كثيراً، لذلك علت الأصوات عبر المنابر المتعددة بالإفراج عن المتهمين أو تقديمهم للمحاكمة، لعدم اتساق الأمر مع الواقع القانوني، وغياب مسوق يدعم الاعتقال لفترات طويلة، كأنما البلاد لا يوجد بها دستور.

صحيفة المصير
كندي نيمايا[/JUSTIFY]