رأي ومقالات

د. ربـيع عبـدالـعـاطـى : لماذا يغضب الذين يفقدون المنصب ؟

[JUSTIFY]هناك عقيدة لدى البعض بأن فلاناً إذا ذهب من منصبه، أوأُعفي لأي سبب من الأسباب، فإن الوزارة أوالمؤسسة التي كان على رأسها ستنهار، بحسبان أن هذا المنصب لم يُخلق إلا له، ولا يصلح إلا لشخصه، وتتكرس هذه الصفة الذميمة المخالفة لطبائع الأمور، وتداول الأيام، وتواصل الأجيال في نفسية هؤلاء، خاصة إذا بقوا في المنصب لفترات طويلة، وعندما تقع الواقعة، ويحين الأجل لمغادرتهم بالإعفاء أو المعاش ـ في هذه اللحظة ـ تتحطم النفسيات ويبلغ الغضب أوجه، كما لو أن القيامة قد قامت، والأرزاق قد قُطعت، ولا فائدة بعدئذٍ في حياة، فينعكس هذا الحال على صحتهم، واجتماعياتهم، ومعاملتهم مع من حولهم، إلى درجة أن بعض هؤلاء يكون مصيرهم فراش المرض منذ تركهم للمنصب إلى حين حلول الأجل بالوفاة.

وآخرون يظنون أن الوزارة أوالإمارة ـ ينبغي أن تدور في فلكهم، لاعتقاد لديهم بأنهم الكل في الكل، فيتطور الأمر ليصبح التنفس لديهم مربوطاً بالسلطة، فإذا فقدوها جنَّ جنونهم، واستعدوا أصدقاءهم، وخرجوا من طورهم، فجوراً في الخصومة وانتصاراً للذات، دون أدنى تقدير لطبيعة التكليف العام، والمسؤولية التي هي في الأصل قابلة للتداول حسب الكفاءات والأعمار والكثير من التقديرات.

والأمثلة قد تفوق الحصر، لأناس كانوا قد تقلدوا مناصب رفيعة، لكنهم عندما ترجلوا عنها لم تختلف شخصياتهم، أوتتبدل طباعهم، لكنهم ظلوا هم هم، يواصلون الأرحام، ويعيشون حياتهم ببساطة وتواضع، دون أن يحس أحد بأنهم قد ذلوا أوأهينوا، بعد أن غادروا سدة المنصب، وتلك هي الأصالة الحقة، التي يعبر عنها الإيمان، فلا بطر بسلطة وثروة أوحط قدر بفقر وكفاف.

ونمط آخر لا ينظر إلى عيوبه الكثيرة، بل يحدق النظر في عورات الآخرين، فيضخم منها، ولا ينتبه أنه بمثل هذا السلوك يفضح نفسه، وهو لا يعلم بأن الله رحمته تخص الذي تشغله عيوبه عن عيوب الناس.

وهذا المثل يذكرني بمدير تم تعيينه بمؤسسة من المؤسسات، ولم يكن همه المقعد المقيم منذ اليوم الأول بأن يبني على ما سبق من إنجازات، بل انشغل كثيراً بملفات قديمة لمديرين سبقوه على هذا المنصب، مصراً على تجريمهم وتعريتهم، ليثبت أنه هو النزيه الأوحد، وأن السابقين عليه جميعًا كانوا من المجرمين، فقضى هذا المدير كل فترته متتبعاً للماضي، وباذلاً للجهد بحثاً عن إدانة لمن أتوا إلى هذا الموقع قبله، فانهارت المؤسسة في عهده لأنه كان باحثاً في جوانب الدمار، ولم يكن ساعياً نحو التطور والازدهار، وبالرغم مما حدث لتلك المؤسسة من خسارة ماحقة بسبب أفاعيل هذا الشخص الكارثة، كانت ثورته عارمة، وهيجانه لا مثيل له، عندما تسلم في لحظة من اللحظات قراراً بالإعفاء، كما لو أنه كان يود من متخذي القرار أن يتركوه سادراً في غيه وضلاله، وللأسف ما يزال هذا الشخص يظن أنه كان يحسن صنعاً.

ومن الناس من يكون راضياً وهو على رأس مؤسسة أو وزارة بالرغم من أخطاء له يراها هنا وهناك، لكنه لا يفصح عنها، وكل ما يستطيعه لا يبارح تقديم فروض الطاعة والولاء لمن كان سبباً في ترشيحه أو اتخاذ القرار بشأنه ليتبوأ هذا المنصب، ولكن عندما تدور الدائرة، ويُتخذ قرار آخر بضرورة التغيير، يتبدل هذا الشخص فجأة ليصبح ناقداً ونسراً جارحاً، ويدَّعي أنه يقول الحق، وليس شيطاناً أخرس، علماً بأنه عندما كان في موقع المسؤولية، لم ينبس ببنت شفة، ولم يُشر بأصبع لأمر سالب، بل كانت كل تقاريره التي كان يرفعها لا تتحدث إلا عن الموجب والإنجاز والإعجاز.

وأكاد أجزم بأن معظم الذين يرفعون عقيرتهم لنقد الآخرين، وإبداء الملاحظات السالبة عن سياسات الدولة واتجاهات المجتمع، لا يتحركون في هذا الاتجاه إلا بعد أن ينسلخ المنصب منهم، وهذا يثبت أن لديهم اعتقادًا بأن الحق لا يدور إلا مع مناصبهم ومواقعهم، فإذا فقدوها فإن الحق ينحرف عن المسار، وهذه هي المشكلة الحقيقية التي نعاني منها، وهي بحق تحتاج إلى علاج شافٍ وبحث عميق.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش
[/JUSTIFY]

‫3 تعليقات

  1. لماذا يبكي الطفل عند الفطام؟ لو كان المسألة عمل عام وتجرد لما غضب شخص لكنها مصالح وتشريف

  2. تضرب لينا مثل بمدير وما مدير لى شنو !! .. عندك ناس ثورة اب كباس ديل راكين فيها ليهم ربع قرن من الزمان .. وشغالين لعبة كراسى كل سنتين ثلاثة .. حقو توجه ليهم كلامك ده

  3. سلام عليكم
    إذا كنت تقصد أن الأمر بيد الله وأن الأيام دول وعليه يمكن أن يستقيل الرئيس ويتنازل المؤتمر الوطني عن الأكثرية المزعومة… ففي هذا نوافقك!!! أما إن كنت تقصد التبكيت والسخرية من أمثال أستاذك غازي صلاح الدين…فنقول لك إنه ينطبق عليم المثل: (رمتني بدائها وانسلت).