الأمة والشعبي .. صراع ( توم ) و ( جيري )
هذه ليست المرة الأولي التي يصوب فيها الأمة اتهاماً نحو الترابي ، إذ كشف رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي في وقت سابق من العام الماضي عن رفضه طلباً للترابي يدعوه إلي المشاركة في انقلاب عسكري ، وسخر المهدي في الوقت ذاته من دعوات الترابي لإسقاط النظام ، وقال (( الشعبي يدعو لعاصفة بالبلاد ولا يريد المشاركة فيها )) ، ولكنه يريد ثمار سقوط النظام (( الشعبي داير يلقط النبق )) متهماً الشعبي بالعجز عن القيام بثورة ، واتهم المهدي الترابي باستجداء الحكومة لاعتقاله حتى يحسب له انه مناضل ، وحذر الحكومة من ذلك ، كما اتهم (( الشعبي )) بالسعي لإضعاف مناعة المعارضة ، وقال (( لست ضد المعارضة ولكني ضد الشغب )) وهاجم حزب الأمة الحكومة العريضة . وأكد في احتفال أقامه حزبه للاحتفال بذكري الاستقلال حينها ، أن أي ثورة إذا ما قامت في البلاد ستسعي إلي محاسبة (( الشعبي والوطني )) علي ما اقترفاه في حق البلاد ، واصفاً العلاقة بين الحزبين بـ (( النمر النمر والذئب الذئب )). من ناحية وصف الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي ، حديثاً منسوباً لرئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بأنه غير صحيح ، رداً علي تصريحاته بان المؤتمر الشعبي عرض عليه الانقلاب لكن المهدي سارع واصدر بياناً توضيحياً بان الواقعة لا علاقة لها البتة باتصال في الظروف الحالية ، وإنما تعود إلي العام (( 1988 )) ، وحينما حمل أحمد سليمان المحامي رسالة شفهية للصادق المهدي من قادة الجبهة الإسلامية القومية ، وهي الحزب الذي قيادته الآن قيادة للمؤتمر الشعبي ، تعرض عليه عملاً مشتركاً لحكم السودان ، ولم يكن غريباً حينها أن تسارع الصحف إلي متابعة هذا التراشق اللفظي والتصعيد ، ووجدت فيها ضالتها ، ويزيد بعضها في رواية الأخبار عنها ، من باب (( آفة الأخبار رواتها )) ، وتصدرت (( مانشيتات )) الصحف الحمراء والزرقاء هذه (( المخاشنات )) والتراشق اللفظي والتصعيد بين الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي ، والملاحظ أن هذه المخاشنات والتراشق اللفظي بين الزعيمين السودانيين لم يكن قاصراً علي الصحف والصحافيين وكتاب الأعمدة الذين صاروا أكثر من الصحافيين أنفسهم في ظاهرة انفردت بها الصحافة السودانية الحديثة دون سائر صحف العالم ، في وقت ذهبت فيه التحليلات إلي أن هذه المخاشنات والتراشق اللفظي والتصعيد بين الزعيمين السودانيين دافعه الأساسي الغيرة السياسية ، علي الرغم من وشائج القربى وصلات الرحم بالمصاهرة بينهما .
نجحت وساطة قادتها رئيسة حزب القوي الحديثة (( حق )) هالة عبد الحليم في تذويب الخلافات الحادة والحرب الكلامية التي احتدمت بين زعيمي حزب الأمة القومي الصادق المهدي وحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي في العام الماضي ، حيث خرجت هالة بعد اجتماع بقادة تجمع المعارضة استمر لأكثر من ثلاث ساعات بدار حزبها ؛ أن المبادرة التي قادتها نجحت في احتواء الخلافات بين الزعيمين السياسيين ، واتفقا علي فتح صفحة جديدة إلا أن الصفحة الجديدة فيما يبدو لم تدم طويلاً في ظل الاتهامات الحالية من حزب الأمة لحزب المؤتمر الشعبي ، خصوصاً أن الصادق والترابي لا يحملان لبعضهما كثير ود ، إلا ما تقتضيه علاقة المصاهرة وما يسمح به التلاقي الذي تفرضه الظروف السياسية عليهما ، كما اضطرتهما من قبل لمقاتلة نميري ، كما دفعتهم الآن إلي معارضة الإنقاذ ، مثلما برع الرجلان في ترحيل هذه المعركة عبر مسارات السنين دون أن تنطفئ نارها ، فقد برعا في نقلها إلي الأنصار والأتباع ، فليس ثمة محبة وود يكنه الشعبيون للإمام ، وفي المقابل لا يجد الأنصار في صدورهم الحرج من الجهر بمعاداة الترابي ، وأتباع الترابي خاصة قبل الانقسام يعيبون علي الصادق ما يصفونه بالتردد في اتخاذ المواقف ، وفي خذلانهم عندما يتعلق الأمر بالشريعة الإسلامية ، وكثير من أنصار الإمام لا يرون في الترابي إلا محض سياسي تتقلب علاقاته بالنظم السياسية مداً وجذراً ، وفق ما يريد هو وليس وفق الشريعة الإسلامية التي يجزم الأنصار بأن الترابي لا يستطيع أن يزايد بها علي الناس ، الأمر الذي يجعل العلاقة بينهما أشبه بعلاقة ( توم ) و ( جيري ) في المسلسل الكرتوني الشهير .
صحيفة الخرطوم
أكرم الفرجابي