رأي ومقالات

الاتحادي ” الاصل ” .. لعنة المشاركة

[JUSTIFY]منذ ن وطأت أقدام ممثلي الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل ردهات الجهاز التنفيذي فيما يعرف بالحكومة العريضة مذاك الحين وقبله بكثير، أخذت جدر الحزب الطائفي الكبير تتصدع شيئاً فشيئاً واضحي جسد الحزب في حالة تورم تنظيمي ينم عن بروز نتوءات في طريقها الي الانسلاخ أو المغادرة وبالفعل انتهت هذه الحالة بخروج عديد القادة والكوادر علي مستوي المركز والولايات بعدما تبين ان قرار مشاركة الحزب الذي ظل يفاخر بأن يده لم ولن تتلوث بمشاركة النظم الشمولية أضحي نقطة شائهة في تاريخ حزب الاستقلال الذي يستمد تفرده بأنه يمثل مزاج أهل السودان في عمومه.
المهم ان هذه المسيرة الممتدة من التصدعات وصلت مرحلة استقالة عضو هيئة القيادة حسن أبو سبيب المشرف السياسي علي الحزب في منطقة ام درمان.
صراع مفاهيم الشواهد تفيد بأن كثيرين من أنصار الحزب الاتحادي الأصل وجدوا أنفسهم نهبا للحيرة بعدما قرر الحزب المشاركة في الحكومة ومكمن الاندهاش في ان الرأي العام الغالب بين قواعد الحزب يرفض مجرد الإيماء أو التلويح بإمكانية اندغام الحزب الطائفي الكبير في الحكومة خاصة ان ثوابت وأدبيات الحزب تحرم المشاركة في الأنظمة الشمولية، بمثلما ان ذلك يتبدي في دستور الحزب ولوائحه التنظيمية فانه يتمظهر في شعارات حزب الحركة الاتحادية التي تباهي بمعاداة الشمولية.
المهم انه في ظل هذه التقاطعات ولد قرار المشاركة الذي جاء بعد مخاض عسير وبعد صدام لفظي بين تياري الممانعة والمشاركة وهي الحادثات التي شهدتها جنينة السيد الميرغني بشارع النيل والتي كانت مسرحاً لاجتماعات هيئة قيادة الحزب الخاصة بقبول أو رفض المشاركة ويومها كانت الدار محروسة بعناية فائقة من قبل الأجهزة الأمنية بما يشي الي ان ثمة أمنيات خاصة بالمؤتمر الوطني ترنو الي انجذاب الاتحاديين ناحية سفينة الحكومة العريضة حتي ينجو الوطن الذي كان خارجاً لتوه من جراحة الانفصال العسيرة الي بر الأمان ولعل هذه النقطة تحديداً أبرزت الي سطح الأحداث الكثير من مبررات رفض المشاركة بحجة أنها جاءت متاخرة اذ كان بمقدور زعيم الحزب بحسب رأي المراقبين ان يشارك في الحكومة أبان سنوات نيفاشا بما يحول دون حدوث الانفصال استنادا الي العلاقة التاريخية بين الميرغني والدكتور جون قرنق ومن بعده الحركة الشعبية لكن شيئا من ذلك لم يحدث بل تمكن تيار المشاركة من فرض أم واقع انتهي بظهور مهندسي الشراكة في التشكيل الحكومي .
انتهت شهور العراك دون ان يتمكن تيار الممانعة من تشييد الجدر الكفيلة بحجب الاتحادي عن قائمة التشكيل الوزاري ودون ان توصد الأبواب في وجه المؤتمر الوطني الذي لم يداري ولعه لكسب توقيع الاتحاديين وضمهم الي كشوفات الحكومة في موسم فك التسجيلات.

تصدعات داخلية ما ان أبحرت سفينة الحكومة العريضة حتي وجد وزراء الحزب الاتحادي الأصل أنفسهم نهبا لانتقادات لإذاعة مصدرها الأشقاء في عمومهم حتي أولئك الذين دعموا خط المشاركة في الحكومة العريضة ومصدر تلك الانتقادات الحادة يتمحور في ان دخول وزراء الاتحادي الأصل الي الجهاز التنفيذي كان ينبغي ان يكن وفقاً لبرنامج يتم توقيعه بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الأصل لكن شيئاً من هذا لم يحدث أيضاً بل انخرط وزراء الحزب في الحكومة دونما مهر برنامج العمل المتفق عليه وهو الأمر الذي جر علي تيار المشاركة أو الموالاة حصبا من نار الأشقاء ممن يرفضون امر مشاركة الإنقاذيين في كيكة هم أولي بها كونهم الحزب صاحب الأغلبية الثانية في أخر برلمان شرعي.

وانطلاقا من هذا تقلب وزراء الحزب وهم أصلاً ممن ناصروا الشراكة مع المؤتمر الوطني ومن من نافحوا تقلبوا في نيران الأصدقاء وصقيع الشركاء اذ ان المؤتمر الوطني كثيراً ما تجاوز وزراء الحزب الاتحادي الأصل في القرارات المصيرية بحسب ما ظل يردده قادة الحزب أنفسهم لدرجة ان زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني قال ذات مغاضبة ان “المشاركة في الحكومة شكلية” بمعني ان وزراء حزبه لا يشاركون في صناعة القرارات المصيرية ولعل هذه واحدة من الأسباب التي ستجعل زعيم الحزب يدعو بعد نحو عامين من المشاركة الي تكوين لجنة لدراسة أمر الشراكة وللبت في استمرارها.وتدليلاً علي ان الشراكة لم تكن علي ما يرام فإن مساعد رئيس الجمهورية جعفر الصادق الميرغني وهو نجل زعيم الحزب لم يره المراقبون سوي في يوم أدائه القسم ثم ان الرجل ظل في حالة مغاضبة غير منكورة جراء طريقة المؤتمر الوطني في إدارة الدولة بعيداً عن شركائه حتي ان مساعد الرئيس سافر خارج السودان غير مرة واحدة بصورة تكشف عن عمق الهوة الفاصلة بينه وبين المؤتمر الوطني.

فاتورة باهظة بدا واضحا ان الحزب الذي عاني أصلاً من حالة فلتان تنظيمي عميقة ومن تصدعات غير منكورة انتهت بوجود أكثر من فصيل اتحادي علي خشبة المسرح الاتحادي.. بدا واضحا ان هذا الحزب علي موعد مع انشقاقات متوقعة وعصيان تنظيمي مرتقب ولعل هذه المشاهد ارتسمت سريعاً وتحديداً عندما أخذت أسهم تيار الموالاة ترتفع في بورصة الشراكة وعندما اخذ صوت مؤيدي الاندغام في حكومة المؤتمر الوطني يعلو مقابل خفوت قسري لصوت رافضي المشاركة وهذا ما حدث إجمالاً وما حدث تفصيلاً ان عضو هيئة القيادة العامة للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل علي نايل خرج مغاضباً من الاجتماع الذي تقرر بموجبه المشاركة في الحكومة بل ان الرجل دفع باستقالته في الهواء كواحدة من الثمرات غير المرجوة للمشاركة في الحكومة العريضة.
لكن أهم من ذلك كله فقد أنباء قوية حينها عن ان محمد الحسن الميرغني وهو نجل زعيم الحزب الاتحادي الأصل غادر السودان الي قاهرة المعز بما يمكن تفسيره انه ممانعة رئاسية وطائفية ضد أمر المشاركة ومع ان ذات الأحاديث لا تزال تسيطر علي الذاكرة الجمعية للحركة الاتحادية فإن بقاء نجل الميرغني خارج السودان يصلح الي يوم الناس هاذ ليكون مقياس رسم لمعايرة درجة نقاء علاقة البيت الحاكم والأسرة المتنفذة في الحزب الطائفي مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بل ان سفر الوالد المباغت الي العاصمة البريطانية لندن لا يخلو من ذات التوصيفات القائلة بحدوث عيكورة منظورة في ماء العلاقة بين الرجل وبين المؤتمر الوطني.

ولم تكن قواعد الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بعيدة عن حالة الاستقطاب التي اعترت جسد الحركة الاتحادية في حزبها الكبير صاحب الأغلبية الجماهيرية مقابل الفصائل الاتحادية الأخرى.

وتبعاً لهذا تمايزت صفوف الجماهير مع أو ضد المشاركة وفي الوقت الذب كان يكسب فيه تيار الممانعة مناصرين جدد مع مرور الأيام ظل التيار الأخر يخسر مؤيديه مع تزايد شهور المشاركة خاصة بعدما تبين ان الشراكة ليست علي ما يرام وبعدما وجدت النقد الحارق من زعيم الحزب نفسه.

صيف ساخن حالة الانجذاب الكبيرة التي أبدتها قواعد الحزب لقادة تيار الممانعة مقرونة بحالة النفور اللافتة التي اظهر جماهير الحزب لتيار الموالاة والمشاركة في الحكومة، أوجدت مناخاً عاماً ضد الانقلاب المفاهيمي الذي أفضي بمشاركة حزب الاستقلال في حكومة المؤتمر الوطني وهذا بدوره حتم علي زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني الذي غادر الي لندن مستبقاً حالة الفوران المتوقعة في الشارع ضد قرارات الحكومة الاقتصادية الأخيرة حتم عليه ضرورة النظر بعين الاعتبار الي مستقبل الشراكة مع المؤتمر الوطني، وبناء على كل هذه المعطيات كون زعيم الحزب لجنة لتقييم الشراكة وللبت في أمرها.

وسرعان ما وجد رافضوا الدخول إلى الحكومة فرصتهم للإجهاز على التيار الآخر، فكان قرار اللجنة بضرورة فض الشراكة مع المؤتمر الوطني، في اجتماع لم يدم طويلاً لان الشعور الجمعي والمزاج العام لدي قادة وجماهير الاتحادي ((الأصل)) كان منحازاً إلى الاحتجاجات ضد زيادة أسعار المحروقات التي اعترت الشارع، ولعل هذا ما سهل على اللجنة الإجماع على قرارها الذي رفع توصية اللجنة سبباً في رتق الفتق داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، وسعت الهوة بين الفريقين، وزادت المسافة الفاصلة بين الأطراف، فكان ان ظهرت حالة المخشنات اللفظية العنيفة بين التيارين، خاصة أن رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني تباطأ في المصادقة على قرار اللجنة، وتأخر في البت في أمره رفضاً أو قبولاً، وهذا أعطي تيار المشاركة فسحة أخرى للمناورة وكسب الوقت لترتيب صفوفه من جديد.

وبالفعل هذا ما حدث لان كثيرين فسروا تباطؤ زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني في الإفادة حول توصية اللجنة بفض الشراكة بأنه رفض للقرار وتأييداً لاستمرار وجود وزراء الحزب الاتحادي ((الأصل)) داخل الحكومة العريضة.

وفي ظل هذه الأجواء عادت حالة الاستقطاب من جديد، خصوصاً بعد أن شهدت ولايات نهر النيل وكردفان تاييداً كاسحاً لفض الشراكة انتهي في بعض الحالات إلى ما يشبه احتلال دور الحزب هناك والسيطرة عليها تنظيمياً من قبل رافضي المشاركة في الحكومة، وفي هذه الإثناء حاول تيار الممانعة في ولاية الخرطوم وتحديداً في منطقة أم درمان تفعيل خطوات جوبهت بترسانة قوية من المنع، وصلت حد ان تم إغلاق أبواب دار الحزب بام درمان في وجه بعض المحسوبين على تيار الممانعة، وعلى رأسهم عضو هيئة القيادة حسن أبو سبيب وهو المشرف السياسي على الحزب في منطقة أم درمان، وهي الخطوة التي صبت المزيد من الزيت على نار الخلاف، الأمر الذي انتهي بخروج مدو للقيادي ((أبو سبيب)) الذي رأي أن تصرف القيادي ميرغني مساعد بإغلاق الأبواب أمام مجموعة من كوادر الحزب تنم عن سوء تقدير وجهل بتاريخ القيادات، وهذه الواقعة انتهت بوصف ميرغني مساعد مسؤول الدار بأنه محض خفير وليس مشرفاً على الدار.
مصير غامض:- الشاهد إن وجود وزراء الحزب الاتحادي ((الأصل)) في الحكومة لم يعد في مأمن برغم سكوت الميرغني وغضه الطرف عن حسم أمر الشراكة، لجهة إن هناك قرار آحادي من طرف آخر يقضي بإنهاء تكليف الوزراء الحاليين والاستعاضة عنهم بوجوه جديدة، ومعلوم إن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أعلن عن تشكيل حكومي جديد على مستوي المركز والولايات، وهذا يعني أن القيادات التي كانت تساند استمرار الشراكة ربما يعصف التشكيل الجديد بوجودها في الجهاز التنفيذي، واستناداً على كل هذا فأنه إن لم يتم فض الشراكة، فان احتمالية مغادرة وزراء الحزب الاتحادي الحاليين لمناصبهم والاستعاضة عنهم بآخرين من داخل الحزب تبقي أمراً وارداً الحدوث، خصوصاً إن هناك من يرفع شعارات ما لا يدرك كله لا يترك جله داخل تيار الممانعة، في إشارة إلى التضييق على الفريق الآخر، وعدم ترك الملعب له.

صحيفة الاهرام اليوم
يوسف الجلال
ع.ش[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. نحنا ما من الحزب لكن بصراحة من شفع بنسمع بالميرغني لكن مع احترامنا لابوسبيب اول مرة نسمع بيهو .