سياسية

المبعوث الأمريكي.. هل يسعى لبلورة إجماع إقليمي حول القضيّة السودانية؟

[JUSTIFY]باستفهام واستغراب بالغين، قابلت الخرطوم نبأ وصول دونالد بوث، المبعوث الأمريكي، إلى القاهرة، كون العاصمة المصريّة أبعد ما تكون عن الاهتمامات الإقليمية في راهن لحظتها السياسيّة ومشكلاتها الداخلية، وهو وضع يجزم معه المراقبون بأنّها لم يعد لها القدرة على ممارسة أيّ دور فاعل في المنطقة، خلا صراعها للخروج من أزماتها، بعد تجميد عضويتها في الاتحاد الأفريقي ومترتبات قرارها بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع أنقرا خلال اليومين الماضيين، فضلاً عن توتّرات علاقاتها مع واشنطون وخطوتها الانفتاحيّة الجديدة تلقاء موسكو.

وعلى الرغم من الحديث الدبلوماسي المعسول في القاهرة والخرطوم إلا أنّ العلاقات على المستوى الرسمي يشوبها بعض التوتّر المكتوم، وهو ما عبر عنه نبيل فهمي، وزير الخارجيّة المصري، الذي ابتدر زياراته الخارجيّة بالعاصمة السودانيّة، على أمل الحصول على دعم صريح للأوضاع الجديدة في مصر بعد إزاحة مرسي، ولكن الخرطوم اكتفت بوصف ما يحدث في مصر بأنّه (شأن داخلي).

* مصر مبارك وقرارات الراهن

الاستقراء التاريخي يبيّن أنّ أرض الكنانة في عهد رئيسها الأسبق حسني مبارك كثيراً ما توصي المسؤولين الأمريكيين الزائرين بالصبر على الخرطوم لحلّ مشاكلها، وهو سياق يدعمه ما كشف عنه (ويكيليكس) من قبل، عن وثيقة صادرة من السفارة الأمريكية بالقاهرة في 21 أبريل 2009، وصفت اللقاء الذي تم بين الأدميرال مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكيّة المشتركة، والجنرال عمر سليمان، رئيس المخابرات المصريّة السابق، الذي طرح وجهة النظر المصرية عن السودان، حيث نقل عمر سليمان للأدميرال ضرورة أن تتحلّى واشنطون بالصبر على الحكومة السودانيّة لحل مشاكلها، وأن تمنح مصر بعض الوقت لمساعدة الحكومة السودانيّة. ولكن هل ما تزال الحكومة المصريّة الراهنة تبذل ذات النصح لواشنطون؟

بالنظر إلى توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان في ظل عهدها الجديد الذي يضع أولويات استقرار أمنه الإقليمي بالتفاهم مع السودان على جملة التغييرات السياسيّة التي حدثت في مصر مؤخراً، نجدها لم تتبلور بعد بشكل قاطع، وهذا ما بدا واضحا في عدد من الحادثات والوقائع.

* رؤية الإدارة الأمريكيّة

في ظل هذه الملابسات توجه دونالد بوث المبعوث الأمريكي الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان إلى القاهرة في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، التقى خلالها أمس الأوّل (الأحد) نبيل فهمي وزير الخارجية المصري، وكشف المتحدث باسم الخارجيّة المصريّة أنّ المبعوث عرض على الجانب المصري رؤية الإدارة الأمريكية لكيفية التعامل مع التحديات التي تواجه دولة السودان مشيراً إلى أنّ المناقشات تطرّقت إلى جهود الوساطة الإقليميّة والدوليّة الخاصة بملف أزمة دارفور، والأوضاع السياسيّة والأمنيّة والإنسانيّة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، وفي مقدمتها مستقبل أبيي. وفي هذا السياق، حرص وزير الخارجية المصري على التأكيد للمبعوث الأمريكي على أهمية دعم المجتمع الدولي للحوار البناء والإيجابي القائم بين قيادتي كل من السودان وجنوب السودان باعتباره الأسلوب الأمثل لحل الموضوعات العالقة.

* استئناس بالرؤية المصرية

من جهته قال الناطق الرسمي باسم الخارجية المصرية إن اللقاء تطرق إلى عدد من الأفكار والمقترحات المطروحة، إقليمياً ودولياً، لتنشيط جهود دعم السلام في السودان، والإعداد للمؤتمر الدولي المقرر عقده لتناول موضوع الحدود المرنة بين السودان وجنوب السودان، بالإضافة إلى كيفية تعزيز ودعم بناء الثقة والتعايش السلمي بين سكان أبيي. القاهرة التي أبدت ترحيبها بالزيارة وصفتها بأنّها جاءت للاستئناس برؤية مصر في القضايا والموضوعات التي تهم الخرطوم وجوبا وحلحلة المشاكل في السودان.

* رسالة أم مشاورات اعتياديّة

ووفقاً لمراقبين استنطقتهم (اليوم التالي) فإنّ الزيارة ربما هدفت لتعريف المسؤولين المصريين بالمبعوث في بداية مهمته، وتقديم شرح للرؤية الأمريكية بشأن الأوضاع القائمة، والقضايا العالقة.

وفي وقتٍ قلّل خلاله مصدر دبلوماسي من آثار الزيارة، قائلاً بأنّه من حق المبعوث الأمريكي التشاور مع من يشاء من الدول الإقليميّة دون حساسية، فإنّ مصدراً آخر في المقابل يقول إنّ الزيارة تأتي بمثابة رسالة قويّة من واشنطون إلى الخرطوم بأهميّة الانخراط في حوار حقيقي مع المبعوث، الذي تأجّلت زيارته للخرطوم أكثر من مرّة، وأنّ عرض الأجندة والقضايا والإشكالات الخاصة بالسودان، بالتشاور مع اللاعبين الإقليميين، سيستمر في إطار بلورة إجماع إقليمي حول القضيّة السودانية.. المعلوم في هذا السياق أنّ المبعوث بوث سبق وأن زار أديس أبابا والدوحة قبل وصوله للقاهرة.

* تساؤلات في الأفق

حسناً؛ زيارة دونالد إلى القاهرة ستظل عنصراً مهماً في بلورة أجندة الحل لقضايا السودان وجنوب السودان بالنسبة لواشنطون، وهو ما قام به المبعوث الخاص وهو يلتمس مشورة القاهرة.. تبدو الفكرة ذات معقوليّة وتستند على أسس المنطق السياسي، والمؤكّد أنّ الخطوة تلقي بعبء دبلوماسي ثقيل على السودان؛ إذ تنفتح طاقة الاستفهام وتتمدّد بالقول: هل ستقوم الخرطوم بذات الدور؛ التشاور مع القاهرة حول الجهود الإقليميّة ورؤية السودان حول كيفيّة حلّ القضايا الراهنة؟ أم ترى الخرطوم أن القاهرة ما زالت مشغولة وغارقة في قضاياها المحليّة، وأن الزمن ليس مناسباً لإدخالها في قضايا السودان الداخليّة والإقليميّة الشائكة؟ وهل الخرطوم من الأساس راغبة في الدور المصري عقب التحولات السياسية الجديدة، غضّ النظر عن التوجّهات السياسيّة القائمة في مصر تجاه السودان؟ والسؤال الأهمّ؛ إلى أيّ مدى يمكن أن تتطور العلاقة الثنائية الموسومة بالفتور بين القاهرة والخرطوم في ظل الملابسات الراهنة؟

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]