صديق البادي .. إلى السيد وزير الزراعة مع التحية والاحترام
وإن القطاع الزراعي لا يقتصر على وزارة الزراعة وحدها إذ تتكامل معها أدوار وزارة الري ووزارة المالية والبنوك الممولة ووزارة التجارة الخارجية والتعاون الدولي لأن الزراعة في كل مراحلها تحتاج للمياه وتحتاج للمال والتمويل.. ومن الواضح أن بعض المستثمرين الأجانب لاسيما العرب قد نجحوا في الماضي في مشروعاتهم ومنظماتهم الزراعية التي أقاموها، ونجح أيضاً مستثمرون سودانيون في هذا المجال الحيوي لأنهم مولوا زراعتهم مالياً بسخاء في كل مراحلها ولذلك كان إنتاجهم غزيراً وفيراً وكانت أرباحهم هائلة، ولكن ضعف التمويل الحكومي هو الذي قعد بكثير من المشروعات الزراعية وصدقت مقولة خرتشوف «إن بقرة الفرد تنتج أكثر من بقرة الدولة». ونأمل أن تولي الدولة القطاع الزراعي أقصى درجات اهتمامها وتموله تمويلاً كافياً ولو فعلت ذلك أيام العز البترولي والتدفقات النقدية الدولارية البترولية لكان الوطن الآن في سخاء ورخاء ولات ساعة مندم. ولكن مع ذلك فإن كل شيء قابل للتصحيح إذا صحّ العزم واستُنهضت الهمم وأُوقف الصرف الحكومي البذخي المبالغ فيه وحُوِّل ما يُبدَّد فيه هدراً للقطاع الزراعي، وقبل سنوات أعلنت نفرة زراعية حول اسمها وأضحت تعرف بالنهضة الزراعية وكلاهما «النفرة والنهضة» لم تحقق أي واحدة منهما نجاحاً يُذكر، ونأمل أن تُدمج النهضة في وزارة الزراعة الاتحادية لتصب الموارد المالية في إناء واحد وفي هذا إزالة للثنائية والازدواجية، وفي كل ولاية توجد وزارة للزراعة ولا بد من وجود مجلس تنسيقي لهذه الوزارات تكون رئاسته في وزارة الزراعة الاتحادية لتتضافر الجهود وتتكامل الأدوار.
وإن المزارعين في القطاعين المروي والمطرى يجأرون بالشكوى المريرة من ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية ارتفاعاً فلكياً جنونياً لا يتناسب وقيمتها الحقيقية التي ينبغي أن يدفعها المزارعون أو يحاسبوا عليها من قبل مموليهم والمؤسف أن قلة ضئيلة من الجشعين المستوردين المسنودين هم الذين تذهب هذه الأموال الطائلة لجيوبهم وتتضخم بها حساباتهم وأرقامهم خصماً على القواعد العريضة من المزارعين المظلومين والمغلوبين على أمرهم، وارتفاع أسعار العمالة الزراعية لاسيما في موسم الحصاد يحتاج لمعالجة ناجزة، ولا بد من المكننة والتقنية المتقدمة كسباً للوقت وتخفيضاً لهذه التكلفة العالية.
وإن الخوض في التفاصيل المتعلقة بالقطاعين المروي والمطري يحتاج لصفحات كثيرة، وأكتفي هنا بمثال واحد يتثمل في المأساة والملهاة التي حدثت في مشروع الجزيرة وامتداد المناقل «ابو المشاريع في السودان» وهو من الأصول الاقتصادية القومية الكبرى وكان هو العمود الفقري للاقتصاد السوداني وكان هو المصدر الرئيسي للعملات الحرة للخزينة العامة وكان الشريف الحسين الهندي عندما كان وزيراً للمالية يسد أي عجز في الميزانية العامة بالاستدانة من الخارج وهنا وخصماً على مبيعات قطن المشروع العملاق طويل التيلة ولعقود تطاول أمدها كان اعتماد الخزينة العامة على هذا المشروع العملاق الذي أجهزوا عليه تخريباً وتدميراً لتطبيق خطة مبهمة ما زالت مجهولة وفعلوا فيه ما لم يفعله الثور الهائج في الخزف، ومع ذلك فإن مقومات عودته أقوى وأفضل مما كان ما زالت قائمة، فالأرض الصالحة للزراعة موجودة ومخططة والري الانسيابي لا يزال قائماً كما تركه البريطانيون وإن رفع خزان الرصيرص سيوفر المياه طيلة العام والمطلوب هو إصلاح القنوات وكل المجاري «ابعشرينات وابستات» وإصلاح التقانت. وإعادة المصالح والإدارات السابقة لتكون أكثر حيوية «الهندسة الزراعية والأبحاث الزراعية وسكك حديد الجزيرة.. إلخ» والمسألة تحتاج لقرارات رئاسية يتبعها تنفيذ مع عدم إضاعة الزمن في الهوس السياسي بين المعارضين للحكومة وبين مؤيديها الذين كانوا يبصمون على قراراتها حتى إذا أعلنت أن الشمس ستشرق من الغرب فإنهم يهللون لهذا الإعلان وهذا هو الذي أضاع المشروع وأي مشروع أضاعوا. كان السودان يرجوه ليوم كريهة وسداد ثغر لو كانوا يدركون. والقضية هي قضية زراعة ومزارعين وإنتاج ومنتجين، وعلى هؤلاء وأولئك أن يمارسوا السياسة تأييداً أو معارضة من خلال دور أحزابهم. وإن دورة اتحاد المزارعين قد انتهت قبل أكثر من عامين وليس لهم تفويض شرعي من قبل قواعد المزارعين وهم مفوضون الآن من الحكومة التي مدت دورتهم لأجل غير مسمى. وإن الوعي مرتفع في الجزيرة وسط المزارعين وكل المواطنين ولا يحتاجون لوصاية أو أوصياء وكل مزارع يستطيع أن يعبر بطلاقة عمّا يجري وحسماً لهذا اللغط فإننا نأمل أن تسدل رئاسة الجمهورية الستار على هذا الفصل وتعلن فوراً إجراء انتخابات حرة نزيهة مفتوحة لاتحاد المزارعين يكون هو الممثل الشرعي لمزارعي المشروع حتى يتسنى لهم المشاركة في عملية إصلاح وتجديد المشروع.
وليس لنا شيء ضد أي مسؤول سابق بل كان الأخذ والرد معهم ومطالبتهم بإصلاح الاعوجاج والأخطاء من أجل المصلحة العامة، ونحن على ثقة أن الوزير الشاب المهندس الزراعي إبراهيم محمود المعروف عنه العمل في صمت والإنجاز في هدوء والمتابعة في حزم سيُحدث اختراقاً في هذا القطاع ويقوده للأمام إذا وجد سند رئاسة الجمهورية والوزارات الأخرى المشار إليها آنفاً، والمخرج لهذا الوطن من أزماته ومن عنق الزجاجة هو إحداث ثورة زراعية حقيقية تعلو فيها الأفعال على الأقوال.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش