حوارات ولقاءات

حوار خارج النص مع سيد أحمد الحسين

[JUSTIFY]اعترف أن هذا الحوار الصعب؛ سجلته، فَرَّغت شريط التسجيل، أعدت كتابته؛ وعدت به راجعاً للأستاذ سيد أحمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي وقلت له: هذا هو كلما جرى من حديث دار بيننا استطيع أن أسميه حواراً، ولك حرية التصرف والاختيار مع المجازفة أن أخسر لا السبق وانما محاولة الاستنطاق وتعرية التفاصيل.. إذا أردت أن تسحب الحوار، أسحبه.. وإذا أردت أن تعدل فيه، عَدِّل.. وإذا أردت حتى أن تحذف منه، احذف.. أما إذا أردت أن تدفنه، أدفنه فلن أبوح بالسر!

بالطبع لم أكن أقصد سر الآراء التي طرحها.. وإنما سر خوفي من الإثارة.. إثارة أزمة، إثارة حملة، إثارة علامات استفهام دون أجوبة، إثارة ما هو مثير بالفعل في زمن صارت فيه كل المتناقضات مسائل عادية أو على أفضل الحالات أشبه بعادية فهي مكررة. ان يُرى الأسود أبيض..

أمر عادي في ظل التحذير من التدويل والسير في أجندته.. أن يتم تعاطي (المعلبات) السياسية منتهية الصلاحية، أمر مهضوم في ظل ابتلاع حديث الأمس الذي لا يمحوه النهار فحسب بل يصبح نسياً منسياً وكأن الوطن، كما الناس يفقد الذاكرة.

أخذ الحسين سيد أحمد الحوار مكتوباً.. مَرَّ عليه بالقلم، لم يضف، لم يحذف، لم يشطب، وأعاده إليَّ وقال: أنشر.

فإلى مضابط حوار ذهبت إليه لاصطاد فأراً.. فكان الصيد فيلاً، أو كما قيل!

تبقى القول: لماذا أطلقت على الحوار .. مع سيد أحمد الحسين «خارج النص»؟

مهلاً.. حتى نهايته، فقد لا أحتاج لطرح الإجابة أو التوضيح.خط دفاع أول..

فاجأني الأستاذ سيد أحمد الحسين قائلا: أرجو أن تضع في اعتبارك بأن ما سأقوله يعتبر رأياً خاصاً وشخصياً وإنني أعمل بأن أجعله برامج للحزب الاتحادي الديمقراطي ولحين حدوث ذلك، تعتبر آراءً ومواقف شخصية من القضايا التي سنتناولها كما طرحتها أمامي فيما جرى من حديث تمهيدي للحوار، كما إنني…

* قاطعته قائلا: هل تخشى أن تحال للجنة الرقابة والضبط؟ اعلم أن الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يشكل بعد مثل هذه الآلية التي تقمع بما يشبه المحاكمة الإيجازية. على كلِِ، للحزب الاتحادي الديمقراطي تقليد أخطر يقطع بقول مختصر تحت ترويسة «لمن يهمه الأمر سلام…»، وحتى هذه…

** قاطعني مستطرداً: نعم حتى هذه استعملت في عهد مضى وبظروفها، ان كنت تريد قول ذلك. ودعني أقول لك بصراحة: كانت تلك مرحلة بإنجازاتها وبإخفاقاتها أيضا، وإنني بصدد هذا الحوار ووفق تلك المحاور التي طرحتها أود أن أخرج من اجترار الماضي.. حتى المشرق منه. دعنا نتحدث عن الحاضر والمخاطر الواضحة التي أمامنا.. وعن المستقبل الذي نريد وذاك الذي يجب التحوط من الانتقال إليه بأمراض الماضي التي إن لم نعالجها ستصبح مزمنة وستلازمنا في المستقبل ونكون بذلك قد انتقلنا بالداء عبورا بكل الأجيال حتى القادمة منها.

* قلت لمحدثي: حسناً.. لقد «تحوطتَّ» تماماً.. وجعلت أمامك سياجا يصعب اختراقه، وآمل أن يقع حديثك برداً وسلاماً عليك داخل الحزب الذي لا أود أن يكون حوارنا هذا مدعاة لمزيد من خلافاته أو صراعاته وفي آخر الأمر تشتته وقعوده عن مواجهة قضايا العصر الملحة.

** فقال الأستاذ سيد أحمد الحسين: هذا هو (بالضبط) ما يشغلني.. ولأجل هذه المواجهة لابد من الصراحة.. الصراحة مع النفس أولاً والصراحة مع الأشقاء في الحزب ومع الآخرين في الوطن. لا مفر من استعمال مصطلحات وإن فُرِّغت من محتواها، فالوطن بالفعل يمر بمنعطف حاد يعقبه مباشرة مفترق طرق ويتطلب مناصحة مكشوفة أمام أعضاء الحزب وأمام الشعب أيضا. فقضايا حزبنا هي بالفعل قضايا شعبنا.. ليس لدينا خصوصية قي قضية أو مشكلة. قد يظهر اننا مختلفون حول مسائل إجرائية حزبية.. وتلك ظاهرة نعدها حيوية ولا تصيبنا في مقتل برغم انعكاساتها السلبية على وحدة الحزب. غير أن اليوم ليس كالأمس، والوطن يطالبنا أن نبحث أزمته الحادة مقدمة على أزماتنا الحزبية في القيادة وفي المؤسسية لأنه يكاد يدخل في منعطف أن يكون أو لا يكون. وتعلم يا أخي أن نهجنا لم يكن إطلاقاً نهج تهريج أو عويل كما لم تدخل فيه المناحة ولا الضيق على ما أصابنا ونحن نقاوم الخطأ الذي كنا نراه ضاراً بالوطن في وحدته وفي نسيجه الاجتماعي، وقرأنا ذلك قبل 30 يونيو 89 عندما توجهنا بصدق لحل إشكال الحرب والسلام.. فانطلق الضجيج والصراخ ووصمنا بالعمالة وبأرذل الصفات، وسكتنا على مضض باعتبار أن ما نقوم به هو بالفعل حالة إنقاذية لما سيترتب من استمرار الصراع والحرب دعك عن تأجيجها دينياً وجهادياً. وها قد صدقت قراءتنا، وها نحن أمام المفترق الذي أفضل خياراته سيئا للغاية وقد قَفَل باب التجريب الفطير لأهم وأفضل الحلول كالفدرالية مثلا، احتمالات الاتفاق عليها كحل.. فناطحتها الكونفدرالية والدساتير المتعددة والفصل العرقي أو الديني، سمه ما شئت، حتى للأحياء داخل العاصمة كمستقبل لحل مطروح يتم تداوله في (الورش) التي تُعقد بعواصم كل العالم تفقدا للحالة السودانية. والآن يجب أن لا نخشى التدويل لأننا دَفعنا إليه قضيتنا بأيدينا.. ويجب التعامل معه بما يمكننا من إعادة شأننا إلينا وإلى داخل وطننا، ولكن ذلك الأمر يتطلب الشجاعة والإقدام.. أو الانزواء بعيداً. ففي الابتعاد بعض شجاعة مطلوبة لِيُترك الأمر لمن يستطيع تحمل مسؤوليته التاريخية والوطنية والإنسانية.

قراءة في الوضع الراهن..

* قلت للأستاذ سيد أحمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد بدا لي حديثه السابق مشهيا لطرح القضايا من مفاصلها ولكني أردت ان أقود الحوار من المحاور التي قدمتها إليه مسبقاً في لقاء تمهيدي لهذا الحوار، فقلت متسائلا: أستاذ سيد أحمد، كيف تقرأ الوضع الراهن في السودان وقد عدتم من جولة طويلة شملت واشنطن ولندن والقاهرة ولعلكم التقيتم ببعض المؤثرين في صناعة القرار في تلك العواصم أو الذين يقومون بما يُعرف بالتحضير الـ «home work» للقرارات، وقد التقيتم قيادة حزبكم بعد طول فترة ولا نقول قطيعة. فما هو تقييمكم للموقف الراهن والى أين سيقود البلاد؟

** فقال الأستاذ سيد أحمد الحسين: تقييمي للوضع الراهن واحتمالات مآلاته قد لا يرتبط بمجمل ما جمعته من معلومات وما أجريته من حوارات خلال جولتي الطويلة السابقة.. ولعلك تسألني لماذا؟ أقول لك، لأن تطورات وأحداثاً مثيرة قد حدثت وقطعت التسلسل والترابط.. فأمامنا 11 سبتمبر ويطلق على ما أعقبها من حالة «معطيات 11 سبتمبر»، وأمامنا تحركات في الشأن السوداني لا تتم بعيدة عن الخرطوم ورحلات مكوكية ومهمات متصلة بدأت بعد أن جَهَزَت برنامجها وكل السيناريو.. وتَبَقى المفاوضات والمحادثات والاتصالات وحتى الاتفاقات لوضعها في الإطار المحدد أصلا. أعرف أن العامة من الناس لا يدركون ما يجري من تغيير وتَحرك ويظنون أن الرتابة الممسكة بهم وبحياتهم جزء من رتابة الحركة بشكل عام.. وهذا خطأ وخطأ فظيع. فالتغيير يجري وبسرعة مذهلة، ولا أحد حالياً بقادر على أن يهضم لا مسوغاته ولا احتمالاته حتى الإيجابية منها دعك عن السلبية، فالأمر للسودان يُعد في تسارع هو نفسه محل ريبة وشك لأنه لا يربط القضية بما فيها من معطيات التاريخ والجغرافية والإنسان.. وإنما يبتسر كل ذلك في معادلات وأرقام وحسابات مؤثرات النتائج الحاضرة ويقرأ من خلالها المستقبل ويُجهز عدته وبرامجه ومواقفه تجاهها. لا ألوم الخارج الذي يتعامل بهذه النظرة مع القضية السودانية، فلهم مبرراتهم.. أضعفها وهي أقواها لديهم، أنهم تركوا الشأن لأهله فما فعلوا فيه إلا المزيد من التعقيد.. وأنهم، مع حقائق السيادة وأعرافها، عندما حاولوا اختراقها لم يؤثر ذلك في أهل القرار في السودان.. بل سدروا في لامبالاتهم وعَقَدوا خلافاتهم ونزاعاتهم وجعلوها بالتالي نزاعا إنسانياً يتطلب التدخل ولا يستطيع أحد أن يدين التحرك الخارجي في الشأن السوداني أو يقفل الباب أمامه في هذا العالم المفتوح أو يحمله مسؤولية التداعي, ويعود الأمر لأهل السودان وخاصة السلطة القائمة، لأنها هي القائمة على الحكم.. والحكام هم وحدهم المسئولون عن ذلك. بالطبع قد يدعي آخرون ان المعارضة هي أيضا مسؤولة. نعم إنها مسؤولة لأنها فشلت في إسقاط النظام، هذه واحدة.. ومسؤولة لأنها فتحت الأبواب لحلول ظنها النظام طوق نجاة، فأخذها ليطبقها فأدخلت كل الوطن في المأزق والحرج وأعني بذلك مسألة تقرير المصير، وتلك هي الثانية. أما الثالثة وهي في نظري الأهم، لم تباشر المعارضة في طرح القضايا مبسطة والحلول واضحة والخيارات المتاحة لكل حالة، سواء أكان في حديثها ومواثيقها فيما بينها داخل التجمع مثلاً أو في حواراتها التي عقدتها مع الحكومة تحت نداء الوطن أو لقاء اسمرا أو في مذكراتها التي رفعتها للسلطة طوال الفترة الماضية.

الخروج عن النص بالتقاط القفاز..

* التقطت القفاز وخرجت عن محاور الحوار وسألت محاوري: ما هي القضايا مبسطة.. وما هي الحلول في رأيكم.. وما هي الخيارات والاحتمالات إذا كنتم تقصدون ذلك؟

** فقال الأستاذ سيد احمد الحسين بعد فترة صمت قصيرة: أري انك تقفز ما بين المحاور التي حددتها.. ولكن لا علينا قد نعود…

* قلت مبررا تدخلي العاجل: نعم، أريد ان اختصر المسافات لا الزمن وقد اتفقنا ان لي الحق في التقديم والتأخير تمشيًا مع طرحكم.. ولكم الحق في العودة للتفسير والتوضيح.

** (داعب) الأستاذ سيد احمد الحسين جهاز التسجيل وخلته وكأنه سيطلب مني أن أغلق الجهاز لكنه لم يفعل، بل اعتدل في جلسته في المقعد الوثير وقال: السودان وطن متعدد الأعراق والأديان..هذا باختصار باعتراف الجميع، في الحكومة وفي المعارضة.. ومثل هذا الوطن يا أخي لا يحكم بإرادة أغلبية، والديمقراطية فيه لتتم عملية تداول السلطة لا لتحدد بأغلبيتها الناخبة شكل الحكم أو نظام الحكم أو توجه الحكم أو القوانين العامة التي يتحاكم أمامها الناس والتي تنظم علاقات المواطنة، أي علاقات الوطن بالمواطن.. والمواطن بالوطن. فوطن تحدد فيه الأغلبية توجه الدولة؛ وهي أغلبية متحركة نشأت بفعل التفاعل والتعايش في تسامح؛ لابد أن تشعر أقليته بالحرمان وبالتالي بدرجة مواطنة أقل. يا أخي، الأغلبية الحالية.. عربية كانت أم مسلمة، وبفضل التعايش مع الأغلبية التي كانت.. إفريقية كانت أم مسيحية أو لا دينية، صارت أغلبية ولم تُلوَّ يدها عندما كانت أقلية ولم يتحدد لها شكل مشاركتها المواطنة بحيث تحس بأنها مكبوتة أو مهضومة الحقوق. فلماذا في مثل هذا الوطن الذي لا زال مشروع التفاعل داخله متحركاً تحدث فيه القطيعة التي تقترب من الفتنة باسم الدين؟ لماذا لم يصبر الناس على التفاعل والاندماج والتعايش؟ لِمَ كان الاستعجال، وكيف تحقق ذلك في ظل نظام قاهر وفاقد الشرعية؟ ثم نأتي ونُثبت الخطأ والفتنة باسم الديمقراطية وباسم الأغلبية وأيضاً بالانقلاب على الشرعية التي أرادت مراجعة كل ذلك. و…

* قطعت استرساله في الأسئلة التي تُطرح حاملة إجاباتها بداخلها في شكل إيحائي، وقلت للأستاذ سيد احمد الحسين: هل تدعو للعودة للدولة العلمانية أم أنك….

** فجاء دوره لمقاطعتي قائلاً: يا أخي كنت أظن أنك قد لاحظت محاولتي الابتعاد عن ذكر المصطلحات التي ابتذلت لتكريه الناس فيها.. حتى (تشكيل) الكلمة أصابه ما أصابه ناهيك عن المحصلة أو المقصد أو المحددات للمصطلح. لقد سئمنا من دحض الافتراءات ومن الحالة المعاكسة أيضاً، وعلينا أن نخاطب واقعنا الحالي بمسميات أو بشرح جديد لا يخشى الصراخ والضجيج وإثارة الغبار بالمعلبات الجاهزة من الأوصاف التي تكفر الناس والفتاوى التي تجلس محل الرب لتحاكم ضمائر الناس. سمي الأمر كما تريد ولك حرية التصرف.. فإنني أدعو بصراحة لشطب كلما نتج عما كان غير شرعي وما بُني على باطل، والعودة لسوداننا القديم لنبني السودان الجديد. فبالعودة إلى ما كنا عليه، نستطيع ان نتجاوز مرارات الحاضر والماضي الأسود. هنالك تغيير كبير وأساسي حدث في سبتمبر 83 هذا التغيير أدى للاختلاف وأجج الصراع الذي كان مفهوماً.. وفتح باب جهنم للسودان فضاعت الموارد والجهد والطاقة في تثبيت الباطل وفي مصارعة الحق.. والحق ليس هو الدولة العلمانية، وإنما الباطل هو الدولة الدينية في وطن متعدد الأديان والأعراق والقبائل ويعيش حالة تفاعل مستمر وهويته مزدوجة.. وكل من أراد أن يفرض هوية حتى باسم الأغلبية التي قد توافقه على طرحه، فهو يبني على وفوق أنقاض، انه يهدم والهدم لا تقبل به الأقلية. هذه هي المعادلة التي أتت بالشريعة وبالقوانين الإسلامية برغم انها بعيدة كل البعد عن الإسلام. الإسلام يا أخي لم يواجه هجمة في ظل الدولة العلمانية التي كانت بل انتشر. أما الآن، في ظل الادعاء بالدولة الإسلامية، أنظر ماذا حدث ويحدث حولك.. لقد استمعت لأحد رجال الدين المسيحي الذي كان وزيراً ونقل لمؤتمر عقد خارج البلاد ما يفيد بأن المشروع الحضاري في مفهومه يعني انتشار المسيحية، وقَدَّم للمؤتمر أرقاما تُثبت حديثه. هل هذا صحيح؟ أدعوك للتحقق منه. وبالطبع لست ضد انتشار الدين المسيحي ليعم ويربط الناس بالقيم الفاضلة. ولكنني أتساءل فقط عن المعادلات الخاطئة والنتائج المقلوبة رأسا على عقب. إن في الأمر تجارة باسم الدين وتلاعباً بعواطف المسلمين والمسيحيين معاً من أجل السلطة والاستمرار فيها. فان تدعو للفضيلة ويكون نتاج حكمك نشر الرذيلة ولو دون إرادتك، يجب أن يكون كل مشروعك تأسس بالباطل ولو لم يكن على باطل وإنما على حق.

آلية العودة لما قبل 1983..

* قلت: لا أدري كيف ستصوغ هذه الأفكار في برنامجكم بالحزب الاتحادي الديمقراطي.. ولكن يشغل فكري الوسيلة للعودة بالوطن لحالة ما قبل سبتمبر 83، لانني أعتقد بأنكم توقفتم عند ذلك التاريخ وتنسبون إليه كل مآلات حالة اليوم التي يعيشها الوطن في حربه ومشروع سلامه وفي اقتصاده وحياة الناس فيه. دعني أسألك عن الآلية.. آلية العودة لما قبل سبتمبر 83. هذا الأمر يجب ان يتم باتفاق ووفاق بين زعماء الكتل السياسية وقادة البلد، وأنت أدرى بالمصاعب التي قد يواجهونها لإقرار ذلك.

** فقال الأستاذ سيد احمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي: أراك تتحسس محددات الخوف والحرص عَلَيَّ وعلى كيفية طرحي لهذه الأفكار في برنامج الحزب الاتحادي الديمقراطي. تعال معي لنغلق أنفسنا في هذه (الحتة) أولا ثم نبحث ما تبقى من أمر. دع الخوف يبعد عنك واترك هذه المحاذير جانباً وتحرر منه حتى يقع لك كل الأمر في موقعه الصحيح.. ويقع لكل الاتحاديين أيضاً. أنا الآن لا أتحدث باسم موقف أو تيار أو حزب، إنما أعبر عن قناعتي التي سأدافع عنها، وإذا وَجَدَت قبولاً وتجمع الاتحاديون حولها ستصير خطاً وبرنامجاً نافذاً.. ولحين ذلك انتهز الفرصة التي أتحتها لي لأعبر عن نفسي بقدر ما أستطيع لأنني لن أضع هذا البرنامج أو الطرح كفرد وإنما يجب أن يتجمع حوله كثيرون بقدرات وأفكار فنجلس ونضع كل شيء على الورق وننزل به للقواعد تنويراً وشرحاً وإقناعاً.. فنحن لا نجر الناس جراً بالعاطفة بل نطرح حلولاً وأجوبة لأسئلة هي أصلاً تدور في أذهان الناس. الناس غير منفصلين عن تجربتهم ويجترون التجربة ويدرسونها ويقيمونها في هدوء ويتوصلون إلى نتائج. ولكن عندما لا يجدون الجهة التي تعبر عن إرادة تلك النتائج ينغلقون في ذواتهم وتعاركهم الحياة ومتطلباتها ويطرحون آراء واحدة في أمكنة مختلفة ولا تتوفر لهم البوتقة الواحدة التي تصهرهم وتَجْمَع آراءهم ليصبحوا كتلة مؤثرة وقادرة على صياغة التجديد للخروج من المأزق. هذه الحالة يا أخي هي حالتنا نحن الاتحاديين ونريد أن نعود لجذورنا وأصلنا ونبحث في مكونات الأزمة في الزمن والمكان.. قد تكون هنالك نفس الفكرة، وقد تطرح نفس الحلول للمصاعب التي يمر بها الوطن، ولكن بدون إيجاد الوعاء السياسي الذي يجمع كل ذلك لتصبح الإرادة قوية وذات توجه ضارب.. يبقى كل فعلنا منفردين كالحرث في البحر ونبقى هنا قاعدين وتبقى مشاكل الوطن مستعصية الحل. ان الحزب الاتحادي، ودعني أقول الحركة الاتحادية، حركة شجاعة وقادرة على تصحيح الخطأ أو لنقل على إحداث التغيير عندما تلم بكل المعطيات. وهذا ما أعنيه بالعودة إلى الجذور ولا أعني العودة لأسماء قُبرت ودُفنت وإنما لأسلوب إدارة الشأن العام والوطني واتخاذ القرار بقراءة التفاصيل والمعطيات الحاضرة. الحركة الاتحادية يا أخي حملت مشعل الوحدة والاتحاد مع مصر، في وقت كان مثل هذا الطرح هو الترياق الحقيقي للاستعمار ولاستمرار بقائه.. وحققت عواطف الاتفاق حول الشعارات كل ما لم يكن منظوراً واختلف الناس في آليات الوحدة والترابط بين شعبي وادي النيل وصار اللقاء في بوتقة واحدة تصهر كل التيارات ممكناً بذوبان الذاتية وشخصنة المسائل، وتحقق للحركة الاتحادية نصرها بوحدتها وفي وحدتها. تلك ملامح من تاريخ الحركة الاتحادية لا نجترها الآن إلا لتبسيط الأمر لمن لا يعرفونها ولمن يظنون بها الظنون. ولكن.. تعال لندخل في الأهم، وهو (محك) وطني عظيم عندما اختار الأزهري ورفاقه شعار الاستقلال وقطع الطريق على المؤامرة التي تفتت السودان. نعم ما أشبه الليلة بالبارحة.. عبارة تجد نفسها في حالة اليوم.. وكل من يرددها لا يفارق الحقيقة. فالحركة الاتحادية أو الحزب الاتحادي الديمقراطي يعيش اليوم نفس المخاض الذي محدداته واحدة وتكاد تكون نفسها، أي تفتت السودان وضياعه وانفلات الأمر بين يدي الزعماء ودخول عالم التدويل ونخاسته، فماذا نحن فاعلون، واقصد أول ما اقصد بـ (نحن) نحن الاتحاديون؟ هل نقف ونرى كل شيء، الاستقلال والسيادة والوطن الواحد يتبدد من بين أيدينا؟ ألم أقل لك انه نفس المحك والامتحان؟ يجب أن نعود بالحزب الاتحادي الديمقراطي إلى مباشرته طرح الحلول بشجاعة والانتقال من خانة لخانة دون الخوف من غضب الأخ أو الشقيق. إن الأزهري وأشقاءه تألموا جداً؛ وهم يطوون صفحة الوحدة بين السودان ومصر لحين؛ عندما قرروا إعلان الاستقلال من داخل البرلمان وتبددت كل الجهود التي (صرفتها) مصر من أجل إنجاح تقرير المصير لصالح الوحدة مع مصر.. ولكن كان ألمهم سيكون أكبر إذا مرت المؤامرة ونجحت في تفتيت الوطن.. لذا قاوموها بجرأة وشجاعة واحتسبوا ألمهم وعذابهم ونكوصهم عن دعوتهم الوحدوية لكل الجسم من أجل الوحدة الوطنية للجزء.. وتلك كانت مدرسة وطنية بارعة. فماذا نحن فاعلون اليوم وقد ورثنا وطناً واحداً موحداً ونقترب من تسليمه لأجيال جديدة ممزقاً ومشتتاً ومجزءاً؟ وهل في سبيل تطبيق القوانين الإسلامية تقايض وحدة الوطن تراباً وشعباً؟ وهل ابتعدنا وابتعد أجدادنا عن الإسلام عندما لم تكن مطبقة تشريعات البتر والقطع والجلد في عهودهم وفي عصرهم الأبيض الذهبي؟ وهل الحبوبات في النار لأنهن لبسن الثوب السوداني والحفيدات في الجنة بلبس الحجاب؟ وهل ما قام به أجدادنا من تعايش وتسامح وتواصل مع المسيحيين واللادينيين سيدخلهم النار ونحن أصحاب المصاحف المرفوعة في المظاهرات وأصحاب الهتاف الذي يدوي حتى السماء بأن لا بديل لشرع الله، سنكون في الجنة؟ ومن رعى مصالح هذه الأمة وهذا الشعب في معيشته ومسكنه وحله وترحاله وعمله.. هل هم أولئك الذين حكموا في ظل الدولة العلمانية أم (نحن) في ظل دولة الشريعة والجهاد وربط كل شيء بالدين؟

عودة للمربع الأول والسؤال الأساس:

* قلت للحسين سيد أحمد مقاطعاً: دعني أعيدك لمربع السؤال الأساس.. فمرافعتك حتى الآن تشخيصية.. ويبقى المحك كيف تفتح الحديث، مجرد الحديث حول هذا الأمر مع الزعامات الدينية وهي صارت زعامات سياسية. أراك مؤذناً في مالطا بهذا الطرح في ظل قيادة السيد محمد عثمان الميرغني للحزب الاتحادي الديمقراطي وزعامة ورئاسة السيد الصادق المهدي لحزب الأمة.. وأكثر من ذلك في ظل رئاسة الفريق عمر البشير وإخوانه علي عثمان محمد طه وبقية فريق المؤتمر الوطني الذين لهم اليد الطولي في هذا الأمر، تثبيتاً لقوانين سبتمبر كتلاميذ لشيخهم صاحب كل السبق الدكتور حسن الترابي. ماذا أنت وأنتم، أصحاب هذا الطرح، فاعلون؟ وقبل أن تتوجه لإقناع الآخرين، المهدي والترابي والبشير وطه، عليك أن تقنع به الميرغني وروافد الإسلام السياسي في حزبكم.

** قال سيد أحمد الحسين: حسنا يا أخي.. دعني أثبت مسألة مهمة كبداية أرى أنها ضرورية لإعطاء كل ذي حق حقه. فالميرغني والمهدي والترابي والبشير وإخوانه، لكل كسبه وموقعه في النسيج الاجتماعي السوداني برغم التغيير الذي حدث فيه.. هذه ثابتة أولى لا نغفلها. والثانية.. هي أنهم جميعاً دون تمييز أو محاكمات لضمائرهم أو حتى لأفعالهم أرادوا خيراً لهذا البلد، كل من رؤيته وبما أتاحته له معطيات الظروف الزمانية والمكانية. أما الثالثة، فان لهم أنصارهم وتابعيهم بل ومريديهم، ولهم الملتزمون بمواقفهم ورؤيتهم حتى وإن تبين، لا أقول خطؤها وإنما تصادمها مع مسائل مصيرية تمس الوطن والشعب ككل بمن فيه من أنصارهم ولكن بمن فيه أيضا من آخرين. بعد هذا.. عليهم كل لوحده أن يسأل نفسه ثم يسأل الآخرين، ونسألهم أيضاً: إلى أين تسير تطورات الأحداث في السودان بمعطيات 11 سبتمبر وبما قبلها، وحتى بمعطيات الحالة السودانية قبل 83 وبعد 83، وقبل 89 وبعد 89، وخلال عقد التسعينات، وما بعد 4 رمضان.. والآن. هذه مسائل مُرتبطة وتُؤخذ كمنظومة واحدة لِتُقرأ مع بعض، وابتسار أية حلقة من تلك الحلقات لا تعطي الصورة الحقيقية لما مفترض ان يحدث في السودان ولما سيحدث، ولا يكَيِّف النظرة الصحيحة لضرورة ما هو مطلوب أن يكون عليه سودان الغد الذي يجب أن يخرج من حالة اليوم البائسة ومأزقها. إذن، ما هو المطلوب من هؤلاء الزعماء الشماليين الإسلاميين؟ هل باستطاعتهم الإقرار بالحالة والتقرير بشأنها بما يحفظ للسودان وحدته وللتعايش احتمالاته وإمكانيات استمراره؟ هل يستطيعون التوقيع على وثيقة انتشال السودان قبل ان يسقط في الهاوية، وهل سيكون هنالك مردود محتمل سلبي عليهم، أم أنهم قادرون على تجاوز المأزق بوصفهم زعامات دينية تقرر في شأن ومصير وطني عالي المسؤولية التاريخية؟ كل تلك أسئلة عليهم أن يقبلوها ويقلبوها بينهم وبين أنفسهم، كل على حده، وان لم يتعذر مجتمعين. المهم ان يَصْدِق كل منهم مع نفسه ومع شعبه.. لا مع ماضيه ولا مع طرحه السابق. عليهم أن ينفكوا من الماضي والذي مضى ليصلوا لإجابات صحيحة تصب في إنقاذ البلاد والعباد. أعرف أنها مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وتتطلب شجاعتهم.. والانسحاب منها ليس جبناً ولا نكوصاً وإنما شجاعة عالية (الجودة) فإن لم يتحملوا التفاوض والتوقيع على وثيقة السودان الجديد بالعودة به لقديمه، عليهم أن يسلموا الراية السياسية ويجلسوا فوق سجادة الدعوة الدينية ليواصلوا التفاعل والتواصل مع المحافظة على النسيج الاجتماعي السوداني وعلى الوطن وعلى مستقبله، ويقدموا للأمام من يستطيع تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية ويوقع وثيقة إنقاذ السودان. عليهم أن يتصرفوا كما تصرف السيد على الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي خلال مرحلة النضال الوطني الذي أدى إلى الاستقلال. هنالك مخرجان لا ثالث لهما: إما الموافقة على تفتيت السودان باستمرار إقحام الدين في السياسة والدولة وبرفض العودة لما قبل الجريمة التي ارتكبتها مايو ورئيسها في سبتمبر 83.. وإما الخيار المعاكس لذلك والذي لا خيار غيره لبقاء السودان واحداً موحداً وبالتالي وقف الحرب وإحلال السلام والانشغال بالتنمية وإزالة الفوارق الاقتصادية بتركيز التنمية على المناطق المهمشة وتوازنها في نفس الوقت. فإن قبلوا بالمخرج الثاني، وهو ما نريد، سيظلون كبارا عند شعبهم كله لا أنصارهم فحسب وسيصبح أمامهم خياران لا ثالث لهما أيضا: عليهم الدخول مباشرة دون (لت أو عجن) ودون لف أو دوران ومن دون اجترار أو استحداث مصطلحات مثيرة للشكوك لتكون الرسالة مزدوجة، للأتباع والجماعة واحدة وللآخرين أخرى؛ كل يأخذ منها ما يعتقد أنه حقق بها غرضه أو أمنياته؛ بيد أن المحصلة ستكون لا هذا ولا ذاك، وانما إبقاء الخلاف الأساس في محله إذ أن الطرف الآخر، أي الجنوبيين.. (تفتحوا) ولم يعد متاحاً خداعهم أو تمرير الجمل بما حمل من سم الإبرة أمام أعينهم. فإن تعطيهم اليوم باليمين لتأخذ ما أعطيت غداً باليسار، أصبحت حيلة لا تنطلي عليهم ومكشوفة أمامهم. والخيار الأول يبقيهم في السياسة وفي الدين، أو عليهم أن يتجهوا للخيار الثاني وهو يتطلب أيضاً شجاعة ودراية وفراسة وانسلالاً من عقدة ازدواجية التمثيل.. الديني والسياسي، فعليهم أن يبقوا في السجادة الدينية ويقدموا من يستطيع أن يوقع العقد الاجتماعي الجديد، وهو أصلاً عقد قديم يجب إكماله بالتعاقد أيضاً على القضايا الخلافية السابقة والتي حركت التمرد قبل أحكام الشريعة، وهي متمثلة في اقتسام السلطة والثروة والظل الإداري القصير الذي يُمكن الناس من إدارة شأنهم. وفي الحالتين الأولى والثانية سيبقى زعماؤنا الدينيون محل الاحترام والتقدير والتجلة لأنهم حفظوا للدين مكانته وحفظوا للوطن وحدته وللشعب كرامته وطاقته للانطلاق نحو البناء والتنمية لا يخشى شيئا. أما بالنسبة للزعامات الجنوبية وبالأخص تلك التي تحمل السلاح، فلست في موقف المدافع عنهم ولكن الحقيقة يجب أن تقال: الكرة في ملعب الشماليين، وبالأخص في ملعب الزعامات الدينية والتي تقوم بدور السياسة وتمسك بمفاصل القرار فيها.. هذا هو الاعتراف بالحقيقة التي دائماً ما تعتبر نصف مشوار الحل والتسوية؛ سمها ما شئت؛ هذه واحدة خذها في يدك ورقة أساسية يجب أن نضعها على أية طاولة تفاوض مستديرة كانت أم مربعة، وعلينا أن نضعها مكشوفة. وعلى اليد الأخرى إمسك بالورقة الثانية ولا تلوح بها وإنما ضعها أيضاً على نفس الطاولة وهي أسباب اندلاع التمرد والحرب وأسباب تأجيجها وتمكين صعوبة الحل، وهما تقسيم الجنوب في 83 وقوانين سبتمبر في نفس العام والتي أعطت للدولة والحكم التوجه الإسلامي. إن المطلوب أولاً إزالة ذلك فوراً وتقديمه في ورقة مكشوفة، ثم يجلس كل الناس في ما يختارون له تسمية.. مائدة مستديرة، مؤتمر جامع، ملتقى جامع جمعية تأسيسية.. المهم أن يتفاوضوا ويبحثوا المسائل الأخرى المتعلقة بالقسمة العادلة للسلطة والثروة. إن هذا الأمر كفيل بالقفز فوق الضغائن والغبن الاجتماعي والكراهية، وكفيل بمعالجة فقدان الثقة المتبادلة وكفيل أيضاً بشطب مصطلحات نقض العهود أو النكوص عن المواثيق. ثق يا أخي أن هذا لن يُنَقِص ديننا ولن يصيب زعاماتنا الدينية بسوء ولن يدمغهم بتهمة أو سبة.. فالدين إن لم يدع لهذا لن يدع له وضع وضعي، أما خلاف ذلك.. فالتجربة شاهدة وشاخصة أمامنا. لقد أضرت باستمرار التفاعل والتواصل وخلقت حواجز وأربكت البلد وأوقفت حاله وحال شعبه وأفقرته وزادته تخلفاً وجعلته يكبر عمراً يعتصره في فقره ومرضه وجهله وتخلفه ومعاناته، وشردت أبناءه في أصقاع العالم بحثاً عن وطن بديل. وهي مأساة ما بعدها مأساة، فقد تشتت سبحة الوطن المتماسكة المتمثلة في تماسك أبنائه. نعم يا أخي سألتني عن رحلتي السابقة.. أقول لك باختصار: لقد فُرِّغ الوطن من أبنائه، طُبِقَ على الوطن مشروع إعادة التوطين، وكأن الوطن محتل أو مستعمر. هل هذا ما أراده الدين وبالأخص الدين الإسلامي لأبناء هذا الشعب؟ حتى إذا طبقنا الإسلام بِوَصْفَةِ أو (روشتة) فقه السلفيين أو الأصوليين الجدد، فلا أعتقد ان الله سيرضى عنا طالما لم نراع في الرعية ذمة أو مصلحة بما فيها المصلحة الدنيوية، وطالما شردنا أبناء هذا الشعب، مسلميه ومسيحييه في أصقاع العالم يفترشون المطارات بحثاً عن مهرب وملجأ وموطن، حتى صار الوطن للناس هو مكاناً.. نعم مكاناً فقط إذا توفر فيه أمن ومأكل ومشرب وملبس وعلم وعمل. يجب أن تعود كل هذه الطيور المهاجرة من مهاجرها.. نعم آن أوان الإياب، فقط لينتفي سبب الذهاب، وآن أوان العودة بالخبرة وبالمال للمساهمة في التعمير الذي تتوفر إمكانياته الطبيعية التي حبانا الله بها في السودان.. فقط أن يُقفل باب الخروج بانتفاء أسبابه، ويُمَهَد سبيل البقاء باستتباب أسبابه. هذه هي خطوط عريضة يجب أن تفرغ في برامج كل الأحزاب لا الحزب الاتحادي الديمقراطي لوحده لتتنافس من ثم في أولويات التنفيذ والتفريعات الأفقية للعمود الرأسي لثوابت الوطن لا الحزب.

ماذا عن السياسيين الجنوبيين؟…

* قلت للأستاذ سيد أحمد الحسين: إذن أنت تدعو الميرغني والمهدي والترابي والبشير للخروج من ساحة العمل السياسي.. فما هي دعوتك لجون قرنق الذي لم تَذكره البتة ولرياك مشار وللام أكول ولغيرهم من الزعامات الجنوبية التي شاركت في المأزق كل بوزنه وبمساهمته؟

** فقال نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي: أرجو أن لا تخلط المسائل.. أنا لا أدعو أحداً للخروج من العمل السياسي وليس باستطاعتي فعل ذلك أو الجرأة لطرح هذا الأمر، بل أدعوهم لقراءة الواقع كما هو لا كما تغلفه بعض أمنيات.. وأدعوهم لا لبحث تلك الحلول والتسويات وإنما إنزالها وتثبيتها، فقد قتلت بحثاً ولم يكسب الوطن من أية تسوية، بل بعضهم انقلب على التسوية التي نشدناها وسكب زيتا جعل النار مشتعلة حتى أكلت كل فرص التسوية. صحيح أن التنازل يجب أن يتم من جانبهم لأنهم يسددون فاتورة الخطأ. فالعودة عن الشريعة أمر صعب، ولكن وضعها وإقامتها بالأخطاء وبدون الأخطاء وتأطيرها دستوراً وقانوناً في دولة ما كان لها أن تتحمل هذا وهي في حالة تفاعل بين عناصر شعبها وتفاعل لم يكتمل، كان الخطأ الأكبر الذي ترتب عليه الأمر الصعب الحالي. إنهم مدعون لمعالجة هذا الخطأ الذي أرتكب وكل منا له مساهمته فيه ولا أعفي حتى نفسي من المسؤولية وآمل أن يملك الزعماء الشماليون شجاعة الاعتراف بالخطأ الكبير الذي ارتكب في استعجال وعجالة، ولا أقصد الاستعجال والعجالة في وضع قوانين الشريعة وإنفاذها، وإنما العُجالة بالقفز فوق مراحل التفاعل والتواصل التي كانت سائرة على قدم وساق فتم في 83 بتر القدم، فصار التفاعل والتواصل أعرجَ، ثم بعد الإنقاذ تم بتر الساق، فصار التفاعل والتواصل كسيحاً وقاعداً لا يسير إلى الأمام البتة، بل وُضعت أمامه حواجز من الطرف الآخر أي الجنوب بكل مكوناته الذي سبق في عهود أطلق عليها المهووسون «عهود الجاهلية» أن فتح قلبه وعقله وبيته وقبيلته وبيئته للتفاعل والتواصل دون شروط ودون قيود وحتى دون خوف من الذوبان البطيء وتقبلوا الثقافة العربية والإسلامية بشجاعة التسامح الإنساني والإفريقي الفطري باعتبارهما لم يسعيا لاستعلاء أو هيمنة أو اختصار الآخر. وعليه وفق هذه المعادلة لا أستطيع بل ليس من العدل أن أحمل الزعماء الجنوبيين ما لم يرتكبوا. ولأنني لا أدعو لعزل أو لانسحاب أحد، أنادي بالعلنية في اتخاذ المواقف والقرارات والتوقيع عليها وإلا إفساح المجال السياسي لمن يستطيع القيام بذلك.. فالزعماء الجنوبيون لا اعتقد أنهم سيكونون عقبة أمام هذه الخطوة. صحيح أن لهم دوراً لاحقاً بعد ذلك.. وهو وقف الصراع وإحلال السلام الدائم واختصار المأساة بالإسراع بالحل السوداني الذي يعيد الأمور إلى نصابها، وعلى الأساس القديم الصلب والمعافى يتم تشييد السودان الجديد.

صيد الفيل لا الفأر…!

* قلت لسيد أحمد الحسين: أخشى أننا لن نغادر هذا المحور من المحاور الكثيرة التي جهزتها للحوار.. وأقول كما قال السيد الصادق المهدي عندما ذهب إلى جيبوتي للقاء البشير: أتيت للحوار معك لاصطاد فأرا فكان الصيد فيلا!؛ الأمر الذي يدفعني لأنسى بقية المحاور وأركز على ما نحن فيه. هنالك مسألتان أريد أن أخرج بهما سائلاً مستنداً على ما سبق من حديث. أولاً الأصوليون.. هل سيقبلون خطوة العودة لما قبل سبتمبر 83؟ وكيف سيكون تصرفكم حيالهم وتصرفهم حيال الزعامات الدينية لو وافقت على ذلك؟ والمسألة الثانية هي أنك بهذا الحديث والطرح والدعوة تنسف، لا أقول نظرية ودعني أن لا أقول واقعاً، وإنما نتيجة مباراة سياسية بين الإسلام السياسي والعلمانية.. سَجَلَت فيها الفرقة الأولى أهدافا كثيرة، وتجيء الآن بما تطرح لتغيير النتيجة خارج الملعب. فكيف نفهم المعادلة الجديدة مقروءة مع المعادلة السابقة وبما أفضت من نتائج وبما قد تفضي المعادلة الجديدة التي تطرحها من نتائج؟

** لم يستعجل الأستاذ سيد أحمد الحسين الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي بالإنابة في إجابته، وأخذ يقلب بين أوراق أمامه حتى سل إحداها ثم قال: دعني ابدأ معك بالمسألة الثانية، لأن الأولى متفرعة منها، والأفضل أن نأخذ بالأصل ثم الفرع. أولاً، أنت بنفسك تقول إن المباراة جرت بين الإسلام السياسي والعلمانية.. وهي بالفعل كانت هكذا وأعتقد ان تعبيرك في محله تماما حيث لم يكن الصراع أصلاً بين الإسلام والعلمانية، فالإسلام لا يسعى لمثل هذا الصراع والتنافس في بلد كالسودان. فأن يصارع الشيوعية هذا واجب وواجب إنساني قبل ان يكون دينياً، وقد صارعناها نحن في قوى الوسط من العلمانيين لأنها خارج الفطرة الإنسانية ولأنها مكبلة وتحمل القيود وتختصر الحياة في ضِيقِِ وتُضيق واسعاً. ولقد كان خطأ محاربة الشيوعية بالإسلام السياسي أو بالدين وحده، ولم تُحارب بالدين وحده.. حاربتها الديمقراطية وحاربتها نزعة الحرية المتأصلة في البشر والناس وانهارت الشيوعية بأدواتها ذاتها.. بالسلطة التي سعت إليها وأخذتها أخذاً بعد أن كانت في السودان تعيش حلم ميلاد «الثورة الوطنية الديمقراطية» التي تفضي إلى الاشتراكية العلمية والى الشيوعية بعد ذلك. لم تكن هنالك إرهاصات لتلك الثورة المزعومة.. كان حلماً وأملاً وخيالاً في عقول ونفوس أرباب الشيوعية وكهنتها فتحسسوا بعض عضلات ظنوها ثابتة في أذرعهم التنظيمية واستعملوا أنياب الملبن ليعضوا بها فتكسرت وهي ممسكة بضحاياها.. فصارت الشيوعية في السودان بلا أنياب تعض وانكشفت حقيقة عضلاتها فيما بعد وظهرت على قدر ماعونها الذي يسعها. ولعل أحد أخطاء العصر الذهبي في السياسة السودانية تلك الوقائع والنظرة والرؤية في الإقصاء، سواء أكان ذلك من جانب الديمقراطيين أو الشيوعيين. بل إن نجاحات الإنقاذ والإسلاميين لاحقاً، لا في الاستيلاء على السلطة فحسب وإنما في البقاء فيها، كان أحد مقوماته فشل الشيوعيين في السلطة والاستفادة من تجربة اليسار الفطيرة لصقل تجربتهم حتى قبل أن يخوضوها، وهنالك اعترافات ثابتة بذلك. ولأعود لأصل المسألة، فالمعارك مع (الضد) نَمَّت ووسعت حركة الترياق المضاد. فعندما تتأسس معارك بمثل هذه الصيغة، وغالباً ما تتأسس عليها، وتقف قوى الوسط لا أقول في انتهازية ولكن متفرجة ومراقبة، يبقى من السهل اختصار الآخرين ويصبح بالتالي التحول في نفس الخط القطري للدائرة من أقصاه لأقصاه بالانقلاب مائة وثمانين درجة أمراً مشاعاً وممكناً ويجر معه هزائم نفسية تضع بصماتها على مجمل الحراك السياسي. وتبقى في النهاية القوى العريضة، قوى الوسط، وكأن الأحداث والتغييرات قد تجاوزتها أو في سبيلها لتتجاوزها على أحسن الفروض. ولكن، عندما يقود الطرفان النقيضان كل البلاد إلى الأزمة والمأزق، كل من رؤيته الآحادية الإقصائية للآخر ومعه الآخرين.. تبقى عودة الوعي مطلوبة وتبقى الأزمة ذاتها هي مفتاح الحل الوحيد الذي يهزم العقائديين في اليسار وفي اليمين الديني. إن حقائق مثل هذا الصراع لا يمكن أن تُجرد في نمو وتمدد جماهيري مهما توسع إذا استند على قوة السلاح لفرض انتصاره وتمكينه. فاليمين الديني أو الإسلام السياسي لم يهزم العلمانية إلا بأدوات الديكتاتورية مستفيداً من مناخها القابض….

عودة للنص…

* قلت مقاطعاً: قبل أن تسترسل يا أستاذ سيد أحمد أرجو أن أعيدك إلى النص. أراك تربط انتصار الحركة الإسلامية بالتمكين الذي حدث لها في عهدها القابض بعد أن أخذت كل السلطة أخذاً في 30 يونيو 89، ولكن ما قولك في انتصاراتها داخل الحركة الطلابية في كل محافلها في الداخل والخارج وفي كل الجامعات؟ آمل ألا تبتسر المسائل وتقرأ ما تريد من القصيدة قفزا بين أبيات الشعر فيبدو الأمر غير متناسق مع أن القافية واحدة.

** فقال: الحركة الإسلامية كما تُسمي نفسها وكما أطلقت عليها أنت بالخروج عن النص في رأيي، هي أداة الإسلام السياسي ولافتة تمويهية عريضة لينطلي الأمر على الناس الذين بالفطرة يَقْبَلُون الدين ويُقْبِلُون على الدين، وبالفطرة يعادون الشيوعية، وبالفطرة يمكن أن يساقوا لمعارك تُصورها لهم القيادات التي اتخذت من الإسلام والدين سلماً للوصول للسلطة. إن هزيمة اليسار أو أي اتجاه سياسي في دولة، يتناوله الناس داخل التداول الطبيعي للسلطة.. أما هزيمة الاتجاه الإسلامي وسط الطلاب في أية معركة طلابية كان عنواناً وناقوساً بأن الإسلام والدين في خطر. أي تلاعب بالدين أكثر من هذا التلاعب؟ هل سيتضرر الإسلام في السودان لو فقد الاتجاه الإسلامي كل مقاعد الاتحادات الطلابية الجامعية مثلاً؟ إن الإسلام السياسي تمدد بالعاطفة وبجر الناس جراً لمعارك الوهم، وبأدوات السلطة القاهرة، وبالعنف وبالترغيب، وبالمال الذي ضُخَّ في شرايينه؛ سامحهم الله أولئك الذين دفعوا أموالهم زكاه لأناس ليوزعوها على الفقراء في العالم الثالث، فدورتها الحركة الاسلاموية في تجارتها وبنوكها وضختها مالاً في غير موضعه الذي أخرج له. ان الحقائق واضحة أمامهم وأمامنا، المال.. المال.. المال، المال هو وحده الذي نصرهم، ونصرهم انتصاراً وقتياً.. لذا لم ولن يدوم الانتصار. وحتى عندما انشقوا.. انشقوا بسببه، ونجد أن رائحته فاحت في انشقاقهم وفصالهم. إن الذين يتحسسون اليوم أوضاعهم في دول الخليج، هم الذين مولوا الإسلام السياسي.. كما ان «لحم أكتاف» الإسلام السياسي، لا في السودان فحسب وإنما في كل مكان نبت فيه، منابعه التي أخذ منها هي دوائر الغرب الأوربية والأمريكية وبالأخص تلك «الذكية».. وقد دارت الدورة دورتها ليبحثوا في سبل ووسائل تجفيف المنابع المالية بعد أن كانوا أحد مصادرها بل أهم مصادرها. يا أخي، بالمال وبقوة السلطة لا يمكن أن تحدثني عن نصر للحركة الإسلامية أو الإسلام السياسي على القوى العلمانية أو على الآخرين. لقد كانت المنافسة غير متكافئة، هذه واحدة.. والأخرى كانت قوانينها ظالمة ومنحازة، والثالثة استغلت معطيات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية لصالحها. وها قد انقلبت الآية، فصار الذين مولوا ودعموا ورَكَزوا ونهضوا بالإسلام السياسي، يُشار إليهم بانهم يستهدفون الإسلام كدين.. وهذا ما لا يعقل وهو عين التضليل وابتزاز عواطف الناس ومشاعرهم وعقيدتهم. إن الغرب استعمل الإسلام السياسي لغرض.. والإسلام السياسي جارى الغرب لغرضه في الوصول للسلطة والجماهيرية والتمدد على حساب الآخرين المعتدلين والوسطيين؛ والنتيجة أن الإسلام في صراعهم الحالي لا ناقة له ولا جمل.. إنه صراع «علمته الرماية فلمَّا اشتد ساعده رماني».. وأين رماه؟ لقد رماه فيما يقرب المقتل؛ وطالما لدي الغرب حسابات فهي «حسابات جارية» واليوم تجري في الاتجاه المعاكس يا أخي.

* قلت: قبل أن ندخل في مسألة الأصوليين، والتي لا أدري كيف ستتعامل معها، دعني أقول لك إنك تريد أن تغير في نتيجة مباراة حُسمت بأكثر من هدف.. وتريد تغييرها خارج إطار اللعبة، وقد تسألني كيف؟ إن العلمانيين والشماليين انهزموا أمام الإسلاميين ولا يريدون ان يُسلموا بالنتيجة، ولذلك تستعملون اليوم عواطف الناس من جهتكم أيضاً بالحديث عن وحدة السودان أرضاً وشعباً للعودة للنظام العلماني.. وتريدون استعمال الجنوبيين لهذا الغرض، برغم أن كثيراً من الجنوبيين اقتنعوا بأن لا عودة عن تطبيق الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي، ويريدون تسوية لأوضاعهم والدستور الحالي يوفرها لهم وإرهاصات التسوية بالمبادرة الأوربية والأمريكية أو حتى الإيقاد والمشتركة أيضاً تريدان توفير وضع جديد تبقى به الشريعة ويبقى به السودان موحداً ولذا تُطرح الكونفدرالية تارة ودستورين في دولة واحدة تارة أخرى.. وعاصمة قومية بديلة خارج إطار الوضع الحالي وداخل إطار التسوية الجديدة المطروحة. فما قولك؟

** قال الأستاذ سيد أحمد الحسين: ان حالة اليأس، خاصة عندما تكون هنالك حرب مستمرة لفترة طويلة بما تترك من آثار على الأرض وعلى البشر، قد تقود كما قلت بعض الجنوبيين لمثل ذلك التفكير بالاقتناع والتفاوض على أساس الواقع الخاطئ الماثل أمامنا ولا ألوم أحداً منهم في ذلك. بيد أن مثل هذه النظرة مصلحيه واستغلاليه وتحمل بين طياتها خدعة بل مطباً لا يهمنا كثيراً أن يقع فيه بعض الناس ولكن نحذر من أن يقع فيه الوطن. يا أخي، كيف القبول بالواقع الذي فُرض فرضاً بالتشدد وبالقمع وبالإقصاء وهو حالة قد تتبدل وهي عرضة للتغيير غداً؟ فكيف نقود بها مصير الوطن ونحدده؟ هؤلاء يا أخي سينقلبون غداً على صمتهم الحالي على الخطأ وسيقود انقلابهم لتفتيت السودان. ومثل هذا الحل، تسكين وتضميد لجرح لا يقبل غير الخياطة ليبرأ. إن الكونفدرالية فخ يجب أن لا ندخل إليه الوطن بأيدينا.. ونعلم أن الإسلاميين يريدون ذلك بل قد لا يمانعون في تقسيم السودان ليقيموا الشريعة في الشمال ولو في أقصاه. ولا شك أنهم سحبوا الوطن سحباً إلى هذه الحالة بتأجيج الحرب حتى يتصور الجنوبيون أن ليس هنالك احتمالات تعايش، ويصبح الانفصال مطلباً ليتصنع الإسلامويون معارضته ولكنهم يريدونه حقيقة. فلماذا نقبل هذا الوضع الذي سوف تمتد آثاره القبيحة لكل أطراف وأحشاء السودان؟ لا نستعمل الجنوبيين في هذه المعركة، بل نحن في خندق واحد من أجل سودان واحد، وإن صار خندقنا ضد الإسلام السياسي فهو ليس استغلالا بل تبصراً. ان الإنقاذ هي التي تستغل الجنوبيين وتستعمل بؤسهم ويأسهم من استمرار الحرب، فأصبح حتى مولانا ابيل الير أقرب إلى الانفصال بعد أن كان وحدويا حتى النخاع لأنه أصيب باليأس لما آل إليه حال أهله.. ولا ألومه في هذا، ولكنني أدعوه للصبر على الحلول التي تَرْسِم مستقبلاً طيباً لكل السودان، لا هدنة للحرب بين الشمال والجنوب لتشتعل في شكل آخر.

حائط أو سور.. للإسلام…

* قلت: وماذا عن الأصوليين.. هل سيقبل بذلك الأصوليون الذين فرختهم الإنقاذ وأوضاع ما قبل الإنقاذ؟ هل سيقفون يتفرجون عليكم وأنتم توقعون ما تسميه «وثيقة إنقاذ السودان».. أم تتصورون أنهم سيصفقون لكم ويهللون ويكبرون وأنتم تلغون الشريعة الإسلامية خاصة بعد ما ضاع في سبيلها عشرات الآلاف من الشهداء؟

** فقال: نعم.. المقاومة واردة، وتلك أحد الأشياء التي صنعتها الإنقاذ عن سابق ترصد ولكن فيما أعتقد أن السؤال الصحيح هو: ماذا سيفعل الأصوليون مع قياداتهم الإسلامية التي قادت الشباب لمحرقة الحرب في الجنوب والتي ستوقع على وثيقة «دار للإسلام ودار لغير الإسلام» في دولة كان من الممكن أن تصبح بعد حين دار إسلام كاملة بالتسامح والتعايش والتواصل والتداخل؟ ماذا سيفعلون بعد أن يقام «حائط وسور للإسلام» يمنع تمدده وانتشاره أو على الأقل يحدد له المكان المحصور؟ المعادلة يا أخي صعبة.. وعلى الذين غذوا تلك العقول بالتطرف أن يعالجوها من الهوس، لا بفقه الضرورة ولكن بمخاطبة العقول لا العواطف وبالحقائق لا بالأماني وبالحيثيات المتوفرة لا بالقصص والحكاوى المختلقة التي لحست العقول. إن منطق التطور اليومي للأحداث قد يوفر لهم أدوات الإقناع ونحن معهم في معالجة حالة الأصوليين الذين بكل الحق لا نراهم في السودان كما نسمع عنهم. إن التربية السياسية والدينية التي قامت بها الجبهة الإسلامية هي التي أشاعت ثقافة الأصوليين في التطرف والعنف والتكفير وغيرها.. والمجتمع ككل مطالب أن ينهض لمعالجة الموضوع واعتقد أن النسيج الاجتماعي السوداني لا زال بخير ويستطيع أن يغطي على عناصر التطرف وأن لا يفتح لها بابا يدفع البلاد إلى محرقة تُقضي على الأخضر واليابس معاً. كلهم أبناء الترابي.. وعلى الترابي أن ينفض يده من طرحه المتطرف السابق وسينفضون أياديهم من أفكاره وأفكارهم وسيعالجون أنفسهم بأنفسهم وسيعودون إلى الحظيرة السودانية متعافين. ومع أن بعض الأوضاع التي تستحق الاهتمام سوف تنشأ، فأن هذا الأمر أمر مصير وقدر للتحول والعودة نحو الأوضاع الصحيحة، والترابط والأسرة السودانية كفيلان بأن يجدا مداخل صحيحة لوضع الأمور في نصابها.. كما أن علماء الدين قادرون على الحوار مع كل الأطراف ومع كل الناس حتى لا يدخل الوطن في عصر التجربة الجزائرية أو ما شابهها من تجارب.

وبعد…

هل كان الحوار مع الأستاذ سيد أحمد الحسين نائب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، خارج النص؟ ولكن.. هل الخروج عن النص سبة، أو على الأقل تصرف سلبي وخاطئ، في أخر الأمر؟

نعم، الحوار كان خارج النص.. فالنص إن الإسلام السياسي هزم العلمانية، والحوار يفتح نحو إعادة قراءة النتيجة وفق رؤية الحسين سيد أحمد ! أما وصف سيد

‫3 تعليقات

  1. [B][SIZE=4]النص والخروج عن النص ان قرنق تمرد فى مايو1983 والشريعة أعلنت فى سبتمبر 1983 والنص والخروج عن النص أن أنتخابات 1986 كان شعار الحزب الاتحادى الديمقراطى الذى ينتمى اليه السيد الحسين كان شعاره الجمهورية الاسلامية والذى بسببه فاز احسين بدائرة مروى بل وأصبح وزيرا للداخلية اخيرا النص زداخل النص أنكم جميعا تتاجرون بالدين أقلها المنبطح المطئطئى لا يزال يتمسك يالشعار الاسلامى على الاقل شكلا أما ناس الجمهورية الاسلامية والصحوة الاسلامية فاصبحوا يستحون من هذا الشعار فكان ان نصب حزب الطأطأة والانبطاح نفسه مدافعا عن الدين والشريعة لان الاخرين خجلوا منها فكانت النتيجة هذا الخمج الدينى الذى أسموه الشريعة والى ان يظهر من هو حادب وصادق فى نطبيق شرع الله سيظل حزب الطأطأة والانبطاح خالف رجل على رجل وينظر على كيفوا فى الدين والوطن والمواطن اللهم أحفظ بلادنا من كيد هؤلاء وشر أولئك.[/SIZE][/B]

  2. كل هذا الحوار هو خارج النص لأنه قديم وكان يتكلم عن السودان الواحد قال : ( مولانا أبيل ألير رجل وحدوي ولكنه الآن( يمـيل ) إلى الانفصال!!! ) كما أنه لا حيلة للسودانيين القدامى سوى الكلام عن الوحدة مع الجنوبيين !! هل فقط من أجل البترول أم من أجل ماذا ؟؟ الأستاذ سيد أحمد يتكلم عن السودان المتعدد الأديان !! فهل يوجد الآن تعدد في الأديان ( شوية أقباط لا يزالون يتكلمون اللهجة المصرية ) وبعض أبناء النوبة لا يتعدى عددهم بضعة آلاف ( وهم مواطنون ولهم الحق الذي لا يصح أن يغمط أو يضيع , ولكنهم في كثير من الأماكن مخلب قطّ للأقباط الذين يحرضونهم من الخلف كما أن بعض الذين يجلدون بسبب المريسة في ساحات المحاكم منهم هم ذوو أسماء إسلامية وليسوا بمسيحيين ) هذا لا يجعل من السودان متعدد الأديان , فكم ديناً الآن في السودان ؟ هل يوجد فيه وثنيون ؟ هل يوجد فيه يهود ؟ إلا أن يكون بعض أحفاد اليهود في أم درمان وغيرها لا يزالون متمسكين بيهوديتهم سراًً !! فأين تعدد الأديان ؟ نعم يوجد تعدد في الفلكلور الشعبي وفي اللغات واللهجات وفي الأعراق ولكن لا ينبغي أن يكون لهذا أثر في القوانين والسياسات وسير البلاد !!

  3. كلام لايساوى ثمن الحبر الذى كتب به عذا كرت محروف من القرن الماضى