رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : جنوب السودان وأرض الباريا والأحامدة


[JUSTIFY]هل كان جنوب السودان موعوداً بعد الانفصال بما يشهده هذه الأيام من إزهاق للأرواح وإصابات للأبدان واحتلال للمدن والقرى، وباختصار نقل إصابة الصومال إليه؟! وبعيداًَ عن الشماتة هل يتسنى لأهل السودان «شماله سابقاً» أن يرددوا المثل الشعبي القائل «التسويه كريت في القرض تلقاه في جلدها»؟

لأن الحركة الشعبية نقلت نسخة حرب الجنوب إلى دارفور، وها هي نسخة الحروب الصومالية تنتقل إلى دولتها الجديدة؟!
إن المواطنين العُزّل في جنوب السودان لا ذنب لهم، فهم قد صوتوا جميعهم تقريباً لانفصال إقليمهم عن السودان حتى ينعموا حسب ظنهم أو بعضهم بالمواطنة الممتازة. فالحركة الشعبية لم تتكرم أن تفيدهم بأن اتفاقية نيفاشا لا حاجة بعدها إلى انفصال الجنوب عن السودان لأن الخرطوم دفعت من خلالها تعويضات سياسية فوق طاقتها.. وتنازلت عن إدارة الإقليم.

لكن فاجأتنا نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير أحادي الجانب بأن شعب جنوب السودان في الداخل والخارج صوّت لصالح الانفصال بنسبة تكاد تكون كاملة، فهي أكثر من «98%» أي أن هم جميعًا حتى المسلمين الجنوبيين في أغلبهم آثروا الحياة تحت قيادة سلفا كير غير المسلم وليس البشير المسلم. وأما بالنسبة لنزاهة الاستفتاء فيمكن القول بأن هذه النزاهة إذا وجدتها الانتخابات الإقليمية أو «شبه القطرية» في جوبا، فيمكن أن يحاط بها الاستفتاء. الأمر الثاني أن نسبة المسلمين في الجنوب أكبر من نسبة الصليبيين سواء كانوا كاثوليك وهم الأقدم أو الأرسوذكس أو البروتستانت. لكن الوثنيين الذين يشكلون أكثر من ستين بالمائة يميل أغلبهم أو يستمالون إلى الصليبيين هناك بزعم أن الإسلام هو دين العرب في الشمال، وهذا طبعاً منطق أعوج لأن الصليب جمع بين شعوب أوروبا وبعض شعوب إفريقيا وبعض العرب في الشام، والمعلوم تاريخياً أن الإسلام هو الدين الأممي الموجهة دعوته لكل شعوب وقبائل الأرض وقد مثل هذه الأممية فجر الإسلام أبو بكر العربي وسلمان الفارسي وبلال الإفريقي وصهيب الرومي.

على أية حال استقلت قبائل الجنوب عن الشمال الذي كان يمكن أن يطور مناطقها بصورة لم يفكر فيها سابقاً الاحتلال البريطاني، والأهم من التطوير هو حماية الأمن والاستقرار، فهما الآن يتعرضان في جوبا وجونقلي وغيرها للاعتداءات الفظيعة. لكن متى اختارت شعوب إفريقيا من يُصلح حالها؟! حتى هنا في السودان حينما أفرزت المكايدات الحزبية بعد الاستقلال بعامين ونصف عملية تسليم السلطة للفريق إبراهيم عبود قائد الجيش وجاء الحاكم العسكري وبحكم خبرته وخلفيته وحكمته العسكرية وضع برنامجاً لإجهاض جنين التمرد في الجنوب داخل رحم المؤامرات الدولية، ضاق به قادة الأحزاب ذرعاً وحنُّوا للسلطة وبريقها وحديقها، وأطلقوا بين الناس خدعة «الديمقراطية».. وضلالة إعادة العسكر إلى ثكناتهم، كل ذلك بعد أن قام عبود بطرد المبشرين من الجنوب. وكانت أكبر «وهمة» أطلقها الترابي تلك الأيام هي قوله بأن «مشكلة الجنوب لا تحل إلا بتغيير الحكم في الشمال». لكن بعد أن سلّم عبود الحكم بعد أن استلمه من عبد الله خليل يداً بيد تقوت شوكة حركة أنيانيا المتمردة ومعنى أنيانيا «سم الكوبرا» والمشكلة بعد ذلك حسمها نميري الحاكم العسكري يا ترابي. إن 21 أكتوبر لم تكن ثورة بل مؤامرة خدمها قادة الأحزاب لصالح التبشير في الجنوب. هذا موضوع طويل وطويل جداًَ. وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي، فإن جنوب السودان يواجه تحدياً خطيراً مثل الذي واجهته من قبل الصومال. فتلك لم تُجمع وتجتمع على رئيس واحد بسبب القبلية الضاربة في النفوس. ونفس ذاك المشهد السياسي المعقد الذي دمّر ذاك البلد «البحري» ها هو يتكرر بصورة أو أخرى في جنوب السودان. إن شمال الصومال أنقذ نفسه وتسمى بجمهورية أرض الصومال وترك جنوب الصومال يسبح في برك من الدماء وحتى الآن. فهل هذا الإنقاذ الإقليمي أيضاً سيفعله في جنوب السودان الاستوائيون لتفادي كوارث فظيعة محتملة بين القبائل النيلية، كما تفادوا من قبل إدارتهم على كل الإقليم من جوبا بالتصويت بالأغلبية على تقسيمه؟

الآن في الصراع الدائر بجنوب السودان لا تشكل القبائل الاستوائية بما فيها قبيلة الباريا طرفاً فيه، فتحكي صورة التطورات الأخيرة إنه بين أبناء من النوير وآخرين من الدينكا. حتى قبيلة الباريا صاحبة أرض العاصمة جوبا لم تدخل طرفاً في الصراع. إنها في السودان مثل قبيلة الأحامدة أقيمت عاصمة البلاد على أرضها فهي تمتد من أم درمان إلى بحري إلى شرق النيل.. «وساده دي بطينة ودي بعجينة» فلا تظاهرات ولا انتفاضات ولا انقلابات.

نلتقي غداً بإذن الله

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]