رأي ومقالات

سعد أحمد سعد : في فقه المباهلة

[JUSTIFY]المباهلة من البهل وهو الدعاء والتضرع إلى الله بطلب تحقيق أمر من أمور الدنيا أو الدين.. وهذا هو الابتهال وهو التوجُّه إلى الله بالدعاء لتحقيق أمر يطلبه المتوجِّه بالدعاء. والمباهلة فعل «مشاركة» حيث يقوم بها شخصان مختلفان في أمر من أمور الدين وخصوا به العقيدة دون سواها..ü وقالوا إن المباهلة مشروعة وهي على الإباحة، وقال بعضُهم إنها قد تكون على الوجوب في بعض الأحيان، وعرَّفوا المباهلة بأنها أسلوب من أساليب الدعوة، وهو أن يتوجه اثنان مختلفان في أمر من أمور الدين إلى الله سبحانه وتعالى ويسألانه أن يهلك الظالم أو المُبطل منهما ليكون في ذلك حجة قاطعة في حسم الخصومة بينهما. ولا يجب أن تقوم المباهلة إلا بعد استفراغ الجهد في إقامة الحجة بالأدلة الشرعية والبيان الكافي.. وقد تكون المباهلة استجابة لطلب الخصم.. وقد تكون مبادرة من الطرف الآخر. والسؤال هل الاستجابة لطلب المباهلة واجبة على كل فرد؟ قالوا إن المباهلة لا تجوز على كل أحد بل قد تكون محرمة أو مكروهة إذا كانت قدرة المباهل على إقامة الحجة والإقناع واستحضار الأدلة ضعيفة وليس له من العلم ما يُعينه على ذلك. وقد أشاروا إلى العلاقة بين المباهلة والتألي، وأما المباهلة فمعروفة كما أسلفنا، أما التألي فهو ادّعاء لزوم الحق ومحاولة الاستعلاء على الناس بالباطل.. وهذا الذي يُخشى على المباهلين أن يكونوا من أهل التألي لا من أهل الحق ومن الحَفَظَة على حدود الله وأوامره ونواهيه. قالوا والحكم الشرعي في حرمة التألي على الله عز وجل وإلقاء اللعن على الآخرين هو الذي يمثل القاعدة العامة في هذا.

وأجازوا المباهلة بين المؤمنين وغيرهم في سياق الدعوة والاحتجاج.والرأي عندي أن المباهلة أسلوب في إقامة الحجة على الخصوم لا يجب أن يلجأ إليه إنسان إلا عند الضرورة القصوى.. ولذلك جعلوا لها شروطاً أولها إخلاص النية لله تعالى في طلب المباهلة، وألا تكون انتصاراً لذات أو انتقاماً من خصم. وثانيها أن يكون المباهل من أهل العلم، لأن المباهلة لا بد أن يسبقها حوار وبيان وأدلة ونصوص وبراهين، والمسلم العادي قد لا يكون مستحضرًا ولا قادرًا على كل هذا. وثالث الشروط أن يكون طالب المباهلة من أهل الصلاح والتقوى، ذلك أن المباهلة في الأصل دعاء، ومن أهم أسباب قبول الدعاء والاستجابة له من الله سبحانه وتعالى لزوم الطاعات واجتناب المعاصي والمحرمات. والثاني يأتي هنا عندما لا يكون طالب المباهلة من أهل التقوى والصلاح ولا من أهل الإجابة!!الناس كل الناس ما بين محسن ومسيء والمحسن لا يخلو من إساءة والمسيء لا يخلو من إحسان.. وهذا الذي جعل بعض العارفين كما ذكرنا سابقاً يتراجع عن طلب المباهلة مع أحد أهل البدع والأهواء لأنه خشي من أن يبدأ الخصم مباهلته بالثناء على الله بما هو أهله فلا تكون الإجابة كما ينبغي وكما يطلب صاحب الحق. ورابع الشروط أن يسبقها دعوة قوية ومحاولة لإقامة الحجة على الخصم ومحاورته بالأدلة والبراهين. والشرط الخامس أن تكون في أمر من أمور الدين ويُرجى منها حصول مصلحة للمسلمين ودفع مضرة عن الإسلام والمسلمين.

وجاء في شرح قصيدة ابن القيم »37/1« ومن هنا يتبين أن مباهلة أهل الباطل أمرٌ مشروع غير أنه لا يُصار إليه إلا مع الجزم بصحة ما عليه المباهل وصدقه فيه وترتُّب مصلحة شرعية على المباهلة كإحقاق الحق وإقامة الحجة وليس الانتصار للنفس أو الغضب لغير الله أو لأمر من أمور الدنيا، ونظراً لخطورة الدعوة إلى المباهلة أو قبول الدعوة إليها فالأولى عدم التوسع في هذا الباب والاحتراز مما قد يترتب على المباهلة من المفاسد لتعلُّق العوام بأحد المتباهلين أو إظهار باطل لم يكن ليظهر لولاها أو إصابة المباهل الصادق بالرياء أو غيرها من المفاسد إهـ.

الشرح وعلى هذا فالرأي الذي يجمع بين كل هذه الأقوال هو أنه إذا كان المباهل من أهل العلم والمعرفة بالله ومن أهل التقوى والصلاح وكان الموضوع من الأمور الشرعية التي تمس العقيدة مساساً لا شك فيه أو تدعو إلى إبطال أمر شرعي أو إقرار مُنكر تترتَّب عليه مفاسد كثيرة وخطيرة على الأمة فالوجوب هنا يحكم على المباهل بالاستجابة إذا دُعي إلى المباهلة.. خاصةً في مثل هذه الأيام التي نحن فيها فقد استشرى الباطل وعلا صوتُه وكاد يُخرس ألسنة الحق والصدق.. وأصل المباهلة في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى »إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين« آل عمران »59ــ61« وهذه الآية تبيِّن صحة كثير مما سقناه من الأدلة والتوضيحات، والمباهل هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم والآية نزلت في وفد نجران، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو منتهى كل قيمة وكل فضيلة وكل تقوى فجاز له أن يدعو أبناءه ونساءه تحديًا أن يقع الهلاك عليهم أجمعين، وقد دعا عليه الصلاة والسلام الحسن والحسين وفاطمة عليهم رضوان الله أجمعين، والمباهلة هنا في العقيدة ومع نصارى وفي أمر يخص كذبهم وادعاءهم بألوهية عيسى عليه السلام. ولولا أن المباهل هناك هو سيد الأولين والآخرين ما أحسب أنه كان جائزًا دعوة الأبناء والنساء للمباهلة لأن الأذى كان سيقع عليهم.?والمباهلة لا يترتب عليها حكم شرعي.. بل إن الذي يترتب عليها هو ما ينزله الله سبحانه وتعالى على المبطل وذلك خلاف الملاعنة التي هي ضربٌ من ضروب المباهلة ويترتَّب عليها حُكم شرعي هو التفريق بين الزوجين ورجم الزوجة إذا اعترفت ولم تباهل.

ومن الغريب أنني عندما تكلمتُ عن الاستفتاء والحريات الأربع قارنتُ بين المباهلة واستفتاء أهل الإنقاذ. وبينما أنا أكتب هذا الباب رنَّ التلفون فوجدتُ على الطرف الآخر الأخ أنور وهو يستشيط غضباً مما تكتبه بعض الأقلام عن الحريات الأربع ويعجب لماذا لا تُجري الحكومة استفتاء حول الحريات الأربع بين أهل السودان »الشمال« كما أجرت من قبل بين أهل الجنوب في الانفصال!! أخي أنور.. تذرّع بالصبر فنحن نعيش عصر الدغمسة والانبطاح..

صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]