رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : معادلة حرب «الجنوب» وسلامه في السودان

[JUSTIFY]مع استمرار السلام القبلي بالاستقرار السياسي في دولة جنوب السودان يستفيد السودان من استمرار تدفق النفط من هناك عبره لكنه يتضرر من أنشطة المتمردين في الجبهة الثورية، فهم مثله يستفيدون من ربيع السياسة في جوبا، حيث تستمر مرتبات وامتيازات الفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي.

ومع استمرار الحرب المزدوجة السياسية القبلية، ومجهولية مصير المتمردين بقيادة عقار والحلو وبعض قادة الحركات المتمردة ما يعني أن يوفر السودان فاتورة احتواء الحرب الدائرة في جنوب كردفان وأحياناً في ولاية النيل الأزرق، فإن إنتاج النفط يتوقّف وتتعطّل عائدات رسوم عبوره المستحقة للسودان. وتتعرض الميزانية للعام القادم لعجز ينذر بمأساة اقتصادية جديدة تضاف لمأساة «2013م». ويعود تأثير البلاد بحرب الجنوب بعد عودتها بأطراف مختلفة هذه المرة، وكأنه لم ينفصل بعد. فاعتماد الخرطوم على رسوم عبور نفط الجنوب يجعل حرب تقرير المصير وحرب السياسة والقبيلة المزدوجة داخل الحركة الشعبية واحد من حيث النتيجة.

هكذا هي معادلة حرب الجنوب وسلامه في السودان، فهو في الحالتين ضائع اقتصادياً. وكانت فرصة كسر حتمية هذه المعادلة التي لا تبعث على التفاؤل قد تهيأت للخرطوم بعد تحقيق نجاح نسبي على صعيد العلاقات الدبلوماسية بين السودان والدولة الجديدة القائمة على أرض جنوبه القديم. لكن تحسين هذه العلاقات تزامن مع عملية تصفيات سياسية قام بها ـ مضطراً ـ الرئيس سلفا كير ضد بعض معاونيه ابتداءً بنائبه رياك مشار الذي يرى أن منصب الرجل الثاني على الأقل في البلاد ينبغي أن يكون لأبناء النوير ضارباً بقيم الديمقراطية التي طالما لاكها عرض الحائط؛ فالرئيس المنتخب حر في اختياره لمن يثق فيه ويطمئن أن يكون بجانبه. لكن الخطأ السياسي القاتل الذي وقع فيه سلفا كير هو إنه لم يضع في الاعتبار أن إقالة مشار لو كان لا بد منها فيجب أن يكون بديله في هذه المرحلة أو لحين ميعاد الانتخابات القادمة من أبناء قبيلة النوير حتى لا يدع مجالاً لاستثمار تفسير هذه الخطوة الذي يقول إن إبعاد مشار هو إبعاد لقبيلة النوير من السلطة. وحتى لو كان المنطق الديمقراطي لا يلزم الرئيس بأخذ هذا الاعتبار لكن الحكمة السياسية التي من شأنها حماية الحياة الديمقراطية تقتضي ذلك. أو كان يمكن استحداث منصب رئيس وزراء لو دعت الضرورة السياسية إدخال الإستوائيين الذين تقوم العاصمة جوبا على أرض إقليمهم. إن دولة الجنوب تمر بحالة مشابهة إلى حد ما بلبنان قبل اتفاق الطائف. فلابد ان يُفصَّل ثوب الديمقراطية على الدينكا والنوير والإستوائيين من قبيلة الباريا أهل نائب الرئيس الحالي في جوبا جيمس واني إيقا. ولا بد أن يفصل كذلك «الثوب العسكري» هناك على كل المواطنين حتى لا تشعر مجموعة قبيلة بأنها أقوى من الأخرى أو إنها يمكن أن تفصل منطقتها عن السيادة الوطنية كما يحدث الآن لولاية الوحدة. فهذا «الانفصال» يمكن أن تتسع دائرته. إذن فإن معادلة الحرب والسلام في جنوب السودان تؤثر بالفعل على السودان إما بتكليفه دفع فاتورة «الدفاع» وإما بتكليفه دفع فاتورة الإصلاح الاقتصادي، وهو في الحقيقة معالجة اقتصادية لعجز في الموازنة لأن الإصلاح يعني أن يكون هناك فائض في الميزانية دون أن تلجأ الدولة لرفع الأسعار الرسمية وبالتالي كل الأسعار الأخرى.

لكن كيف يا ترى تنظر الحكومة السودانية إلى هذه المعادلة؟
إن الأهم عندها كما يبدو على سطح الأحداث إنها تريد استقراراً سياسياً وأمنياً في كل مدن الجنوب نظراً للمسألة الاقتصادية الرابطة بين البلدين. وتريد أيضاً علاقات دبلوماسية مع جوبا بأقصى درجة امتياز لإذابة نشاط المتمردين ضدها فيها وإجبارهم على السلام كما أجبرت الحركة الشعبية من قبل، وإن كان إجبارها من جانب القوى الأجنبية بدافع إقامة دولة مستقلة بطريقة سلسة. وهذا الواقع يمكن أن يفرض في الأيام أو الشهور المقبلة بحكم أن سلفا كير على صداقة لا تؤثر فيها أية مؤثرات مع واشنطن وتل أبيب. لذلك تبقى ثلاث جهات تتقاطع مصالحهم في كنف بسط الأمن والاستقرار السياسي في دولة جنوب السودان هذه الجهات هي القوى الأجنبية غير الإفريقية مثل واشنطن وغيرها، والحركة الشعبية بقيادة سلفا كير، والاقتصاد السوداني. أما الأمن في السودان فهو رهين شكل ومضمون العلاقات الدبلوماسية بين جوبا والخرطوم.

صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]