صلاح الأزهري: «قلبتو علي الأحزان».. إسماعيل كان أبوي
بعدها بحوالى ثلاثة شهور كان الزعيم إسماعيل الأزهري أحد صناع استقلال البلاد في العام 1956، وأول رئيس وزراء في حقبة ما بعد الحكم الكولونيالي، كان يغادر مقعده من الدنيا بعد أن غادر كراسي الحكم إثر الانقلاب.
اليوم وبعد مرور ما يقارب نصف القرن على وفاته ما زلنا نحتاج إلى معرفة الكثير عن حياة المناضل وسبر أغوار تلك الحقبة التاريخيّة، فالرجل الذي رفع راية استقلال السودان، مازالت هناك الكثير من المعلومات المفقودة والمنفلتة من ثقوب دفاتر سيرته ومسيرته. التقيت صلاح الأزهري الأخ الأصغر للزعيم، الذي كشف لنا خبايا كثيرة عن الزعيم وحياته ويوم الانقلاب عليه حتى يوم سجنه. تذكر معنا نشأة الزعيم وصفاته وتدرجه في الحياة السياسية حتى صار زعيماً للبلاد. صلاح ألقى بالعديد من التساؤلات حول وفاة أزهري، مشككاً في طريقة وفاته، وألمح إلى وجود شبهة جنائية، ملقياً بالاتهام على سلطات مايو بأنها ربما تخلصت من الزعيم الذي رفض الاعتراف بها. صلاح أجهش بالبكاء عندما تذكر معنا يوم وفاة الزعيم ونقله إلى مثواه الأخير، من يرى دمعه الذارف يستشعر لكأن وفاة شقيقه حدثت أمس. الفقد أليم بلا شك ودموع الرجل في محلها سيما وأن المتوفي زعيم بقامة (أزهري). صلاح استرجع معنا مسيرة (إسماعيل) الذي اعتبره بمثابة الوالد في حياته، وقال: «مات أبي وأنا في السادسة من عمري، وإسماعيل هو الذي تولى تربيتي، وبعد وفاته تركت السودان وذهبت إلى السعودية وعشت بها قرابة الثلاثين عاماً، وتزوجت من هناك»، محدثنا اختتم حواره معنا برسالة بعثها إلى روح أخيه في الفراديس العلا؛ مؤكدًا أنهم أسرة فقيرة لا تملك إلا السمعة والسيرة الطيبة. فيما يلي نص الحوار الذي نشرته (اليوم التالي) في مايو الماضي.
] نريد أن نتذكر معك في البداية يوم الانقلاب على الزعيم إسماعيل الأزهري؟
– كنا في عرس ابنة عمنا محمد الأزهري بحي الملازمين، وفي الساعة (11) مساءً قال لنا سائق تاكسي إنه يرى تحركات عسكرية بالشارع، وفي الساعة 12.30 فجراً، وصلنا المنزل ووجدناه محاصر من الجيش، وعندما دخلنا قال لنا الزعيم إسماعيل الأزهري إن هناك انقلاباً، وظل يومين محاصراً داخل المنزل بالجنود والعساكر، وبعدها أخذوه للسجن.
] في هذين اليومين كيف كانت حالة الزعيم؟
– كان ثابتاً؛ يصلي صلواته، ويقرأ قرآنه. الزعيم كان رجلاً متصوفاً، ولم يخف لأنه لم يفعل شيئاً.
] كم هي الفترة التي قضاها في سجون مايو؟
– (3) شهور تقريباً.
] وبعدها؟
– يوم 19 أغسطس سنة 1969، توفي (علي) الشقيق الثاني لنا وهو ترتيبه بعد الزعيم الأزهري في الساعة التاسعة صباحاً، نتيجة تعامل لجان التفتيش وحصر الممتلكات التي كانت تمارس كل أنواع الإرهاب مع أفراد الأسرة، وذلك بطريقة صعبة ليس بها أي نوع من الاحترام، ما اضطر أخانا علي للتلاسن والثورة عليهم، ومن شدة توتره أصيب بنوبة قلبية أدت إلى وفاته، وتم إبلاغ رئيس الوزراء وقتها بابكر عوض الله، ووزير الداخلية بخبر وفاة علي لإحضار الزعيم من السجن لتشييع جثمان أخيه، فوعدا بإحضاره فورًا، ولكن لأسباب نجهلها لم يصل إلا في الساعة الخامسة مساءً.
] …
– حضر ومعه ضابط، ورافقه إلى المقابر، وبعد الخروج من المقابر وقف الزعيم لاستقبال المعزين، وفجأة بدأ العرق يتصبب منه، وبدأ يتألم من صدره، وكان موجوداً بالوفاة طبيب الزعيم الخاص عبد المنعم وصفي، وأيضا د. صديق أحمد إسماعيل، ود. حليم عضو مجلس السيادة السابق، وأجرى ثلاثتهم كشوفاتهم وفحوصاتهم، ودخل الزعيم في إغماءة طويلة، فنصح الأطباء بنقله إلى المستشفى، واتصل كبير الأسرة عمنا محمد الأزهري برئيس الوزراء بابكر عوض الله وأبلغه بما حدث، فأرسلوا عربة إسعاف من السلاح الطبي بها ممرضات، وطلبوا نقله للسلاح الطبي، ولكننا رفضنا، وطالبنا بنقله إلى مستشفى الخرطوم القسم الجنوبي الذي كان يديره د. وصفي رحمة الله، وفي الساعة الثامنة مساءً يوم 19 أغسطس تفاجأنا بوجود عدد كبير من العسكر يحيطون بالقسم الجنوبي، وحضرت تعزيزات من الجيش، وأتذكر أن الزعيم وضع في غرفة رقم (5) بالطابق الأرضي بالمستشفى، وكان المستشفى محاصرًا بالجنود، ولم يسمحوا لأحد بالدخول سوى أفراد الأسرة، وظل الزعيم في حالة إغماء إلى يوم 26 أغسطس يوم وفاته وكان يوم ثلاثاء، ودفن الأربعاء.
] هل شخص الأطباء مرض الزعيم الذي توفي به؟
– قالوا فقط إن الحالة لا يمكن علاجها بالسودان، فأبلغنا رئيس الوزراء يوم 22 أغسطس، فأفاد بأنه سيتصل بالقاهرة ليرسلوا لنا أطباء الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت الحالة تزداد حرجاً يوماً بعد يوم، واستفسرنا مراراً رئيس الوزراء عن موعد وصول الأطباء، وكان يقول لنا: «إنهم في الطريق»، وفي صبيحة يوم 26 ساءت حالة الزعيم واحتاج الأطباء لأكسجين، وكانت الأنابيب فارغة، ونفذ أمر الله، وأسلم الزعيم روحه الطاهرة في يوم 26 أغسطس 1969 الساعة التاسعة صباحاً.
] هل هذا معناه أن البعض قصدوا ألا يأتوا بالأطباء؟
– بالتأكيد قصدوا تأخير الأطباء.
] هل لديك دليل على كلامك؟
– سأحكي لكِ رواية تؤكد ذلك؛ أنا بعد وفاة الزعيم ذهبت إلى السعودية، ولكنني عدت مع المصالحة مع الأحزاب في 76- 77، وفي وزارة الخارجية التقيت السفير عبد العزيز سيد طه، رحمة الله عليه، وكان رئيساً للقسم العربي بالخارجية وقتها، ولي به علاقة أسرية قديمة، وسألته أين كنت عندما توفي الزعيم الأزهري في 69، فقال لي كنت سكرتيراً بالسفارة السودانية بالقاهرة، وكان السفير وقتها محمد سليمان شقيق أحمد سليمان أحد قادة مايو، فسألته في العشرة الأواخر من أغسطس 69 هل وصلتكم برقية من حكومة السودان تطلب منكم أطباء جمال عبد الناصر؟ فقال لي: «أتذكر هذا الموضوع جيداً، ففي يوم 24 طلبني السفير في بيته، وقال لي أعلم أن الزعيم الأزهري كان لكم أباً، وعاوزين أطباء جمال عبد الناصر يذهبوا للسودان لعلاجه، وقال لي تذهب للرئاسة المصرية وتطلب منهم ذلك، وأخذت منه البرقية حتى أرفقها مع الخطاب الذي طلب مني السفير أن أجهزه في اليوم التالي، وقال عبد العزيز في يوم 25 أغسطس ذهبت إلى السفارة مبكرًا، وأعددت الخطاب، وانتظرت السفير يأتي ليوقعه فلم يأتِ، ذهبت له في المساء ووقع الخطاب، وفي يوم 26 وأنا في رئاسة الجمهورية المصرية كنت أخلص إجراءات الطلب، جاء تليفون من السفارة يسأل عن مندوب السودان، وكان السفير وقال لي ارجع الزعيم توفي، وهنا علامات استفهام كبيرة بالنسبة لنا! لماذا تأخروا في مجئ الأطباء؟ هل كانوا يخشون سفره خارج البلاد وهروبه؟ أم كانوا يخشون اكتشاف الأطباء المصريين لحقيقة وفاته؟ كنا نثق أن جمال عبد الناصر لو علم سيرسل أطباءه سريعاً فكانت علاقته بالزعيم طيبة، فبعد حرب 67 في مؤتمر اللاءات الثلاث الذي عقد بالخرطوم، الذي عمله إسماعيل الأزهري، كان هناك عداء بين عبد الناصر والسعوديين والكويتيين، فالأزهري من أول الناس الذين وفقوا بين عبد الناصر والملك فيصل، وكان عبد الناصر يكن تقديراً لاسماعيل الأزهري حتى لو كان يعجبه نظام نميري، ولكن الأزهري هو الذي جعل الخليج يدعمون عبد الناصر، وما زالت استفهاماتنا موجودة حتى الآن؛ فلماذا نقل الزعيم في منتصف شهر أغسطس للسجن الانفرادي؟ ولماذا منعت عنه السلطات الزيارة؟ ولماذا لم تسمح السلطات بحضوره لتشييع جثمان أخيه حال إبلاغهم بذلك وسجن كوبر على مرمى حجر من منزل الزعيم؟ لماذا هذا الحشد من الجنود حول المستشفى والزعيم مسجى على فراش المرض لا حول له ولا قوة؟ لماذا رفض النظام نقل الزعيم للعلاج خارج السودان؟ ولماذا لم يصل الأطباء المصريون؟ لماذا كل هذا الاستنفار العسكري الذي رافق الجثمان إلى مثواه الأخير؟ ولماذا هذا التجاهل الإعلامي المتعمد في إعلان خبر وفاته حيث قيل توفي إسماعيل الأزهري المدرس؟
] ألم يكن يعاني من أي أمراض؟
– أبدًا، كانت صحته جيدة جدًا، وكان يلف هذا السودان الكبير، ولم يكن يعاني من أي مرض، كانوا يريدونه يعترف بالنظام وهو رفض الاعتراف بنظام جار على الديمقراطية، رغم أن كل زعماء الأحزاب اعترفوا بهم، إلا الزعيم رفض، وزرناه مرتين في السجن، وأوقفوا الزيارة في المرة الثالثة في 15 أغسطس، قد يكون استعملوا سميات، فكان وقتها مشاعاً أنهم أتوا بمكيفات من ألمانيا لسجن السياسيين، وبها مواد سامة، ولم نشرِّح الجثة إكراماً لإسماعيل الأزهري، فنحن احتسبناه شهيدًا، وفي عام 2005 طلبت من الرئيس البشير فتح تحقيق في هذا الأمر من جديد، ولكنه لم يرضَ، واعتبرتها حكمة منه.
] ممكن نتذكر معك يوم وفاة الزعيم؟
– خبر الوفاة انتشر في كل الأنحاء، كما انتشرت إشاعة بأن السلطات تريد أن تأخذ جثمان الزعيم لتدفنه بطريقتها الخاصة، فما كان منا إلا أن تسلحنا بالعصي والحجارة، الأسرة والجماهير كسروا الحواجز، وأخذنا الجثمان في عربة إلى المنزل، وعملنا عليه حراسة مشددة، وجلسنا تلك الليلة سهرانين طول الليل حتى الصباح، خوفاً من أخذ الجثمان عنوة، وخرج الجثمان يوم الأربعاء الساعة الخامسة مساءً في موكب مهيب تحرك من المنزل حتى مقابر البكري، وسط زحام شديد من الناس الذين أتوا من كل أنحاء السودان، في مسافة 3 كم تقريبا، وكانت الحكومة خائفة من هذا المشهد، فكانوا يراقبون الوضع بالطائرات من الجو، أيضا كانت هناك دبابات، ولكنهم لم يستفزوا الناس خوفاً من المشكلات.
(هنا انهمرت دموع صلاح على الزعيم الأزهري).
] سيد صلاح، أما زلت تتذكره بعد 44 عاماً من وفاته؟
– (بصوت متهدج).. «قلبتِ علي الأحزان»، إسماعيل كان أبوي، فهو الذي رباني منذ أن كان عمري 18 عاما عندما توفي والدي وعمري 6 سنوات وإسماعيل هو الذي رباني.
] كم عددكم إخوان الزعيم؟
– نحن خمسة أولاد وبنتان؛ الزعيم كان أولنا والثاني علي، والثالث محمد، والرابع دوليب، والخامسة ملكة الدار، والسادسة مكارم والسابع أنا صلاح. وكلنا أحياء ماعدا اسماعيل وعلي رحمة الله عليهما. بالمناسبة؛ بين وفاة علي وإسماعيل أسبوع فقط، وكانت هذه نبوءة علي كان يرددها دائماً بأنه لو مات إسماعيل سيموت بعده بأسبوع أو العكس
] وأبناء الزعيم؟
– 5 بنات وولد؛ آمال وسامية وسناء وسمية وجلاء والأخير محمد رحمه الله.
] حدثنا عن زوجة الزعيم؟
– هي مريم مصطفى سلامة، تزوجها الزعيم عام 1942، وهي جذورها مصرية من صعيد مصر، وقريبة للدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب المصري الراحل، والحاجة مريم امرأة عظيمة وهي أم السودانيين، وعندها الآن حوالى 95 عاما، ناضلت مع الزعيم منذ زمن الإنجليز، عندما كان يرمى في السجون، وتبرعت بكل ذهبها في جلاء المستعمر.
] ماهي أهم صفات الأزهري؟
– كان شخصية فريدة من نوعها في كل النواحي، كان يقرأ القرآن ويتبع كلام الله، عادلاً في علاقاته، وكل الناس تذكره بالخير، لأنه كان يخاف الله في نفسه وفي شعبه وهذا أهم شيء، فكان رحيماً، وكان متواضعاً، كان يقود بنفسه السيارة في زياراته الاجتماعية، كان يدعو كل الناس بسيد فلان – صغير كبير – حتى إخوانه وأقاربه، لم يكن يخاف، كان عنده قوة تحمل، كان يزور الناس في القرى يجلس معهم ويأكل معهم، وكان عندنا قيادات ارستقراطيين، ولكنه كان بسيطاً مختلفاً عنهم.
] متى ولد الزعيم وأين؟
– هو ولد في أم درمان سنة 1900، وهناك أشياء كثيرة عن حياة الزعيم مكتوبة خطأ، فكان مكتوبا في البرلمان التشريعي أن الزعيم ولد 1901 بمدينة الأبيض، وأنا صححت هذه المعلومات لرئيس البرلمان وقتها، وهناك أشياء أخرى كثيرة غير صحيحة عن الزعيم.
] والنشأة؟
– أجدادنا كلهم درسوا في الأزهر الشريف، وجدنا الأول اسمه سيد أحمد الأزهري درس في الأزهر في سن1810 تقريباً، وكان رجلاً عالماً، وعنده رواق في الأزهر باسمه، وعمل لكم في مصر حاجة اسمها المخلفات النبوية أي الأشياء التي خلفها الرسول ونظمها في شعر كأدعية فأوقفت الطاعون الذي كان منتشرًا في مصر وقتها، وهذه حاجة موثقة، وموجودة في الحسين حتى الآن، وأتى جدنا السودان أيام الإنجليز، وكان رجلاً قوياً مع السيد عبد الرحمن المهدي، والسيد علي الميرغني، ثم بعدها كان والدنا وذهب مصرأيضاً، وترك إسماعيل وكان عمره سنتين، تركه مع جده سيد إسماعيل، الذي كان يعمل قاضياً، ثم درس إسماعيل الابتدائي بأم درمان، ودرس في مدني الأميرية المتوسط.
] درس بأي جامعة؟
– كلية غوردون، كان يرغب في دراسة الهندسة، ولكنه استجاب لرغبة جده ودرس الآداب، وتخرج معلماً قبل دفعته بعام سنة 1919، وبينما كان يعد العدة للذهاب إلى مصر للدراسة بالأزهر، طلب منه جده السفر معه إلى بريطانيا ليعمل له مترجماً، وهناك لفت أنظار البريطانيين إليه بذكائه، حيث يقال إنه دخل على ملك بريطانيا مترجماً مرة مع السيد علي الميرغني، وأخرى مع جده، وكانت هذه الرحلة نقطة تحوُّل في حياته، عاد بعدها إلى الخرطوم وعمل مدرساً بعطبرة، ثم نقل للتدريس بمدرسة أم درمان الوسطى وبعدها سافر في بعثة إلى الجامعة الأمريكية ببيروت 1924، وكانت الدفعة الثانية، وهو في بيروت أبدع في الرياضيات، وهناك أصبح رئيساً لاتحاد الطلاب العرب، وكان صديق له هناك قال له إسماعيل الأزهري أنا سأكون رئيساً للسودان، ولو مابقيت رئيس سوف ألبس رحط.
] متى بدأ حياته السياسية؟
– رجع من بيروت سنة 1930، وقام بتأسيس جمعية الآداب والمناظرة، وعارض تدريس التاريخ الإسلامي باللغة الإنجليزية، وعمل جاهدًا لتمكين اللغة العربية، في عام 1931 شارك بدور بارز في السياسة، وتم انتخابه رئيساً لنادي الخريجين، وفي عام 1938 تم انتخابه أميناً عاماً لمؤتمر الخريجين، وفي عام 1942 انتخب أول رئيس دائم لمؤتمر الخريجين ووجه خطاباً للسكرتير الإداري البريطاني، مما آثار السلطات البريطانية ضده، فلم يعترفوا بشرعية مؤتمر الخريجين، كان يقود التظاهرات ضد الإنجليز، ففصلوه من كلية غوردون التي كان يدرس فيها، وطد العلاقات مع مصر مع الصاغ صلاح سالم أحد قادة مجلس قيادة الثورة المصرية، في عام 1944 دخلت الخلافات مؤتمر الخريجين، وكانوا مجموعة أفراد في هذه الفترة منهم مجموعة يحيى الفضلي، ومجموعة أبو روف وضمت إسماعيل عتباني وحماد توفيق وخضر حمد وغيرهم، ومجموعة الهاشماب وضمت محمد إبراهيم وهاشم آل بدري، ونتج عن تلك الانشقاقات إنشاء الأحزاب فتكون حزبا الأشقاء برعاية علي الميرغني، ورئاسة إسماعيل الأزهري، وحزب الأمة برئاسة عبد الله بك خليل، ورعاية عبد الرحمن المهدي، وفي عام 1946 اتفقوا على الذهاب إلى مصر والحديث عن مستقبل السودان. الاتحاديون كانوا حوالى 4 مجموعات، الحكومة المصرية شعرت أنها كثيرة، فأرادوا توحيد الاتحاديين، وأتوا بهم إلى مصر وعملوا على توحيدهم، وتم تكوين الحزب الوطني الاتحادي بزعامة إسماعيل الأزهري، وحدثت المفاوضات والسودان طالب بتقرير المصير، والشعب أراد الاستقلال، وأعلن الازهري الاستقلال من داخل البرلمان في 1-1-1956.
] هنا حدثت مفارقة فالزعيم والاتحاديون كانوا مع الوحدة مع مصر وكانت المفاجأة بإعلان الزعيم للاستقلال من داخل البرلمان. ماذا حدث؟
– الزعيم عمل جولة في السودان، ووجد الناس كلها تريد انفصالاً عن مصر، فكانت هناك ضغوطات شعبية، رغم أن العلاقات كانت قوية مع مصر، لكن كانت هناك ضغوطات من قواعد الشعب السوداني.
] كم ظل الزعيم في حكم البلاد؟
– الرئيس أخذ ثلاث فترات، الفترة الأولى كانت مباشرة بعد الاستقلال،والفترة الثانية حدثت بعد مؤامرات بين السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي واتفقا عليه، المرة الثانية بعد أكتوبر 1964، وفي سنة 1968 وبعدها مايو 1969.
بعد وفاة أزهري ماذا حدث للأسرة؟
– أنا خرجت إلى السعودية بعد مايو ابتدأوا يحصرون أشياءنا، فكان من ضمنها وجدوا سيارة (كاديلاك) أهداها الملك فيصل إلى إسماعيل الأزهري في الحج، فقالوا يأخذونها، فذهبت للسفير السعودي بالخرطوم وقتها عبد الله المرزوق وأوضحت له الأمر، بأن إسماعيل الأزهري لو كانت هناك أي هدايا تخص الحكومة لم يكن يأتي بها إلى البيت، كان يضعها في القصر الجمهوري، وناس مايو متخيلون أن هذه العربة ملك للدولة، وبالفعل جاء خطاب من الملك فيصل يقول للسفير إن هذه العربة أهداها بصورة شخصية لإسماعيل الأزهري وليس لحكومة السودان، وقال الملك فيصل أيضاً لو أسرة الأزهري تريد أن تأتي إلى السعودية سوف نستضيفهم، أنا الوحيد الذي ذهبت، وقابلت الملك فيصل وتزوجت سعودية، وجلست بالمملكة حوالى 30 عاماً، فكنا معارضة، وعندما كانت تأتي أفراد اللجنة كان في مخيلتهم أن البيت به مكيفات، ولم يجدوا شيئاً، ولا ثلاجات، حتى البيت الكبير الموجود حتى الآن بناه الاتحاديون بجهودهم الذاتية، وليست للحكومة أي علاقة به. وكان في النهاية مطالب بـ»15» ألف جنيه من بنك مصر لتكملة البيت، سددها نميري بعد سنتين بعدما تجلت له الحقائق، فكان يسمع للشيوعيين والقوميين، مجموعة بابكر عوض الله وهاشم العطا، ودارت عليهم الدائرة وقتلهم نميري جميعاً في الانقلاب المعروف. والأسرة تعيش في البيت حتى الآن، وإسسماعيل مات فقيرا، ونحن من بعده أسرة فقيرة نعيش على سيرة الزعيم الطيبة والسمعة والتاريخ.
] هل حدثت مضايقات للأسرة بعد ذلك؟
– نعم، كانت هناك مضايقات للأسرة أيام نميري، ولكن عندما جاءت الإنقاذ الأوضاع تغيرت، البشير رجل ممتاز وكرّم إسماعيل الأزهري.
] علاقتكم بالاتحاديين عاملة كيف؟
– خرجنا وهاجرنا وعملنا مع الشريف حسين الهندي في المعارضة بالسعودية، وحدثت المصالحة مع الأحزاب ومات الهندي، وظللنا بالخارج، وأتينا من خلال التجمع، وأنا رجعت سنة 2005 الخرطوم، كانت علاقاتنا بمولانا محمد عثمان الميرغني «موترّنها» الناس الذين حوله، وحاولنا أنا ومحمد ابن الزعيم لمَّ الاتحاديين، ولكن جاءت إرادة الله وتوفي محمد إسماعيل الأزهري في حادث حركة، ومحمد كان شاباً واعدًا به نموذج القائد، ولكن هناك من حال بينه وبين مولانا محمد عثمان الميرغني، فكان محمد حريصاً على الحزب الاتحادي وعلى توحيده، وكنت معه في يوم وفاته عصراً وتحدثنا كثيرًا في هذا الأمر، رجعت أنا لمولانا، كنت في البداية مع الشريف الهندي ودخلوا مع الحكومة في اتفاق سنة 1997، ولكني اكتشفت أن هناك كثيرين ليس لهم أي علاقة بالحزب داخلين فيه، يهمم المناصب فقط، فخرجت منهم، وسافرنا لمولانا في القاهرة، وكان معي مجموعة من الأهل ومجموعة من الاتحاديين، كنا حوالى 2000 شخص، كونا حاجة اسمها الاستثنائي، وكنت عضو المكتب السياسي في مؤتمر المرجعيات بالحزب الاتحادي، ولكننا اختلفنا لأن من حول مولانا أفسدوا العلاقة.
] من هؤلاء وكيف أفسدوا العلاقة بينكم وبين مولانا؟
– لا أريد أن اذكرهم اسمح لي بذلك.
] لماذا هذه شهادة للتاريخ؟
– سأذكر لك منهم أحمد علي أبوبكر الذي خرج من الاتحادي الآن، ولذلك خرجت ومعي المجموعة وجلسنا وتفاكرنا وانضممنا إلى المؤتمر الوطني، شكلنا لجنة وكان الوطني لجنته برئاسة مندور المهدي وكمال عبيد، دخلنا من أجل الوطن وتكاتفتنا معهم لأننا رأينا أن البلد مكلومة، ولم نطالبهم بأي شيء، فلم نرد مناصب ولا سلطة فقط من أجل الوطن، وأنا الآن عضو المجلس القيادي بالمؤتمر الوطني، وعضو مجلس الشورى أيضاً وأصبحنا جزءاً من المؤتمر الوطني.
] كيف وجدت المؤتمر الوطني بعد الانضمام له؟
– المؤتمر الوطني به محاسن كبيرة جدا، فعندما كنا في الغربة كنا نرى السلبيات فقط، لأنه لم تكن تأتينا الا السلبيات بأنهم سرقوا ونهبوا وقتلوا، ولكن عندما أتينا للخرطوم في عام 2005، وجدتها تغيرت تماما، طرق، مشيت الابيض في 6 ساعات وهذا تطور كبير جدا، كل نظام به سلبيات وايجابيات، لكن والله ايجابيات المؤتمر الوطني كبيرة جدا جدا أكثر من سلبياته، وبالتالي رجحنا الدخول في المؤتمر الوطني، فالبلد مهددة بالتقسيم، وكان لابد من الدخول لمواجهة هذا التحدي، وحكاية الدستور الإسلامي لا نختلف عليها، فنحن كاتحاديين نوافق عليه، فليس عندنا خلاف معهم.
] وباقي الأسرة أين ذهبوا؟
– جلاء ابنة الزعيم ذهبت في اتجاه آخر، أنا مع عدد من الأسرة ومعاي أولاد عمي، لكن جلاء ومعها جزء من الأسرة أيضا كونت كياناً اسمه الموحد، وعملوا مؤتمراً منذ أيام، وربنا يوفقها.
] كيف مر عليك يوم انفصال الجنوب؟
– حقيقة هو يوم يحز في النفس، لكنَّ الجنوبيين من زمان لم يكونوا مقتنعين بنا، وهذا شيء فرضه الإنجليز، والجنوبيون مختلفون عنا عقيدة وشكلاً وديناً، لدينا فوارق، الإنجليز هم الذين ضموهم للسودان، وكانت مناطقهم مقفولة، ولم يكن يستطع شمالي الدخول فيها، فهناك رواسب، هم لا يريدوننا، فخلاص.
] هل يمكننا الربط بين انفصال الجنوب عن الشمال وانفصال السودان عن مصر؟
– لا.. الجنوبيون يختلفون عنا، ولكننا مع المصريين نتفق في أشياء كثيرة جدًا.
] توشح منزل إسماعيل الأزهري بالسواد يوم انفصال الجنوب؟
– هذا خطأ، لأنه باختيار الجنوبيين، فكنا نحاربهم من قبل الاستقلال، فلماذا كانوا يحاربوننا؟ هم لا يريدوننا، منذ حياة الأزهري يحاربوننا، فكنا ضاغطين عليهم، وأولادنا كل يوم بيموتوا.
] إذن أنت تشجع خط صحيفة الإنتباهة؟
– لا… الطيب مصطفى حاد جدا، فكان من المفروض أن تكون الطريقة دبلوماسية حتى لا نخلق حساسية، ولكن ليست بهذه الحدة، الطيب مصطفى لم يكن متوازناً، رغم أن ذلك كان واقعاً، لكن من المفروض أن تكون الطريقة أهدأ.
] ماذا فعلتم مع مصر بحكم علاقة الأسرة التاريخية بها؟
– نحن لسيت لدينا مشكلات مع مصر، فالمشكلات زرعها الإنجليز، وأفتكر أن الناس لابد وأن تتجه لتسوية، بمعنى تكون منطقة تكامل، هذه القضية أثيرت في عهد رئيس الوزراء عبد الله خليل، عندما دخلت القوات المصرية حلايب، وقواتنا أعلنت الاستنفار، وجمال عبد الناصر كان رجلا حكيما سحب الجيش المصري، حلايب هي سودانية حسب الخرائط الموجودة، ولكنها من المشكلات التي وضعها الإنجليز، فلابد أن تعالج بحكمة لأنه ليس من المصلحة أن تثار المشكلات بين البلدين.
] لو استحضرنا روح الزعيم الأزهري هل تعتقد أنه كان سيقدم شيئاً للسودان في ظل تحدياته الراهنة؟
– لم يكن يستطيع تقديم الكثير، لأن السودان مشكلاته كثيرة جدا وتحدياته أكبر، والأزمات شديدة، لكن علاقاته الخارجية كانت ستخدمه، فعلاقاته الجيدة بالخارج كانت ستفيده، وأيضاً كان باستطاعته لمَّ الجميع داخل السودان، لم يكن في سياسته مقولات مثل «نرمي أمريكا البحر»، وغيرها من العبارات.
] في النهاية ماذا تقول للزعيم بعد وفاته بعد هذه المدة الطويلة؟
– أقول له: الله يرحمك.. قدمت للسودان الكثير، والسودانيون بكل فئاتهم يذكرونك الآن، وبيترحموا عليك، لم يلعنوك،فقد عشت نظيفاً ومت نظيفاً.
الخرطوم – صباح موسى, تصوير – حسام أحمد
[SIZE=4]هل قراتم مابين سطور هذا اللقاء ؟
الشيوعيون ….ومن شابههم من العلمانيين ….حاقدون ….سماويون ….ما ظهروا في مكان إلا أوقدوا نار الفتن ,,,,هاكم شافع الشيوعية عرمان ساق الحلو وعقار وراءه بعدما انفصل الجنوب ….
أرأيتم شماتة شقيق الأزهري في قتل نميري لهم ؟ألا يدل هذا على بشاعة ما لاقوه منهم ؟
لقد كانت نواياهم أن تكون مايو احتفالا بالقصاص وبدأوا بالزعيم الوطني أزهري ….وكفى الله شرهم بانقلاب نميري عليهم[/SIZE]
شكرا ود الحسن
بالفعل لم يفتني قراءة ما قاله الشيخ
وأحسب كل من كشف حقيقتهم هو على ثغرة من ثغور الإسلام ….وإنه من المواطئ التي تغيظهم كما قال تعالى في آية التوبة “ولا يطأوون موطئا يغيظ الكفار إلا كتب لهم به عمل صالح ” 120