العقوبات الاقتصاديه الامريكية علي السودان .. منظور اخر«1»
وعملت السياسة السودانية بكافة السبل وقدمت تنتازلات كبيرة من أجل تطبيع العلاقات مع أمريكا ولكن لم يكن المنظور الأمريكي صادقاً وأميناً كانت المحصلة وعود كاذبه وعدم نفاد المطالب الأمريكيه المتجددة والذرائع الواهيه مما ألبس الثوب الأمريكي ثياب المخادعة والغش والكذب، وجعل السياسة الأمريكية العدائية تجاه السودان واضحة تماماً، وذلك بتحريض مجلس الأمن على إدانة الرئيس السوداني بتهمة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية في دارفور و إصدار مذكرة توقيف بحقه استناداً على تقرير المنظمات الجاسوسية و التي تعبث بالسودان والسودانيين تحت غطاء العون الإنساني، وبالتالي تتجدد العقوبات سنوياً، و آخرها القرار الصادر في الرابع من نوفمبر 2013، علماً بأن الحيثيات التي تم بموجبها تجديد العقوبات لم تكن واقعية و غير موجودة أساساً و ادعاء الرئيس الأمريكي أوباما بأن الأسباب ما زالت قائمة هو نوع من الكذب يحاول تجميل وجهه بهذا القرار أمام الكونغرس الأمريكي وقوله بأن أعمال حكومة السودان لا تزال تشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي وللسياسة الخارجية الأمريكية، هذا السلوك جاء على خلفية تحكم اللوبي اليهودي وسعي الرئيس الأمريكي لإرضاء إسرائيل وحلفائها لاعتبارات انتخابية بحتة، فالرئيس الأمريكي الذي يتحول في آخر فترته الرئاسية الأولى إلى درويش فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لم يكن ممكناً تصور أن يتخذ قراراً برفع تلك العقوبات قبيل الانتخابات بأيام، ومما يزيد من صعوبة الأمر على الرئيس أوباما ما حدث مؤخراً بين السودان وإسرائيل.
فإسرائيل اتهمت السودان بأنها دولة إرهابية، بينما اتهم السودان إسرائيل بأنها من يقف خلف الهجمات الصاروخيه على شرق السودان و مصنع اليرموك، و تواجد السفن الحربية الإيرانية التي استضافها السودان على سواحل البحر الأحمر و أن السودان و مصر يعملان على تفعيل علاقاتهما مع إيران، ومن ثم فإن أي قرار من قبل الرئيس أوباما غير تمديد العقوبات سيؤثر بالضرورة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وبالتالي على موقف اللوبي اليهودي بالكونغرس الأمريكي، في وقت يسعى فيه الرئيس أوباما إلى عبور السباق الانتخابي، باختصار فإنه إذا كانت هناك شكوك حول انعكاسات إيجابية لقرار تمديد العقوبات على السودان على موقف الرئيس أوباما في الانتخابات، فإن الانعكاسات السلبية لقرار مخالف هي من الأمور التي لا يوجد شك بشأنها..
تجديد العقوبات أيضاً الهدف منه التأثير على مواقف الحكومة السودانية والإضرار بمصالح شعب السودان، هذه العقوبات تخدم الحركات المسلحة المتمردة و التي تستهدف في الأساس المدنيين وتروع الأهالي وتسلب الممتلكات وتقتل الأطفال وتعيق التنمية وتهدم البنى التحتية مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزادت من حدة الصراع الدارفوري ونشاط الحركات المسلحة في جنوب كردفان و النيل الأزرق..
أمريكا هي من تقود هذا الصراع بالدعم اللوجستي والعسكري و القواعد العسكرية والمطارات الحربية التي تنطلق منها العدائيات وحرب العصابات كل ذلك من أجل استنزاف طاقات السودان الاقتصادية، ومن ثم شلل الدولة وسقوط الحكومة، و أمريكا تتبع سياسة النفس الطويل لتحقيق أهدافها ومصالحها، والمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها السودان هي نتاج طبيعي لطول اليد الأمريكية الخبيثة في الشأن السوداني لن ينصلح الحال في مناطق النزاعات إلا بموقف دولي واضح تجاه هذه الحركات المسلحة وحثها على الجلوس لحل القضية بالمفاوضات وإدانة ومحاكمة قيادات هذه الحركات على تلك الجرائم التي ارتكبوها تجاه العزل والمدنيين..
ولكن أمريكا لن تلجأ إلى هذا الخيار حتى تكون الأسباب قائمة لتجديد العقوبات.. وأمريكا تفرض سياسة الأمر الواقع، بيد أن المعادلة الأمريكية تقول إن من يسفك الدماء ويقتل الحرث والنسل يسمون ثواراً ويتجولون في أوروبا ويتنزهون في ردهات محكمة العدل الدولية تحت غطاء الحماية الأمريكيه وأن من يحمي الشعوب ويدافع عن الأوطان والدين والعقيدة يسمون أرهابيين وتصدر في حقهم العقوبات.
أمريكا تعمل على تدمير الاقتصاد و عدم استقرار الدولة السودانية بكل ما أوتيت من قوة، و هي تضرب وتدمر المنشآت الصناعية السودانية والتي تخدم الموطن السوداني بصورة مباشرة، وتدعم دول الجوار و بخاصة أوغندا وأريتريا وأثيوبيا و تشاد والتي اعتبرتها الإدارة الأمريكية في التسعينات دول خط المواجهة والآن جنوب السودان، والتي قامت بدورها بتوفير الدعم اللوجيستي والعتاد للمعارضة السودانية، والسماح لها بالانطلاق من أراضيها لشن هجماتها العسكرية ضد نظام الإنقاذ السوداني عبر الحدود الغربية والشرقية والجنوبية وفق خطة عسكرية شاملة اتفق عليها التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لإسقاط نظام الإنقاذ و الآن الجبهة الثورية..
وقد أسهمت الدول المجاورة بشراء كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر ومنحها للجماعات المسلحة.. وعلى الرغم من قيام حكومة السودان والدول المجاورة لها بالتفاوض دورياً على اتفاقيات ثنائية لوقف استضافة وتزويد إحداها لمتمردي الأخرى بالأسلحة إلا أن هذه الاتفاقيات الثنائية نادراً ما تدوم فهذه الدول تربطها العديد من الاتفاقيات العسكرية والسياسية والأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الإطار تقوم الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري لحركات المعارضة العسكرية السودانية عن طريق تلك الأنظمة، وذلك بقيام الأخير بتقديم الأسلحة والدعم اللوجستي والتدريب العسكري لحركة العدل والمساوة، وجيش تحرير السودان، والجبهة الثورية و مختلف فصائل الجماعات المسلحة..
كما قامت تشاد ونظام القذافي بتسليح معارضي الحركات الدارفورية، فقد استفاد المتمردون الدارفوريون من جهتهم من هذا الدعم كما مكنتهم المساعدات المالية من شراء عربات و أسلحة متتطورة وأسلحة مضادة للطائرات.
كما شرعت الولايات المتحدة في فرض عقوبات عسكرية على السودان، سواء آحادية الجانب أو بالضغط على المنظمات الدولية، وذلك لإصدار قرارات بشأن حظر تقديم الأسلحة إلى السودان، ويتضح مما سبق، أن هناك درجة عالية من التداخل والتشابك بين عدم الاستقرار في السودان من جهة، وزيادة التوتر بين السودان وجيرانه من جهة أخرى، وأن هذا التوتر يسمح لفصائل المعارضة السودانية بحرية حركة أكبر نسبياً من ذي قبل، ويتيح فرصة للتدخلات الخارجية التي عمقت من أزمات السودان مع دول الجوار نتيجة لأن هذه التدخلات من قبل الدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية هدفها الرئيسي هو تحقيق مصالحها من خلال تأجيج الصراعات في المنطقة.
صحيفة آخر لحظة
عاصم السني الدسوقي
ت.إ[/JUSTIFY]