محمد حسن المجمر : حتى لا تكون ( قمة جوبا ) احتفالا بالنصر اليوغندي
وقبيل إلغاء القمة جري إعداد هذا التحليل ورأينا أن نبقيه لأهميته فالقضية ما تزال مستعرة علي بساط البحث .
قال المجمر : إن العناصر السياسية التي تتعلق بأجندة هذه القمة، تتقدمها مسبقاً الشكوى والاحتجاجات مختلفة النبرة والتصويت حول التدخل اليوغندي في النزاع المسلح لدولة جنوب السودان ، مما يعني أن هنالك سياسة مبطنة بين هذه الدول حول طبيعة هذا التدخل العسكري اليوغندي والذي صار موضوعاً للتباهي الإعلامي من قبل الرئيس موسفيني، وسيكون لديه ما يقوله للرؤساء الأفارقة في اجتماعات قمة الخميس، خاصة أن عاطفية الخطاب السياسي الأفريقي ستكون حاضرة بكثافة في جو العلاقات العامة الذي يمز هذه القمم الأفريقية ولا تبدو المسألة معقدة كما يتصور بعض المتشائمين .
الحرب في جنوب السودان بدأت منذ فترة طويلة قبل إعلان الدولة الجديدة بعد وفاة الدكتور جون قرن في حادثة الطائرة في 2005م والسياسة اليوغندية التي احتكمت باطنيا لما يشبه الشعور بـ (عقدة الذنب) تتنافي في خدمة الدولة الوليدة وتمد يدها لكل من تري في وجوده حاملا السلاح بالضد من حكومة بلاده .
والحدود التي يتوجب علي الأمم المتحدة النظر إليها بوصفها المنطقة الحرة التي يخرج منها ألاف اللاجئين بأعداد كبيرة ومتزايدة من الدولة الأحدث في أفريقا إلي لجوء غير محدود والغايات ويعرفونه في صمتهم الكئيب بأنه خروج المضطر للبحث عن الأمان واللقمة ، هي حدود السودان ذلك البلد الذي تنشط علي علي حدوده الجنوبية قوات (الجبهة الثورية) في جنوب كردفان والنيل الأزرق وبعض المواقع المتاخمة لإقليم دارفور وكذلك يكون علي الأمم المتحدة ومجلس أمنها إعادة قراءة ما أصدروه من قرارات دولية في ما يتعلق بهذه الحدود التي توقفت علاقات دولتي السودان عليها في أكثر من تجربة عسكرية دامية ليس أخرها (هجليج) .
وإذا نظر المجتمع الدولي إلي الواقع السياسي والأمني في جنوب السودان لمعزل عن تأثيرات جواره الإفريقي فأنهم وبلا شك سيقومون (بتجزئة الحلول السياسية) وتركها في حالة القابلية الخصبة مرة أخري، لان عدم التحكم في تدفق السلاح من والي هذا البلد لا يترك هامشاً للحديث حول فرض رقابة عليه من قبل لجنة دولية ومحلية، وهذا السلاح يصل إلي الجنوب منقولا من (ممباسا) وعبر الطرق البرية يجري توزيعه بحسب التوجيهات التي ترجع لمن يدفع كثيرا ومن الثابت هنالك انه لا سيطرة كلية أو جزئية علي قطع السلاح التي تحملها مجوعات متمردة علي حكومة بلدانها في حدود مسؤولية جوبا .
جيش الرب الذي هو حركة مسلحة لها مرجعيتها السياسية مع الحكومة اليوغندية تتم تصنيفه كحركة سالبة وبنفس المستوي تصنف يوغندا (الجيش الأبيض) من نفس المعيارية التكيفية لصراع ( سلفا مشار ) وتقوم بإيواء عدد من حركات التمرد الاخري التي تدير نشاطاً عسكريا داخل الأراضي السودانية، والقول بسليبة حركة محددة وعدالة أخري ليس تخصصاً حصرياً ليوغندا .
وما يعانيه الجنوب السوداني علي مستوي الخلل الأمني والفجوات الغذائية وانهيار شبه كلي علي المؤسسات الخدمية والمدنية يعود إلي سوء إدارة ( البتر ودولار ) بالدرجة الأولي وما ترتب علي الحرب الأخيرة التي مازالت وقائعها حية علي الأرض إضعاف أضعاف ما كانت تتطلبه هذه المرافق الخدمية من أموال لذلك من الضروري تجنيب الاقتصاد في هذا البلد المنكوب أخطاء المراحل السابقة بإسناد ملف البترول والتنمية في للجنة جنوبية قومية تختص بالأعمار تحديدا ولجنة أخري للمصالحات الوطنية بسبب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا من المدنيين العزل وان تقوم الأمم المتحدة بتخصيص صندوق للأسر فاقدة العائل .
وقد يرفض الرئيس سلفا إطلاق المعتقلين السياسيين ويطالب بشروط مذلة لخصمه دكتور مشار، وهذا لا يخرج عن طريق التعبئة السياسية التي تجري في جوبا منذ بداية انطلاق الأزمة وبذلك يكون قد ذاد من تعقيدات الأزمة التي لا يتصور المراقبون انفراجا سيحدث إلا بهذه المداخل والمنطق يقول أن المشكلة السياسية التي لا تخاطب جذورها الحقيق لا تدخل حيز الحل الواقعي. ومما يمكن أن يكتبه وزراء خارجية إيقاد في دفتره الخاص هو أن علاقة التعاون والأمن الإفريقي هشة وإمكانية إرباكها واختراقها واردة ومتوفرة فإذا كان الخطاب الدعائي اليوغندي لصالح الرئيس سلفا يؤكد أهمية التدخل العسكري المباشر . كان ممكنا دراسة هذا الخيار جماعيا وإصدار توصيات بشأنه بعد التأكد من الحاجة الحقيقة له ويجب أن يتم هذا التدخل عبر قوات إقليمية من دول الاتحاد الإفريقي تحت قياده منتخبة لأي من دوله وتكون داعمة لجهود الأمم المتحدة في تامين المناطق الآمنة التي يأوي إليها المدنيون وهو الرد الفعلي للصعوبات التي اللوجستية التي تواجهها الأمم المتحدة في الجنوب .
ليكون التزام السودان بعدم التدخل العسكري في الجنوب بمثابة الرسالة الواضحة لجوبا وكمبالا وكل مكونات الاتحاد الأفريقي، بأنه آن الأوان لتكون (المعاملة بالمثل) فمثلا ألزم مجلس الأمن حكومة السودان وفقا للقرار(2046- مايو2012م) والذي هو يدين أحداث العنف المتكررة عبر الحدود بين السودان وجنوب السودان، بما في ذلك تحركات الجنود، والاستيلاء علي هجليج واحتلاها، وتقديم الدعم للقوات المقاتلة بالوكالة وعمليات القصف الجوي التي تقوم بها القوات المسلحة السودانية، إذ يدين أي إجراءات تتخذها أي جماعة مسلحة بهدف الإطاحة بالقوة بحكومة السودان أو جنوب السودان (وثيقة القرار) .
فإذا توافقت دول الإيقاد علي شرعية حكومة الرئيس سلفا كير، فانه سيكون ملزما بتفعيل كل الاتفاقيات بينه وبين حكومة السودان من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخري، ويري مراقبون بأنه في حال عدم تحقيق (فك الارتباط) بين الفرقتين التاسعة والعاشرة والتابعة للجيش الشعبي داخل الأراضي السودانية لن تتمكن حكومة الجنوب لاحقا من فرض سيادتها علي حدودها الشمالية لأنها (أرسلت سابقة) مطاردة الجيش الأبيض القبلي هناك، استباقا يكون علي وزراء خارجية الإيقاد تفهم حقيقة أن غياب (الأمن) علي الحدود الشمالية للجنوب يعني استمرار هذا النزاع وتمدده إقليميا بما لا يمكن التنبؤ به من الناحية السياسية والأمنية مستقبلا وحتى لا تكون قمة الإيقاد غدا الخميس جلسة علاقات عامة بين الرؤساء يكون من الضروري تذكيرهم بأنهم في حال فشلهم بمواصلة التفاوض ووقف إطلاق النار يتوجب عليهم إعادة النظر في مدي توافقهم السياسي والأمني في الاتحاد الإفريقي حتى لا يتم اختطاف للتدويل الأممي وتصبح يوغندا هي الوكيل الرسمي لتنفيذ ما سيقرر دولياً في المنطقة لاحقاً.
صحيفة الصحافة
محمد حسن المجمر
ع.ش