رأي ومقالات

عبد الرحيم محمد سليمان : الفساد فى العالم المتحضر


[JUSTIFY]كنت ممن يعتقدون أن الفساد الإداري في الأنظمة السياسية الحاكمة قضية ابتلى بها العالم الثالث دون سواه من العوالم التى تنتهج الديمقراطية وسيلة حضارية يتم عبرها تداول السلطة بين القيادات التي تمارس السياسة كمهنة تتكسب من وراءها الأموال بالباطل … فقد نشئنا على سماحة البساطة وتربينا على حقيقة العالم المتحضر الذي لا يأتيه الفساد من بين يديه ولا من خلفه ! ولماذا يأتيه الفساد وهو مستوفي لكل الشروط التي تجعله يرفض حتى مجرد التفكير فى التصور الذي يمكن أن تتمخض عنه أسباب الفساد ؟ باعتبار الفقر والعوز وقلة الحاجة هما جوهر الثالوث الذي تتداعى أمامه القيم الإنسانية العلياء ، والعالم الأول فى حل عن ذلك لأنه تتوفر فيه كل مقومات الماديات التي تملا العين وتشبع فرائص الضمير بالغث والسمين مما تشتهى النفوس من صغائر وكبائر الامور ، وبالتالي لا مبرر يغصب الرجل الابيض على الوقوع في براثن السرقة تحت مصطلح الفساد ! … ودارت دورة الأيام وما فتئت الانظمة السياسية فى العالم الثالث ترسخ لحقيقة الفساد بمنهجية تضاءل معها فرص الشيطان فى التصديق بما وصلت اليه من رزالة ، حتى ان البعض من المتابعين ( لترميتور) الفساد فى العالم الثالث قد يكونوا حاولوا التفكير الجاد فى البحث عن أيهما اشد خطورة على العدالة البشرية ، الشيطان الذى ورد ذكره فى الكتب السماوية ، أم الحاكم الجاهل الذى يمتهن الرئاسة كمشروع استثمارى يعود عليه وعلى حاشيته وأقرباءه وعضوية الحزب بالخير الوفير ؟ وبدورى اعتقد اذا كان الحاكم يتميز بالعقلية الاستثنائية كتلك التى تتسق و عقلية الرئيس الليبي السابق العقيد القذافي الذى يقولون فى الواتساب انه كان يعظ الشعب الليبي بالقول : بر الوالدين اهم من طاعة الام والاب .. ومن اداب النظافة غسل الماء قبل الشرب .. سأسجن كل من قتل نفسه .. اذا فتحت الباب ولم ينفتح فتأكد انه مغلق .. اذا اردت ان تنام لا تنسي ان تغمض عينيك .. للمرأة حق الترشح سوا كانت ذكر ام انثي .. لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز فى الظلام ..

اذا كان من هذه الشاكلة فهو اشد خطورة من الشيطان الذى يدرك حقيقة البعث والقيامة ومحاسبة الخلائق على ما اجترحت من حسنات أو سيئات فى الحياة الدنيا ، لان مثله خارج عن نطاق التغطية التى تحض على الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل – أي بمعنى من الضرورة أن يكثر الناس الدعاء ضده بالقول : اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا …

وبالعودة إلى صدر الموضوع كنا كما أسلفت نعتقد فى العالم المتحضر انه بلغ ذروة سنام المبتغى وتطهر من رزائل النواقص التي تجعل الإنسان يتظالم وأخيه الإنسان ، لقد تحلل من الخطيئة كما يتحلل النصراني فى وجه الكاهن من الأثام والمعاصي التي ارتكبها ؟ خاصة وقد وجدناهم اى العالم المتحضر – يهتمون بدعم وتكوين المنظمات والهيئات الحقوقية التي تنشط بالعمل فى مجال حصر و مكافحة الفساد ، حتى أنها لا تتوانى على نشر الغسيل الوسخ لكل من تسول له نفسه ارتكاب الخطيئة بالتغول على مكتسبات الشعوب ! لقد ذروا الرماد على أعيننا حتى حسبناهم عالماً متحضراً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ! …

لكننا فجأة استيقظنا ووجدناهم فى احسن الأحوال مجرد أفاكين يتلاعبون بعواطف البشر ، ونسبة الفساد لديهم تفوق المعدل الطبيعي لفطرة الفساد ، أما سرقة موارد الدولة هي تجد الحماية بالتشريعات القانونية ، والجشع يخيم بأطنابه على كافة مناحى الحياة ، والفساد الإداري حدث ولا حرج ، اما المالي فلا يأتيك بمثله خبير ، هناك الاقتصاديات متداعية تماما ولا يلزمها عن السقوط إلا ضعف عقلية العالم الثالث الذى لا يقوى على التصديق بما هى عليه من الانهيار ! .. ففي أمريكا وحدها مثلا ُ فأن نسبة الفساد لا يمكن تخيلها بأي صورة من الصور فى العالم ، فاللجان المستقلة التي يتم تشكيلها باستمرار للتحقق في عمليات الفساد تتحدث سنوياً عن تفاقم المشكلة التي تدخل فى سياق التجاوزات الإدارية ، فهذه اللجان تؤكد أن نسبة 67% من ارباب العمل الأمريكي يوظفون العمالة ليس بناءاً على الكفاءة المهنية لكن عن طريق الفساد ، أما بخصوص التعدي على المال العام فأن ذات اللجان تتحدث بنبرة عالية مفادها مايقدر ب30 مليار دولار يتم سنوياً تبديدها دون معرفة وجه المصاريف التي تغطيها … اما فى أروبا ومنطقة اليورو فأن تقارير المراجعين بتلك الدول وفق موقع ويكليكس تكشف عن سرقة ما يقارب 140 مليار دولار كل عام من خزائن دول الاتحاد الأوربي مجتمعة ولكن يتم التستر عليها لئلا تتشجع بقية دول العالم وتستمراء ثقافة الفساد !!

عبدالرحيم محمدسليمان – النيلين

[/JUSTIFY]