رأي ومقالات

حسن احمد صالح : وزارة التربية والتعليم.. الحاضر الغائب

[JUSTIFY]هكذا كان اسمها وكذا كان رسمها فالتربية كانت همها سابق عندها تعليمها ثم انحل عقدها وتناثر جهدها وانهد مجدها هل تستطيع وزارة التربية والتعليم أن تضبط مسؤوليتها المهنية والأخلاقية تجاه النشئ أنني اشك في ذلك لا بسبب المعلم ولكن بسبب الإمكانيات التي تقيده وبسبب ظروفه الخاصة التي تحيط به وتحبطه أن أبناءنا وهم في مقتبل العمر مواجهون بضغط ثقافي كالسيل العرمرم فرضته وسائط الإعلام والاتصال الحديثة التي يتعذر حجبها عنهم وليس للوزارة إمكانية أو فضل وقت ينفقه المعلمون للإرشاد والتوجيه العام على أقل تقدير فالمعلم تنتظره الدروس الخصوصية والوزارة نفضت يدها من المسؤولية خلا المناهج التي وقف عليها خبرء إلا منهج اللغة الانجليزية التي رأيت فيه بالصدفة لغما مزروعا لا ادري متى ينفجر.

والحق أن التلاميذ والطلاب والشباب على وجه العموم في امس الحاجة إلى بذل الغالي والرخيص لتصحيح أفكارهم وسلوكهم حتى لا يأت زمن نجد فيه المواطن منجرفا كلية نحو الهوى مجردا حقيقة من الهوية ليس من الحكمة في شئ أن يترك الشباب في هواهم وعلى هواهم وان يتركوا كهدف مريح للضخ الثقافي المبرمج لبناء قاعدة من أبناء الوطن التائهين المنفصمين عن واقعهم وجذورهم وثقافتهم وموروثاتهم وصل بنا الحد أن يسجد من أمثال هؤلاء للمطربين كما كان يسجد المشركون لآلهتهم وتمر هذه الحوادث دون إن تحرك في الناس شعرة فأين الدعاة وأين الغزاة لينهزم الشر فيهم ويغني البغاة أين وزارة الثقافة ولماذا تنحصر منذ الاستقلال في الطرب والمطربين وفي الرقص والممثلين فان حسبت أنها لا مسؤولية لها أمام هذا الغزو الفتاك وغسيل الأمخاخ المرتب فلينفض سامرها فلعل من يستفيد من المخصص لها في ميزانيتها فاذا كانت المدارس تقذف سنويا بمئات الآلاف من التلاميذ أما للمراحل اللاحقة او للفاقد التربوي ثم إذا ما شبوا عن الطوق وجدوا مجتمعا هشا من الشباب الذي لم ترتب له قيادة روحية وفكرية وتوجيهية وتربوية في المقام الأول فإننا ازاء ذلك موجهون بحرب ناعمة يغني فيها الشباب عندما تتلاشى في دواخلهم القيم والسلوك القويم وحب الوطن.

هذه الحرب الناعمة هي أقسي وأشد ظلما وظلاما عينا فمن يحمل السلاح فالذي يحمل السلاح يربي ف ي الناس الرجولة والمواجهة أما من يبدد في دواخلك القيم ويسرق منك النخوة والرجولة فهو الذي ينتصر.

التربويون منذ أن انتظم التعليم الحكومي في السودان جعلوا للمدرسة مواصفات خاصة وجعلوا النشاط الطلابي جزءا أصيلا في التربية وعلى عهدنا عندما كان الطلاب مدللين كانوا مشغولون منذ الصباح الباكر حتى جرس النوم فنجد الرياضة والجمعيات الثقافية وليالي السمر الراتبة والاحتكاك والالتفاف بين الطلاب واحترام المعلم وتقديره كنا نقول للمعلم كما قال شاعرا لنيل حافظ إبراهيم:

قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا

المعلم الآن يلهث خلف المواصلات وفي المدن باله مع الدروس الخصوصية وفي الريف مع زراعته وسبل كسب عيشه.. المدرسة التي كانت تستوعب النشاطات المذكورة امستفي المدن مجرد بيت وسط الحلة محيث افطن توجد مدرستان خاصتان أحداهما في مساحة 234م والأخرى قطعتين في 468م2.

لم يعد يهتم التربيون على الأقل في ولاية الخرطوم بمساحة المدرسة وشكل المدرسة وموقعها بل يمنحون التصديق التجاري للمدارس كما تمنح المحلية التصديق لبقالة تبيع الخردوات والفول للمواطن فمن اين يجد التلميذ ما يغذي فؤاده وينمي فيه ما ذكرناه؟ بالتأكيد ليس لإدارة التعليم غير الحكومي أية مسؤولية اشرافية على المدارس وإلا كيف يتم التصديق لمدرسة وسط الحي بمساحة 234 م2 .

وهناك مشكلة أخرى تقلقني اشد القلق وتؤذيني وتحرمني أحيانا النوم تلك هي مراكز التدريب والمدارس الأجنبية والمراكز التابعة لليونسكو والتي أحصيت عددها في سوق اللفة فوجدت الأمر مذهل إذا كانت الحكومة ممثلة في وزارة التربية لا تستطيع الإشراف على مرافقها التعليمية ولا على المدارس الخاصة الوطنية فهل تستطيع أن تشرف أو قل تؤثر على هذا الكم العجيب.

أنا أعتقد أن مسمى الفاقد التربوي يجب أن يسقط على تلميذ المدارس الأجنبية.. ما هذه المفارقات فالسودان والسودانيون يقيمون المدارس السودانية في الخارج حيث تكثر الجالية وفي داخل الوطن ييفتحونه لمن هب ودب ليقيم مدرسة أو مركز تدريب أو مركزا ثقافيا وامتدت الأريحية الوطنية لتفتح الجامعات الأجنبية فروعا لها في الوطن العزيز في الوقت الذي غطت فيه الجامعات الوطنية كل السودان ونستطيع أن تدخل بأي نظام تريد فان لم تتأهل بالشهادة السودانية فالجامعات تؤهلك لدخولها فهم معلمون درجة اولى وتربويون بل هم قمة التعليم فلماذا أذن تسمح الحكومة لكل من أراد أن يجد وسيلة في إطار عزل شبابنا من روح سوداننا فينشئ جامعة أو مدرسة أو مركزا ثقافيا وتدريبيا الله وحده يعلم السموم التي تبث فيها ولا ترى كالإشعاع الذري المهلك.

اليوم أدق الجرس لينتبه المسؤولين على أعلى المستويات السياسية والتنفيذية فان أمر التربية والتعليم والثقافة في خطر شديد والأمر ليس مجرد سياسة ولا كلام جرائد بل مسؤولية أخلاقية تجاه من سيحملون الراية وتشهد على ايديهم البلاد النماء والرخاء.

صحيفة آخر لحظة
حسن احمد صالح
ت.إ[/JUSTIFY]