عبدالرحيم محمدسليمان : يتعزز الليمون شان بالغت الحكومة فى ريدو
كانت هذه هى اشتراطات قوى المعارضة للمشاركة فى الحوار الوطنى كما جاء فى الاخبار على لسان فاروق ابو عيسي ، ولكن الذى يتمعن في هذه الشروط ويركز تحت سطورها يكتشف ان المعارضة رغم الذكاء الذى تدعيه ورغم الفهلوة السياسية التى تسد بها افاق البسطاء فى مناطق الهامش- كما تسميها الا انها تكرر نفس اخطاء الماضى الذى تعودت ان تفسر فيه الماء بعد جهد بالماء ، فبداهة بعد الخطاب تم الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات بدليل عادت بعض الصحف الموقوفة للصدور من جديد رغم الخروقات والتجاوزات الكبيرة التى ارتكبتها ضد هيبة الوطن ، وتم ايضاً اطلاق سراح المحكومين والمعتقلين والاسري قبل فترة طويلة تزامنت و الفترة التى احتدت فيها اصوات المعارضة عندما طالبت بأطلاق سراح المعارضين امثال يوسف لبس واخرين ممن اسرتهم القوات المسلحة التى تطارد فلول التمرد ، اما بخصوص التحقيق فى قتلى مظاهرات سبتمبر لو كانت المعارضة تمتلك الحد الادنى من الصبر لاستطاعت اكتشاف حجم المجهودات الامنية المبزولة التى من خلالها تسعى اجهزة النظام على محاسبة الطرف الثالث الذى تسبب فى هراقة الدماء ، فالمباحث المركزية والامن وقوات الشرطة جميعها كما تؤكد المصادر بداخلها تتحين الفرصة المواتية لاصدار مذكرة دولية فى حق ضد بعض المتمردين من منسوبي الجبهة الثورية الذين تسللوا خلسة وعاثوا الفساد باراوح المواطنين ثم ظهروا عبر الوسائط الاعلامية يطالبون بالقصاص ممن تورطوا بدماء المتظاهرين فى اشارة منهم لالصاق التهمة بأجهزة الدولة ، فأرادة التشفى السياسي لدى عناصر الجبهة الثورية كانت اقوى من افتراض التسامى الديني والاخلاقى الذى يرفض منطق القتل جملة وتفصيلا .. اما بخصوص وقف الحرب والشروع الفورى فى المفاوضات ، يبدو ان قوى الاجماع من خلال هذا الشرط الغير متكافى تحاول التلاعب على حبل التناقض وتماطل بطريقة مستهلكة من اجل المماطلة فقط ، فالشروع الفورى فى المفاوضات مبدأ راسخ وسياسة متجزرة اقرتها الحكومة منذ اعوام طويلة ومن فرط تكرارها سئمت عواصم العالم ان تتحمل تكلفة السلام السودانى الذى لا ينتهى ابداً ، ولولا تفضلت مشكورة دولة قطر على احتضان منبر التفاوض بين الحكومة والمتمردين ، لما وجد السودانيون ارضية مشتركة تجعلهم يتوصلوا الى اطار من التفاهم ناهيك عن الاتفاق الذي قلل من فرص الانزلاق نحو الهاوية الوطنية العميقة ، وفى هذا المضمار افضال قطر على السودانيين لا تحصى ولا تعد ، يكفى انها استطاعت توفير مناخ من التفاوض الرشيد افضى بعودة القائد دبجو ليكون مستشارا لرئيس الجمهورية ومن قبله التجانى سيسي ومنى اركو مناوى الذى تمرد لاحقاً والكثير من قيادات المتمردين الذين مافتئوا يؤكدون على ان عزيمة الحكومة اسرع من الريح المرسلة فى ما يختص بالشروع الفورى للدخول فى المفاوضات مع الاطراف المتمردة …
واخيراً بالنسبة للشرط الذى يطلب بوضع انتقالى كامل يجسد الاجماع الوطنى كخطوة نحو الاصلاح السياسي والدستورى ، يبدو من خلاله ان ابوعيسي وكمال عمر ينطبق عليهم قول الشاعر ، والذى نفسه بغير جمال لا يرى فى الوجود شيئاً جميلا ، لذلك تعزر عليهم رؤية الاجماع الوطنى السائد الذى بلا شك قد يعتبرونه اجماعا ناقصا طالما لم يكونوا فيه وزراء أو مستشارين ذو اهمية مثل عبد الرحمن الصادق وجعفر الميرغنى واحزاب الوحدة الوطنية التى تشارك فى الحكومة بخمس عشر حزب اخرها تنظيم الحركة الشعبية جناح السلام بقيادة اللواء دانيال كودى الذى يشارك حزبه فى ادارة الحكومة عبر تابيتا بطرس وزيرة الدولة بالكهرباء والموارد المائية واخرين …
ان السيد فاروق ابو عيسى الذى قال : ( من دون التزام النظام بهذه الاشتراطات المنطقية ، لن تكون هناك اي فرصة للحوار ، وأكد ان طريق التغير الحقيقي يمر عبر اسقاط النظام ) لا اريد ان اشبهه بالوصف الذى يتسق والمواقف التاريخية التى تجعل منه اغبي اغبياء السياسة السودانية ، لانه يظل على كل حال فخامة السيد الرئيس العام لهيئة تحالف قوى المعارضة التى تتكون من الاحزاب المؤثرة ذات الثقل الجماهيرى ( كالشيوعى والبعثى والشعبي ) !
اخطر مثلث سياسي يجتهد بذكاءه الخارق على تفعيل التغير الحقيقي الذى يمر عبر اسقاط النظام ! لكن ما اريد ان يتذكره هو ان دورة العمر اسرع بكثير مما يعتقد ، فهاهو السنين وقد تركت اثارها المدمرة على تقاطيع وجه حتى ما عاد وجه يشبه الوجه القديم الذى ألفه الجميع عنه ، لقد شاخت قواه وتبعثرت تقاطيعه الصارمة ، وهذه سنة الحياة فالمرء اذا ما بلغ عتبة السبعين لن يعيش اكثر من العمر الذى عاش ! فالكيس الفطن هو من يعمل لما بعد الممات ، وبالنسبة له – اى فاروق ابوعيسي – من مصلحته الشخصية وهو الذى اهدر العمر الطويل فى الجرى وراء السراب ان يكون البديل الزائف الذى يتم استيعابه فى العملية السياسية على ان يمضى مثل غيره من الذين لا طالوا بلح الشام ولا قطفوا عنب اليمن ! فالشروط الاربعة التى ساقها لتلبية الدعوة للحوار هى شروط اصلاً قائمة ولا تحتاج الا للاراء الايجابية التى تحرك ركودها … ويبدو ان قوى الاجماع لم تستوعب محاور الرئيس التى ايضا كانت اربعة تضمنت : وقف الحرب وتحقيق السلام واتاحت الحريات السياسية ومحاربة الفقر وانعاش الهوية الوطنية ، لم تستوعبها بالصورة الكافية التى تمنعها من الوقوع فى هذه السقطة التى ربما تجعل الحكومة تصرف النظر عنها وتتكابر عليها بمقولة ( يتعزز الليمون شان بالغنا فى ريدو ) .
عبد الرحيم محمد سليمان
النيلين
[/JUSTIFY]