عبد الجليـل ريـفا : جهاز الموساد والمغسلة الحمراء
إقامة عمر ديكو في مدينة الضباب كان وضعه كلاجىء في بريطانيا أي كلاجىء سياسي يمنعه من مزاولة أي نشاط سياسي.. إلا أن عمر ديكو تابع نشاطه المعارض للحكومة، حكومة الجنرال محمد بوهاري باعتباره أهم أركان الفساد في حكومة «شاجاري» ومحاسبته على الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها في حق بلاده، بدءًا بتزوير الانتخابات لصالح شاجاري وملايين الدولارات التي هربها إلى بريطانيا. إن الإدعاءات التي قدمتها المحكمة العسكرية أن عمر ديكو مجرم مطلوب للعدالة.
بدأ عمر ديكو في لندن مندداً ومفنداً لإدعاءات المحكمة العسكرية في لاجوس ومحرضاً الشعب النيجيري على الانقلابيين، وأنها حكومة قوضت دستور البلاد وفرضت سلطتها بقوة السلاح والغدر وتسببت في ازهاق أرواح المدنيين والعسكريين بغير حق.
دوافع قوية تجعل الوزير عمر ديكو أكثر حرية في لندن للدوافع الآتية
– نيجيريا حصلت على استقلالها من بريطالنا عام «1960م»
– لم تخرج من عضوية «الكومنولث»
– عمر ديكو من مواليد بريطانيا له امتياز وحماية خاصة.
– فهي الموطن الثاني له.. وكل تعليمه وثقافته كانت من هنالك.
لهذه الأسباب تقوم بريطانيا بحمايته ولا تسلمه لأي أحد تحت أي ظرف. حتى ولو قامت لاجوس بطلبه بطرق رسمية أو سياسية أو دبلوماسية أو قانونية، بحجة المحافظة على الأعراف والتقاليد البريطانية العريقة.
استقل عمر ديكو هذا المنطق لصالحه ليتحرك بحرية في بريطانيا، حيث تزعم حركة المعارضين للنظام الجديد في نيجيريا، وقام باتصالات مكثفة لتأليب المعارضة في داخل نيجيريا وخارجها. فرأت حكومة بوهاري أن المعارضة بقيادة عمر ديكو قامت بنشاط كثيف في بريطانيا وأمريكا، حيث قامت بالندوات ضد حكومة بوهاري مستخدمة لنجاح ذلك «300» مليون دولار. مما دفع وزير الخارجية وقتها إبراهيم جمباري بالرد على المعارضة، وأثار بذلك الرأي العام النيجيري أن المعارضة في لندن وأمريكا تخطط للقيام بعمليات إرهابية في البلاد، ومن ثم ارتفعت الأصوات تطالب بإعادة هؤلاء اللصوص الهاربين بأموال الشعب التي سرقوها لمحاكمتهم، وبات الرأي الرسمي متفقاً مع صوت الشعب، مما أعطى الحكومة الحق في اختيار أخطر السبل لإعادة عمر ديكو إلى لاجوس ومحاكمته.
كانت فلسفة «بوهاري» في عملية اختطاف عمر ديكو لن تتأثر العلاقة مع لندن كثيراً، لأن بريطانيا ستحرص في النهاية على استمرار العلاقات الطبيعية بين البلدين، وذلك نظراً لمعظم صادرات بريطانيا تأتي لنيجيريا، وضخامة حجم استثمارها في قطاع النفط النيجيري، الذي قد تؤممه الحكومة النيجيرية في حالة تداعي الأوضاع بينها وبين بريطانيا مما يؤدي لضربة قاصمة للاقتصاد البريطاني.
إسرائيل تستغل الموقف
في هذه الظروف الضبابية استغلت إسرائيل الأوضاع الجديدة في نيجيريا وعرضت مساعداتها الأمنية والعسكرية على حكومة «بوهاري»، وبالفعل تحرك الموساد سريعاً وفتح مجالات التعاون أمام الوفود النيجيرية من الضباط للتعاقد مع إسرائيل على شراء الأسلحة، وفتح مجالات التدريب والتعاقد على شراء بعض الأسلحة، منها المسدسات ورشاشات وقنابل دخان وأخرى مسيلة للدموع وهراولات كهربائية لفض المظاهرات. كما قام وفد إسرائيلي «موساد» يضم خبراء في الاقتصاد والأمن، وكانت إسرائيل تخطط من وراء هذا الوفد عدة مصالح، منها تقوية الروابط مع النظام الجديد في نيجيريا، ومد التعاون والخبرات المختلفة مع النظام الحاكم، إضافة إلى خلق رأي عام إفريقي يدفع الحكومات الإفريقية إلى فتح علاقاتها مع إسرائيل تكون عوضاً عن العلاقات العربية، وخلال هذه الزيارات الإسرائيلية إلى لاجوس اجتمع كبار رجالات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي مع جهاز الاستخبارات النيجيري حيث عرض الأول خطة اختطاف الوزير عمر ديكو من بريطانيا أو أي محطة يكون فيها، بدلاً من التصفية ففي خطفه تتم عدة أهداف منها:
1 – مكسب لحكومة بوهاري. 2 – شل حركة المعارضة.
3- إمكانية إرجاع جزء ولو يسير من الأموال.
4 – الاختطاف يمثل خطراً داهماً يغلق مضاجع المعارضة في الخارج والداخل.
جهاز الاستخبارات يثير دهشة حول فهم المقترح الإسرائيلي
لأن الفكرة كانت غريبة على ثقافتهم الأمنية، السبب الذي دعا الاستخبارات النيجيرية تسترسل في الأسئلة حتى استبان لها الأمر بعد، إن لأفرد جهاز الموساد مجموعة من الأمثلة لمثل هذه العمليات، وبعد أن وافقت نيجيريا على عملية الاختطاف تم إبلاغ قائد عملية التصفية في لندن محمد يوتفو أنه تم تعديل العملية إلى خطف الوزير. جاء في كتاب «انحطاط جهاز الموساد» الصادر في أبريل «2000م» للصحفي الايرلندي جوردون توماس أن رئيس الموساد ناحوم أدموني «1982-1990م» سافر بنفسه إلى لاجوس بجواز سفر كندي، واستقبله الرئيس بوهاري في وقت متأخر من الليل واستمع منه إلى عرض اختطاف عمر ديكو لاسترداد الملايين التي استولى عليها، مقابل عدم قطع إمدادات النفط عن إسرائيل.
عملية الاختطاف
كان عمر ديكو يسكن بوسط لندن، في فيلا مسورة تقع في شارع بور شنستر (Porchester.st) المحصور بين شارعي Edgare.st و ,Payswater.st ويطل على حديقة هايد بارك Hyde Park، أروع وأشهر حدائق العالم، كما لا يبعد المنزل سوى بضع أمتار من جامعة إكسفورد، ولا توجد حراسة حول المنزل ولا يوجد به موقف لسيارته، كما اعتاد عمر ديكو أن يوقف سيارته في موقف خاص مجاور للبيت ومخصص للسيارات الدبلوماسية. فسفير دولة بيرو كان يسكن إلى جواره، وأغلب سكان الشارع سفراء في العاصمة البريطانية، لذلك كان الشارع أكثر هدوءاً ولا توجد به مارة في الغالب الأعم، وبرغم قصر المسافة بين البيت وموقف السيارة، كانت السكرتيرة الإنجليزية التي تعمل معه «إليزابيث هيز..» تتابعه دائماً بنظرها من وراء الشباك حتى يصل إلى سيارته وهي ترسل نظرها من خلف زجاج النافذة، لأنها كانت تعلم وعن طريق حسها الأمني أن عمر ديكو وزير سابق ويترأس المعارضة النيجيرية.. فلا بد أن يكون متابع من قبل مخابرات بلاده، وسبق أن طلبت منه تعيين حارس خاص أو سائق لسيارته، وكان يبتسم لها قائلاً شرطة بريطانيا تحرس الشارع كله. إلا أن المفاجأة ألجمتها في يوم «4/7/1984م» في تمام الساعة «12.30» ظهراً عندما رأت شخصين حول عمر ديكو الذي كان يحاول الهرب منهما إلا أن أحدهما عاجله بضربة قوية أردفها بأخرى فقد بعدها توازنه.
نتابع إن شاء الله
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]