رأي ومقالات

غريب الدارين : درس في الرزق والقناعة يقدمه بروف الطيب

[JUSTIFY]محاضرة في جانب من جوانب الأخلاق يلقيها بروفسور الطيب يوسف ود الزين!!
أعزائــــــــــــــــــــــــــــي لم ينتهِ الدرسُ بعد ! وما زال حافلا بالعبر والعظات !!

فلننتقل إلى مقر الجامعة في خلاء الله الواسع…ونتحلق حول البروف جلوساعلى الأرض في قاعة ماهي إلا ظل شجيرات …. وموضوع المحاضرة في ” الرزق ” و ” القناعة “….محاضرة كان البروف الأمين فيها هو المختبر وكانت أخلاقه هي التجربة ….إلى الدرس :

الرزق من بين أشياء أربعة قد كتبت لك وأنت جنين مضغة في بطن أمك …لذلك قال الحسن البصري”رض” علمت أن رزقي لن يأكله غيري فانشغلت بذكر الله عنه .

ود. الطيب “والدال أمام اسمه لا تزيده شرفا …بل تتشرف به الدال” فهو الذي لم تصغر نفسه ولم تتدنَ إلى المال الحرام فرزقه الله من حيث لم يحتسب وفاء بوعده الذي وعده عباده في سورة الطلاق ” ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ” الآية2-3 ….

فهلا تعلمنا هذا الدرس العملي الذي حضرته الدنيا كلها ؟ وهلا وعاه أولئك الذين ترتفع حناجرهم بالحديث عن قيم الإسلام وحين التطبيق تجدهم اثاقلوا إلى الأرض رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ونسوا وهم الذين يتعلقون بحبل الإسلام أن متاع الحياة الدنيا في الآخرة قليل !

فهؤلاء صغرت نفوسهم ولم تتسام كنفس هذا الراعي الذي لم يملك من حطام الدنيا إلا القليل ولكنها نفسٌ طارت إلى آفاق لن تصلها نفوسهم الصغيرة فقد حسبوه عرضا قريبا وسفرا قاصدا ولكن بعدت عليهم الشقة فأهلكوا أنفسهم بأكل أموال الناس بالباطل …بل حُرِّم عليهم كنز أموالهم التي تخصهم وعدم إنفاقها ولو فعلوه سيكون مصيرهم أن يحمى عليها في نار جهنم وتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم….فكيف بها وهي ليست أموالهم ! بل هي أموال استؤمنوا عليها ؟!

يعز غني النفس إن قل ماله * * * ويغنى غني المال وهو ذليل
الرزق مقسوم ، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك ، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك ، ولكن اذكر دائماً أنَّ الذي كتب لك هذا الرزق أوجب عليك العمل ، وأنَّ التوكّل على الله لا يكون بترك الأسباب .

ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس …وإذا أراد الله لك رزقا ساق أسبابه إليك وهيأها فلا تستعجل رزقك سيأتيك حتى عندك متى ما جاء أوانه ! ولا تتكالب ففي السماء رزقكم وما توعدون ….ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها….ونم خلي البال عنه ولا تتعب عقلك بالتفكير واسمع لما قاله الله :

يابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب فإن أنت رضيت بما قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وعقلك وكنت عندي محمودا

،وإن لم ترضى بما قسمته لك أتعبت قلبك وبدنك وعقلك وكنت عندي مذموما …..

فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ماقسمته لك .

ياابن آدم خلقت السموات السبع والأرضين السبع ولم أعيَ بخلقهن أويعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب؟؟!!! ـ
ياابن آدم إني لم أنس من عصاني فكيف من أطاعني وأنا ربٌ رحيم وعلى كل شيء قدير.
ياابن آدم لا تسألني رزق غدا مالم أطلبك بعمل غد.
فيا أخي كن كما نصح الشاعر :
فهون عليك فإن الرزق مقسوم …..والعمر في اللوح محدود ومعلوم

حكي عن عمر الفاروق”رض” عنه أنه استبطأ عامله على حمص “عمير بن سعد” فهو لم يأته بخراج مدينته فأرسل إليه يستقدمه ….فوصل الرجل في وقته … ولكن انظروا إلى هيئته التي دخل بها على أمير المؤمنين ! أشعث أغبر، تغشاه وعثاء السفر، يكاد يقتلع قدميه من الأرض اقتلاعاً من طول ما لاقى من عناء وبذل من جهد، على كتفه اليمنى جرابٌ وقصعة، وعلى كتفه اليسرى قُربةٌ صغيرةٌ فيها ماء، وإنه ليتوكأ على عصا ولا يؤودها حمله الضامر الوهنان, دخل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, فدهش الفاروق من حالته, وقال: ما شأنك يا عمير؟

قال: شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجرها بقرنيها؟

قال عمر: وما معك؟ قال: معي جرابي، أحمل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها، ومعي قربة لوضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدواً إن عرض، فوالله ما الدنيا إلا تبعٌ لمتاعي ! هل رأيت متاع الرجل ؟! جراب وقصعة وقربة وعصا ….واللهِ إن العين لتدمع حين نقرأ هذه الأخبار ونقارنها بما نجده بين أيدينا من ولاة نسوا الله فأنساهم أنفسهم .

ما كل ما فوق البسيطة كافيا * * * وإذا قنعت فبعض شيء كاف
ثم اسمعوا أعزائي لقصة هذا الشاعر الذي دخل على “هشام بن عبدالملك ” مع جملة من الشعراء ….فأنشده قائلا :
كم من فقير غنيّ النّفس تعرفه … ومن غنيّ فقير النّفس مسكين
لقد علمت وما الإشراف من خلقي … أنّ الّذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنّيني تطلّبه … ولو جلست أتاني لا يعنّيني

فقال له هشام : اجلس حتى يأتيك رزقك وانشغل عنه ببقية الشعراء….فقام الرجل إلى ناقته وامتطاها ورحل …فما لبث أن تفقده هشام فلم يجده فأرسل وراءه بمكافأته ورسالة تقول ” أردت أن تكذبنا وتصدق نفسك ” فرد إليه رسالته بقوله ” صدقني ربي” .

تلك أخلاق مشت على الأرض تطبيقا عمليا لا قولا نظريا يفشل حين التطبيق ….وبعثت حية على يدي رجل رأيناه في الفديو أشعث أغبر لكنه وكأنما كان الشاعر يصفه هو دون غيره

وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت* * * فجميع ما في الأرض لا يكفيها

فليتنا نترك الجزع على الأرزاق ونريح أنفسنا مما تكفل الله به حتى نجر الدنيا طائعة ذليلة منقادة …وإلا فهي التي تجرنا وراءها في ركض لن ننال منه إلا ماهو مقسوم لنا
النفس تجزع أن تكون فقيرة * * * والفقر خيرٌ من غناً يطغيها
وليتنا نعتبر وليتنا نتخذ من ذاك الدرس عظة فالدنيا فاااانية ولن نخرج منها إلا بأعمالنا وكقول الشاعر :
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها * * * هل راح منها بغير الطيب والكفن ؟!

فاقنع بأيسر رزق أنت نائله * * * واحذر ولا تتعرض للإرادات
فما صفا البحر إلا وهو منتقص* * * ولا تعكر إلا في الزيادات

غريب الدارين _ النيلين [/JUSTIFY]

تعليق واحد