رأي ومقالات

عبدالله الشيخ : «يا راجل، يا طيّب»..!

[JUSTIFY]الديمقراطية «نور ونار» كما قال الزعيم إسماعيل الأزهري في زمانه، الديمقراطية «حارة»، كما النصيحة في عرف البسطاء.. الديمقراطية مبدأ، والمبدأ في هذه الحياة المتقلبة، «مرة ليك، ويوم عليك».. في زمان سقوط الآيدلوجيا الذي نعيشه الآن، يصبح اختبار ولاء الناس للمفاهيم التي يؤمنون بها، اختياراً باهظ الثمن.. فهل من حقنا، مثلاً، أن نَشْمتُ في الإخوان المسلمين وهم يكابدون المحنة التي تحيق بهم على الصعيدين الإقليمي والدولي، أم نتخذ من حالهم هذا ساتراً، أم يكون لنا موقف آخر..؟

هناك دول مؤثرة في الإقليم، مثل مصر، التي نشأت فيها أولى خلايا تنظيم الإخوان المسلمين، وهناك المملكة العربية السعودية التي احتضنت تنظيمهم منذ أن غشيته غواشي الناصرية.. هاتان الدولتان حزمتا أمرهما من الإخوان المسلمين وأعلنتا حظر نشاطهم وصنفتا تنظيمهم كجماعة إرهابية..

وبالأمس أعلنت المملكة المتحدة أنها بصدد دراسة ملف حركة الإخوان المسلمين، ربما، لاتخاذ قرار مماثل للقرار المصري والسعودي.. هذا الأمر خطير بالنسبة لتنظيم الإ خوان المسلمين في كل مكان من العالم.. فالإخوان كجماعة دولية، يتخذون من سماحة الديمقراطية الغربية ملاذاً آمناً.. وتُعتبر العاصمة البريطانية لندن مركزاً لثقل التنظيم الدولي، تحديداً الجناح المصري، للتنظيم بعد أن لجأ الكثير من الخلايا المجاهدة إلى أروبا بعد زوال «حكم المرشد» عن عرش القاهرة..

بهذا يعيش تنظيم الإخوان المسلمين في الراهن، وعلى مستوى العالم، وضعاً لا يُحسد عليه، ويمر بحالة من التضييق غير مسبوقة في تاريخ الجماعة، فهم مقموعون في كل مكان تقريباً، عدا السودان.. والحق يقال إن تنظيم الإخوان المسلمين في السودان لم يشهد أبداً عسفاً أو مضايقات، لا من جانب الحكومة ــ أي حكومة ــ ولا من المجتمع السوداني، الذي تطلعوا كثيراً نحو إعادة صياغته، أو «تغييره»..! بل على العكس، منذ بروز الإخوان في الواجهة بعد تسلقهم للمصالحة الوطنية، وحتى استيلائهم على السلطة قبل ربع قرن، أي منذ سبعينيات القرن الماضي، كان الإخوان «كاربين الزُمام» على الشعب السوداني، والشعب في «صبر الجمل».. لكن مع كل ذلك، لا يُنتظر أن يحيق بالإخوان مثل ذلك العسف الذي يعانيه إخوانهم في مصر أو في السعودية أو بقاع شتى من العالم.. لأن بلاد السودان تختلف عن هذا وذاك.. لقد «حُظِيتْ» بلاد السودان بسلطان الإخوان كاملاً غير منقوص، والسودان هو أول بلد في التاريخ، تُطبق عليه فلسفة الإخوان المسلمين في الحكم والإدارة.. وخلال سطوتهم، فعل الإخوان بالإسلام وبالسودان ما شاء لهم الفعل..! ومع ذلك، وببساطة: «لا مساس»..!! لأن أهل السودان قومٌ طيبون، ونعم، هي طيبة، ربما وفق المصطلح المصري: « يا راجل يا طيِّب»..! والإخوان يعرفون هذا، وواثقون من أن المزاج السوداني لا يستسيغ الثأرات و التشفي.. وكلنا نرى شعار «عفا الله عما سلف» حاضراً، في فاتحة كل عهد سياسي جديد..!

إنها شمس السودان في حرارتها التي تذيب غبن السنين العجاف.. وتحت هذه الشمس أيضاً، لا يستطيع الإخواني القابض، مهما علا في دنيا السلطة والمال، إلا أن يكون نقطة على السطر..! فهنيئاً للإخوان بسماحة الشعب السوداني، لكن الحكمة تستدعي الحذر ولو قليلاً.. سيربحون أكثر إذا أقدموا خطوة واحدة صادقة، نحو الحوار الحقيقي.. إذا بادروا نحو التعافي والمصالحة.. وسيخسرون كثيراً ويخسر السودان أكثر، وقد فاتهم القطار..!

صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]