رأي ومقالات

بدر الدين حسن علي : محجوب الشريف العفيف النظيف

أشكر كل من واساني وعزاني وفي مقدمتهم كريمتي مهيرة وشقيقي الأكبر محجوب ، ولجميعهم قلت” الموت حق والحياة باطلة !” ولكن الشاعر الحقيقي لا يموت ، أرجو أن تعذروني ألا أكتب عنه الآن ولكن لاحقا سأفعل ، و لأول مرة في تاريخ حياتي مع الكتابة ومع الحزن ومع الدموع والبكاء تغلبني الكتابة ، حاولت جاهدا السيطرة على مشاعري بعد غياب محجوب الشريف العفيف النظيف ففشلت ، ليس هذا فقط بل فشلت حتى أن أفعل شيئا ، ويبدو أني لو كتبت فسيكون شيئا مصطنعا لا قيمة له ، لذا فمن الأفضل أن لا أكتب ، ماذا أكتب ؟ وكيف أكتب ؟ وهل يمكن للكتابة أن تداوي الجرح النازف في كل
مسامي ؟ بدا لي بعد غياب المحبوب الشريف النظيف العفيف كل شيء خواء وكلام فارغ وهتش ، ومع ذلك إكتفيت بقراءة ما يكتبه الأصدقاء الموجوعون حقيقة برحيله المؤلم ، قرأت وقرأت وقرأت ولكن كل ذلك لم ينفعني ، لأن الحزن والألم والبكاء وكل الكلمات التي يمكن أن تقال لا تعني شيء ، رحل عني أعز الناس ولكن رحيل ” أبو مي ومريم ” شيء مختلف ، هاتفته قبل رحيله بيوم واحد وقال لي : أريد أن أسألك سؤالا واحدا : هل تذكر يوم فرحي من أميرة ؟
قلت له نعم أذكره وكان بدار المعلمين
وهل تذكر أنك كنت مقدم الحفلة ؟ قلت له نعم وكانت الحفلة بمحمد الأمين وأذكر عندما قدمته بدأ بأغنية ” حروف إسمك ” ولكن قبل أن يبدأ الغناء قلت :
-حروف إسمك أ م ي ر ة جمال الفال
وهجعة م ح ج و ب بعد ترحال
-قال لي ما شاء الله ذاكرتك لسه قويه !!
-قلت له وأذكر أيضا أن ” شيلتك ” كانت مصحف
-وما هو لونه ؟
-قلت له : كان أحمر
-قال لي :ما شاء الله لسه ذاكرتك قوية
-قلت له : شوف يا اخوي لا إنت ولا أميرة ولا كمال الجزولي بتتنسو
بالأمس داهمتني قصيدته الأخيرة التي يقول فيها :
مِنْ وجْداني
صَحة و عَافية
لكل الشعب السوداني
القَاصِي هناك والداني
شُكراً لﻸ‌رض الجابتني
والدرب الليكم ودّاَني
يا طارف وتالد
يا والد
النيل الخالد شرَّفني
واحد من نسلك عدَّاني
إنتَ اﻷ‌ول وما بتحوَّل
وتَب ما عندي كﻼ‌م بتأوَّل
أنت اﻷ‌ول
وكل العالم
بعدك تاني
يا متعدِّد وما متشدِّد
ما متردِّد ما متردِّد
ملئ جفوني بَنوم مُتأكِّد
بل متجدِّد .. تنهض تاني
ولما تعاني .. بَعاني واعاني
وقلبي وعَاني أحبك أكتر
وما كفرت ََّ .. وﻻ‌ نفرت ََّ
ولم تستعصى عليكَ مَعَاني
علمتونا نسِـد الفرقة
وإتقاسمنا رحيق الطَـرَقَـة
وكم شلناهو ثباتك دَرَقة
بكل البَـيْ وعَـلَـىْ وحياتك
أتحدَّاه كما أتحدَّاني.
قريبا جدا سأزورك في أحمد شرفي حيث مقابر جميع أفراد أسرتي وأضع على
” قبرك كسرة وملاح شرموط ”

النيلين