حوارات ولقاءات

أحمد عبد الرحمن: البشير ومن معه جابوهم الناس “البنقنقنو” ديل

[JUSTIFY]ما يجعل للحوار معه مذاق البرتقال أنه شاهد عصر مخضرم ومُنظر للمستقبل وموجود في السلطة، ظلّ قابعاً خلف جدران هذا المبنى لسنوات طويلة، يباشر مهامه برويّة حتى طبعت على عمامته لافتة (الصداقة الشعبية)، هو رجل مفعم بالحيويّة ولا يعوزه التبرير لأيّما تناقض تبدّى للأسئلة، كانت أسهل الإجابات عليه أنّه يتوب إلى الله إذا أخطأ في حق عام، أحمد عبد الرحمن القيادي بالمؤتمر الوطني، وأبرز رجالات الحركة الإسلاميّة، كثير التسفار، قليل الظهور في المنابر العامة، ولربّما كان من زمرة الذين يتحرّكون بوعي في مطابخ صناعة القرار، الحقيقة أنّه بالفعل كذلك؛ أسرار الإنقاذ، خراج الوثبة، ثمرة حوارات الإسلاميين، التحديات الماثلة، تدشين مرحلة جديدة للمؤتمر الوطني تشبه التعوّد على الفطام من ثدي الدولة، زواج المال والسلطة والمراجعات، خروج الكبار من القصر وما ينتوي الرئيس فعله بالقدر المأمول.. هذه الشباك وغيرها رميناها بين يديه. الصيد الذي خرجنا به من واسع تجربته، وثرّ رؤاه، كان جديراً بالرصد والنشر. (اليوم التالي) جلست إليه لأكثر من ساعة دون أن يتحفّظ أو يسترجع كلمة مرّت عفو الخاطر، كان يتحدّث بالهاتف الداخلي مرّة ويودّع بعض الضيوف الكبار، ويبتسم للوجوه العابرة. تحدّث كثيراً لكنه لم يقل كلّ شيء. بدا واثقاً من رؤاه، وقدّم لوماً بدموع خفيه لبعض تجاربه، وتحدّث عن ما يستغرقه من هموم، ومذكراته التي استوت للبوح.. وجدنا معيّته بعضاً من الإسلاميين القدامى، تماماً كما وجدنا دواخله تمور بذيّاك التاريخ العاصف. على هامش الحوار لم نغفل عن تدوين الملاحظات حول رغبة تعتوره في الصمت والحديث معاً..!! من خلال صوته بدت نبرة ضراوة صاخبة في الدفاع عن الإنقاذ كأنّها لا تزال في بواكيرها، فإلى ما دار في ثنايا الحوار.
* مكتبك أصبح يدخل بالبصمة يا عم أحمد، أي تغير هذا الذي طرأ على حياة الإسلاميين؟
– دا وأحد اسمه عمر مهاجر، خدمناه في قضية، وولده عشان يكافئنا عمل لينا النظام، أنا الآن ما بعرف استعمل البصمة دي.
* هل لا زال مكتبك مفتوحا لأصحاب الحاجات؟
– مكتبي مفتوح لكل الناس، عدا المجانين والسكارى.
* زمن طويل وأنت في قيادة (الصداقة) ألم يحن الوقت أن تترجل؟
– طلبت إعفائي منذ فترة طويلة وألحقت ذلك برغبة مكتوبة حتى أفسح المجال للأجيال القادمة، ومنتظر الرد.
* مؤخراً اختفيت من المشهد تماماً، فما الذي تفعله من وراء الكواليس؟
– كل مرحلة عندها رجال، وكل مرحلة في العمل عندها مهام، أنا الآن مجند نفسي طال العمر أو قصر للعمل مع الرجال الذين يتصدون للأجندة الوطنية، ووحدة ما تبقى من السودان وهوية السودان.
* “ما تبقى من السودان”؟ هو إقرار باستفحال الأزمة إذن؟
– الجنوب راح، وهنالك تحديات كبيرة بتفكيك السودان، والآن النظام طوّر من الإمكانيات الكبيرة الكانت موجودة، والإرادة السياسية التي اندثرت الآن أقوى، وحققنا إنجازات لا يحسها الشخص العادي.
* مثل ماذا؟
– الطرق والكباري والنهضة، زمان أنا كنت من أم درمان بمشي أبيت في (جبل أوليا) عشان أركب الباخرة وأنزل الدويم، وهي كلها ساعتين. في تغيير حقيقي حاصل في كل الولايات، لكن في نفس الوقت في جحود، مشكلتنا هذا الجحود، ولذلك المؤتمر الوطني عنده حق يطالب بانتخابات مبكرة.
* رغم كل الغلاء والأزمات الاقتصادية والحروب؟
* من حق الناس أن يتطلعوا للأفضل بعد العسر الملازم منذ الاستقلال، هذا وضع تاريخي لا يمكن أن ندافع عنه.
* هل أنت بالتحديد راضٍ عن الوضع الراهن؟
– قلت ليك رغم التقدّم النسبي الذي حققته الإنقاذ، والذي يشعر به من ليس في قلبه مرض، لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية، وهي مسؤولية جماعيّة، وأصدقك أن الحالة ليست مرضية.
* من المسؤول؟
– الناس بيحمّلوا المسؤولية للحكومة، وليهم حق، لكن الحكومة دي جاية من وين؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “حيثما تكونوا يولّى عليكم”.. البشير ومن معه جابوهم الناس (البنقنقنو) ديل.
* كيف جابوه؟
– جابوه بانتخابات، انتخابات مشهودة ومراقبة.
* دعنا لا نقفز على المراحل، انقلاب يونيو هو البداية؟
– من يتحدث عن الانقلاب غير معايش للسياسة، الانقلابات دي موجودة في المنطقة العربيّة دون استثناء، إما نظام شمولي موروث أو انقلاب.
* أما كان من الأفضل للإسلاميين أن يصعدوا للحكم بشكل ديمقراطي طالما خلفهم قوى شعبية؟
– دا تقدير سياسي في وقته، السودان لم يكن استثناء، (37) سنة حكم عسكري، والمؤسف كل الانقلابات تلجأ إلى الدعم الخارجي إلا انقلاب الإنقاذ، وقد شهد له سيد صادق بأنه الانقلاب الوطني الوحيد، والصادق رجل موضوعي وشهادته غير مجروحة..
* هل اتفقنا على تسمية ما جرى بأنه انقلاب عسكري؟
– أبداً أبدا هو ليس انقلابا عسكريا، لكنه قوة شعبية ومدنية وعسكرية، المبادرة جاءت من المدنيين.
* بصراحة، ألم تشعر بأن الحركة الإسلامية خسرت كثيرا من وراء هذا الانقلاب؟
– بالعكس، نحن الآن مائة وثمانون درجة غيّرنا الوضع، نحن عشنا في وقت شهدنا فيه أنّنا كنا نعتمد على رخص العاهرات والخمور حتى نوفّر المرتّبات الشهريّة.
* لكن الفضل يرجع إلى النميري، هو الذي قضى على ذلك؟
– ونحن جينا نكمل مشوار التغيير الحقيقي البداهو نميري.
* ثمّة من يزعم أنّ (89) كانت عبارة عن عمليّة تسليم وتسلّم بين الصادق المهدي والإسلاميين؟
– دا تبسيط للأشياء، الصادق المهدي فوجئ بالانقلاب، وقوى سياسية كثيرة فوجئت أيضاً.
* كانت هنالك مجموعة داخل النظام لديها تقرير عن انقلاب محتمل؟
– القوى الإسلامية داخل القوات المسلحة وداخل النظام في السودان هي التي بادرت بالتغيير، فالوضع كان أشبه بامرأة متعسرة في الولادة، والتدخل الخارجي كان عنيفا، ما عايز أيّ إسلاميين في الحكومة.
* كانت لديك تصريحات مماثلة في صحيفة (الأيام) قبل الإنقلاب على ما أظن؟
– فعلاً أنا قلت في الصفحة الأولى إنّ القوى العربيّة والغربيّة متآمرة على وجود الإسلاميين في السلطة، وقلت نفس الكلام في البرلمان.
* هل هو تمهيد أم تمويه؟
– كان حديثاً لله والتاريخ، وأنا كنت وزير شؤون اجتماعيّة.
* يوم تنفيذ الانقلاب كنت موجود وين؟
– كنت في بيتنا.
* ألم تكن مكلّفاً بمهمّة؟
– لا.. لا.. أبداً.
* معقول ما كنت في المنظومة الإسلاميّة الفاعلة ساعتها؟
– كل ميسّر لما خلق له، نحن فوّضنا ناس للقيام بالمهمّة.
* هل كنت تعرف الرئيس البشير في ذلك الوقت؟
– أوّل مرة أشوفُه كان عندما ظهر في شاشة التلفزيون.
* البشير كان أخو مسلم؟
– كان أخو مسلم، وأبوه أخو مسلم، وهذا الكلام صرّح به هو نفسه.
* أين كان الترابي موجوداً في ذلك الوقت؟
– كان موجوداً في السجن، وأنا كنت معه في السجن، أنا والترابي والسنوسي والفاتح عبدون، وكان معانا إدريس البنا.
* وإدريس البنا حزب أمة؟
– طبعاً.. طبعاً، أنا جيتو في مكتبه قبل الانقلاب بـ(15) يوما، وقال لي البلد انتهت، والناس المسؤولين بيجمعوا في مليشيات مسلحة وأداني قائمة كبيرة للأسلحة، وقد عرض الموضوع في مجلس رأس الدولة.
* طبعاً إنت استفدت من المعلومة؟
– هو في الأوّل أدّاني ورقة لقائمة كاملة، وفيها الأسلحة، لفّيت وجيت أدّاني الورقة الثانية، وعرض الموضوع في المجلس، لكن السيّد أحمد الميرغني لم يكن موجوداً، وهذه تبرئة له، نحن شعرنا بأنّ البلد حتروح، والمنافسة كانت بينا والبعثيين، ولو تقدّمونا لامتلأت البلد بالدماء، معروفين ما عندهم (قشة مرة).
* طيّب، كيف كان الوضع داخل الزنزانة؟
– أنا ما دخلت الزنزانة، شيخ حسن هو الذي أدخلوه.
* لماذا شيخ حسن؟
– دخلوه لأنّه كان بيتكلم مع ضابط، والضابط طلب منه الوقوف، فقال له شيخ حسن: ما بقيف لو كانت دي أوامر، فأخد ليه (7) أيام، الضابط مسكين ما كان عارف الفيلم، ونفس الضابط وجد الصادق المهدي والتجاني الطيّب جالسين، فطلب منهم الوقوف، فوقفوا كنوع من التقدير، بعدين يومين وشالوا الضابط.
* شالوه عشان شيخ حسن؟ أم عشان الصادق المهدي والتجاني الطيب؟
– عشان شيخ حسن طبعاً.
* متى خرجت من السجن؟
– بعد أربعة أشهر، شهر قضيناه في مدني أنا وعمر نور الدائم والسنوسي.. أنا وعمر كنا بنتونّس كتير فحسدونا، وعمر كان بقول لي: “يا أخوانا الفيلم دا ما سخيف طلعونا، القصة طالت”.
* لو عاد بك الزمن للوراء هل كنت ستختار نفس هذا الطريق؟
– أنا راض عن كل ما قمت به، وأسأل الله أن يغفر لي إذا أخطأت في حقّ عام، أو حق شخص.
* بصراحة ما هي شكل القرارات التي ستغيّر طبيعة الحكم في المرحلة المقبلة؟
– المرحلة المقبلة مرحلة مهمّة جداً، والآن الحكومة والمعارضة وصلوا إلى قناعة بضرورة وثبة، وخروج من الوضع الماثل، حتى نستطيع أن نباشر وضعاً ديمقراطياً أفضل، لكن ما عندي علم عن قرارات محدّدة؛ كل ما أعلمه أنّ ما سيتخمض عن الحوار سوف تلتزم به الدولة، لكن في النهاية أفتكر أنّ الديقراطية صعب تتعمل بالشكل المطلوب.
* على أيّ أساس خلصت إلى هذه النتيجة المحبطة؟
– البنيات الأساسيّة غير متوفّرة.. في الغرب الديمقراطيّة الحقيقيّة في المجالس القاعدية، ونحن هنا عندنا محليّات تعبانة، ومسلّمنها لمعتمدين تعبانين أكتر.
* هل شيخ أحمد مؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؟
– طبعاً طبعاً، العالم كله الآن انتهى إلى ضرورة نظام فيه مشاركة شعبية واسعة، ومحاسبة، وفيه إمكانيات التبادل السلمي للسلطة.
* إذن لماذا لا تنادي بذهاب المؤتمر الوطني في عمليّة التداول تلك؟
– ليه يذهب المؤتمر الوطني؟
* لأنّه حكم (24) سنة دون توقّف؟
– الظروف التي عاشها السودان -وهو غير استثناء- أنا بستغرب أن الناس بفتكروا إنّنا ممكن نقفز على طول إلى النظام الديمقراطي، كلّ الأنظة الديمقراطيّة في العالم نشأت من رحم نظم شموليّة قابضة.
* هل أفهم من حديثك أنّ الإسلاميّين سوف يصنعون تجربتين؛ واحدة شمولية والأخرى ديمقراطيّة؟
– بالضرورة، ولكن دعنا لا نقول (الإسلاميين)، وإنّما نقول (السودانيين)، وطوال الحقب الماضية كانت هناك مساع للديمقراطيّة، لكنها ما نجحت، وكانت فيها فوضى، ومنحت العساكر مبرّر الانقلاب عليها بحكم أنّهم منظّمون.
* هل تعتقد أنّ هذا الحوار سيفضي إلى حكومة انتقاليّة؟
– أنا بتصوّر إنو الناس مساكين، بس بيتكلّموا عن الحكومة الانتقاليّة.. الحكومة ليست غاية في ذاتها، الغاية والتحدّي الكبير هو: كيف نحكم السودان؟
* هل توقعت أن يلبّي الترابي دعوة المؤتمر الوطني؟
– أنا كنت متأكّد ومراهن على ذلك، لمعرفتي بالترابي، ولمعرفتي بالدور الذي لعبه في كثير من المجالات، وكنت بذكّره دوماً هل ممكن دا يكون موقفه من الدستور؟ وهل دا ممكن يكون موقفه من الحركة الإسلامية؟ وهو رجل عنده إمكانيات وعنده عطاء متجدد. ولذلك ما كان ممكن يقيف متفرّج.
* ما كنت متوقّع ردّة فعل عنيفة منه تجاه تلامذته؟
– لا.. أنا كنت متوقّعه يكون رجل هذه المرحلة.
* ثمّة حديث بأنّ خطاب قاعة الصداقة تغيّر في اللحظات الأخيرة؟
– أنا مبسوط جداً من الخطاب، وأفتكر أيّ زول بيشتغل في السياسة بعرف أنّ الاستجابة التي تمت من قبل الصادق والترابي لخطاب الرئيس ما جات من فراغ، وإنّما جاءت بعد لقاءات كثيرة وتفاهمات، ما ممكن الصادق والترابي يجوا وهم ما عارفين حيسمعوا شنو!
* لكن في حديث عن أنّ الذي ألقي نسخة معدلة من الخطاب؟
– ما بالضرورة يكون هو الخطاب، المهم كان كيف الناس تتراضى، وتنتهى المناطحة على يد الحوار.
* متى التقيت الرئيس البشير آخر مرة؟
– قريب جداً، تقريبا قبل أسبوعين.
* ما طبيعة الحوار الذي دار بينكما؟
– هنأته على ما قام به، وأشرت ليه من تجاربي بأنّ الأمن الاجتماعي مهم جداً، وتحدّثت له عن مزيد من تطبيع العلاقات مع دول الخليج حتى لا نظلم لمواقف وتقديرات غير موضوعيّة إلى حدّ كبير.
* وبماذا رد عليك؟
– أصغى لي، وشكرني، وتحدّثنا في أكثر من موضوع.
* ألم تتطرّقا لما يثار عن عدم ترشّحه لدورة أخرى؟
– لكلّ مقام مقال، وأنا ذهبت له في القصر الجمهوري بوصفه رئيساً للجمهوريّة، ولو كنت ذهبت له في الحزب لتحدّثت معه عن مستقبله السياسي.

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. الاخ احمد عبد الرحمن….سمه ماشئت انقلاب انفلات…لكن العنوان كان الانقاذ الوطنى….ثم اسال نفسك بتجرد اين كنا واين نحن اليوم…الفشل ليس عيب لكن الاصرار والمكابره هى التى تمضى بهذه البلاد نحو مصير مجهول….نسال الله اللطف ..