سياسية

“سؤال اليوم”، الأمس والغد.. لماذا يتحدّث الشعبي عن الحوار أكثر من الوطني؟

[JUSTIFY]لا أحد على الإطلاق من العامة أو الخاصة يعي حتى الآن دوافع المؤتمر الوطني إلى دعوة المعارضة للحوار، بما في ذلك كبار جلاوزته، باستثناء شخصين أو ثلاثة على الأكثر، لكن هذا ليس مهماً.. المهم؛ لماذا سارع غريمه المؤتمر الشعبي بقبول الدعوة ودون شروط مسبقة وهو يتخلف عن يوم للزحف أهدر له 15 عاماً وهو يتوعّد غريمه؟.. ثمّة ما هو أكثر أهمية؛ سؤال طرحته الزميلة مزدلفة عثمان أمس على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) فحواه: “لماذا يتحدث المؤتمر الشعبي عن موضوع الحوار بكل تفاصيله أكثر من المؤتمر الوطني؟”. بالتأكيد الإجابة على السؤال مفتاحيّة لفهم ما أشكل على الناس من أمر الحوار، الذي بشرهم به الترابي قبل أن يبشرهم به البشير، وتفاجأوا بكليهما يجتمعان مرتين ليؤيّد كل منهما الآخر علناً، ويجتمعان مرات ومرات سراً كما تهامست بذلك مجالس المدينة، التي تنام وتستيقظ على النميمة السياسية.. على ذكر النميمة ذاتها، فإنّ آخر ما جادت به ذات الشوارع السياسية من باب مزايدة الشعبي على غريمه في مسألة الحوار هي التعليق اللافت بأنّ المؤتمر الوطني صار مجرّد تمظهر سياسي سلطوي للمؤتمر الشعبي.!

الملاحظ أن سوابق الحوار وتداعياته كانت تتسرّب من المنشيّة، وليس القصر، فمنها عرف الناس تفاصيل التعديل الوزاري الذي لم يبقِ إلا على البشير، ومنها تسرّب خطاب الوثبة الشهير، والذي زاحمه في الشهرة حضور الترابي المباغت، ومنها مدت الأسلاك ككبانية للقصر توزع رقاع الدعوة للقاء القاعة الثاني، وتبشر مسبقاً بقرارات الرئيس الخاصة بالحريات وأخيراً وليس آخراً، أعلنت للملأ موافقة البشير تشكيل حكومة انتقالية قبل أن تنفي ذلك بعد ساعات فقط، ودافعها في ذلك ليس نفي المعلومة مجردة، وإنما نفي “شبهة” وصفها الوظيفي في عملية الحوار، وهي أنّها صاحبة دعوة وليس محض مدعوٍّ، كما مضت إلى ذلك أغلب التعليقات على سؤال مزدلفة.!

الناشطة النسوية تهانئ عباس في ردها على سؤال مزدلفة حول؛ “لماذا يتحدث المؤتمر الشعبي عن موضوع الحوار بكل تفاصيله أكثر من المؤتمر الوطني؟” اختزلت إجابتها بكلمتين: “لأنّهم صانعوه”، وهو ما ذهب إليه الصحفي طارق عثمان مراسل البيان الإماراتية بشكل أكثر تفصيلاً، وغارق في نظرية المؤامرة، التي تشكّك في مفاصلة الإسلاميين من أساسها معلقاً: “لأنو الشعبي هو الوطني، وليس العكس، وما قضية الحوار إلا تمويه لفصل جديد من المسرحيّة”، ويتفق مع كليهما محمد أمين يس، الذي أجرى الحوار مع بشير آدم رحمة لصالح صحيفة (الوطن) القطريّة، وأعلن من خلاله نبأ الحكومة الانتقاليّة قبل أن ينفي حزبه الخبر بعد ساعات من نشره. أمين يرد في مداخلته عبر الصفحة الشخصية لمزدلفة بالقول: “مسرحية شاهدناها قبل كدا”.

ومن مسافة قريبة ترمي الزميلة بـ(اليوم التالي) سلمى معروف برؤيتها: “مافي زول جوّة الشبكة وفاهم الحاصل إلا الشيخ، وبضع أشخاص”، بينما ترفض مزدلفة تقديم إجابة مباشرة على السؤال، رغم التعليقات المطالبة بذلك، وتكتفي بإجابة ضمنيّة متفقة مع إجابات زملائها، وهي تتحسّر على نفي الشعبي للخبر قائلة: “النفي مفروض يجي من الوطني على الأقل.. بالرجوع لنص الحوار في صحيفة (الوطن) القطرية مثلاً بنلقى انو كلام بشير آدم رحمة واضح جداً، وما كان في داعي ليتبنّى النفي، ويشكّك فى مصداقية صحيفة تحت دعاوى الرغبة فى التوزيع.. دي صحيفة قطريّة، يعني ما عندها مشكلة توزع أو تربح، ودي طبعاً الشمّاعة البيتعلّق عليها أي نفي؛ إنّو عملوا كدا خدمة لأجندة، وعاوزين يوزّعوا وما عارف شنو.. يا اخوانا رجاءً مرّة واحدة احترموا عقولنا”.

وإن كانت هذه اتهامات من صحفيين قريبين من الدوائر السياسية يرون أن الدعوة للحوار مجرد تغطية لوحدة الإسلاميين، وليست وحدة وطنية، فلا حاجة لهم بالدلائل وقرائن الأحوال، لأنّ المسؤول السياسي لذات الحزب، كمال عمر، أكد في ذات المؤتمر الصحفي الذي نفي فيه الخبر، أنّ وحدة الحركة الإسلاميّة “هدف استراتيجي بالنسبة لنا”، والضمير هنا يعود إلى المؤتمر الوطني بذات القدر الذي يعود به إلى الشعبي. وتأكيد عمر سبقه إليه غالبية قادة حزبه، بمن فيهم الترابي، الذي ألمح بشيء من الصراحة إلى وحدة مرتقبة للإسلاميين، سببها الهجمة التي يتعرّض لها الإسلاميّون في المنطقة، وذلك خلال استضافته في فضائية الجزيرة مؤخراً، لكنه تحاشى كما تحاشى بقية معاونيه الإجابة على السؤال الذي يلاحقهم حول نتائج هذه الوحدة، ومساهمتها في حلّ أزمات البلاد، وهي في جوهرها أزمات موروثة من الحقبة التي كان فيها المؤتمَرَاْن متّحدين ويأتمران بأمر الشيخ.

حسناً، الإجابة الآن ملحّة بعد أن بلغ الفعل الوحدويّ ذروته، لأنّ مثل هذه الأسئلة على بساطتها إذا تحاشيتها أنت، لن تتحاشاك هي!.. فأيّ مصير يختار الشيخ الذي ربّما لا يلوح في الأفق أنّ مصالحته ستنجي النظام من مصير كان يتوعّده به، هذا إن لم تدفعه إليه دفعاً لا هوادة فيه، بتعميق العزلة الداخليّة، وقبلها -الأخطر- العزلة الخارجيّة، من واقع ذات الهجمة التي يخشاها الإسلاميّون، ويتعرّضون لها من دول مؤثّرة في الإقليم، مثل السعودية والإمارات، ولربّما يؤتى الإسلاميّون الحذرون من مكمن وحدتهم كما تمضي بعض التحليلات، في مفارقة غريبة، لأنّ آخر ما تحتاجه البلاد الآن هو أن تسدّ الرياض عليها البحر بناقلاتها النفطية.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]