رأي ومقالات

جواد غلوم : وللديمقراطيةِ حميرُها

[JUSTIFY]يبدو اننا لسنا وحدنا مَن تندّر بالديمقراطية الرثّة التي تمارس في العراق؛ تلك الهدية المغلفة بسيلوفان جميل والتي وهبها لنا العم سام اول دخوله لبلادنا غازيا إذ فوجئنا بعد فتحها انها فستان تحيطه الثقوب والخروق ومهلهل في اغلب جوانبه. سخرنا كثيرا حينما اسس بعض سياسيينا الظرفاء حزب الحمير في كردستان العراق منذ بضع سنوات، وبالرغم من الغاء هذا الحزب مؤخرا فقد ظلّ شعاره الأثير فترة طويلة مرتسما في كردستان؛ يراه القاصد والعابر مبعثا للسخرية والاستهزاء في زمن الغمّة الديمقراطية ومشيتها العرجاء التي أوقعتنا في وحلها اكثر من مرّة فاتسخت اجسادنا وعقولنا، ففي افغانستان ايضا طالب الناسُ الحكومةَ مرارا وتكرارا بتسوية احدى الطرق الجبلية الوعرة في بلادهم بسبب الحوادث الخطيرة التي تعرضوا لها اثناء الغدوّ والرواح لكن اصواتهم ذهبت ادراج الرياح وبعد يأس مرير همّ اهل القرى المجاورة وشمروا عن سواعدهم بالاستعانة ببعض الحمير وانجزوا رصف وتسوية الطريق بفترة قياسية وأقاموا احتفالا مهيبا اثر انتهائهم منه وقد تقدم الحميرُ التظاهرةَ الاحتفالية ودعا الحشدُ المشترك في التظاهرة الى انتخاب هؤلاء الحمير اعضاءً في البرلمان الافغاني الكسيح “اللويا جيرغا” بدلا من اولئك الاعضاء الذين لايهشون ولاينشون سوى لمصالحهم ومصالح اسيادهم .

يُذكر ان الحمير في افغانستان تعدّ من وسائط النقل الرئيسية في التنقل بين الجبال الوعرة وكثيرا ما استعانت بهم لجان الانتخابات في نقل الآلاف من صناديق الاقتراع والمستلزمات الاخرى الى ابعد نقطة سكانية اذ كانت السيارات والطائرات المروحية تعجز عن الوصول الى تلك المناطق الوعرة النائية وكانت مهمة الحمير اللوجستية قد ساهمت في اشراك معظم سكان افغانستان في الانتخابات الماضية من خلال ايصال صناديق الاقتراع وحملها على ظهور الحمير ولعل قصة الحمار (هيرمان) ليست بعيدة عنا فقد استعانت به القوات العسكرية الالمانية المرابطة في إقليم قندز شمال البلاد وتبنّته واحدا من عناصرها الخدومة وكثيرا ماصرّح المسؤولون الالمان هناك ان الصديق ” هيرمان ” يؤدي خدمات جليلة للوطن الالماني لجهده الاستثنائي في نقل الاسلحة والمعدات الحربية بين الطرق الصخرية وسط الجبال اضافة لما يضفيه الضيف العزيز هيرمان في جوّ الالفة والممازحة والضحك في هذا المكان المقفر والخطير.

اما في بلغاريا وفي منتجع ” فارنا ” السياحي المطل على البحر الاسود فقد رشح حزب مجتمع بلغاريا الجديد الحمار “ماركو” العام الماضي ليكون عمدة المدينة بدلا من العمدة الحالي فهذا الحيوان وديع مسالم لايعرف السرقة والاختلاس ويعمل بجد ونشاط دون تذمر او ملل على العكس من عمدة المدينة السيد يوردانوف الذي كانت تحوم حوله شبهات الفساد مع خمسة عشر نائبا آخر يعمل بمعيته، ولايني يذكّر دوما بانجازاته الفارغة وطاعته العمياء لرئيس الوزراء في حين ان الحمار ماركو مطيعٌ وخادمٌ لسيده ولا يعرف السرقة والاختلاس فما الفرق اذن بينهما، بل ان هذا الحمار اكثر نزاهة من غريمه ويكتفي بالحشائش وقطع من الجزر لسدّ رمقه. واستنفر قسم من اعضاء الحزب وسائل الاعلام لعقد مؤتمر صحفي لهذا الماركو وتم تصوير لقطات تلفزيونية وصورا للاحتفاء بهذه المناسبة بعد ان وافقت اللجنة الانتخابية في بلدية فارنا قبول ترشيحه والمصادقة عليه وادراج اسمه ضمن قوائم المرشحين للانتخابات البلدية في فارنا.

وفي الاكوادور ايضا حاول بعض الشباب الهازئ ترشيح حمار آخر للانتخابات البرلمانية التي اجريت بداية السنة الحالية وعملوا على تزيينه وتطويقه بربطة عنق حمراء أملا في تسجيله ضمن قائمة المرشحين وقد حظي الحمار بإعجاب اكثر من 4000/ مواطن اكوادوري في صفحته الخاصة بموقع تويتر لكن المفوضية الخاصة بقبول المرشحين رفضت ترشيحه مما ولّد صدمة كبيرة لدى معظم المواطنين الذين أصروا على ترشيحه صدقا دون اية سخرية او تندّر فهو في نظرهم الاجدر بالفوز من كثير من غرمائه المرشحين التي تحوم حولهم شبهات كثيرة متنوعة بالرغم من ان بعضهم لاعبو كرة قدم مشهورون ووجوه فنية في السينما والتلفزيون.

ربما كان هؤلاء على حق؛ فقد قرأت منذ امد بعيد ايام الفتوة قصة للملك الذي كان يستأنس بوزيره عن احوال الجو كلما عزم على الذهاب للصيد؛ وفي نهار مشرق اصطحب عائلته وحاشيته بعد ان أكّد له وزيره الحاذق ان يومه سيكون ممتعا صحواً وافرا بالطرائد لكن السماء غضبت على حين غرّة وأمطرت بكثافة تصحبها ريح عاتية فلجأ مليكنا واسرته الى كوخ مزارع ناءٍ ليحتمي وسأل المزارعَ عن سبب عدم نهوضه الى حقله وبقائه في البيت فأجابه بأنني انظر الى أذني حماري فان كانتا نازلتين مبسوطتين أواصل عملي لانهما تنذراني باعتدال الجو وخلوّه من الريح العاتية والامطار وان كانتا نافرتين عاليتين أوقن ان الجو ليس على مايرام فاعتكفُ في بيتي ولا اخرج كمثل هذا اليوم الذي زرتَني فيه
وحالما سمع مليكنا هذه المعلومة اصدر امرا بتعيين الحمار وزيرا ومستشارا وقابلا للترشيح لاية انتخابات مقبلة ويبدو ان الامر استمرّ حتى هذا الحين ومازال ساري المفعول.

المصدر: إيلاف الالكترونية
ع.ش[/JUSTIFY]